القطار، حصان البخار، الذي ظهر فغيَّر وجه الحياة، وغيَّر وجه الطبيعة، على جانبيه قامت مدن وقرى، هذا الجسد الحديدي المستطيل الذي يمشي على حديد، ومع هذا لم يتعامل المصريون نهائيًّا على أنه حديد، دائمًا عاملوه على إنه إنسان؛ وجهوا له الكلام؛ القطار شريك أساسي في كلام الناس وذكرياتهم، ناشدوه، وشتموه، واتهموه بأنه رسول الموت القاتل، وغنُّوا له، وغنُّوا عليه…”يا ريت يا قطر الفراق يأخروك ساعتين”، ساعتان كافيتان لتأجيل رحيل المحبين، الذين يبتعد بهم القطار، فربما عادوا وربما لا… محطات القطار الجالسة بهدوء في مداخل المدن؛ صخب وضوضاء ومسافرون وأمتعة وبائعون وصحف منتهية الصلاحية، المحطة أول العلاقة وآخرها بين المسافر والمدينة، لو كان استقبالها لطيفًا، كانت المدينة كذلك، ولو كانت المحطة غير مرحبة فربما كانت المدينة مزعجة، يحملنا القطار، جنوبًا وشمالاً… يخترق الأرض، ويشارك بجسده الحديدي مشاركة لا تنسى، يسهم بجزء كبير من ذكرياتنا عن الرحلة، التي لا تشبه نفسها في كل مرة تتكرر فيها… هذه الطريق ليست الطريق نفسها في كل مرة، وهذا النخيل ليس النخيل نفسه، وهذه البيوت ليست نفسها.. ولا أنت كذلك…
في مدينة، بدأنا، وسنكمل، مشروع السكة، الذي ينقسم إلى مسارات متعددة، ونبحث فيه عن كل ما يخص القطار، تاريخه وأصواته الرتيبة المتكررة، وصفاراته وبخاره، وصورته الحقيقية والذهنية، وتأثيره العاطفي علينا… عندما بحثنا وجدنًا أثرًا حقيقيًّا في الأفلام، التي قام بعضها بالكامل على القطار وعوالمه، وجدنا دراما تليفزيونية بالأبيض والأسود والألوان، ووجدنا أغنيات لا تحصى عن القطار، وعن السكة الطويلة، ووجدنا روايات ومسرحيات وقصصًا قصيرة كان القطار بطلها الأول…
هنا ننشر بعضًا من هذه المختارات… لأن القطار يخص المدينة، ويفسر الكثير من تعقيدات علاقتنا بها، والسكة، كما تأكدنا ونحن نبحث، كامنة في الوعي واللاوعي…
يعتبر يوم 12 أغسطس 1896، وهو اليوم الذي سارت فيه قطارات الترام تشق شوارع العاصمة، حدًّا فاصلًا في تاريخ المجتمع القاهري، إذ انتقل فيه من طور البداوة والتأخر الذي يتمثل في استخدام الحمير والخيل وسيلة للانتقال، إلى طور الحضارة والمدنية الذي يتمثل في استخدام القوة الكهربائية.
لقد كان سواد الشعب في القاهرة يعاني مشقات هائلة في الانتقال من مكان إلى آخر، من جراء استبداد أصحاب الحمير والعربات، وتحكمهم في الناس، وما يوجهونه للجمهور من ألفاظ سافلة، وعبارات نابية، حتى أصبحت كلمة حمَّار أو حوذي “عربجي” تعني سوء الأدب، وانحطاط الأخلاق، بل وكل صفة قبيحة.
وكانت معظم الشوارع على الفطرة، كما وجدت منذ مئات السنين، لم تمتد إليها يد الإصلاح، يسودها الظلام ليلًا، ما عدا الرئيسية منها، فإنها كانت تضاء بغاز الاستصباح. لذلك لم يكن انتقال الإنسان بالأمر السهل، بل كان عملًا شاقًا. وإذا حدث فإنه يتم نهارًا، ولأمر هام. فعاش سكان كل حي في عزلة تكاد تكون تامة عن بقية الأحياء الأخرى.
