هذا النص كان ضمن مخطوطات تركها الكاتب المصري ألبير قصيري بخط يده عند رحيله يوم 22 يونيو 2008، في الغرفة رقم 77 (في الكتابات عن ألبير عرف رقم مختلف للغرفة هو 58)المطلة على نهر السين، بفندق لا لويزيان، قريبًا من شارع سان چيرمان روح باريس الأربعينيات والخمسينيات. الفندق مشهور بسكانه الدائمين من الأدباء والفنانين والممثلين، الذين كان من بينهم ألبير قصيري المولود في القاهرة 1913، ورحل بعد 95سنة، قضى منها 63 في غرفة الفندق نفسها.
الكاتب المشهور بعزلته وبلقب “فولتير النيل” كتب هذا السيناريو الوثائقي ضمن نشاطه السينمائي الذي أشار إليه ردًّا على سؤال في حوار صحفي عن مصادر المال الذي يعيش منه، فقال إنه كاتب مغمور لكن كتبه تعاد طباعتها.. كما تحدث عن عمله في السينما، وخصوصًا في السينما الجزائرية عندما كانت هناك شركة إنتاج مملوكة للدولة.. قال أيضًا إنه كان يكتب سيناريوهات ويعيد كتابة سيناريوهات أخرى لم تُخرج قط..
وقد يكون السيناريو عن أم كلثوم واحدًا من هذه السيناريوهات التي لم تنفذ.. لكن هل كان للشركة الجزائرية نفسها؟ خصوصًا وأن السيناريو ينتهي بعد وفاة أم كلثوم (فبراير 1975)، أى بعد النصف الثاني من السبعينيات، حين كانت السينما الجزائرية في واحدة من فترات تألقها بعد ذهاب جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان إلى فيلم الأخضر حامينا “وقائع سنوات الجمر..”.
مدينة حصلت على إذن من جويل لوسفيلد ناشرة ألبير قصيري بنشر الترجمة العربية للنص الذي لم ينشر حتى الآن باللغة الفرنسية المكتوب بها. وكان معروضًا في احتفال المعهد الثقافي الفرنسي بالقاهرة (2018) بمرور عشر سنوات على رحيل ألبير قصيري، وذلك ضمن مقتنياته التي ضمت أيضًا صفحات من رواية لم تكتمل بعنوان «زمن ابن الكلب»، بالإضافة إلى أوراقه الشخصية، ويومياته، وجوازات سفره منذ أن ترك القاهرة عام 1945، ونسخ من أعداد مجلة “التطوّر” التي أصدرتها جماعة «الفن والحرية» السوريالية التي كان قصيري أحد مؤسسيها، فضلاً عن عشرات الصور له ولآخرين من أصحابه.
النص مهم، ليس فقط لاقترابه من أن يكون نصًّا أدبيًّا عن الأسطورة الكبرى في الغناء العربي، بل لأنه يجمع بين كاتب اختار الهامش ومغنية أصبحت معبودة الجماهير.. ماذا سيمنحنا هذا التوتر الناتج عن حضور قطبين يبدوان من النظرة الأولى متنافرين.. بين اختيار الانزواء، وجاذبية الشهرة.
وبالإضافة إلى متعة قراءة مثل هذا النص، فإنه يأتي ضمن مشروع أكبر تنشغل به مدينة عن قاهرة ألبير قصيري، وهو ما سنجد بعض تفاصيله في مقال عن ألبير قصيري و أم كلثوم في عالم منيرة المهدية..
يبقى وعد بمتعة في تجربة أسعدتنا بالشغل المتمهل..
الترجمة:فادي عوض إخراج الصور:محمد جمعة
السيناريو:
إلاهة مصرية
قصة غرام بين مطربة وشعبها
قرية “طماي الزهايرة” في دلتا النيل بينما تبزغ بالكاد من ضباب البكور. من باب منزل طيني بائس يخرج رجل مصطحبًا في يده صبيّة. يجوبان أزقّة القرية بينما تصعد الشمس حثيثًا في الأفق. يتوقّف الرجل تاركًا الصبيّة تدخل مبنى متواضعًا يُستخدَم مدرسةً لأطفال القرية.
