1
ولدت نجاة علي باسم «نجيَّة علي أحمد صيام» عام 1913 لوالد كان يعمل موظفًا بسيطًا في قرية «بردين» بمحافظة الشرقية. وانتقلت أسرتها بعد ذلك إلى «دكرنس» بلد الأم ليعمل الوالد هناك ناظرًا للزراعة بإحدى القرى المجاورة. وبدأت الطفلة رحلتها مع الفن حين التحقت هناك بالمدرسة الأميرية للبنات فكانت من بين التلميذات المكلفات بترديد الأناشيد المدرسية الخاصة بوزارة المعارف. وهناك استمتعت إلى الحاكي (الفونوغراف) للمرة الأولى فكانت أسطوانات أم كلثوم هي أول شيء تلتقطه أذناها. ومع الوقت أدرك الأب أن لابنته صوتًا شجيًّا وكان صديقًا مقربًا للشيخ المقرئ «محمد رفعت» ويقلده في طريقة تلاوته لآيات الذِكر الحكيم. ولما وجد في ابنته الميل إلى الغناء قام بتحفيظها دورًا قديمًا يقول مطلعه «في البعد ياما كنت أنوح».
وحدث اللقاء الأول بينها وبين أم كلثوم حينما زارت الأخيرة قرية «ميت طريف» القريبة من دكرنس لإحياء إحدى الحفلات. وهناك تعرفت إلى الطفلة صاحبة الصوت الشجي وكانت أم كلثوم قد أسرت الجميع في تلك الليلة بأغنيتها الشهيرة «قال إيه حلف ما يكلمنيش». وفي العاشرة من عمرها عادت الطفلة مع أسرتها مجددًا إلى بردين حيث أقامت بها ثلاث سنوات، كانت تتردد خلالها إلى منزل الأسرة «الأباظية» التي عُرف عنها شغفها بالطرب والغناء. وكانت الأسرة تقيم حفلات وليالٍ ساهرة تدعو فيها الأهل والأصدقاء وأهل الفن في مصر. وفي إحدى المرات استمع إليها أحد ضيوف الأسرة الأباظية الذي حضر مع السيدة فتحية أحمد لإحياء إحدى الحفلات داخل منزل الأسرة وكان هذا الضيف موظف بشركة «أوديون» للتسجيلات التجارية ويُدعى محمد سعيد. وبعد أن أثنت السيدة فتحية على أدائها، عاد الموظف إلى القاهرة ليخبر مدير الشركة أن في الشرقية طفلة موهوبة سيكون لها مستقبل باهر إذا تم تدريبها وتأهيلها للغناء، وأوفدت الشركة فعلاً مندوبًا ليتفاوض مع أسرتها في الأمر حتى وافق الوالد في النهاية (نجاة علي: حياتي، الراديو المصري، 29/6/1946، ص 6).
انتقلت الأسرة على حساب شركة أوديون إلى بيت متواضع في القاهرة. وكانت الفتاة تتلقى دروسًا يومية على يد كل من داود حسني وصَفر علي. واستمرت هذه الحال سنة كاملة حتى سجلت أولى أسطواناتها وهي مونولوج بعنوان «سر السعادة» من كلمات حسين حلمي المانسترلي وألحان محمد القصبجي. وقد أحدث هذه الأسطوانة نجاحًا منقطع النظير مما جعل الشركة تتعاقد معها على تسجيل 10 أسطوانات كل عام لمدة أربع سنوات كاملة. وكان أجرها عن الأسطوانة الواحدة يتراوح من عشرة إلى خمسة عشر جنيهًا. واستمرت هذه الحال حتى شجعها في أحد الأيام المثَّال محمود مختار على إحياء حفلة غنائية على مسرح الأزبكية. وبالفعل أقيمت الحفلة وشهدت نجاة نجاحًا كبيرًا في حفلتها بتاريخ الحادي عشر من أبريل عام 1929 وغنت فيها موشح «لما بدا يتثنى» ودور «حُسن الجميل» لداود حسني ومونولوج «سر السعادة» لمحمد القصبجي وقصيدة «وحقك أنت المنى والطلب» لأبي العلاء محمد. وقد امتدحتها الصحف الرسمية آنذاك وعلى رأسها جريدة «السياسة» الأسبوعية. وهكذا أمضت نجاة فترة زمنية طويلة في إحياء الحفلات والأفراح والليالي. وكان يرافقها في هذه الحفلات تخت موسيقي على رأسه رياض السنباطي (عود) وفاضل الشوا (كمان) وأحمد شريف (قانون) إلى جانب عازف رّق. وانضمت بعد ذلك إلى محطة «فؤاد الأول» إحدى المحطات الإذاعية الأهلية قبل أن تنضم إلى الإذاعة اللاسلكية الحكومية المصرية.
