زمان، كان الحرايرية، بائعو الحرير، في سكة بين القصرين، على عكس بقية البائعين؛ ولأن زبونهم نادر وعزيز، يجلسون على كراسٍ أمام دكاكينهم، وفي أياديهم منشَّات الذباب المصنوعة من الشعر؛ لا شيء يفعلونه إلا الانتظار..
الآن أيضًا، في زمن الكرانتينا، من يقرر أن يتجول في الأحياء القديمة، الجمالية.. الحسين.. الأزهر.. الغورية.. الصناديقية.. مقابر قايتباي.. الخرنفش.. مرجوش “حارة أمير الجيوش”.. درب عجور.. كل هذه الشوارع التي كانت صاخبة لقرون، مزدحمة بالخواجات وأبناء البلد، لن يجد إلا الصمت.. والانتظار.. لا بيع ولا شراء.. كساد مخيف.. حتى الهدوء مخيف هذه المرة.. في العادة هذه مناطق مكتظة حتى في الصيف الساخن.. لا تدري إلى أين يذهبون ويجيئون.. لكن الآن كل شخص يسير وحده.. المدينة تتغير ببطء.. ولو لفترة مؤقتة.. لا ندري متى تنتهي.. لا صوت لسنابك خيل.. لكنك ربما تلقى توكتوك عابرًا.. أو ميكروباص رمسيس الصاج اللعين.. أو أتوبيسات الهيئة العامة للنقل التي تلتزم بالحظر وفقًا للتعليمات الرسمية.. فتتوقف عن المسير في الثامنة تمامًا.
عمرو عادل تجول في حارات وشوارع من الجمالية في ساعات الحظر؛ والتقط هذه اللحظات من الكارنتينا المفتوحة.
1
أخرج من الحجر باحثًا عن أشخاص لا يملكون رفاهية البقاء في البيوت..
لم أحدد مكانًا لأقصده.. ولم أفكر كثيرًا، أوقفت تاكسيًّا فوقف..
قُلت: الحسين..
في الطريق، حدَّثني السائق عن حي البساتين.. وعن أحواله المقلوبة بسبب الكورونا.. فحكى عن صبي نَصْبة الشاي الذي يخفي صينية الطلبات بكرتونة.. ويذهب إلى الطالبين تحت العمائر.. وعن الممنوعات التي تباع وسط الشارع أمام الجميع.. الحال غير الحال.. الجميع يبحثون عن أي مظهر للراحة وسط هذا الكم من الارتباك العام..
أحس السائق بأني على باب الله.. أو على باب الفضول.. فعرض عليِّ أن يصحبني في زيارة للبساتين، رفضتُ عرضه الكريم مع كلام عن زيارة قريبة.. ونزلت في الحسين..
“الحال غير الحال” ظلت الجملة تتردد في عقلي.. مع مشاهدة فراغ لست معتادًا عليه، أغلب الدكاكين مقفولة.. قلة في حارة العطارين يجلسون أمام دكاكينهم في ملل واضح.. تغلفه كمامات فوق أنفاسهم.. أستمر في المشي وأتذكر أن اليوم الأحد.. لكن المؤكد أن هذا ليس سبب الفراغ.
أدخل إلى حارات حي الجمالية، فأشاهد نساءً تجلسن أمام البيوت في هدوء.. وأطفالاً يلعبون في راحة، أغلب الظن لم تكن الألعاب تستمر طويلاً في مثل هذا الوقت.
أستمر في البحث عن فضولي.. في المشاهدة المغلفة بغطاء للنفس.. والحال غير الحال!
….