تنتهي الجلسات والحوارات والسهرات في القاهرة بخلاصة واحدة تقريباً: ”فساد الأمكنة“. إسم رواية صبري موسى ، التي تستعاد ومعها مقطع يترجم الغضب من المدينة، المقطع إبن مثالية تضع المدينة في مواجهة الصحراء على أرضية “الزحام و الفراغ “..أو “الوحوش العمياء من خطايا المدينة والبدوي المشبع بالحس الغريزي المطمئن…”
يكتب صبري موسى: ”إن مئات الخطايا الصغيرة التي نرتكبها بسهولة ويسر في المدينة ضد أنفسنا وضد الآخرين تتراكم على قلوبنا وعقولنا ثم تتكثف ضبابا يغشى عيوننا وأقدامنا فنتخبط في الحياة كالوحوش العمياء. فالمدينة زحام، والزحام فوضى وتنافس وهمجية. ولكنهم في الصحراء قلة، والخطايا الصغيرة تصبح واضحة تطارد من يرتكبها، ويصبح ضبابها على النفس أشد كثافة وثقلا، بينما تحتاج دروب الحياة في الصحراء إلى بصيرة صافية نفاذة لتجنب أخطارها. إن الفضائل تمنحهم قدرة على الصفاء، فيمتلكون حسا غريزيا مشبعا بالطمأنينة، يضيء في عقل البدوي حين يضيع منه الطريق في رمال الصحراء الساخنة الناعمة فيهتدي في طريقه، وتجعل قلبه يدق له إنذارا بالخطر وهو نائم في ليل الصحراء السحري حينما يقترب من جسده عقرب أو ثعبان…”
… في المدينة آلهة قديمة
ومع كل إستعادة لمطرقة المثالية فى “فساد الأمكنة”، كان يطل وجه صبري موسي من كهف عزلته. حيث يقيم في المدينة ولا يقيم/هو هنا وليس هنا…عاش دائماً على سفر. عندما تجلس معه كنت تشعر بسهولة كما لو كان في مكان آخر .يشبه “نيكولا“ بطل “فساد الأمكنة“ الذي “يسرق المعرفة من بحر التجوال“.
تضيق القاهرة رغم إتساعها، ليس فقط لأنها تقترب من التحول إلى جراج كبير… ولا لأنها فقدت جمالها القديم، ولكن لزنها عاشت تحت إدارة قمع مخربة ، بلا ذوق ، ولا خطة لإستيعاب نمو سكانها، وقابلت كل ذلك بإستسلام للعشوائية المقموعة ، القاهرة الآن جسد متورم ،ينتظر المجهول الذي يتجول في أحشاء مكتظة.
جنون القاهرة اللذيذ والحياة في فوضاها بإستمتاع تحول إلى مواجهة مع محاولات الفوضى القبيحة، إنفلات الرغبات المتوحشة متوازيا مع “تكريس“ الواقع القائم بعد تنظيفه.
الهرب من “فساد الامكنة“ إلى أماكن بكر، مثل جنوب سيناء ومنتجعات على ساحل البحر الأحمر، هجرات داخلية تتوازي مع إلحاح الهجرة إلى الخارج والبحث عن مكان“ يقدم خدمات ورفاهية بدون إزعاج“ كما قال شاب لا يفتقد النجاح ولا اليسر المالي لكنه يخاف من “الإنهيار“ الحالي والمتوقع زيادته أو أه يعاني من صدمة بعد إرتفاع سقف التوقعات.
في المدينة آلهة قديمة، متخلفة خرجت بعد سقوط النظام لتنقذ الهيكل بإعتبارها الأقدر على الحركة والأكثر معرفة بمفاتيح الغرف السرية لتشغيل الحياة.
عملية آلهة التخلف لإنقاذ المدينة من التغيير أو تحجيم التغيير تحيل القاهرة إلى ساحة حرب غير معلنة، دافعة للهجرة من مكان يستسلم بعد ثورته.
وهنا يستعاد صبري موسي الذي أمضى في ربيع عام 1963 ليلة في جبل الدرهيب بالصحراء الشرقية قرب حدود السودان ..كانت رحلة صبري موسى الاولى للصحراء… وفي تلك الليلة ولدت كيمياء غامضة مع المكان. الزيارة الثانية كانت اثناء رحلة إلى ضريح “المجاهد الصوفي“ كما يصف ابو الحسن الشاذلي المدفون في قلب هذه الصحراء… وفي تلك الرؤية الثانية للدرهيب ادرك صبري موسى انه يحتاج إلى معايشة الجبل والاقامة فيه… وافقت وزارة الثقافة على تفرغه والاقامة في الصحراء حول الجبل من أكتوبر 1966 إلى أكتوبر 1967. سنة كاملة كان حصادها “فساد الامكنة“ التي تعتبر واحدة من اهم الروايات العربية.