2
حققت نجاة علي العديد من النجاحات على مستوى الغناء والتسجيلات الإذاعية لكنها لم تنل هذا القدر من الشهرة إلا عندما شاركت في بطولة فيلم «دموع الحب» عام 1935 مع الموسيقار محمد عبد الوهاب. فبعد أن وقع اختيار المخرج محمد كريم عليها بعد طلب من عبد الوهاب، خاضت نجاة معركة طويلة مع إنقاص وزنها. فقد تطلب الدور فتاة رشيقة القوام مما جعلها تصوم عن الطعام لمدة عشرين يومًا لا تتناول خلالها إلا بعض أكواب من عصير البرتقال. فقد أدركت أن نجاحها السينمائي مبني على قوة إرادتها وصبرها للوصول إلى النتائج المطلوبة. وهكذا أخذت على عاتقها مهمة إنقاص وزنها حتى وصلت إلى الصورة المنشودة (دون توقيع: تراجم مختصرة لكواكبنا: نجاة، الكواكب، 28/5/1934، ص 5).
دموع الحب
إن فيلم «دموع الحب» هو ثاني أفلام عبد الوهاب بعد فيمله الأول «الوردة البيضاء» عام 1933 من بطولة سميرة خلوصي. وقد شارك في هذا الفيلم كوكبة من نجوم ونجمات السينما على رأسهم سليمان نجيب وعبد الوارث عسر ومحمد عبد القدوس وفردوس محمد وغيرهم. وتدور أحداث الفيلم ضمن إطار درامي يتناول رحلة شاب موهوب في الغناء (عبد الوهاب) يعثر على عمل لدى أحد الباشاوات كسائق ويفاجئ بمحاولة الباشا لسرقة أموال ابنة أخيه الوصي عليها (نجاة علي). ومع الوقت تدرك أن عمها يسرقها بالفعل بعد محاولاته لإتمام زواجها بابنه حتى يضمن الحصول على كل الثروة. وبمجرد أن تكتشف أمر السرقة تعود نادمة إلى حبيبها الأول. وهذه القصة التي عربها الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي عن الفرنسية بعنوان «ماجدولين» أو «تحت ظلال الزيزفون» هي واحدة من عيون الأدب العالمي. ولم يكن الثراء في هذا الفيلم مقتصرًا على النصّ المكتوب فقط أو عناصر الإخراج إنما كذلك في الروائع الغنائية التي احتوى عليها شريط الفيلم. ومنها: «يا فرحة القلب المشتاق» وديالوج «ما أحلى الحبيب» وديالوج «صُعبت عليك» وهي جميعًا من كلمات أحمد رامي وألحان عبد الوهاب.
3
امتلكت نجاة صوتًا واسع المساحة، لديه القدرة على أداء القوالب الغنائية الرصينة إلى جانب قدرته على التجدد والتطور. ولعل من أبرز ما
كُتب عن صوتها في الصحافة الفنية ما ذكره الناقد الفني بمجلة الكواكب «سماحة» بقوله: «وصوت نجاة عذب جميل ولا يزال قابلًا لأن
يكون أحسن إذا توافرت العناية به. وفيه رنة ومرونة تطاوعها في كل من القرار والجواب. وحنجرتها سليمة ونطقها صحيح. ولها أدوار تجيدها إلى حد ينعش النفس ويهز الفؤاد طربًا. والواقع أن من يسمع نجاة وهي تغني في إحدى الصالات لا يستطيع أن يحكم حكمًا صادقًا على صوتها. لأن جو الصالات لا يلائم مزاجها ولا يعطيها الوقت القليل الذي يهيئ لها الفرصة لكي تتجلى وتبدع وتحلق في سماء الخيال لتجود بكل ما عندها. فإذا سمعتها في الحفلات الخاصة أو ليالي الأفراح فإنك تسمع منها صوتًا يطرب القلوب قبل الأسماع ويملك على النفس مشاعرها ويثير كامن عواطفها. وهي خلال ذلك لا تضن بجهد ولا يثنيها نصب بل كثيرًا ما تمتد ليلتها حتى مطلع الفجر عاملة على إرضاء جمهور المستمعين وإشباعهم. وهي كثيرة التجوال والأسفار حيث تحيي ليالي كثيرة في الأرياف. ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن جمهور الريفيين يستمتعون بصوت نجاة أكثر مما يستمتع به سكان العاصمة» (سماحة: مطرباتنا في المرآة نجاة، الكواكب، 25/7/1932).