فلما أنشئ الترام حدثت ثورة هائلة في جميع نواحي الحياة القاهرية. فطاب السهر وأصبح في متناول الجماهير وبخاصة الشبان الذين يقضون الليل في الملاهي والمراقص، وبدأت الروابط الأسرية في التفكك، وضعفت رقابة الآباء على الأبناء. كما ساعد وجود الترام على اتساع حركة العمران، ونشطت الحركة التجارية، ونشأت المحلات الكبرى لتجارة التجزئة في ميدان العتبة الخضراء، والجهات المجاورة له. وظهرت قيمة الإعلانات التجارية، ولما سهل على الناس الانتقال عظم امتزاجهم، واشتد اختلاطهم، ومن ثم بدأ الرأي العام يتكون ويصبح خطرًا على الجهات الحاكمة. وكثرت الجمعيات الخيرية التي اجتهدت في فتح المدارس، كما كثرت الأندية الثقافية، والصحف والمجلات. وأخذت الحركة الفكرية تنمو نموًا مطردًا.
وقد لعب وجود الترام دورًا هامًا في الحركة العمالية، كما ترى ذلك واضحًا فيما جاء تحت عنوان “الترام والحركة العمالية“، وترتَّب على هذا كله اتساع دائرة الحركة الوطنية.
ولما طاب السهر كثرت المسارح وصالات الرقص والغناء، وحدثت نهضة فنية. كما كثر إنشاء الأندية الرياضية لمختلف الألعاب وتشكلت فرق وطنية وأجنبية.
وكان من الطبيعي أن ينعكس هذا كله على الأدب، فظهر الأدب الترامي في الفترة من 1896-1914. إذ بقيام الحرب العالمية الأولى جدَّت ظروف ووقعت أحداث جسام غيرت بعض نواحي الحياة.
وحينما ظهر الترام، وجد الأدباء أشياء غريبة في المجتمع لم تكن معروفة من قبل، فتناولوها شعرًا ونثرًا. وبمرور الزمن أصبح الكثير منها أمرًا مألوفًا، لا يستوقف النظر، فانصرف الأدباء عنه إلى أشياء أخرى ولدتها ظروف الحرب. واختفت الصحف والمجلات التي كانت تملأ أعمدتها بالأدب الترامي. وما بقي منها قل حجمه وضاقت مساحته. ثم كانت ثورة 1919 وما بعدها.
ترام القاهرة، محمد سيد كيلاني
نوم الراغبات في الحمل تحت القطار…
كان المصريون في الأرياف والصعيد يعتقدون أنه على المرأة اليائسة من الحمل، والراغبة فيه بشدة أن تختار موعدًا في الليل بالتحديد، وتنتظر أن يمر القطار، وقبل وصوله بدقائق تنام بين القضبان، في المنطقة المفرغة من أسفل كي لا يصيبها مكروه من احتكاكها بأي من أجزاء القطار السفلية، وتظل محتفظة بوضعها دون أي حركة نهائيًّا، كيلا تخرج عن الإطار المحدد لها، فقد يقتلها إن أتت بأقل حركة خاطئة في أثناء مرور القطار. وبعد أن يمر القطار، وتفزع فزعًا شديدًا تنحل عقدتها وتحبل “بإذن الله“!
-
عمال الأبواب ومفتشو الأرصفة:النظام المتبع حاليًا هو تعيين عمال الأبواب من المُستَخدَمين الجدد، ونظرًا لأهمية العمل الذي يقومون به، لما له من اتصال مباشر بالجمهور تنوي اللجنة ما يأتي:
اختيار عمال الأبواب من كمسارية البضاعة الذين عليهم الدور للعمل بقطارات الركاب لتشغيلهم على الأبواب، واعتبار مدة عملهم على الأبواب فترة اختبار؛ لمعرفة مدى صلاحيتهم للعمل بقطارات الركاب.
ومن يثبت عدم صلاحيته يعاد إلى العمل بقطارات البضائع، ويُتخطى في الدور.
كما توصي اللجنة باستبدال اسم عامل باب بوظيفة كمساري رصيف.
/اختيار مفتشي الأرصفة من كمسارية الركاب الذين عليهم الدور للاشتغال مفتشي تذاكر.. واعتبار مدة عملهم على الأرصفة فترة اختبار لمعرفة مدى صلاحيتهم للعمل بوظيفة التفتيش. ومن يثبت عدم صلاحيته لهذا العمل يعاد إلى وظيفته بالقطارات ويُتخطى في الدور.. كما توصي اللجنة بعمل زي خاص لمفتش الرصيف يكون حسن المنظر، ملفتًا لنظر الركاب، بحيث يمكنهم التعرف عليه بسهولة لالتماس مساعديه فيما يتعلق بأمور سفرهم.