… في شقق يتبادلون مفاتيحها
“أنا رجل عادي على وجه التقريب…
وجميع غرائزي تطل برأسها من داخلي في حذر وهي ترمق قوانين المجتمع بنصف عين…“
هذا هو بطل رواية صبري موسى الأولى: “حادث النصف متر“. والرواية هي تاريخه السري او ماذا حدث عندما إلتقى الرجل العادي إمراة في اتوبيس متحشرج… اللقاء فتح ملفات القيم والأفكار. الجنس الخاطف في شقق العزوبية. والتجربة الأولى لإمرأة شرقية.
نشر صبري موسى روايته مسلسلة في مجلة “صباح الخير“ عام 1962. في عز الصدمة الإجتماعية بعد ثورة يوليو. جيل الستينات كان في لحظة تمرد مسروقة. خاصة في المنطقة الشائكة لعلاقة الرجل بالمرأة. الموديلات القديمة من سي السيد والست أمينة وحتى الجواري وشهريار ..كادت ان تدخل المتحف على مستوى الجدل العنيف في قشرةالسطح. لكن الموديلات الجديدة كلها مستوردة من الغرب. هذه إذن مأساة قصة حب بين رجل وامرأة في بلد “مدهون“ بالحضارة. يسير الناس فيه على أرض ثابتة من القيم القديمة. وفي رؤوسهم تسبح الأفكار الجديدة وكأن الرأس في خصام مع خطوة القدم.
صبري موسى بحس صحفي ولغة أدبية مكثفة، إلتقط الخيط من محطة أتوبيس وتحدث عن مغامرات العزاب في شقق يتبادلون مفاتيحها (أو بتعبير الرواية بيوت لا نملك مفاتيحها). وعن التجربة الأولى للفتاة مع “رجل مجهول“. وكيف يتمزق جيل كامل بين “القديم“ و“الجديد“. وماذا يفعل رجل عندما ينحني رجل آخر طويل وهو يقدم له نفسه..ثم يطلب منه أن يبتعد عن حبيبته لأنه سيتزوجها؟!
قصة حب بسيطة. كما وصف صبري موسى “حادث النصف متر“.
وهي تتميز مثل أغلب رواياته بنظرة حادة تجعل الصورة معبرة عن عالم كامل. هذه الميزة موجودة في قصصه القصيرة. ومنحته قدرة كتابة سيناريوهات لافتة في تاريخ السينما المصرية: “البوسطجي“ و“قنديل ام هاشم“ وبجانبها“ الشيماء“ و“رغبات ممنوعة“ و“قاهر الظلام“ و“أين تخبئون الشمس“ وغيرها.
ورغم قلة أعماله إلا أنه مثل أدباء “روزاليوسف“ (من إحسان عبد القدوس وفتحي غانم وحتى علاء الديب) ارتبطوا بإيقاع نشر الحلقات اسبوعيا…وهكذا بعد أن أعلن أكثر من مرة عن روايته الجديدة “فنجان قهوة قبل النوم“ لكن إيقاع الكسول خانه ولم تصل إلى المطبعة أبداً.
… وفي صراع الروح والجسد
تبدو دائما ظروف ولادة صبري موسى في قارب في رحلة النيل بين دمياط ورأس البر (مارس 1934) متحكمة في مزاجه النفسي المحب للسفر والرحلات، غير المستقر. وهي تركيبته الداخلية كما تكشف عنها اعماله وكما يبدو ضدها في مظهره الهادئ غير المبالي.
بدت في روايته “فساد الامكنة“ خشونة المثاليين الذين يرون في الرسائل الكبرى (الصوفية وغيرها من الرسالات الروحية) ذروة ضد شهوات ومطامع الحياة. كما ان نيكولا بملامحه القريبة من أبطال العهد القديم والمتماثلة مع هواة تعذيب الذات في الثقافة الشيعية للوصول إلى المثال الكامل…هوالصورة الزاهية من صراع بين الروح والجسد.
