الخبر
حدث ما إنتظرته خوفاً أسرة أحمد شفيق، وانقطعت الإتصالات عنهم بعد أن داهمت قوات الأمن الإماراتية مقر إقامته في الإمارات، لترحيله إلى القاهرة، هذه رواية محاميته (دينا عدلي حسين) التي كانت خلال الأيام الآخيرة هي “مصدر الأخبار“ الوحيد عن أحمد شفيق.
وبدلاً من باريس سيعود شفيق –حسب الرواية– مُجبراً إلى القاهرة، وهي نهاية لم يتوقعها الجمهور الذي ينظر إلى القصة من مواقع مختلفة، لم يكن مطروحاً بينها هذه النهاية المثيرة المفتوحة على كل الإحتمالات. ربما يكون الترحيل أخفها وطأة وإثارة.
أسئلة
ترحيل إماراتي (لأنه خرج عن تقاليد الضيافة بإعلانه أن السلطات الإماراتية تمنعه من السفر)؟ أم بطلب مصري، وغالبا سيكون هذا بسبب إتهامات جديدة، بعد أن صدر في عام ٢٠١٦ قرارا من المحكمة برفع إسمه من قوائم الترقب والوصول.
أسئلة أخرى
لماذا كانت عائلة شفيق تشعر بالخوف؟ المحامية كررت تعبيرات محددة في الأيام السابقة على الترحيل، لتحاول تفسير الإرتباك بين إعلان الترشح و إعلان الخطف، بإنهم يشعرون أن الإتصالات ستقطع عنهم (وهو ماحدث).
هل هذا كان سبب الإسراع بإعلان الترشح من الإمارات بعد أن كان مقرراً أن يعلن في موعد حول ٢٠ ديسمبر ومن القاهرة؟
قبل الخبر
كان السؤال المهم: أين سيقيم أحمد شفيق في باريس؟
ولماذا باريس؟ هل لأنها محطة تقاطع جديدة في أزمات بيوت الحكم العربية (بعد أزمة الحريري و السعودية) أم لأنها كما النكات “ممر الأسرى والمخطوفين “ من بيوت السلطة في الخليج؟ أم لأنها كما تقول قصة تروى على أنها حقيقة واقعة عن إمتلاك الفريق شفيق لبيت في باريس، وهو ما يسمح له أن تكون بداية جولات إنتخابية، وفي نفس الوقت مقر إقامة إذا تعذر العودة السلمية إلى القاهرة؟
وأكثر من ذلك باريس هي المركز الأوربي لعواصم التأثير على بيوت السلطة العربية، وأهم نقاط التواصل مع العالم لأي طالب سلطة في بلدان على رأسها مصر.
ولماذا الخبر مهماً
عاد “الفريق” إلى موقع صنّاع الأخبار بإعلانه دخول “الحلبة “ التي أرادها “المارشال“ السيسي مسرحاً لعروض الرجل الواحد.
“الفريق” من يومها على “المسلخ “، يتعرض لوصلات من السفالة الخالصة على كل الشاشات التابعة للأجهزة على إختلافها، بإعتباره “خائنا وطنياً”.
ومن الشاشة إلى المسلخ فالعودة إلى القاهرة بهذه الطريقة، هي قرار غير معلن بهدم السيرك الذي أفتتح يوم الأربعاء ٢٩ نوفمبر.
الترجمة
شفيق هو إبن العالم القديم للدولة الذي يدار بنظام “ شركة الحكم”، وخروجه لمنافسة السيسي، هو كسر لتقاليد وأعراف “الشركة”، يكشف عن قلق وعدم إنسجام تحت السطح بين الشركاء، وهذا يعني أن “تحالف الإنقاذ“ يتعرض بعد خمس سنوات إلى “أزمة “ تهدد مهمته في “إستعادة الشركة” بعد محنتها الكبرى في ٢٥ يناير ٢٠١١.
الخبر الأصلي
منذ الأربعاء ٢٩ نوفمبر، تغير نوع التسلية التي يستقبلها جمهور واسع في مصر، وربما العالم العربي، من الملل المسيطر عليه، إلى إثارة ترتبط بالمفاجآت.
