في مجلتنا الجديدة نشاركك مقالات وأفكار تبحث عن الجمال والحرية، وتفتح مساحات لاكتشاف سرديات جديدة بعيدًا عن القوالب الجاهزة.
الإثنين- 21 سبتمبر 1959: درجة الحرارة في القاهرة أقرب إلى البرودة، سحب خريفية تغطي الدلتا. الشيوعيون في سجون عبد الناصر، وحملات إعلامية مخططة لتشويههم. لص مجهول يسطو على “كرمة ابن هانئ” بيت الشاعر أحمد شوقي على نيل الجيزة، المسروقات تضم نخلة من الذهب أهداها أمير البحرين لشوقي احتفالا بتنصيبه أميرا للشعر العربي، وكأس من الفضة هدية من الاتحاد النسائي برئاسة هدى شعراوي. عناوين الجرائد الرئيسية تتحدث عن مظاهرات حاشدة في العراق ضد عبدالكريم قاسم، بعد تنفيذ أحكام الإعدام في عدد من قادة “ثورة الشواف”، وكانت جريدة “أخبار اليوم” قد قادت الهجوم الأعنف، وأطلقت على “قاسم” قبل أيام لقب “نيرون بغداد”، ونشرت نصا تحت عنوان “الكتاب الملعون”، زاعمة أن “قاسم” يتبنى أفكار الكتاب، الذى يطعن في الدين الإسلامي، ومدعية أن الكتاب من تأليف جهات مخابراتية سوفيتيية، ثم خصصت صفحة كاملة للداعية عبدالرازق نوفل ليفند ما جاء في الكتاب من أفكار. على المستوي الدولي اهتمت الجرائد بأول زيارة لزعيم سوفييتي إلى الولايات المتحدة، حيث ألقي نيكيتا خروتشوف خطابا في الأمم المتحدة، طالب فيه “بإلغاء الجيوش من كل دول العالم وإلغاء وزارات الدفاع والكليات العسكرية. والاكتفاء فقط بمجموعات صغيرة لحفظ الأمن الداخلي”. كما تواصل “الأهرام” اهتمامها الذى بدأ قبل أسبوعين بتغطية وصول الصاروخ الروسي إلى القمر، مدشنا بذلك عصرا جديدا من العلم والمعرفة. عدد من الجرائد تواصل حملتها ضد من اسمتهم “أتباع جيمس دين”. وهم مجموعة صغيرة من الشباب المصرى المعجب بالممثل الأمريكي (1931- 1955) الذى أصبح سريعا جدا – وقبل أن يكمل عامه الرابع والعشرين – نجما عالميا، وجعله أداؤه لشخصية “جيم ستارك” في فيلم “متمرد بلا قضية” 1955، أيقونة للشباب، وأفضى عليه مصرعه الفاجع، في حادث سير، هالة أسطورية فراح الشباب يقلدونه في مظهره وملابسه. الحملة تتهم الشباب بالتمرد على جيل الآباء، وممارسة رقصة مستهترة تسمي”تشا تشا”، وتدخين السجائر وإطلاق شعرهم بلا تهذيب. ووصم بعض خطباء المساجد هؤلاء الشباب بالفساد والانحلال، كما طالب صحفيون وسياسيون بتجنيدهم لتهذيبهم وتعليمهم الرجولة. ولقى كل هذا الضجيج صدى لدى عبدالحكيم عامر فتقدم للتصدى لهذه الظاهرة، موجها- باعتباره وزيرا للحربية- رجال من البوليس الحربى باستيقاف، وحلق شعر رأس كل من يجدونه في الأماكن العامة يرقص “تشا تشا” أو يغني أغنية عبد الحليم حافظ “أبو عيون جريئة”. نشرت الجرائد صورا لجمال عبدالناصر وبصحبته عبد الحكيم عامر يطلان لتحية الجماهير من نافذة قطار كانا يستقلانه عائدين من مدينة رشيد للقاهرة، وكان عبدالناصر قد ألقي قبل يومين خطابا في “رشيد” ضمن الاحتفال بذكرى انتصارات المدينة على الجيش البريطاني(1807)، العناوين تركز على تصفية الإقطاع وتوزيع قطع من الأراضي الزراعية على الفلاحين، وإطلاق “مشروع ناصر لتمليك الماشية للفلاحين”. في جريدة “الأخبار” يحاور ناصر الدين النشاشيبي البروفيسور “ستن فريبرج” عضو مجلس إدارة جائزة نوبل الذي يعلن أن: “الجامعات العربية مسئولة عن عدم ترشيح أي عربي لجائزة نوبل”، كما يكتب أحمد بهاء الدين من استوكهولم عن مسرحية سارتر”سجناء التونا”. المسرحية التي “تهز أوروبا كلها”، ويعدها “أخطر عمل فني منذ نهاية الحرب العالمية”. في القاهرة، كان المسرح القومي يقدم “العشرة الطيبة”، وفرقة الريحاني تقدم “حكاية كل يوم”، وسلسلة “كتابي” تصدر ترجمة عربية لرواية باسترناك “دكتور زيفاجو” في جزءين، وسلسلة مكتبة الفنون الدرامية تصدر ترجمة لمسرحية تينسي وليامز “قطة على صفيح ساخن”، ورياض السنباطي انتهي من تلحين “الحب كده” التي ستفتتح بها أم كلثوم موسمها الغنائي، دور السينما كاملة العدد، أفيشات الأفلام الجديدة تحتل مساحة كبيرة من إعلانات الصحف، يمكن أن نرصد في ذلك اليوم أكثر من 15 فيلما أجنبيا من بينهم “حسناء النهر” لصوفيا لورين، ” ذو الوجه الأصفر” لبوب هوب وجين رسل، “أعظم مغامرات طرزان”، ونفس العدد تقريبا للأفلام المصرية، منها “عاشت للحب” لزبيدة ثروت، “الحب الأخير” لهند رستم وأحمد مظهر، “البوليس السري” لإسماعيل يس.