داخل المدرسة، عدة أطفال متراصّين على دِكَك يجوّدون آيات من القرآن تحت بَصَر شيخ كفيف بيده عصا طويلة. صوت الصَّبيّة يطغى على أصوات الجميع فيُسرّب إحساسًا بأنها من طبيعة تختلف عن باقي أقرانها. برهة، ثم نمرّ إلى حقل فيه نساء يجمعن القطن. الصبية التي رأيناها منذ قليل، وقد أصبحت فتاة، جالسة تتظلّل بشجرة جميز بينما تغني لشحذ همة العاملات اللاتي أنهَكَهن التعب وصهدُ شمسٍ قائظة.
يتناهى إلى السمع صفير قطار على مقربة من القرية. تمر الكاميرا إلى القطار المنطلق بأقصى سرعته عبر حقول الريف. يتتابع مزج من صور قطارات ليعطي الإحساس بمرور الأعوام قبل توقفه على قطار يصل إلى محطة. منظر خارجي لمحطة قطار رمسيس والميدان الشاسع الممتد أمامها مكتظًا بالسيارات والمشاة.
وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها للتو. الملك فؤاد الأول على عرش مصر، وقد نصّبه الإنجليز، حكامها الفعليّون. الإنجليز الذين وعدوا المصريين بتخليصهم من قمع الأتراك ثم لم يفعلوا أكثر من استبدال ذلك القمع باستبداد آخر، باستبدادهم هم أنفسهم؛ الأدهى والأكثر مُداهَنة.
الجنود المصريون الذين قاتلوا ضمن صفوف الحلفاء يعودون مشتّتين محبَطين، بينما روح ثورية تغمر البلاد. كانت لحظة بزوغ زعيم سياسي من العيار الثقيل هو سعد زغلول الذي تتبلور في شخصه وحزبه تطلعات الشعب كله. سعد زغلول يطالب المندوبَ السامي البريطاني باستقلال مصر. يرفض الإنجليز مطلبه ويحكمون عليه بالنفي، تنطلق في البلاد شرارة التمرد، فَتُقمع بإراقة الدم.
أم كلثوم تصل إلى القاهرة. كان عمرها 19 عامًا. ستغني أخيرًا أمام جمهور يليق بصوتها. أبوها إبراهيم وأخوها الأكبر خالد يصاحبانها خلال تلك المغامرة. أصبحنا في عام 1923 وقد نجح سعد زغلول، بعد عودته من المنفى، في إنهاء الحماية البريطانية. رغم أن الإنحليز احتفظوا لأنفسهم بعدد من الصلاحيات الأساسية في إدارة البلاد، إلا أن هذا الانتصار جعل من اسم سعد زغلول رمزًا للاستقلال.
أم كلثوم وأبوها وأخوها يسكنون شقة متواضعة بحي عابدين في مواجهة القصر الملكي. هي تُدرّب صوتها يوميًا تحت إشراف أبو العلا محمد، الشيخ الذي لا ينازَع في سيادة الطرب. يعلمها أستاذها العجوز أن تغني بقلبها وأن تصدح بالحب كإله آخر يستحق التسبيح. بظهورها الأول على مسرح البسفور ينذهل النقاد بالصوت الاستثنائي للفتاة ذات الزي البدوي، فيُطمئنها الاستقبال الحار وتستطعِم بشائر النجاح.
لن تلبث أم كلثوم أن تتعرف على أحمد رامي، شاعر الشباب، الرومانسي المصري العائد من إقامة ممتدة في باريس. يحدث اللقاء الأول بين الشاعر والمغنية في صالة البيلوت باسك. وقع رامي تحت إغراء البدوية الشابة بغطرتها وقفطانها جالسةً أمام جمهور منسجم. كان مندهشًا، لكن سعيدًا، بأنها تغني إحدى قصائده. منذ ذلك اليوم يكرّس أحمد رامي حياته وفنّه من أجل أم كلثوم ويصير شاعرها المعتمَد.