بمعنى آخر
من نفس العالم القديم الذي ينتمي إليه المارشال عبد الفتاح السيسي، ظهر ٣ أشخاص، أوقفوا “عرض الرجل الأوحد“ عودة إلى عالم “السيرك “ متعدد الفقرات التي تنتجها غرف مغلقة. إثنان هما الفريق أحمد شفيق، والفريق حسني مبارك، الثاني دوره قصير جداً، أصدر بياناً تكلم فيه بذاكرة يقظة، لأول مرة عن تفاصيل لم نعلمها عن فكرة “توطين الفلسطينيين بسيناء “، بينما شفيق (وبخلفية ستارة من اللون البيج مرتديا بدلة الموظفين العليا) أعلن ترشحه الرسمي للرئاسة من منفاه الإختياري بالإمارات، ثم بعد قليل (وبخلفية ستارة حمراء و قميص نصف كم) أعلن أنه ممنوع من السفر.
أما الشخص الثالث فكان العقيد أحمد قنصوة وهو إسم غير معروف، أعلن مرتديا البدلة العسكرية عن الترشح للرئاسة.
المهم أن في هذا اليوم العجيب، بدأ السيرك، وتكشفت الأسرار.
أول سر
في بيان مبارك أول إعلان على لسان أعلى مسئول في الدولة المصرية حتى ١٢ فبراير ٢٠١١ ، أن هناك مسئولين إسرائيليين طالبوافي عام ٢٠١٠ بشكل رسمي توطين الفلسطينيين في سيناء، ومبارك رفض.
خطورة السر
أنه ينقل مشروع توطين الفلسطينين في سيناء من خانة “الأوهام والشائعات والتخمينات” إلى خانة المشاريع والصفقات (السرية) التي يجب على أي شخص يجلس في نفس مكان مبارك أن يعلن موقفه منها.
بمعنى؟
أن الرئيس السيسي ملزم بالرد على فيض الكلام المتصل، المنفصل، حول الشيء الغامض المسمي “صفقة القرن“، وتحديداً الجانب المتعلق بتوطين الفلسطينيين في ٧٢٠ كيلومتراً من سيناء، وفي المقابل تحصل مصر على أرض بنفس المساحة في صحراء النقب.
ونتذكر
إنتقد الفريق أحمد شفيق من الإمارات في مداخلة تليفزيونية، إتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، التي منحت السعودية حق ملكية جزيرتي “تيران و صنافير “، وإعتبر أن هذا جزء من “مشاريع“ غير معلن عنها حول ترتيبات في البحر الأحمر.
ونسأل؟
لماذا تحدث السيسي عن “صفقة القرن“ بكل الغموض الأبوي الذي يحبه؟ ولماذا تحدث بكل الغضب الأبوي عندما تم الإعتراض علي “ تيران و صنافير”؟ لماذا يشعر الجمهور “ الخبير “ أن هناك شيء شخصي في كل مايتعلق بهذا الملف يثير لدى السيسي إنفعالات متزيدة بين الابتهاج و الغضب؟ هل هناك إرتباط شخصي بين السيسي و “الصفقة الغامضة” ؟ مثلاً البقاء في الحكم أو إستمرار “شركة الحكم“ تحت إرادته الكاملة؟
هامش لغوي
لماذا يسمونها “صفقة“؟ والكلمة في اللغة العربية تعني “التبايع“ أو تبادل البيع“، ومأخوذة من عادة عربية كان فيها البائع يصفق على يد المشترى إعلانا للبيع، ولهذا عندما تكون الصفقات سرية، غامضة، بدون صوت، تثير الريبة.
ونلفت الإنتباه
أن الظهور الثلاثي من نفس العالم القديم للشركة، يفسد خطة السيسي في موسم “الإنتخابات الرئاسية “ وبعد أن إستطاع أن يفرض بكل الطرق أنه سيكون البطل الأوحد، لأن هذا حقه بعد أن إستعاد سيطرة الشركة بعد شراكة عابرة مع الإخوان المسلمين، وشروخ الطبقات السياسية و المالية المحيطة بسبب الخروج الكبير في ٢٥ يناير، ومطالبة “الشعب“ بالدخول في الشراكة أو على الأقل “إسقاط“ الشركة القديمة و خاصة مركزها العائلي. المارشال إرتاح إلى الفكرة التي جعلته فوق الجميع في الشركة، وحيداً منفصلاً حتى عن “المجموعة الصغيرة “ أوcore محاطاً بجهاز الرئاسة الذي يدير بدون وسطاء كل الأذرع في فرق البروباجندا التي أصبحت متحدة، في خدمة عبور المارشال إلى ولايته الثانية.