كانت نجاة مثالًا للفنانة المتحضرة التي تحافظ على صوتها ولياقتها. فكانت تلعب التنس بنادي التنس بمصر الجديدة وتحسن قيادة السيارة بنفسها. واعتادت أن تمشي يوميًّا من منزلها القديم إلى الفيلا الجديدة التي شيدتها بعد شراء قطعة أرض في منطقة حدائق القبة لتقيم فيها مع والدتها وباقي أفراد أسرتها بعد وفاة والدها. واعتادت قضاء موسم الصيف كل عام في أوروبا فذهبت إلى لندن وباريس وبرلين وجينيف وفيينا والكثير من العواصم الأوروبية. وكانت أجمل هذه الرحلات، تلك التي قضتها في باريس ولندن عام 1937. ولم تكن باريس من المدن المفضلة لديها نتيجة للتكلف الحياتي وشدة الازدحام في أشهر المعرض. فبعد أسبوعين في باريس غادرتها إلى لندن. وعلى الرغم من عدم إجادتها للغة الإنجليزية فإن لندن كانت من أحب المدن إليها، فقد أبدى أهلها استعدادًا طيبًا لمساعدتها إلى جانب إعجابها بالطريقة التي تتبعها النساء المسنات في الاعتناء بمظهرهن وصحتهن العامة إلى جانب ممارستهن للرياضة بشكل منتظم مع الاكتفاء بوجبات من الطعام غير الدسمة. وهناك تمكنت من الدخول إلى محطة الإذاعة والتجول برفقة أحد المسؤولين في أرجائها. ونجحت في قضاء عدة أيام في لندن مع أسرة إنجليزية تتكون من أب وأم وفتاتين هنّ «إمي» و«هوني». وهناك شاهدت مراسم تتويج الملك التي يقال إنها تكلفت 30 ألف جنيه إسترليني. وزارت متحف الشمع حيث تماثيل الفنانين والمخترعين وكذلك السفارة المصرية، حيث استقبلها هناك السفير عفيفي باشا منير وزوجته. ولعل أبرز ما شاهدته هناك هو الفرقة الموسيقية الضخمة التي تتكون من 300 عازف وتعتمد على المقطوعات الموسيقية بينما نحن في الشرق نعتمد على جمال الصوت والموهبة بشكل أساسي على حدّ تعبيرها (نجاة علي: رحلتي في باريس ولندن، الراديو المصري، 29/1/1938، ص. ص 8، 9، 26). هكذا كانت حياتها سلسلة من الأسفار والتنقلات من مكان لآخر. فكانت تذهب إلى «كارلسباد»، حيث كانت تقضي الليل من الساعة السادسة حتى الحادية عشرة مساءً في الاستماع إلى الموسيقى وهناك تعرفت إلى رئيس الأوركسترا الذي ألح عليها كي تتعلم الغناء الغربي ويطوف بها أرجاء أوروبا لكن حنينها الجارف إلى مصر وموسيقى الشرق دفعها للعودة.
