الرحلة إلى حجازي كانت سنة 2004.. سافرنا من القاهرة إلى طنطا.. وكان معي فؤاد معوض صاحب الكتابة الساخرة عن حياة نجوم السينما وراء الكواليس والشهير منذ السبعينيات باسم “فرفور“.. ومحمد جمعة الفنان والمصمم.. ثلاثة أجيال مختلفة في رحلة إلى عالم حجازي. كان فرفور الوسيط الذي أقنع حجازي باستقبالنا.. كانت له مصلحة في الوساطة.. تلبية نداء الحنين الذي يلعب بقلبه وعقله كثيرًا هذه الأيام.. إنه يحن إلى أيام زمان وفن زمان.. ويحكي عن حجازي متبوعًا بكلمة واحدة “يا سلام!” يتبعها بحركة من الشفتين تعني التلذذ باسترجاع الصورة الهاربة. أما “جمعة“ فهو الجيل الأحدث الذي حركته غواية تصوير فنان يرى لوحاته منذ أن كان في الثامنة في بيت العائلة (هو ابن فنان الكاريكاتير جمعة فرحات). ثلاث رغبات في رحلة واحدة كنا نبحث فيها عن متعة كاملة؛ زيارة حجازي.. والسفر، وربما قليل من الفطير والعسل والجبنة في الطريق.

حجازي بالجلباب الرمادي يكاد يشفط السيجارة في اللقاء معه بعد عودته إلى طنطا
استقبلنا حجازي بجلباب رمادي وسيجارة في منتصفها.. وأحضان وقبلات.. مع أنه اللقاء الأول معي ومع جمعة. وفورًا عرفنا على ملذات تنتظرنا؛ الويسكي والكباب والكفتة الفستق والبطارخ.. همس لي “لا تتردد في أن تأكل من البطارخ.. إنها مقويات صحافة“، ومع الاستغراق في حلاوة الطعام والشراب كانت الطاقة الخارجة من أجسادنا ومع عجز المروحة الوحيدة أمام شدة حرارة الجو (كنا في أغسطس) تحولنا إلى ينابيع من العرق…وحولنا أكوام من مناديل الورق؛ بينما كان حجازي هادئًا لا يعاني؛ لم تتغير حرارة جسمه!
ومع هذه الحميمية شعرت بسور شفاف يحمي به حجازي نفسه.. يختفي خلفه حتى عن أعز الأصدقاء من أيام القاهرة.. حماية لنفس خجولة تخاف من اللمس القاسي. المسترخي أمامك أمام طاولة الملذات هو نفسه “المقاتل” الذي يرسم كأنه في مهمة حربية.. ثم يغادر المجلة قبل أن يأتي أحد من المحررين.. ليبدأ حياته على هواه. ثم عاد ليعيش مع بقايا عائلته في طنطا. سمنته ملحوظة. لكن نظرته الحادة تعيدك إلى رشاقته الدائمة وخفة روحه.. وأولاً وقبل كل شيء إلى غرامك الشخصي به قبل أن تراه.
كان حجازي يحكي ويلقي النكات ويطارد القفشات من هنا وهناك.. رفض أن يدور التسجيل “ماذا سأقول؟! هل أفعل مثل النجمات التي يسألها الصحفي “ما عيوبك؟” فتقول “الكرم والصراحة” (نضحك ويكمل) “احنا قاعدين قعدة حلوة.. لماذا ستفسدها بهذا الجهاز“.
بعدها نظر إلى جمعة فوجده ما يزال في مرحلة البيرة “أنت لسه مارحتش للويسكي؟” وقبل أن يسمع ردًا، مد يده أسفل طاولة صغيرة بجواره، وحمل زجاجة جديدة لجمعة الذي أشار إلى الزجاجة القديمة “لسه في نُصها” دون ابتسامه وبعد أن أشعل سيجارة “أنت الأصغر النهاردا.. ومن حقك تفتح زجاجة بنفسك.. احتفالاً بك وتدشينا لوجودك في الصحبة“.