في مجلتنا الجديدة نشاركك مقالات وأفكار تبحث عن الجمال والحرية، وتفتح مساحات لاكتشاف سرديات جديدة بعيدًا عن القوالب الجاهزة.
يحكي أنور كامل صاحب امتياز ورئيس تحرير مجلة التطور قصة صدورها “في البداية اتصلت بجماعة المحاولين.. لكن صلتي بهذه الجماعة كانت ضعيفة ولم تتعد زيارتين أو ثلاث، لكنني لم أشعر بالقدرة على الاندماج معهم، وفي عام 1936 أصدرت كتابًا عنوانه (الكتاب المنبوذ)؛ صدر عن دار نشر كان يملكها أحمد الصاوي محمد وهي دار (مجلتي)، وعن طريق هذا الكتاب تعرفت على كامل التلمساني ودعمت العلاقات بيننا بشكل وثيق؛ وعن طريق التلمساني تعرفت على جورج حنين وتوثقت علاقتي به، وكان يرتب في ذلك الحين هو وعدد من المصريين للانفصال عن جماعة المحاولين، بعدها اتصلنا بالنادي الديموقراطي لكننا لم نشعر بارتياح معهم، وهكذا انفصلنا أنا وجورج حنين وكونًّا جماعة الفن والحرية، وأصدرنا سلسلة من النشرات. وأذكر أن أولى نشراتنا كانت عنيفة جدًا، وكان الاتجاه العام للبيان معاديًا للفاشية، ودفاعًا عن حرية الرأي. بعدها أصدرنا نشرة ثانية وكانت دراسة لأندريه جيد أعتقد أن عنوانها كان (دفاعًا عن الثقافة). وعقب ذلك تجمع حولنا عدد من الشبان وشعرت أنه لا بد أن تكون لنا مجلة فحصلت على ترخيص مجلة التطور، وكنت رئيس التحرير وصدر العدد الأول في يناير 1940″…
لكن رواية أنور كامل تتضارب مع رواية مارسيل إسرائيل مؤسس التنظيم الشيوعي السري (تحرير الشعب) التي وجدت مكتوبة على الآلة الكاتبة وفيها تقرير تأريخي لحركة اليسار المصري ودور مارسيل إسرائيل فيه. وقد كتبه مارسيل إسرائيل وقدمه إلى قيادة الحزب الشيوعي الإيطالي مقدمًا به نفسه حين تم إبعاده عن مصر عام 1950 وفيه: “كما قام أعضاء تحرير الشعب بوضع أيديهم على مجلة التطور وأصدروها باسم الفن والحياة، وحولوها من مجلة فوضوية وسوريالية إلى مجلة عمالية، لكن لسوء الحظ لم يتسع أمامها الوقت لتدعيم تأثيرها، فقد منعتها الرقابة بعد عدة أعداد. وبعد أن فقدت تحرير الشعب كل من الاتحاد الديموقراطي والفن والحرية كمنابر علنية كونت بدلاً منهما منبران علنيان آخران هما الخبز والحرية والذي اختير اسمه بوحي من معارضة المثقفين الأناركيين في اختيارهم لاسم الفن والحرية، أما التجمع الثاني فسُمي ثقافة وفراغ“.
يوضح سرد مارسيل اسرائيل رؤيته لمجلة التطور وجماعة الفن والحرية طبيعة ومصدر الهجوم من داخل جناح اليسار المصري الستاليني على جماعة الفن والحرية والحركة السوريالية المصرية ومجلاتها ومنشوراتها وأعمالها الفنية. كما أثارت أيضًا قصائد الشاعر صمويل كنتروفيتش وبعض الشعارات التي نشرتها مجلة التطور تحفُظ اليسار الستاليني، وعززت الاتهامات الأيديولوجية التي وجهت لجماعة الفن والحرية من اليسار السلطوي. أبرز هذه القصائد كانت قصيدة كنتروفيتش، المغضوب عليه من الاتحاد السوفيتي، التي جاءت في العدد الأول بعنوان العبقري:
كان العبقري يرتقي الدرجات الوقورة
حيث وقف المطلق من مكان إلى مكان
فناء الدوافع الموسيقية والأحلام المتوهجة في قاع التجريد
كانت الآفاق تتسع إلى ما لا نهاية
كالدوائر المتزايدة على صفحة ماء هزه سقوط
ثياب بالية من الحقيقة كانت متشبثة بالنجوم
بروق متنبئة كانت ترى وهي تخترق الليالي المسيطرة
أأنت الكائن ذو الأبعاد الأربعة
الذي يمشي في مناطق الشك
معرضًا لخطر الانهيار
وفي الظلمات حيث تظهر الجدران
التي لا رحمة لها فجأة
وقد كان يجيب:
خلقت العراقيل لتكتسح.
كان لجورج حنين ورفاقه اتجاهات أيديولوجيه أناركية وتروتسكية، ومواقف حادة من الاتحاد السوفيتي والأحزاب الستالينية، وكانت له مواقف عديدة مؤيدة للتيار التروتسكي والتيار الاشتراكي التحرري منذ وقت مبكر وقبل إصدار مجلة التطور بسنوات. ومنذ بداية العشرينيات من عمره شارك جورج حنين في ملف (الرماة) الذي نشرته مجلة (ليزمبل) لمهاجمة محاكمات موسكو. وأرسل العديد من القصائد المنفردة المشتعلة غضبًا لتنشر في ليزمبل، وهي: عاشت كتالونيا، ولو أنهم لا يشنقوه، ومشروع أثر دولي..
أما جماعة الفن والحرية فاسمها ذاته مستوحى من بيان أندريه بريتون وليون تروتسكي (نحو فن ثوري مستقل)؛ البيان الذي حمل في مضمونه إعفاء الفنان الثوري من الخضوع للسلطوية الستالينية أو التيارات الفاشية والنازية التي اجتاحت العالم وقتها. بالإضافة لبيان يحيا الفن المنحط عام 1938 الذي وقَّع عليه 40 شخصًا في مصر، كانوا في معظمهم القوام الأساسي لتكوين جماعة الفن والحرية السوريالية بعدها بعام، ولم يلقَ بيان يحيا الفن المنحط رواجًا في أوساط الحركات الشيوعية الستالينية في مصر بسبب الاتهامات بالانتماء للفكر الفوضوي.
وقد نُشر البيان التأسيسي لجماعة الفن والحرية في أولى أعداد مجلة التطور بعد تأسيس الجماعة بعام كالتالي:
المادة الأولى:
(أ) الدفاع عن حرية الفن والثقافة.
(ب) نشر المؤلفات الحديثة، وإلقاء المحاضرات، وكتابة خلاصات عن كبار المفكرين في العصر الحديث.
(ج) تعريف الشباب المصري بالحركات الأدبية والفنية والاجتماعية في العالم.
المادة الثانية:
تمثل الجماعة لجنة دائمة تنتخب وفقًا للقانون الداخلي. الجماعة بشارع المدابغ رقم 28، القاهرة.