وصبري موسى على ما يبدو في الرواية وحتى في “حادث النصف متر“ مؤمن بالمسافة بينهما(الروح والجسد) وهي المسافة التي يمكن ان تسير إلى مصير دموي كما في “فساد الامكنة“ وسيناريو “البوسطجي “(اخراج حسين كمال عن قصة “دماء وطين“ ليحيى حقي)..لكن هذه الدموية ربما تأتي نتيجة منطقية لمحاولة توحد شبه كامل مع الطبيعة،والاستسلام لحواس فطرية منزوعة الغرائز.
وفي رواية “السيد من حقل السبانخ“ تقصى صبري موسى طريق جورج اورويل في رواية تخيل المستقبل. ومزج بين طرافة الخيال والفزع من المصائر السياسية والاجتماعية لفكرة التقدم. في “… السبانخ“ سيطرة كاملة على الحواس الفطرية. والأبطال روبوتات تسير وفق نظام غير مرئي.
وربما تكون هذه الرواية هي الوجه الآخر للإجابة عن سؤال الوجود في “فساد الامكنة”.
… علف أسماك الشهوة
لا يمكن طبعا ان ننسى “نيكولا“ و“ايليا“ في “فساد الأمكنة“.
قديس غريب جوال يبحث عن حقيقة غامضة. وموديل للفتنة الوحشية الممزوجة بالبراءة.
“نيكولا “ لا وطن له..هاجرت عائلته وهو طفل في العاشرة من إحدى المدن الروسية الصغيرة، وإستقر أبوه في اسطنبول طبيباً للأسنان، وكان ذلك آخر ما يعلمه عنه. بينما كان يقطع الأرض مهاجراً دائما مع أخويه فيترك كل واحد منهما في مكان.
استقر نيكول بعض الوقت في مدينة إيطالية… هناك قابل “ماريو“ و“ايليا“.
إيليا: “إمرأة قوقازية مهاجرة… تدخل الحلقة الثالثة (…من عمرها) بجمال آخاذ يأخذ الحواس ويغمرها برجفة نشوة موعودة“.
… و“نيكولا“ كان مولعاً في هذه الفترة بالنساء. لكنه ولع خفي تغطيه العفة المزيفة… وكان ذلك “متناقضاً مع ما حوله في مكان من الارض معبد باليود يسميه الجغرافيون حوض البحر الابيض، مكان من الارض تعتبر فيه المرأة علفاً لأسماك الشهوة… ولعل ذلك اصبح حكماً تاريخياً الان، فلقد اصبحت المراة علفاً لأسماك الشهوة المستوحشة في كل مكان“.
ايليا المتوحشة: كانت تدير مطعما مع أبيها على الشاطئ… وكان أبوها جلفاً غليظ الخلق يضربها أمام الزبائن… حين جاء نيكولا يطلب عملا..أعطته نفسها في مؤخرة مخزن الأدوات بالمطعم… بدون أن يطلب… وبرغبة في امتلاكه..لكنه أعطاها جسده بينما ترك روحه تحلق بعيدا متطلعة إلى أمكنة جديدة… انه من المغامرين الذين لا يرضون بدفء مكان واحد… ولكن بالتحليق الدائم… ولهذا كان “نيكولا“ يحلم بحب نادر ومثالي يمنحه القدرة على التحليق بعيداً.
ايليا..كانت الأحلام تؤرقها. إستقرار ومشروع كازينو…وزواج وقع نيكولا في مصيدته.. “قالت له: سأكررك يانيكولا وأنجب من صلبك ولداً يسمرك في الارض ويثقل اجنحتك عن الطيران..لكنها انجبت بنتاً..ولم يجد هو ما يعوضها عن حبه الذي تحول صداقة سوى ان يكررها…فسمى البنت ايليا..“.
صراع الإستقرار والسكون بين امراة شهية. طموحة. تريد إصطياد الطائر في قفص المشاريع العائلية والتجارية. وبين مغامر جوال مثل طائر وحيد في سرب مهاجر…: “…أصبحت له في الحياة امرأتان تسميان ايليا… تربطه بهما مشاعر صداقة عميقة فشلت في ان تكون حباً.. احداهما زوجته والثانية ابنته…“.
ايليا الكبرى كانت تدفعه إلى خطط التخلص من ابيها لتنفرد بالكازينو..لكن ظهور ماريو انقذه.
ماريو مهندس تعدين. مغامر لعبت برأسه احلام التنقيب عن المعادن في جبال مصر (كانت ايامها تحت ادارة المستعمر الانجليزي)..حكى لنيكولا عن الكنوز المدفونة في الجبال ..فلعبت برأسه فكرة امتلاك واحد من الجبال العظيمة.. نيكولا ترك كل شيء وسافر مع صديقه إلى مصيره..واصبح ماريو بديلا لايليا الكبرى والصغرى..هذا قبل ان يصبح “ ايسا“ بديلا لماريو..!