-
المصلحة تهتم بالحدائق
الحدائق
توصي اللجنة بتشجيع المسؤولين على الاهتمام بتجميل المحطات، بالعناية بالحدائق، وذلك بعمل مسابقة سنوية بين المحطات لاختيار أحسنها. ومنح المسؤولين عنها شهادات خاصة، علاوة على مكافآت مالية سخية تشجعهم على التنافس. -
إن أردت أن تُرسل طردًا أو رسالة مع السكة الحديد اتَّبع التالي:
حافظة التصدير
لا تُقبل الرسائل، ولا توضع على أرض أو أرصفة المحطات للتصدير ما لم تكن مصحوبة بحافظة من الأنموذج الذي تعده الهيئة، وتُصرف الحافظة للجمهور دون مقابل، ويجوز للهيئة في حالات معينة الاستعاضة عن تقديم الحوافظ بأي نظام آخر تراه مناسبًا.
تُملأ بيانات الحافظة بمعرفة المرسل منه باللغة العربية، بالحبر، أو القلم الكوبيا، وتكون خالية من الكشط أو التصحيح، ويبين فيها اسم كل من محطتي التصدير والوصول، واسم وعنوان كل من المرسل منه والمرسل إليه، ونوع وصنف البضاعة، وعدد ووزن الطرود، مع إثبات ما قد يكون عليها من ماركات أو علامات مميزة لها، وكذا نوع حَزْمها؛ إن كانت في أكياس أو صناديق أو براميل أو صفائح… إلخ؛ على أن يُذكر العدد بالحروف والأرقام.
لا يجوز إيضاح وزن إجمالي بالحافظة عن جملة الطرود، إلا إذا كانت هذه الطرود متماثلة تمامًا في نوع مشمولها ووزنها، وإذا كانت الرسالة مكونة من أنواع مختلفة من الأصناف والأوزان، وكانت طرود كل نوع متماثلة تمامًا في نوع مشمولها وفي وزنها، فيجوز للمرسل منه أن يوضِّح على الحافظة الوزن الإجمالي الخاص بكل نوع من أنواع الطرود، مع بيان عدد طروده، والماركات الخاصة به.
تعتبر جميع البيانات الموضحة بالحافظة أساسًا للتعاقد بين الطرفين، دون تحميل الهيئة لأية مسؤولية عن كل ما يترتب على ذلك، مهما كانت الأسباب والظروف.
-
المنقولات المتبادلة النقل مع السكك الحديدية الأخرى
جميع الرسائل والبضائع بكافة أنواعها، والحيوانات والسيارات والعربات التي تصدر من محطات الهيئة برسم محطات السكك الحديدية الأخرى أو العكس تخضع لأحكام القوانين واللوائح والتعاريف الخاصة المعمول بها على سكك حديد مصر والسكك الحديدية الأخرى، كل في نطاق تطبيقه، وكذلك الشأن بالنسبة للقواعد المعمول بها عن المنقولات المتبادلة بينهما. وبمجرد تعاقد المرسل منه مع السكك الحديدية التابعة لها محطة التصدير يعتبر ذلك قبولًا منه التعاريف والقوانين واللوائح سالفة الذكر.
-
البضائع المحزومة والبضائع السايبة
أولًا البضائع المحزومة
وتعريفها: البضائع المحزومة هي الطرود التي لا يقل وزن الواحد منها عن عشرة كيلو جرامات، وتكون معبأة ومغلفة، أو مهيأة للنقل، كل بحسب طبيعته، وطبقًا لشروط الحزم، وبكيفية يمكن معها سهولة الكشف عليها، وتعدادها وترقيمها (تنشينها) ووزنها. -
شروط الحزم:
وتكون شروط الحزم للبضائع المحزومة، عدا الخطرة منها والقابلة للفرقعة أو الالتهاب كما يلي:
(أ) الاصناف سريعة الكسر؛ مثل الزجاج والصيني والحديد الزهر.. إلخ يجب أن تكون داخل صناديق (عبوة) من الخشب أو المعدن، أو موضوعة داخل أقفاص على أن تحاط من الداخل بمقدار كافٍ من القش، أو أيه مادة لينة لضمان سلامتها…
(ب) السوائل، عندما تكون داخل عبوات قابلة للكسر أو الفدغ أو التفكك مثل الدمجانات والبلاليص والصفايح… إلخ، يجب أن تكون مُحكمة الغلق بكيفية تحُول دون تدفق المشمول في أثناء النقل، فضلًا عن توفر وقاية متينة من الحديد أو الخشب أو أقفاص مصنوعة من أيه مادة صلبة، كحطب الحناء… إلخ، ومحاطة بطبقة من القش أو ما أشبه من الداخل، مع وجود قاعدة تضمن ثبات الطرد في أثناء النقل…
-
(ج) أصناف المسلي والجبن والعسل… إلخ، الموضوعة داخل صفايح يجب أن تحزم حزمًا جيدًا، سواء داخل أقفاص جريد أو صناديق أو مقاطف.. إلخ ولضمان عدم استبدال الصفايح يجب على المرسل منه أن يضع عليها بالقصدير علامة مِميزة لها، ويوضِح هذه العلامة بالحافظة، كما توضح هذه العلامة بأوراق الرسالة.