4
كان فيلم «دموع الحب» مع عبد الوهاب أولى خطواتها الرصينة في عالم السينما. فقد نجح الفيلم في لفت أنظار منتجي السينما إليها. وكانت محطتها التالية فيلم «شيء من لا شيء» عام 1938 من بطولة المطرب عبد الغني السيد. وأغنيات الفيلم كتبها بديع خيري ولحنها زكريا أحمد. وعقب هذا الفيلم شاركت المطرب محمد أمين بطولة فيلم «حب من السماء» عام 1943 من إخراج عبد الفتاح حسن. وجاءت محطتها التالية من خلال بطولة فيلم «الحظ السعيد» عام 1945 أمام الفنان حسين صدقي وإخراج فؤاد الجزايرلي. وهذا الفيلم واحد من أجمل الأفلام التي نشعر خلالها بحالة النضوج السينمائي والفني عند نجاة علي. فعلى عكس الأفلام السابقة لها، تبدو هنا أكثر انطلاقًا وحيوية كما حفل الفيلم بمجموعة من الأغنيات البديعة أمثال «شفت الهنا» من كلمات أبو السعود الإبياري وألحان محمد القصبجي و«الحظ السعيد» من كلمات أبو السعود الإبياري وألحان محمود الشريف و«اللي واعدني» من كلمات أبو السعود الإبياري وألحان فريد غصن و«يا دنيا فين النصيب» من كلمات أبو السعود الإبياري وألحان رياض السنباطي و«من فرحة قلبي» من كلمات أبو السعود الإبياري وألحان فريد الأطرش. ويلاحظ في هذا الفيلم تعاونها مع كوكبة من الملحنين الكبار الذين أكسبوا الفيلم تنوعًا وثراءً على المستوى الموسيقي حتى خرج كل لحن كأنه قطعة فنية قائمة بذاتها ملائمة للموقف الدرامي للمشهد. ولعل فيلمها قبل الأخير «الكل يغني» عام 1947 بطولة محمد سلمان وكاميليا وإخراج عز الدين ذو الفقار قد شهد مفاجأة لم تكن في الحسبان، حيث شاركت للمرة الأولى سينمائيًّا الطفلة الصاعدة آنذاك نجاة محمد حسني البابا. وعندها لجأ الجمهور والنقاد إلى إضافة لقب الصغيرة إلى اسمها للتميز بينهما أولًا وثانيًّا لصغر سنها. ربما لم تكن نجاة الكبيرة على دراية بأن القدر بعد سنوات سيمنح كل المجد والشهرة لنجاة الصغيرة بينما تبقى هي طي النسيان! أما المشاركة الأخيرة لها في السينما كانت خلال فيلم «الشاطر حسن» عام 1948 من بطولة سراج منير وإخراج فؤاد الجزايرلي.
5
كانت نجاة علي إحدى الركائز الأساسية في الإذاعة الحكومية المصرية منذ افتتاحها عام 1934 إلى جانب آخرين أمثال محمد عبد الوهاب وصالح عبد الحي وأم كلثوم وفتحية أحمد وحياة محمد. فكانت تقيم العديد من الحفلات الغنائية كل خمسة عشر يومًا في مدرسة «الليسيه» من تنظيم الإذاعة المصرية وفي الفواصل بين الوصلات كانت تُقدم مونولوجات فكاهية لكل من إسماعيل يس أو شكوكو. وكانت الإذاعة تدفع لها ثمانين جنيهًا أجرًا للحفلات أما التسجيل داخل الإذاعة فكانت تتقاضى عليه خمسة وعشرين جنيهًا بما في ذلك أجر الفرقة الموسيقية (أماني فريد: نجاة علي أول من غنى الديالوج مع عبد الوهاب، الكواكب، 12/3/1985، ص 41). وخلال رحلتها مع الإذاعة التي امتدت من منتصف الثلاثينيات حتى مطلع الستينيات، تعاونت مع كوكبة من كبار الملحنين على رأسهم: داود حسني ومحمد القصبجي وزكريا أحمد ورياض السنباطي وبليغ حمدي ومحمود الشريف وسيد مكاوي وآخرين واشتهرت بأغنيتها «العش المهجور» عام 1954 والتي عُرفت باسم (فاكراك ومش هانساك)، إذ ظلت أيقونتها خلال حقبة الخمسينيات. كما تغنت برائعة إبراهيم ناجي «الوداع» من ألحان محمد فوزي على إيقاع متسارع حاول فوزي خلاله أن يعطي الأبيات الرصينة قدرًا من الحيوية والمرونة.
على أن الإذاعة الحكومية المصرية لم تكن الوحيدة التي غنت خلالها نجاة علي فقد كانت من بين المطربات الأوائل خلال في افتتاح «إذاعة الشرق الأدنى» عام 1942؛ ضمن وفد مصري رفيع المستوى ترأسه مصطفى بك رضا مدير الإذاعة الحكومية المصرية آنذاك ونزلوا جميعًا في فندق «الملك داود» وكانت تطوف البلاد العربية للغناء على مسارحها خصوصًا بلاد الشام (محمد بديع سربيه: نجاة علي.. لها حفيدة قد تكون مطربة شهيرة أيضًا! الموعد، 9 – 15 أبريل (نيسان) عام 1983، ص 13). ولم يقتصر نشاط نجاة داخل الإذاعة على التسجيلات الفردية فقط بل شاركت في المسلسلات الإذاعية. وحاولت خلال رحلتها الغنائية أن تجاري التطور الموسيقي قدر المستطاع فكانت أقرب زميلاتها إلى القرن التاسع عشر حيث القوالب التقليدية (الموشح والدور والقصيدة والموال) إلى جانب مجاراتها للقوالب الغنائية الحديثة وكذلك الموسيقى الإفرنجية (دون توقيع: حديث مع السيدة نجاة، الراديو المصري، 17/1/1947، ص 4).