… أساطير الذهب والأجساد العارية
أيسا: البدوي الرومانسي. من سلالة الأدلاء الذين باعوا للأجانب معرفتهم الغريزية عن هذه الجبال.هوالذي قاد جمل “نيكولا” في اول خطوة في الصحراء..ثم انقذه من موت محقق في الصحراء. “أيسا” سرق سبيكة الذهب التي جمعها من الجبل رجال ماريو وشريكه المصري “خليل باشا“.
لم يكن الغرض هو السرقة..بل المحافظة على اسطورة الجد الاكبر لقبائل البجاة “كوكا لوانكا. “ لابد ان يظل موجودا في سلوك يومي وليس فقط في الذاكرة. فالاجانب يحولون كل شيء في الصحراء على هواهم. سيغيرون ويقلبون كل شيء..كانت القبائل تسعى إلى الحفاظ على الاستمرار..وكان ايسا يريد ان يعرف جده ماذا يفعل الخواجات في جبالهم الخالدة.
خرج نيكولا يقتفي اثر اللصوص. لكنه لم يلحق بهم وسار وراء سراب كاد يقوده إلى الموت لولا ايسا الذي عثر عليه واصابعه مغروسة تريد استخراج الماء من الصخر.
نيكولا احب ايسا..وفي رحلة العودة مرت القافلة عل بقايا المناجم الاثرية المهجورة… ولمحوا على الصخور اثار الكتابات القديمة… وكان “نيكولا يرتجف مهابة وخشوعا وقد استولى المكان على حواسه المضطرمة بالرغبة في التحليق…وشعر بأنه يوشك ان يجد مكانا يرغب في الانتماء اليه….يوشك ان يجد وطنا…“.
والأهم كان متأكداً انه قد اكتسب ايسا اخاً وصديقاً.
هي اخوة روح او ولع المغامرين بالسحر في ايمان البدو بالطقوس الخرافية.
مغامرة نيكولا لم تكن العثور على ارض يملكها لكنه كان يريد التوحد مع الطبيعة. ان يصبح جزءاً من الكون. وهذا سر تعلقه بأيسا. فهو يتعامل مع الطبيعة بالفطرة… يعرف حركة النجوم والرياح..والطيور والحيوانات..ويؤمن بأن الجبال من لحم ودم لان “المئات من الرجال راحوا هنا ضحايا الاختناق في الآبار القديمة… او مطمورين تحت الانهيارات الصخرية المفاجئة داخل انفاق التعدين…“.
هكذا شعر نيكولا انه ولد من جديد.
اجتاحه الشعور وهو محبوس في الكشك الخشبي الذي وضع فيه هو وايسا باعتبارهما شركاء في السرقة. لم يسمعه احد. ولم يكن ايسا يريد الاجابة. فقط استسلم لطقس المرور على الجمرات النارية. طقس بدوي يعتقد ان المظلوم سيمر من النار سليما بينما ستحرق المخطئ.
محبة أيسا كبرت في قلب نيكولا بينما كان يختفي من نظره ماريو. الذي شاهده في طقس جنسي (شبه علني) مع “اقبال هانم“ الزوجة الشابة لشريكه الباشا (تصغره بواحد وعشرين عاما).. يستدعي نيكولا دائما مشهدها وهي شبه عارية على رمال مرسى علم الساحلية ..ممدة بجسدها اللدن المعطاء كله. أمام ماريو الجالس بجوارها شبه عار هو الاخر..يجمع قواقع البشبش الدقيقة الحجم..المتوجة الالوان، ويرصها جامدة ساكنة على الجسد الانثوي العاري..فتتلألأ في وهج الشمس الغاربة كأنها فصوص من جواهر تزينه وتزيده فتنة، فما تلبث الحيوانات اللزجة الدقيقة المختبئة في تلك القواقع ان تطمئن للدفء المنبعث من حرارة اللحم فتخرج اقدامها اللامية وتزحف بقواقعها على جسم المرأة..بنشاط وسرعة هنا وهناك…حول الرقبة والثديين، وفوق البطن وداخل السرة كأنما قد دبت الحياة في القواقع فجاة…بينما تتلوى اقبال هانم مدغدغة مثارة تصرخ وتضحك ويختلط ضحكهما فيخرج من فمها الشهواني على ذلك الشاطئ البكر مزيج من الرعب المصطنع و..اللذة“.