(د) للهيئة دون سواها الحق في تقدير توفر شروط الحزم طبقًا للفقرات السابقة من عدمه، ولها كذلك حق تعديل هذه الشروط، أو وضع شروط جديدة للحزم بالنسبة لكافة أنواع البضائع التي تقوم بنقلها، وإذا رأت أن الحزم طبقًا للشروط الموضوعة غير كافٍ فيكون لها الخيار، إما في رفض نقل البضاعة أو قبول نقلها بعد الحصول على إقرار بالحافظة من المرسل بقبوله تصدير الرسالة بهذه الحالة تحت مسؤوليته، ويوضِّح ذلك على أوراق الرسالة (بوليصة ومانيفستو).
(هـ) ولا تُسأل الهيئة مطلقًا عن أي شيء فُقد، أو نَقَص، أو تَلف، يكون سببه عدم كيفية الحزم، أو وجود عيب فيه، سواء اكتشفت قبل أو بعد قبول البضاعة للتصدير، كما أن للهيئة الرجوع على صاحب البضاعة بما قد تدفعه من تعويض عن بضائع الغير، أو ممتلكات الهيئة التي تكون قد تلفت بسبب عدم كفاية الوقاية، أو وجود عيب في الحزم.
-
تشحن وتفرغ البضائع المحزومة بمعرفة الهيئة، فيما عدا الحالات الآتية:
(أ) ما يصدر من أو إلى المخازن الخصوصية، ما عدا المخازن الخصوصية المقرر قيام الهيئة فيها بعملية الشحن أو التفريغ.
(ب) الطرود ثقيلة الوزن التي تزيد وزن الطرد منها عن 2 طن.
(ج) الطرود الطويلة التي يزيد طول الطرد منها عن 12 مترًا.
/
-
– إذا كانت الرسالة شحنة غير كاملة، تُقدر أجرة نقلها على الوزن الحقيقي، وبفئة الشحنة غير الكاملة، أو على الحد الأدنى المقرر للصنف، حسب الرمز، وبفئة الشحنة الكاملة أيهما أرجح للمرسل منه.
علاوة على ما تقدم؛ تُحصَّل المصاريف والرسوم الإضافية المقررة طبقًا للمُبيَّن بالمادة الحادية عشرة.
- لا يجوز إثبات عدد طرود الرسائل بالأوراق إلا في حالة الرسائل التي تقوم الهيئة فيها بعملية الشحن والتفريغ، وفيما عدا ذلك لا يجوز ذكر العدد بالأوراق، حتى ولو طلب أصحاب الرسائل ذكر العدد على مسؤوليتهم الخاصة.
- يجب على المرسل إليهم تفريغ الرسائل المحزومة المشحونة بمعرفة المرسل منهم، المصدرة من المخازن الخصوصية، كالقطن والبذرة والبصل… إلخ، إلى المحطات الرئيسية التي تحددها الهيئة، خلال مدة المسموح المقررة، وعند فواتها يكون للهيئة حق تفريغها على نفقة أصحابها، وتحت مسؤوليتهم، وذلك بدون الإخلال بما قد يُستحق لها من رسوم عُطل وأرضية.
كما يجوز للهيئة بناءً على طلب أصحاب الرسائل أن تقوم بتفريغ مثل هذه الرسائل بمحطات الوصول على نفقتهم الخاصة، وذلك دون تحميل الهيئة لأية مسؤولية من أي نوع كانت، وفي هذه الحالة تُحصَّل مصاريف التفريغ المقررة.
-
يسمح لأصحاب الرسائل المحزومة المنقولة بالأجرة المخفضة تحت مسؤولية أصحابها، بانتداب مسافرين من قِبَلِهم لحراستها، ويكون سفرهم بالمجان طبقًا للشروط والأوضاع المقررة للمسافرين على البضائع السايبة.