تقدم أم كلثوم حفلاتها، غالبًا، في صالات السينما ويتنافس مديرو الصالات على استضافتها. يتواصل معها مدير شركة “أوديون” للتسجيلات ليبدي رغبته في تسجيل أعمالها. يأتي عام 1926 فيطالعها أكثر من حدث سعيد. تبدأ تجهيز أولى اسطواناتها “إن كنت أسامح” من تأليف رامي وتلحين القصبجي. وها هي تحيي أول حفل تتوسّط فيه تَخْتًا كاملًا. تخلّت عن زِيّها البدوي، وتكتسي الآن فستانًا طويلًا من الحرير الأخضر. تبدأ الغناء بينما يسيطر عليها القلق فتعتصر بأصابعها منديلًا يتدلّى من يدها. إلا أن آهات الجمهور الطرِب، بمجرد نهاية المقطع الأول، تُطمئنها، تُقنعها بالمضي قُدمًا نحو مجدها. ويصير المنديل جزءًا لا يتجزأ من حضورها على المسرح، تحمله أينما قدّمت فنّها.
رغم نجاحها، تستمر أم كلثوم في تعلّم الموسيقى تحت رعاية رامي، وتتابع دروس العود مع الملحن والعازف الأشهر القصبجي. تطالبها شركتا التسجيل الموسيقي اللتان تتعامل معهما بالمزيد من الأغنيات. اسطوانتها الأولى “إن كنت أَسامح” باعت 1500 نسخة في ثلاثة أشهر، متقدمة ًعلى كل ما عداها من تسجيلات. وهكذا تتحول في بحر ثلاثة أعوام من تلميذة إلى معلّمة، تتخيّر نصوصها بنفسها؛ فتستبعد بعض كلماتها، أو تغير شيئًا من لحنها. ربما شعر أستاذاها المخلصان رامي والقصبجي أن فنّهما لم يعد ملكًا لأي منهما، غير أن الحب الذي يحملانه لها أصلب كثيرًا من الغيرة والغرور، وكأنهما يؤمنان من أعماقهما أنهما لا يساويان شيئًا بدون أم كلثوم. كانت هي في مرحلة غزو قلوب شعب كامل بصوتها الذي بدا وكأنه صار صوتَ الأمة. أصبحت مطلوبة للغناء في كل مكان، وتكونت حولها أسرة من الأسماء الموسيقية المرموقة ممن وضعوا أنفسهم رهن سُلْطتها.
عملها مع شركتي تسجيلات في الوقت نفسه يحتّم عليها إنتاج عدد كبير من الأغنيات. لم يكن محيطها يفتقر إلى الشعراء المعروفين، لكنها نِمَكيّة في اختياراتها، وتتزايد مطالبها ممن يقترحون عليها أعمالهم. بحلول عام 1931 صارت تقدم حفلين في الشهر، وتصرّ على أن تغني أغنيات جديدة في كل منهما.
سرعان ما تستدعيها بلاد عربية أخرى للغناء، فيكون عليها أن تقوم بجولات غنائية في سوريا وليبيا ولبنان. فخورةً، تستقبلها بيروت استقبال سفيرة مصرية، فتشعر هي أن صوت مصر مسموع في العالم العربي بكامله. تعود إلى القاهرة في ربيع 1932. يُشعرها وطْء التراب المصري مجددًا برغبة في البكاء. خلال غيابها ضاعف منافسوها الجهود من أجل أن ينساها جمهورها. كانت السنة نفسها موعد انعقاد المؤتمر الأول للموسيقى العربية والكل يترقب الحدث. فبعد تعديل دستور 1923 وتعيين رئيس وزراء سلطوي هو إسماعيل صدقي، يعقد الملك فؤاد كثيرًا من الأمل على أصداء تلك التظاهُرة الفنية التي سيتجمع فيها موسيقيون من كافة البلدان. سيستمع العالم إلى صوت مصر وإلى روحها، وستُتوَّج أم كلثوم ملكةً للمشهد. فهي تجسيد للتجديد في الموسيقى العربية، وهي في الوقت نفسه تجسيد للأغنية المصرية الحقيقية التي أزاحت الأغنية التركية عن عرشها. أم كلثوم تغني بلغة الشعب، ويُصنَع خصيصًا من أجلها بيانو يعزف نغماتٍ شرقية.