6
تزوجت نجاة للمرة الأولى من الضابط المهندس أنيس الطوبجي، الذي كانت تربطها به صلة قرابة. وابتعدت عن الحياة الفنية بعد طلب من زوجها لتتفرغ لشؤون منزلها ولكن هذا الزواج لم يدم أكثر من خمس سنوات بعد أن أنجبت ابنها الأول ممدوح. والزيجة الثانية كانت من الأمير فؤاد الأطرش، وحصلت على لقب أميرة، ولم يدم هذا الزواج طويلًا أيضًا، نتيجة لكثرة الخلافات بسبب رفضها الإنجاب وانفصلا عن بعضمها البعض بعد سبع سنوات. وكانت المرة الأخيرة من المهندس فائق السويفي (من أصول سورية) وأنجبت منه ابنها الثاني محمد (سها الشرقاوي: الابن الأكبر لنجاة علي: كانت تربطها صداقة بأغلب الفنانين، الشرق الأوسط، 25/4/2013). وعلى الرغم من هذه المسيرة الحافلة في الغناء فإن نجاة علي آثرت أن تنسحب نهائيًّا من الساحة الفنية وخصوصًا الحفلات العامة أواخر الخمسينيات والسبب في ذلك يعود إلى مجموعة من الأسباب المنطقية على رأسها:
- – لم تكن نجاة علي من البداية لديها رغبة حقيقية في احتراف الفن (كما صرحت في أكثر من موضع) فلم تعش طفولتها بشكل مكتمل.
- – كانت من اللاتي يفضلن الحياة الأسرية المستقرة بين الزوج والأولاد بعيدًا عن الأضواء والشهرة.
- – خضوعها لولادة قيصرية عسيرة في أثناء إنجاب طفلها الثاني محمد خلال حقبة الخمسينيات مما أثر على طبيعة صوتها.
- – إدراكها أن الساحة الفنية تبدلت على المستويات الاجتماعية والثقافية وليست الفنية فقط فآثرت الابتعاد والاحتفاظ بصورتها المشرقة لدى الجمهور.
7
في عام 1964 حلّت نجاة ضيفة على برنامج «ليالي القاهرة» وسجلت أغنية «بيتهيألك» من ألحان بليغ حمدي وكذلك في برنامج «مع الموسيقى العربية» لأحمد شفيق أبي عوف، وسجلت قصيدة «وحقك أنت المنى والطلب» من ألحان الشيخ أبي العلاء محمد (كاميليا كمال الدين: مطربة فاكراك تعترف: الفن أخذني غدرًا! صباح الخير، 7/12/1989). لطالما كانت تربطها علاقات طيبة بزميلاتها في الوسط الفني أمثال أم كلثوم وحياة محمد وكانت المطربة فتحية أحمد الأقرب إليها. فعندما كانت تنشب بعض الخلاف بينها وبين الإذاعة كانت نجاة تتدخل لتهدئة الأمور بينهما. وظلت هذه الروابط القوية بين الفنانات واحدة من السمات الأساسية لتلك المرحلة فالمنافسة كانت قائمة على قدم وساق، لكنها على أسس شريفة تبتعد عن الضغينة والكره (هالة يونس: نجاة علي توجه صرخة للمسؤولين حتى يشاهد الجيل الجديد أعمالها، الاتحاد، 23/6/1991).
لم تكن نجاة علي مطربة عادية فقد كانت واحدة من ألمع نجمات الغناء في القرن العشرين وقد عاشت لفترة طويلة في مدينة الإسكندرية عقب اعتزالها الفن. وتقديرًا لدورها الكبيرة في الحياة الفنية منحها الرئيس الراحل محمد أنور السادات جائزة الجدارة عام 1978 قبل أن تفارق الحياة بعد صراع مع المرض بالمستشفى «الجوي» بالعباسية في السادس والعشرين من ديسمبر عام 1993 (فكري كمون: رحلت نجاة علي نجمة الغناء بعد أم كلثوم ومنيرة المهدية، الجمهورية، 28/12/1993).