في مجلتنا الجديدة نشاركك مقالات وأفكار تبحث عن الجمال والحرية، وتفتح مساحات لاكتشاف سرديات جديدة بعيدًا عن القوالب الجاهزة.
بينما كنا ندعبس في أرشيف مدينة، وفي طي أوراق مجمعة من إحدى المجلات القديمة، وجدنا هذا المقال المعنون بعنوان ظريف “بفضل السجاير المصرية تعلمت السينما في ألمانيا“..المقال وفقًا للمجلة كتبه المخرج والمصور محمد بيومي ، ولما بحثنا في الكتاب الذي وضعه محمد كامل القليوبي وجدنا أن القليوبي يشكك في صحة نسب هذا المقال لبيومي، خصوصًا وهو يحوي معلومات مغلوطة أثبتت أوراق بيومي كذبها.. لدرجة أنه لم يدرجه في كتابه عنه؛ يذكر كاتب المقال مثلاً أنه لم يٌكمل تصوير فيلم “برسوم يبحث عن وظيفة” بسبب حزنه على وفاة ابنه، لكن الواقع ونسخة الفيلم يؤكدان أنه أتم إخراج العمل بعد فترة..
هل يمكن أن يكون ذكر فضل السجائر المصرية دعاية لصناعة وطنية من رجل وطني تطوع في الجيش وهو في الستين من عمره! لكن السجائر المصرية كانت وقتها فعلاً تنافس السجائر العالمية، فزراعة التبغ في مصر بدأت في 1601، وذكر الجبرتي أن الوالي العثماني أصدر قرارًا بمنع شرب الدخان “في الشوارع وعلى الدكاكين وعلى أبواب البيوت وشدد في النكال بمن يفعل ذلك” ووصل الأمر لحد الإعدام.. أما محمد علي فقد سمح بزراعته وشجعها.. وفي شبرا 1867 أسس كريكور سركسيان أول مصنع للتبغ في مصر التي كانت تنتج سجاير ماركة “أبو فانوس“.. وفي 1882 أسس الأخوة ماتوسيان شركة التبغ الكبرى وكان يعمل فيها 70 ألف عامل. وهي ما تحوَّلت لاحقًا إلى الشركة الشرقية للدخان بعد تأميمها في دولة يوليو..
لا يمكن إذن الفرار من التاريخ في فهم أي شيء.. لكن هل يمكن أن ينسب مقال إلى غير كاتبه؟ ولماذا؟ ربما هي ألاعيب التاريخ المتكررة التي يكتب على مستويات عدة.. في كتاب ” محمد بيومي الرائد الأول للسينما المصرية” من إصدارات أكاديمية الفنون. 1994. وجدنا حكاية كبيرة، دونها المخرج والسيناريست محمد كامل القليوبي (1943-2017)، ولهذا الكتاب حكاية غريبة هو الآخر؛ يُروى أن إحدى قريبات القليوبي اشترت شقة في الإسكندرية وأنها وجدت في السندرة كنزًا كبيرًا؛ أوراقًا وسجلات وصور ًا تعود لمحمد بيومي، وفيها وجد القليوبي ضالته، فقد شكك الكثيرون فيما كان يردده دائمًا عن ريادة بيومي للسينما المصرية، وبدأ رحلة طويلة بدأت في 1978 واستمرت لما يزيد عن 15 عامًا، جمع فيها كل ما أمكنه عن تراث الرجل السينمائي والشخصي.. هذا الجهد المبذول للاعتراف بما فعل أحد الرواد من أجل السينما، يجعلنا نسأل التاريخ لما يحتفظ في ذاكرته بأشخاص ويوقع أشخاصًا آخرين؟ وبعيدًا عن مدارس وتنظيرات كتابة التاريخ، فإن الواقع يؤكد بلا شك أن المسألة فيها “نقاوة“!
المهم.. كان بيومي مغامرًا أصليًّا شغوفًا بالحياة وبالتصوير والفنون البصرية والشعر والحربية.. نعم الحربية! كان رجلاً لا ينبغي إغفال دوره وجهده مها كان رأي التاريخ في الأمر.