…إقبال هانم هذه هي التي ستبيعها إلى الخواجة عبدالله وتقودها إلى سرير الملك..
لتكتمل مأساة نيكولا.
… حورية في بيت محروم
نيكولا حقق حلم الخواجة أنطون والحاج بهاء.
الثاني كان في الأصل بدوياً… “انفرط جده من عنقود عبادي وانحدر عبر دروب الصحراء إلى حافة النيل، فترك الرعي وزرع وتاجر، وحين اراد الزواج من اقاربه في الصحراء قوبل بالرفض. فالعبادية لا تقبل الزواج من رجل هرب من الصحراء إلى الحضر… وهكذا تزوج الجد العبادي من الريف وولد اولاده واحفاده في صعيد النيل على خير زرعه وتجارته التي كبرت ونمت…“.
الحاج بهاء اعاد الدائرة من جديد واقام الجسر القديم الذي انخلع بعبور جده من الصحراء للحضر… وعلى هذا الجسر تلقى اخبار مناجم المعادن… والكنوز المدفونة في باطن الجبال… واختار هو ان يسير في مشروع استخراج مادة “التلك“ من جبل الدرهيب… وبعقلية التجار سجل في مصلحة المناجم اكتشاف التلك في الجبل ..وتركها حتى وصل صاحب السعادة الخواجة انطون إلى كوم امبو من مصر يبحث عن حق استخدام الخامة الهامة في تشغيل مصنعه لادوات التجميل… فاصبحا شريكين.
نيكولا اصبح المدير الفني للمشروع الجديد (بعد ان رفض العودة إلى ايطاليا مع روماريو الذي صفى شركة منجم الذهب مع خليل باشا زوج اقبال هانم..).
نيكولا هو الوحيد الذي رفض العودة. اراد ان يكسر السير الطبيعي لتظهر المأساة ويظهر التقدم ايضاً. عاد بهاء بالخواجة انطون. ومعهما معدات حديثة واول سيارة جيب تخترق الصحراء
… وعاد ايسا في صورة ابنه ابشر بعد ان مات وهويحاول اصلاح بئر الماء المهجور… وعادت ايليا الصغرى إلى ابيها.
الوحيد الذي رفض العودة هو نيكولا. لم تنجح محاولات ايليا الكبرى وهي بكامل فتنتها عندما سافرت اليه ورفض فكرة الرجوع إلى ايطاليا وادارة املاكها… ايليا الكبرى عادت بخيبتها. والصغرى صممت على البقاء مع ابيها.
وكلاهما ايليا… ونيكولا كانت تحركهما احلام وغرائز.
“ ايليا شهوة جامحة..كما ان الجبل شهوة جامحة …كما ان تلك الصحراء من حولها بسكونها الصوفي شهوة كبرى اشد جموحا…“.
كان نيكولا يشعر برجفة الاورجازم (انتقال سائل الحياة..وتحقيق الاخضاب) حين يقف في قلب الدرهيب العظيم..في الراديب الحارة والسراديب الباردة..يتحسس الجدران البكر مختبرا طراوتها….محددا بالطباشير الابيض علامات لعماله ليثقبوها بآلاتهم..ويحشون في بكارتها اصابع متفجراتهم (تقنية حديثة اخرى تغزو شهوة الصحراء والجبال بالابتعاد عن طقوس الطبيعة)…“.
اصبح الجبل بديلا لزوجته.
لم يكن يمارس الجنس (حتى في المرة الوحيدة التي شملته فيها اقبال هانم برعاية الغواية ..لم يشعر بالصدمة والدهشة..)… “كانت الطبيعة امرأة عظمى احتوته واستأثرت بجموحه وحيويته…“.
اللقاء الجنسي مع الهانم اشعره بأنه وحيد ..استدعت احلام يقظته “ايسا“ ..ثم في المنام حضرت ايليا الكبرى عارية كما اعتادت ان تظهر في لياليهما القديمة.
كان في صراع مع الشهوة.. يوفر طاقته كلها لإنشاء مدينة في الجبل عامرة بالخصوبة والحركة.
ايليا الصغرى..حملت معها الفتنة والألم… اصبح الخواجة انطون أباها الشتوي في ايام المدرسة تعيش في بيته بغاردن سيتي: “حورية لم تبلغ عامها العاشر بعد في بيت محروم من الحوريات…“ كانت السيدة زوجة انطون بك مصابة بمرض اقعدها عن العمل والانجاب… بل اقعدها عن السير نهائياً.