نظرة المارشال إلى ذاته
هو المنقذ/المفَّوض من الشعب، يقبل على مضض “شكليات“ الدولة، بداية من طقوس الديمقراطية مثل الإنتخابات، وحتى قيود يفرضها وجود المؤسسات والفصل بين السلطات، وكلها تعوق أحلامه بصناعة “العجب“ في مصر، وتبعده عن التمتع بحصاد “إنجازاته“، ولهذا فإن معجزة إستعادة سيطرة “شركة الحكم“ على الدولة، تتطلب من المارشال“ تدمير “الشكليات“ التي تعتبر هي الدولة بمعناها الحديث، وإعادتها إلى معاني قديمة وبدائية ٍقديمة، وهذا ماجعل سنوات الولاية الأولى، وما سبقتها من فترة التحضير (إنتقالية عدلي منصور)، هي سنوات الشد و الجذب بين الدولة وشبه الدولة، بين الكيان و الأشلاء، لنصل مع إقتراب الولاية على النفاذ، إلى شكل هجين معلق لا شيء ينبض فيه إلا قصر الرئاسة.
لكن مبارك ظهر
مثل تمساح ليذكر الناس بعهد كانت للديكتاتورية فيه، وللشركة قواعد لايمكنها تجاوزها، وكما يليق ببيروقراطي “حصيف” يجب أن تسلم الأوراق كما تسلمتها.
والفريق؟
هو أكثرهم إثارة للقلق، لأنه إعلان منافسة المارشال على الخلفية العسكرية، والكتل التي تنتظرها، والطبقات المفتقدة إلى الإدارة المباركية بكل تعاستها وبؤسها، والمصالح المتنامية حولها ولهذا إختار شفيق تقديم نفسه في صورة مجمعة للخلفية والخبرة في إدارة الدولة، وركز على إنه مقيما في حي مصر الجديدة رمز وموطن طبقات الخبراء (التكنوقراط)، هذه الكتل التي سنسميها ”الشفاشقة” غالباً لها إمتدادات في الأجهزة القابضة على الدولة، وأعطت إشارة خضراء، بعد أن تصاعد التململ من “المارشال“، وعلى ذلك دلائل من بينها طريقة إزاحة الفريق محمود حجازي، التي أوحت بوجود خلاف قديم ورغبته في الخروج من الخدمة مداناً بالتقصير في غارة طريق الواحات (أكتوبر ٢٠١٦).
سر التوقيت
هي لحظة ضعف مركبة بعد مجزرة مسجد الروضة، وفي ظل إنتظار الإنتخابات كمهمة ثقيلة، ولهذا كان المشهد المثير للغرابة عندما قطع المارشال السيسي خطابه في الإحتفال بالمولد النبوي، ليقول ألزم الفريق حجازي (الجديد) رئيس الاركان بإعادة الأمان و الإستقرار في سيناء خلال ثلاث أشهر، وهو تقريبا الموعد الذي سيفتح باب الترشيح رسمياً، وهذا كاشف للخيط العاطفي الرفيع بين التعامل مع الانتخابات و السياسة كلها على مضض، وبين إنتظار المقالب والمفاجآت، والرغبة في تمرير فترة مابين الولايتين بكل مايمكنهم من قدرات إستعراضية، ولم يكن لديهم قبل ظهور شفيق إلا مهاراتهم المستهلكة في إستخدام اللامعقول، مثل تصريح المكلف برئاسة الحكومة عن إنخفاض الأسعار في الشهور الأولى من ٢٠١٨.
ويبقي سر قنصوة
أن هناك ضابط جيش تقدم في ٢٠١٥ بإستقالة من الجيش، ليمارس “حقه الدستوري” في الترشح لمنصب الرئيس، وبعد رفض طلبه، خاض رحلته أمام القضاء الإداري و الدستوري، قبل أن يظهر في فيديو مرتدياً البدلة العسكرية، كما فعل المارشال سيسي في إعلان ترشحه للولاىة الأولى. قنصوة أثار الدهشة من فصاحة وخطاب يحبه عاقدي الأمل على الجانب المشرق من “أبناء الدولة“، وهواة الحنين إلى القلب الكاكي والنسخة الناصعة من عمود الخيمة. هم الجانب السلفي من الدول ذات القلب العسكرية في حرب مع المارشال لكي لايبقى وحده.
