لثلاثة شهور فقط كل عام تشرق الشمس على أيسلاندا، تلك البلاد الصغيرة الواقعة بعيدًا؛ هناك في أقصى شمال الكرة الأرضية؛ حيث الأرض تغطيها الثلوج أغلب شهور العام. كيف ولماذا إذًا قد يمارسون كرة القدم؟
103 ألف كيلو متر مربع هي كل مساحة الدولة الصغيرة، التي يسكنها ما يقل عن 350 ألف إنسان، هل يمكن في هذا التجمع الإنساني المحدود أن تجد مواهب كافية، وتنميها لتنافس كبار كرة القدم في أوروبا؛ القارة العجوز مخترعة كرة القدم، ناهيك بأن تناطح الكبار يومًا في كأس العالم؟
وصلت أيسلندا، أصغر دولة تصل إلى إحدى بطولات العالم الكبرى في كرة القدم: يويفا يورو 2016، وقد حقق الفريق الذي يصل إلى البطولة للمرة الأولى المفاجأة؛ وحلَّ ثانيًا بعدد النقاط نفسه – خمس نقاط – خلف المجر صاحبة السحر القديم، محققًا نقطتين أكثر من رفاق صاروخ ماديرا رونالدو أفضل لاعبي العالم، الذين صعدوا للأدوار التالية كواحد من أفضل الفرق التي حلت في المركز الثالث، ثم تصاعدت الدراما في ثُمن النهائي؛ الفريق الصغير المغمور يهزم مخترعي كرة القدم: الإنجليز! إنجلترا العظيمة تخسر 2/1 أمام فريق يظهر للمرة الأولى في بطولة نادرًا ما غاب عنها الإنجليز، لكن المغامرة انتهت في ربع النهائي؛ خسر مغامرو الفيكنج أمام أصحاب الأرض أبطال العالم السابقين الذين وصلوا لاحقًا إلى نهائي البطولة: فرنسا.
لم يهتم الكثير من محبي كرة القدم بمستقبل أيسلندا بعد يورو 2016، لا تنسوا أن جميع مشجعيهم لا يمكن أن يتجاوزوا سكان حي من أحياء فرنسا المزدحمة مثلاً . لكن ها هي ذي أيسلندا تفاجئ الجميع ثانية في تصفيات روسيا 2018، وتسبق كرواتيا مودريتش وراكيتتش وماندزوكيتش القوية، وتحل أول مجموعتها وتتأهل مباشرة للنهائيات!
استطاع أحفاد الفيكنج أن يفرضوا التعادل على الساحر الكبير ليونيل ميسي ورفاقه، جابهوا راقصي التانجو هذا الأسبوع، بعدما فعلوها مع الدون كريستيانو رونالدو منذ عامين في 2016! وربما سيذهبون إلى ما هو أبعد في هذه البطولة. وسنرى ماذا سيفعلون بعد هزيمتهم من نسور نيجيريا ؟
لكن يبقى السؤال الأهم: كيف فعلوها؟ كيف صعدوا ما يقرب من 100 مركز في تصنيف الفيفا من 2010 إلى 2018 – الآن في المركز الـ 22 – كيف تغلبوا على طقس وأرض لا يصلحان لممارسة كرة القدم؟ كيف صنعوا هذا الفريق القوي الذي يصعد بمعدل سريع منذ 2010؟ كيف وجدوا ما يكفي من الممارسين لهذه اللعبة ليحققوا هذا النجاح الذي أتصور أن يستمر؟
“يمكننا أن نحرز أهدافًا.. يمكننا أن نهزم أي فريق” هكذا قال جير ثورستنسون رئيس اتحاد الكرة الأيسلندي في 2016. لقد أدركت أيسلندا عام 2000 أن طقسها ربما لا يصلح أبدًا لكرة قدم حقيقية قادرة على المنافسة، ومنذ ذلك العام وحتى 2016 صار لدى الدولة الصغيرة 7 صالات/ استادات مغطاة و 150 ملعب يتم الحفاظ على درجة حرارة أرضها بتكنولوجيا غير بسيطة… وبنية أساسية تصلح نواة لتطوير اللعبة وموهوبيها، كانت جميع مكوناتها ممولة من الدولة، يرافقها استثمار حقيقي في “التعليم“، نعم.. تعليم كرة القدم. تستقبل أكاديميات كرة القدم الكبرى مواطنين من أيسلندا أتوا لـ“يتعلموا“. في 2016 وصل عدد مدربي كرة القدم في أيسلندا إلى 600 مدرب. بواقع مدرب لكل 550 مواطن – في حين كانت النسبة في إنجلترا مدرب واحد لكل 11000 مواطن!
ما يقرب من 7 % من السكان لاعبون مسجلون بالاتحاد الأيسلندي لكرة القدم، بالإضافة إلى ما يقرب من 90 نادٍ و 800 فريق! بالإضافة إلى نظام معقد لاختيار المواهب من كل قرية، تتجمع للمواهب المختارة من الناشئين في معسكرات منتظمة “يتعلمون” فيها كرة القدم على أيدي أهم المدربين، ويتم تصفية هذه المواهب للانتقال إلى المراحل السنية التالية. إنها خطة محكمة لتطوير اللعبة، بدأت في منتصف العقد الأول من القرن الحالي وها نحن ذا نرى نتائجها..
لقد أحب الأيسلنديون اللعبة، وقرروا في لحظة ما أنهم قادرون على المنافسة فيها، ودائما ما يقول المسؤولون عن كرة القدم هناك، واللاعبون أيضًا، إنهم فقط “يعملون بجد“، الآن هناك نحو 10 % من سكان أيسلندا في روسيا، خلف منتخبهم واللعبة التي يحبونها.