حين تسمع، أو تقرأ، هذه الجملة عن كريستيانو رونالدو ربما تقفز إلى ذهنك صورته وهو يحرز هدفه المعجز في شباك العظيم بوفون في مباراة قبل نهائي بطولة أوروبا للأبطال، حين ارتفعت قدمه اليمنى في ضربة خلفية مزدوجة لمترين وعشرة سنتيمرات، وارتفع جسده عن الأرض لما يقرب من المتر ونصف المتر، يتوقف بوفون وبرزالي مدافع يوفونتوس والمنتخب الإيطالى الكبير وعلى ملامحهم دهشة كبيرة، ليشاهدوا ما يفعله! ليصفق بعدها جمهور اليوفي، في مشهد لا يتكرر كثيرًا، لمنافس أحرز في شباكهم هدفًا. لكنه ليس أي هدف؛ إنه من أصعب وأجمل أهداف كرة القدم وتاريخها الطويل.
إن كنت متابعًا جيدًا لمباريات الدوري الإسباني ربما يقفز إلى ذهنك مشهد آخر في مباراة فريقه ريال مدريد أمام أتليتكو بلباو؛ وهو يقفز أعلى من اليد اليمنى المشدودة بكاملها لأعلى لحارس مرمى يفوقه في الطول. وإن كنت قد تابعت مباريات البرتغال في روسيا الأسبوع الماضي لعلك تتذكر رونالدو في مباراة إسبانيا؛ وهو يقطع الملعب بكامله تقريبًا في ثمان ثوان، بسرعة ذكرت بعض المصادر أنها 34 كيلومتر، وذكرت أخرى أنها 40 كيلومتر في الساعة!
في هذه المباراة قدم رونالدو كل شي في كرة القدم كخبير؛ بلياقة شاب في العشرين، وصنع تعادل ًا صعبًا وحده تقريبًا، لتكتب الإندبندنت البريطانية في عنوانها الرئيسي إنه الأداء “الأكثر اكتمال ًا” في مسيرته، ولكنه في تصريحاته بعد المباراة أرجع الفضل لزملائه.
بعد هدفه في المغرب؛ رابع أهدافه في البطولة، رأيت رونالدو يقفز وكأنه يطير محتفل ًا، ورأيته يطير في كل المشاهد السابقة، يطير بخياله، حين أغمض عينيه ليرى مسار الكرة وهى تدخل شباك دى خيا قبل أن يسددها و يطيعه جسده وينفذ “الفاول” كما رآه في خياله، وحين أغمض عينيه ويسجل هدف التعادل أمام إسبانيا قبل النهاية بدقائق. حتى هذه اللحظة رونالدو هو هداف كأس العالم الحالي، وهداف دوري أبطال أوروبا هذا العام، الذي يحطم في كل مباراة يلعبها رقمًا قياسيًّا جديدًا – وبعد أهداف هذا الأسبوع أصبح الدون أكثر لاعب في تاريخ أوروبا يحرز أهدافًا مع منتخب بلاده؛ 85 هدفًا، متخطيًا المجرى الكبير بوشكاش.
لا أظن أن صاروخ ماديرا يطير بسبب قوته البدنية؛ تذكروا أنه في الثالثة والثلاثين، إنه يطير لأسباب أخرى، قد تتعلق بروح فتى صغير مغامر، أو شخصية بطل من أبطال الأساطير، إنها ليست قصة “الكفاح” التقليدية لفتى فقير من ساو بدرو تم تشخيصه بمرض في القلب في الخامسة عشرة، بعد أن قرر مع والدته التي تعمل طباخة قبلها بعام أن يتوقف عن الدراسة ليعطي كامل تركيزه لكرة القدم.
حتى 2012 كان منافس رونالدو الأهم، والأصغر عمرًا، ليونيل ميسي، قد حصل على جائزة أفضل لاعب في العالم 4 مرات، وحصل عليها رونالدو مرة واحدة، وبعد 5 سنوات استطاع رونالدو أن يحقق الـ“ريمونتادا” الأهم في حياته، ويتعادل مع الليو بخمسة ألقاب لكل منهم، ويبدو أنه سيحصد السادس هذا العام ويسبق منافسه التاريخي.
يصلح رونالدو طبعًا ليكون نموذجًا مثاليًّا تقال فيه كل المقولات المبتذلة للتنمية البشرية، ولكن الأسطورة التي حققها كانت قطعًا أكبر من هذا بكثير، ربما تتعلق برغبة عارمة في الحياة، ونهم مهول للمزيد، مطاردة للسعادة في كل لحظة؛ حين يسجل هدفًا، أو في الحكايات المتناثرة عن حياته الخاصة، خيال “زعيم عصابة” طفل، وبنيَّة لا يخفيها أبدًا بأنه يريد دائمًا أن يكون الأفضل، وألا يقارن بأحد، وأن يصنع أسلوبه المتفرد، وشخصية مشعة في الملعب وخارجه، وذاتية مخيفة، وقدرة هائلة بالسيطرة عليها لصالح الفريق، وعمل شاق مستمر منتظم.
المغرور الطيب صاحب الطموح اللا نهائي بعد أن حقق لبلاده – صاحبة أحد أضعف اقتصادات أوروبا– لقبها القاري الوحيد في كرة القدم، قد يحقق لها، في خلال ثلاثة أسابيع، كأس العالم … ولم لا؟ وقد اعتاد على أن يحقق ما يبدو مستحيل ًا!