لماذا لم نعرف أبو العلا والصاوي رغم أنهم من “أبطال“الدولة؟
“هم من الرعيل الأول لما نعرفه اليوم باسم “المواطنون الشرفاء“…هم أبناء مخلصين للجالسين على السلطة، بل انهم “مخلصون للسلطة أكثرمنها ، يتوحدون معها، يقومون بمهام جليلة، يفنون حياتهم في فكرة أن هذا الجالس علي العرش هو تجسيد للوطن
لكنهم في موقع لامرئي بين السلطة و الشعب، تظنهم شعبا مثلك إذا وقفت على الضفة الأخرى من مؤيدي السلطة، وتتعامل معهم بطريقة خاصة إذا كنت من المخضرمين الذين يعرفون مفاتيح التحكم في الشوارع
أبو العلا و الصاوي أول سلالة قريبة من هذا الصنف الذي بالتأكيد لم يولد في مارس ١٩٥٤،حين قررت السلطة تجاوز فكرة “اختيار الشعب” إلى استخدام “الشعب المختار“، وهنا تحول “المواطنون الشرفاء” إلى أداة من أدوات الحكم … كما رأينا في الخبرة القريبة جدًا بداية من موقعة “الجمل” عندما استنهض نظام مبارك كل أدواته من قلب ذاكرة الحروب البدائية: الجمل، ليواجه أجيال هربت من حصار أجهزة القمع بالشبكة الإفتراضية عبر الفيسبوك، وحتى مظاهرات الدفاع عن “مصرية” جزيرتي تيران وصنافيرالتي وصل فيها قطعان “المواطنون الشرفاء“ الى رفع علم السعودية تعبيرا عن وطنيتهم.
المواطنون الشرفاء جاهزون دائمًا، لديهم لغة اتصال تشكلت عبر الزمن، يتم الإستدعاء عبر شفرة أوامر تخرج فيه العناصر من شقوقها في المدينة، وهم يضمنون مكافآت سخية، ليست بالضرورة كلها من نوع “المقابل المالي المباشر” لكنها تعتمد على تقدير النظام وممثليه لهذه الكتلة التي تضمن “السيطرة“ على الشارع، وهم “جنود“ سريين لا يتم تكريمهم في الاحتفالات العلنية، لكنهم يحصلون على مكانة أو مساحات لا يمكن التوقع بأنها نتيجة مجهودهم “ الوطني”.
هم أبناء المزيج المرعب بين “الجريمة“ و“الوطنية”… حين تضيق المسافة بين المواطن الصغير والبلطجي … أو بين الضحية والمجرم.
وهو ما اتضح حين التقى صحفي أمريكي قبل فترة قصيرة مع “الحوت“ كما اسمى البلطجي/المواطن الشريف نفسه، وحكى عمليات نفذها لصالح قيادات في الأمن والسلطة … وقال أنها ”من أجل مصر“، الحوت حكى بتأثر، كيف شعر أنه “وطني مخلص” يستحق مكافأة … ليس أخرها المال أو غض الطرف عن حصته من البرشام والمخدرات …. لكنه أراد ما يليق بمن أدى مهمة وطنية .. وكان متفهما وهو يحدد طلباته” لو كان موضوع أن أصبح وزيراً أو محافظاً موضوع صعب .. يبقى على الأقل مش أقل من عضوية البرلمان”.
