بدأ أحد الأصدقاء مبادرة لكتابة رسائل للنفس أو للعالم عن ما بداخلنا ومشاركتها مع الآخرين عبر أحد وسائل التواصل. في الحقيقة، ظللت لعدة أيام مُعجب بالفكرة غير أني لا أعلم كيف أبدأ. بعد عدة أيام زادت مخاوفي وهواجسي حول موضوع الحجر الصحي وتداعيات جائحة (إلى الآن) فيروس كورونا المستجد وبدأت الحاجة في التعبير عنها تتزايد. تذكرت تلك المدونة التي كنت أنشر فيها بعض المتفرقات، ووجدت أن آخر ما تم نشره كان في عام ٢٠١٥. وياله من عام!
عودة لمخاوفي التي تتغير كل يوم حول هذا الموضوع:
في الحقيقة، لا تقلقني الأرقام كثيراً ولم أعد أهتم بها. فليس لدي أكثر من التباعد الإجتماعي والعادات الصحية وتوعية الآخرين لأفعله. فمتابعة الأرقام بعد ذلك هو مجرد عبء نفسي لا أتحمله. دائماً ما ألجأ إلى بعض الحيل لأتحاوز مخاوفي. أولاً، أتصور الأسوء بكل تفاصيله وكل تباعاته. أستعد له وأضع خطة للتعامل معه جيداً وأتأهب له نفسياً. أذكر نفسي ببعض ما كنت أتصوره “الأسوء” الذي مررت به وتجاوزته. أخبر نفسي أن “كل هذا حتماً سيمر”. العبارة التي لم أجد أصدق منها قط.
وثانياً، أبدء في التفكير بشكل علمي بحت وبمنظور عام وشامل ونظرة مستقبلية للأمور. أحاول أيضاً البعد عن الوضع الراهن والتعامل مع المستقبل. فمثلاً، لا أتابع الأرقام اليومية لمجرد معرفة الوضع ولكن للنظر إلى العالم كله على أنه يمر بتجربة ما وأن علي تحليل ما يجري ودراسة كيف ينتهي وماذا بعد نهايته. ومن هنا، أستطيع بطريقة ما بالخروج من حيزي العاطفي المتصل بمن أحب وخوفي على فقدهم إلى نطاق أكبر يتعامل مع الأرقام والمعدلات ويتجنب عاطفته. أليس هذا ما يجب أن يفعله البعض لكي يصل إلى حل ما وينقذ العالم! (ويكأني سأنقذه!). عادة ما تفلح تلك الطريقة (على الأقل معي) في تجاوز تلك المِحن. لكن الوضع هنا أعظم وأجّل. فلم يكن غريباً إختبار أنواع أخرى جديدة من المخاوف.
بالأحرى هو خوف من المعركة!
مع بداية حياتي العملية التي بدأت بعد إنهاء التعليم الجامعي قامت ثورة يناير ٢٠١١. كنت وقتها شاب سلفي من مدينة طنطا على وشك الزواج من فتاة عرفها في الجامعة وإنتقل ليستقر في القاهرة حيث فرص العمل. مع قيام الثورة وإنتقالي للقاهرة، بدأت في إعادة تعريف الأشياء وإدراك الكثير مما لم أكن أراه. كانت عملية مرهقة إستمرت لسنين. الكثير من المجهود والمقاومة مع النفس ومع الآخر. المعركة التي مازالت مستمرة إلى تلك اللحظة.
إعتقدت لبعض الوقت أن العِقد الثالث من العمر –كما يدّعي الكثيرون – هو الوقت الذي تبدأ الأفكارفيه بالنضوج! إعتقدت أني سأحصل على هُدنة قصيرة.
وجاءت الجائحة (كم هي معبرة كلمة “جائحة”) لتطيح بما كان. مع الكثير من القراءات عن ما هو قادم وما نحن فيه، نجد أننا (أو على الأقل أنا وحدي) على مشارف إعادة تعريف لكل ما كان وكل ماهو آت. كل تصورتنا عن المنظومات السياسية والمجتمعية والإقتصادية سيتغير حتماً. بل كل تصورتنا عن الإنسان وعن المجتمع وعن علم النفس والسلوك سيتغير حتماً. يالها من معركة أخرى!
هنا، لم تفلح خطتي في أن تعبُر بي من تلك المخاوف. ووجدت نفسي أواجه مخاوف أخرى. ليس لها علاقة بالموت أو حتى موت من أحب. وإنما هو خوف من عدم القدرة على إعادة تعريف الأشياء مرة أخرى. خوف من خسارة تلك المعركة التي ستحتاج طاقة قد تفوق قدرتنا وقتها.
آمل أن ينتهي (أو على الأقل يمر) كل هذا. وأن نستطيع التعافي سريعاً دون أن تنهكنا محاولات التعافي الإقتصادية ومحاولات البقاء. وأن يتبقى لنا بعض الطاقة لمحاولة فهم ما حولنا وإدراكه وتعريفه.