البضائع السايبة
تعتبر بضائع سايبة الرسائل الآتية:
- الرسائل السايبة بحكم طبيعتها؛ كالرمل والزلط والفحم… إلخ، وكافة السوائل التي تُشحن في عربات صهاريج.
- البضائع المحزومة التي تعمل بصفة بضائع سايبة طبقًا للفقرة 3 من البند أولًا من هذه المادة.
- كافة الرسائل التي تشحن أو تفرغ بمعرفة أصحابها.
- تُنقل البضائع السايبة تحت مسؤولية أصحابها، وتقتصر مهمة الهيئة على تقديم العربات في نقط الشحن، وتوصيلها إلى نقط التفريغ بمحطات الوصول.
- تُقدر أجرة نقل الرسائل السايبة بفئة الشحنة الكاملة على الحد الأدنى المقرر للصنف للشحنة الكاملة عن كل عربة، حتى ولو كان وزن الرسالة الحقيقي يقل عن هذا الحد الأدنى، أما إذا زاد الوزن الحقيقي عن الحد الأدنى المذكور، تقدَّر الأجرة على الوزن الذي هو مجموع الحد الأدنى لجميع عربات الرسالة. ويسري ذلك على كافة أنواع العربات بما في ذلك الصهاريج.
- الرسائل السايبة بحكم طبيعتها؛ كالرمل والزلط والفحم… إلخ، وكافة السوائل التي تُشحن في عربات صهاريج.
عندما دلفوا إلى القطار، كانوا يعتقدون أن القطار ليس قطارًا بطيئًا فارغًا كالحًا. وصوته مكتوم أيضًا. حتى القضبان ذاتها، لم تكن فيما يبدو، منتظمة التوازي. أو ربما كانت بقايا قضبان مخلوعة من سكك أخرى. ولما انخبطت السيقان في الركب صاح فيهم الشرطي الشرس –له شوارب كثيفة أيضًا– بألا يستعجلوا، لأن القطار سوف يقف بما فيه الكفاية. وما كانوا يستطيعون مفاداة التخبط، لأن القيود ظلت تحول دون مرونة حركتهم، حتى عندما اتضح لهم أن كل مقاعد القطار خالية وتحت أمرهم، وجلسوا، أحدهم كاد يسقط على الآخر فصلصلت القيود، في أول مقاعد، أمرهم الشرطي أن يقوموا فقاموا، وعند منتصف العربة أمرهم بالجلوس فجلسوا. ونظر الشرطي إلى النوافذ، كانت كلها محطمة دون خشب، أو زجاج، ودون أيه أسياخ أو عوارض تحول دون القفز منها. فاضطرب الشرطي قليلًا، وتعمد ألا يترك للمقيدين فرصة أن يدركوا ما جال في خاطرهم، وأمرهم من جديد بأن يجلسوا مع أنهم كانوا قد جلسوا الثلاثة…
/
ومرت فترة طويلة، قبل أن يصبح القطار قطارًا، فقد اندفعت جماعة عابثة، دخلت العربات وخرجت منها وهي تضحك وتتناهش. ثم أفراد تفرقوا على المقاعد وهم يسألون عن موعد قيام القطار، وكانت الإجابة متعددة ومتناقضة وغير ميسور تحديدها. الآن أو بعد ساعة، أو بعد يومين. فقطار المرج مثله مثل غيوم الشتاء في عز البرد، ويتواكب في عز الدفء. ويمكن لك، فبالتأكيد قد استخدمته، أن تراه آتيًا ذاهبًا طول الساعات في ضجة وفي صخب وفي مرح ونشاط، ثم تراه وقد ركن في موقع، فتعتقد أنه سوف يواصل المسيرة بعد قليل، فتذهب إلى مشاويرك ومهامك وتعود فتجده واقفًا، ليس واقفًا فقط، بل يظل واقفًا وهو يهدر ويصرخ ويملؤك الإحساس المؤكد أنه في طريقه للقيام، لدرجة أنك تلهث جاريًا إليه، قافزًا فيه، ومع ذلك فإنه لا يتحرك. وأصبح على الذين أجادوا استخدامه أنه يتركوا له أنفسهم، دون شد أو جذب أو كلام أو توتر، يطلع… أو لا يطلع، وتضع رأسك، مثل واحد من المقيدين في الأغلال، على ورك الذي بجوارك وتفرد طولك وتنام.
