في مجلتنا الجديدة نشاركك مقالات وأفكار تبحث عن الجمال والحرية، وتفتح مساحات لاكتشاف سرديات جديدة بعيدًا عن القوالب الجاهزة.
شافية هي إحدى بنات حي «حوش آدم»، والدها الشيخ أحمد محمد عبد القادر الصائغ كان مقرئًا معروفًا وقد نزح عن موطنه الآخر في السودان إلى الزقازيق، حيث نشأ على حفظ القرآن الكريم وتجويده. وامتلك الشيخ صوتًا حلو الترتيل، منغم التلاوة. ومع الوقت ضاقت الزقازيق على شهرته فتركها إلى القاهرة ليستقر بها. وهناك رزق بطفلته كفيفة البصر «شافية» عام 1923. والتحقت الفتاة بكتاب الشيخ محمد «الأنتيكة» في الحي ذاته. ونشأت على حفظ القرآن الكريم وبدأ الشيخ في اصطحابها إلى حلقات الأزهر الشريف لتستمع إلى تفسير الآيات والتلاوات المختلفة. كان الشيخ محمد فقيه الكتاب صاحب صوت حلو النبرات ويقضي أوقات فراغه في الغناء لكل من أم كلثوم وفتحية أحمد ومحمد عبد الوهاب. ومن بين هؤلاء الطلاب جميعًا، لم يكن هناك من يتذوق حلاوة أدائه سوى شافية (محمد رفعت: شافية أحمد مطربة الزهور، المصور، 3/4/1959).
على أن تحول الفتاة إلى ميدان الطرب جاء عن طريق عريف الكتاب الآنف ذِكره والذي تعهدها بمجموعة من الدروس في الغناء وضبط مخارج الألفاظ حتى اقتادها من يدها إلى الموسيقار إبراهيم شفيق الذي تعهدها بالمِران والتدريب على الموسيقى والنغم. ولم يكن «شفيق» وحده من تعدها بالتدريب بل أيضًا الموسيقار محمد القصبجي. وقد ضمّها شفيق إلى «معهد الاتحاد الموسيقي» وعندما نضج صوتها ألحقها بفرقة المعهد الغنائية حتى بدأت في الغناء داخل الإذاعة المصرية الحكومية. وكان عهدها الأول مع الميكرفون عن طريق أغنية «ياللي أنت عايش غريب». ولم تكن للوالد رغبة في أن تصبح ابنته مطربة بل مرتلة للقرآن الكريم، لكن عريف الكتاب أقنعه أن معظم المطربين والمطربات الكبار أمثال سلامة حجازي وأم كلثوم بدأوا حياتهم بالإنشاد الديني (دون توقيع: شافية أحمد، الجيل الجديد، 17/3/1952). فكان أول أجر تتقاضاه «شافية» عن الغناء في إحياء الأفراح 150 قرشًا. وفي عام 1942 دُعيت للغناء في الإذاعة مقابل 5 جنيهات عن وصلة مدتها ربع ساعة غنت خلالها طقطوقة «خبي وداري» وقصيدة «يا طائرًا فوق غصن بان». وظل أجرها يرتفع حتى وصل إلى 125 جنيهًا عن الربع ساعة بما فيها أجر أفراد التخت المرافق لها في أثناء الغناء.