ونيكولا… هو الأب الصيفي لايليا يستضيفها في مدينته الخرافية في قلب الجبل… هناك في الدرهيب حيث اقام حياة عائلية جديدة… في المدينة ذات البيوت الخشبية. والطبقة الثالثة في الجبل التي عثر فيها على الخام… وميناء… و“عائلة كبيرة من الرجال..حياة جدية خشنة جافة وقاسية“.
وجاءت ايليا الصغيرة لتضفي على الحياة الخشنة الجافة شيئاً من حنانها وجمالها… كانت تنمو مع مدينة ابيها مع “ابشر“ ذكرى ايسا الحية… كانت حورية نزقة لم تكن تتورع حين يأتي ميعاد حمامها ان تجري إلى براميل الماء عارية وتقفز فيها… جمالها بري انضجته شمس الصحراء وهواؤها… هذا الجمال سيكون زهوة الحفل الذي حضره الملك.
ماحدث يشبه حفلات الجنس الجماعي. الملك جاء لزيارة مشروعات انظن وبهاء. أو أحلام نيكولا. صادفته حكاية عجيبة عن بدوي توعد عروس البحر التي اختطفت عشرات من اهله ان يقتلها بعد ان ينام معها. الصدفة جعلت البدوي يقابل عروس البحر وهو يصطاد الاستاكوزا للضيوف. لم يعرف انها ميتة. واجبرته حاشية الملك على ان ينام معها امام الجمهور. كان هذه بداية الطقس الصاخب: الذي كتب في الرواية متأثرا بما كان يقال عن حفلات الملك فاروق الجنسية ونزواته ومغامراته وصائدي النساء.
احد هؤلاء اصطاد ايليا.
وساقها إلى سرير الملك حيث دعاها إلى رحلة الصيد لتكون هي صيده الفاتن.
شارك في الصفقة: إقبال هانم كقوادة ارستقراطية طبعا. والخواجة انطون ابوها الشتوي الذي لمعت شهوته في ان يتزوجها بعد ان يفتتحها الملك. وبالفعل غيّر اسمه إلى الحاج عبد الله ليستطيع الطلاق من زوجته المقعدة… وحلم بأن يكون اباً للجنين الملكي.
اكتملت الصفقة. ولم يبقَ الا نيكولا.
… مصير الآلهة العاشقة
نيكولا… حلم في غيبوبته.
واستيقظ وجدها بجواره منهكة. مغتصبة. متهالكة الساقين. تصور ان ما حدث في الحلم حقيقة. فجرى والقى بنفسه في البحر بملابسه… وهناك هاجمه سمك القرش… وفي محاولة انقاذه لم يستطع التهام إلا جزء من صدره فقد معه الذكورة كما قال الاطباء.
اعتبرها عقاباً الهياً. نام مع ابنته ففقد ذكورته. اكتشف الصوفية مع مريدي ابو الحسن الشاذلي وتعلم منهم كيف يجاهد نفسه ليتوحد مع الكون… وبعد صفقة الزواج من الحاج عبدالله (انطون سابقاً) وظهور الحمل عليها اعتبر انه صاحب الحمل فخطف الطفل المولود وتركه للضباع تنهشه… عاد وحاول الهروب إلى سراديب الجبل… ربما يعود ويتحول إلى صخرة مثل “كوكا لونكا“ أي يفقد الجزء الفردي ويندمج مع الطبيعة… هرب ولاحقته ايليا… وعندما تعثر عليها يضرب برجله سنادات صخرة معلقة لتنهار وخلفها ايليا في محبسها الابدي يسمع صراخها… صرخة الم ودهشة… الصرخة تعاتبه وتدعوه للبقاء معها… كأنها تلوح له بعالم مسحور هما كفيلان بخلقه في تلك الصخور الصماء ليعيشاه معاً جنباً إلى جنب كما كانا دائماً… رجل وابنته… او رجل وامه… اورجل وامرأته المعشوقة والمفضلة!!
الوسوم :
cairoegyptworldأبو الحسن الشاذليادب مصريالبحر الأحمرالتأمل في الجبالالحواسالستيناتالسيد من حقل السبانخالشهوةالصحراءالقاهرةالهجرةالهروب من القاهرةجبل الدرهيبحادث النصف متردمياطرأس البررحلات الصحراءرواياتروايات عربيةروزاليوسفشوارعصبري موسيفساد الأمكنةمجلة صباح الخيرمدينةمرسى علممصروائل عبد الفتاح