/
حركة القطار امتصت كل التوتر والجلبة، وقال واحد بصوت عال إنه يستطيع تحمل حركة القطار وهو يسير يومين، ولا يستطيع تحمل وقوفه خمس دقائق، فلم يرد عليه أحد…
/
ثم وقف القطار.
جلس الرجل محتضنًا قرده.
ونزل أفراد.
وتحرك القطار، وكان الحزن قط حط على المكان تاركًا أصوات القطار تعصف، وتدك، ليصبح القطار قطارًا.
قطار إلى المرج، محمد مستجاب
الراكب: هذه تذكرتي…
عامل التذاكر: شكرًا… هذه تذكرة خضراء.
ومربعة تقريبًا
وطريَّة
هذا يعني أنك رجل طيب…
مسرحية مسافر ليل، صلاح عبد الصبور
السبت 15 مارس سنة 1919
وقد وجد في أثناء ذلك قطار الإكسبريس الآتي من بورسعيد، فاحتبس بها لتعذر المسير، فهاجم القوم القطار جهارًا نهارًا. وقد طارت من مصر طيارة إلى قليوب، ثم أرسلت السلطة قوة لإصلاح السكك الحديدية، فأصلحت، وتحدث ركاب الإكسبريس عند وصوله إلى مصر بهذه الأخبار.
وقد علمنا بعد ذلك أن محطة قليوب خربت، وتوقف سير القطارات إلى قبلي، وإلى بحري، وانقطعت المواصلات بين القاهرة والخارج بطريق السكة الحديدية. وقد ورد على وزارة الأشغال تلغراف أن محطة الواسطى خُربت، وأُتلف جزء كبير من السكك الحديدية، وأن عمال الطلمبات يخشون عليها ويطلبون قوة للمحافظة عليها. وقد ورد هذا التلغراف اليوم.
/
يوم الأحد 16 مارس سنة 1919
أصبحنا يوم الأحد والحال على ما هي عليه من وقوف سير المواصلات، في داخل البلد وخارجه، غير أن خط الترام في حي شبرا سيرت بعض قطاراته، كما سيرت القطارات في شارع بولاق، وفي الطريق المؤدية إلى ميدان الألعاب في الجيزة، وكانت الجنود الإنجليز تحرس القطارات في سيرها.
والظاهر أن حراسة قطارات الترام بالجنود الإنجليزية المسلحة أدخلت شيئًا من الرهبة في قلوب الناس. فكما كانوا حراسها من إقدام من يريدون تخريبها على التخريب كانوا حراسها أيضًا ممن يريدون أن يعمروها بالركوب فيها.
وزاد في ابتعاد الناس أيضًا من الركوب في الترام أنهم كانوا يعتبرون مقاطعته عملًا وطنيًّا.
/
وسمعت عصر اليوم أن مصلحة السكك الحديدية لم تتمكن من تسيير القطارات العادية بين القاهرة والإسكندرية، بسبب كثرة الحوادث، وأنها بذلت أكبر جهد حتى استطاعت بعد لأي أن تسير قطار بضاعة واحدًا، ووضعت في كل عربة منه عددًا من الجنود المسلحين.
/
ووصلت القطارات القادمة من الوجه القبلي متأخرة بضع ساعات، وجميع نوافذها محطمة، وروى ركابها والعمال فيها أن المظاهرات قائمة في طول البلاد، وأن المتظاهرين يحاولون قطع السكة في كل مكان، وأن التلف الذي في القطارات أثر من رمي المتظاهرين إياها بالأحجار رغبة في تعطيلها عن السير.
الأيام الحمراء، عبد الوهاب النجار
في شبابه المبكر هرب الشاب رياض القصبجي 13 سبتمبر 1903- 23 أبريل 1963، المولود في جرجا، من الثأر، إلى الإسكندرية، وهناك عمل محصِّلًا/ كمساري في السكة الحديد، ودفعه حبه للتمثيل إلى الانضمام لفرقة التمثيل الخاصة بهيئة السكة الحديد، لا أدري إن كانت هذه الفرقة ما تزال موجودة أو لا، أغلب الظن لا، المهم أنه بعد فترة من العمل في السكة الحديد وفرقتها التمثيلية وجدها لا ترضي طموحه الكبير، فانضم إلى فرقة علي الشامي، ثم إلى فرقة علي الكسار، ثم إلى فرقة إسماعيل يس المسرحية.