ولهذا صنعوا الأخبار
فقرات يوم ٢٩ نوفمبر فرضت “السيرك“ بديلاً عن “عرض الرجل الأوحد“، فهناك:
1 آباء للمؤسسة العسكرية مازال فيهم نفس، وذاكرة تدافع عن تاريخهم ليذكروا بمقاييس، زمنهم الذي يراه جمهور المعاناة جميلاً بالمقارنة مع الأيام الراهنة.
2 منافسون يطالبون بحقهم الذي حرموا منه بعد مشاركتهم في ٣٠ يونيو.
3 أبناء يجددون خطابهم وبلاغتهم لتحاول التواصل مع مزاج قطاعات غاضبة ومازال لديها أمل في إصلاح (أو لنقلها تنظيف أو تطهير) الدولة، بمعناها الغامض المطلق، وأبعاده القدرية.
وبدخول كل طرف من هذا العالم القديم، لم يعد العرض مملاً، كما كان منتظراً، بل أن شيئا من البهجة أطل من صفحات التواصل الإجتماعي، كنوع من الأمل في فرجة أكثر إمتاعا، بإهتزاز اليد القابضة على مصانع التسلية.
وماذا سنستفيد؟
التسلية هي مساحة أوسع للجمهور، يدخل من بين شقوقها للفرجة على مايدور في الغرف المغلقة، وهي ايضا إنكشاف لهذا العالم القديم القائم على السراديب و الاسرار خلف الكواليس، هناك الآن أيادي متعددة تتنافس على فتح الستائر وتبديلها.
مثلاً
نعرف الآن قوة حضور الإمارات في “شركة الحكم“ بعد خلخلتها أيام مبارك، وعندما فرضت “الإخوان المسلمين” لتسريع القضاء على الثورة، وحتى دعم السيسي ليس بالمال فقط، ولكن بالمستشارين الذين حاولوا لعب دور مهم في “إعادة تأسيس” الشركة، وكان خبر إنسحابهم هم و “الوزير الإماراتي المختص بالشئون المصرية “ خبرآ مهما في ٢٠١٦ لدى مجلة “الإيكونوميست“ البريطانية لتحليل الأوضاع الإقتصادية. الإمارات تكاد أن تكون شريكا من الخارج في “شركة الحكم”.
وهذه قصة طويلة
ستتكشف أبعادها في الأيام القادمة، ومعها سنعرف أين ذهبت أصوات من بيت السلطة في الإمارات طالبت بمنح فرصة شفيق في الحكم بعد ٣٠ يونيو؟ هل صمتت هذه الأصوات تعبيرآ عن رغبة إستمرار السيسي في “عرض الرجل الأوحد “؟ وماهو دور محمد دحلان المقيم بين القاهرة و أبو ظبي و دبي، في تصعيد موقف الإمارات من العتب إلى عنف الترحيل؟
أسئلة عن المصائر
أولها مصير محمد دحلان نفسه، بعد أن إرتفعت مستويات مشاركته في اللعب السياسي على مستوي واسع، لتدعيم الخيوط التي تمسكها الإمارات في المنطقة، بإعتبارها اللاعب الإقليمي الأول بعيداً عن الإستعراضات المعلنة ؟ دحلان يغزل و ينسج من القاهرة إلى لبنان مروراً بليبيا، لتضع الإمارات كل مستقبل الحكم في المنطقة تحت قبضتها و تاركة التصادمات على السطح بين السعودية و تركيا وغيرها من اللاعبين المنافسين لإيران على “إمبريالية إقليمية”؟ إلى أي مستوى يمكن ان يستمر دحلان في دوره، وهل كل هذا من أجل رئاسة فلسطين، خاصة بعد “صفقة القرن“ التي قد تحول المنطقة إلى جحيم لا حدود له؟
وطبعاً مصير أحمد شفيق الذي وضعته السلطات الإماراتية في طائرة خاصة تهبط في مطار لم يعلن عنه، قلقاً من مشهد إستقبال دعا إليه “الشفاشقة“ على مواقعهم؟
وماذا سيكون مصير “الشفاشقة“ بعد أن أعلنوا عن أنفسهم، وبدأوا في الإنسلاخ من كتلة السيسي المصمتة؟
ومصير الضابط احمد قنصوة بعد إستدعاء النيابة العسكرية للتحقيق معه؟
وطبعا مصير السيرك الذي سيهدم بكل العنف اللازم لتوصيل رسالة : هذا عرض رجل واحد.