“الحوت” ليس الأول ولن يكون الأخير فإدارة عموم “بلطجية ..من أجل مصر“ أحد أدوات السلطة منذ مظاهرة “تسقط الديمقراطية“ الشهيرة في 1954، عندما رأي جناح جمال عبد الناصر في صراع مجلس قيادة الثورة أن محمد نجيب تجاوز بتجهيز مظاهرات لمؤيديه في عابدين تهتف “ يحيا نجيب .. تحيا الحياة النيابية …” واقترح زكريا محي الدين: “العين بالعين والمظاهرة بالمظاهرة”… وكانت هذه فرصة أبو العلا والصاوي للتعبير عن حبهم لمصر والوطنية …هما أشهر “اشقياء“ بولاق أبو العلا، الصاوي سائق و ابو العلا محصل تذاكر(كمساري) في شركة “أبو رجيلة“ لأتوبيسات النقل العام. وبخبرة زكريا محي الدين في الداخلية وقع إختيارهما لأداء “المهمة الوطنية“ في الإطاحة بالديمقراطية التي “ستخرب مصر“ على يد “المارشال العجوز”(محمد نجيب)…هذه هي الرواية التي انتهت بتكليف الثنائي بحشد الجماهير في مظاهرات تنتظر أول رئيس جمهورية بعد خروجه من حفل أم كلثوم بهتافات سقوط الديمقراطية وتختار أغرب شعار في تاريخ حروب السلطة وهو :لا للأحزاب لا للبرلمان
تمت العملية بنجاح، وتخلص عبد الناصر من نجيب، والديمقراطية بتأييد شعبي، وحصل أبو العلا و الصاوى على المكافأة بمساعدتهما في الحصول على مقاعد في اللجنة النقابية و مجلس إدارة الشركة، قبل أن تتسع طموحات الصاوي وكما فعل الحوت الآن شعر الصاوي أنه يستحق مكافأة عن وطنيته وترشح لانتخابات مجلس الأمة…بدون الاستئذان من أحد، وحكى في أول مؤتمر انتخابي عن “بطولاته من أجل مصر“ بما فيها من لقاء زكريا محي الدين، وإنقاذ مصر من الديمقراطية، وهو ما كان لابد أن يقف، وكان ذلك عن طريق صديقه و زميل كفاحه “الوطني” أبو العلا الذي إرتدى حلبابا مغطى بالدماء، وخرج في سيارة إسعاف ليثبت أن صديقه غدر به، واختفى الصاوي عدة سنوات هربًا من اتهامه بمحاولة قتل زميله في“المهمة”.
أبو العلا في سنواته الأخيرة كان يحكي الحكاية بإعتبارها “سيرة مجد شخصي” بينما كان كشف الصاوي لسر المظاهرات تأكيداً لمعلومات خالد محي الدين في مذكراته “ الآن أتكلم”.
حكايات الحوت إستمرار وتBكيد لرواية “ابو العلا و الصاوي”، ومثلها أثارت الأجهزة بضباطها ومندوبيهم على الشاشات، والنتيجة حملة مضادة (بلاغ ضد الصحفي+ هجوم تليفزيوني) وهذه الحملة لن تمحو حكايات الحوت لأنها إضافة جديدة لحكايات إدارة البلطجة باعتبارها “أداة أصيلة من أدوات السيطرة” وكتالوج تشغيل مصانع “المواطنون الشرفاء” الاسم الكودي لشعب تشكله الدولة أو المجموعة الحاكمة للهتاف بإسمها وتخليصها (بإسم الشعب) من معارضيها.
وماحكاه الحوت…ليس إلا تأكيد على سريان خط إنتاج قديم …. ربما أقدم حتى من حكاية أبو العلا والصاوى
إنهم “جيش إنقاذ” سري يحمي السلطة ويرسخ دعائمها في الحكم بإعتباره في مهمة “إنقاذ لمصر من الأعداء“ ولهذا يطالب الشطار منهم بنصيب من “الكعكة“ وهنا تكون الشهقة الكبرى والعقاب الذى يعيد “المواطن الشريف“ إلى قائمة المطاريد
هذه قصة تفضح العقل الباطن في السلطة بشكل أقوى حتى مما يفعل فيلم “الجزيرة“ الذي يجعل إنقاذ مصر يتم بتحالف بين “البلطجي/تاجر المخدرات” والضابط الذي رفض في الجزء الأول القسمه معه لكنه في الثاني إرتضاها مثل قدر الآلهة