في تلك الليله، يرتصّ الملك ورجال بلاطه على مقاعد الصف الأول. حين تطأ أم كلثوم خشبة المسرح، يخيم الصمت على الحضور. قوامها الصغير يلفّه ثوب محبوك من الحرير الأخضر؛ وشعرها يلتمّ في كعكة خلف رأسها تُفسح لوجهها ساحة التجلّى، بأقل القليل من الماكياج، فقط لمسة كحل في العيون وبعض من أحمر الشفاه.
ثم يتدفق صوتها الذهبي. بقصد أو دون قصد، تنبعث همهمات الطرب من الصالة ويندمج الجمهور في التصفيق بجنون. لقد استمعوا لتوّهم إلى تحول في تاريخ الأغنية المصرية. هاهي حقبة جديدة تبدأ بأم كلثوم، حيث أصبح بإمكان الشعب أن يفهم كل كلمة من كلمات الأغنية.
رغم هذا تظل أم كلثوم مقتنعة بضرورة التجديد من أجل البقاء على القمة. كانت مؤمنة بمرحلتها، وأحدست أن التقنيات الجديدة، في السينما والإذاعة، ستساهم في تقدمها ودفع الفن إلى الأمام في الوقت ذاته. تتراجع الأزمة الاقتصادية شيئًا فشيئًا. ويراهن بنك مصر على صناعة السينما فيُموّل أول فيلم عربي ناطق: “أولاد الذوات”. ثم يتردد الكلام عن فيلم جديد سيطغي نجاحه على نجاح الفيلم الأول. والمقصود هو “الوردة البيضا” الفيلم الغنائي الذي قام ببطولته محمد عبد الوهاب.
كان محمد كريم مخرج الفيلم يرى في أم كلثوم وعبد الوهاب ثنائيًا قادرًا على تقديم روائع سينيمائية موسيقية. يتواصل مع أم كلثوم. لكنها ترفض العرض لمعرفتها بأن بطولة الفيلم ستكون بالتأكيد من نصيب شريكها الذكر. سيُنتَج الفيلم إذن دونها.
لم تُحبَط أم كلثوم. هي لا يمكنها أن تقبل بظهور أقل من ظهور شريكها، خاصة في فيلم موسيقي. بدلًا من السينما، توجّهت إلى الإذاعة. يجب أن تبدأ محطة مصر بثّها في خلال بضعة أشهر. أم كلثوم على تواصل مستمر مع رئيس الإذاعة. اقتراح هذا الأخير أن يبدأ بثّ “الإذاعة المصرية” بإحدى أغنياتها أكثر إغراءً من عروض المشاركة في الأفلام. ذلك أن الأثير سيحمل صوتها إلي أنحاء مصر المترامية، بل إلى العالم العربي كله. ومهما تحقق النجاح لعبد الوهاب كممثل، فهي الآن ملكة الراديو.
في بداية مغامرتها الجديدة تلك، تميل أم كلثوم إلى الوقوف أمام الميكروفون متخيلةً موجات الأثير التي تحمل صوتها. غير أن أضواء الاستوديو لا تلبث أن تُلهب عينيها. كان بودّها لو أن الأثير ينقل نظرات الجمهور حتى تقتنص عينًا تغني لها. كان هذا تكتيكها خلال حفلاتها؛ تختار شخصًا في الصالة وتغني من أجله طول الليلة. هي بحاجة إلى الغناء وسط جمهور، وليس هناك إلا شخص واحد يمكنه نذرَ نفسه لدور المشاهد الصامت هذا، إنه رامي، شاعرها المفضّل، وعاشقها الدائم.
تنجح الإذاعة المصرية والجرائد العديدة في وضع القاهرة في مقدمة العواصم العربية. كما أن لدى المدينة منطومة دعاية أخرى مكتملة بدورها. إنهم جموعها وصغار بائعيها الذين يشبهون مكبرات صوت جوالة. هناك، في الشارع، على المقاهي، تُصنع الأساطير وتتداخل الحكايات. هناك يُهاجَم الكبار، يعلو صوت السخرية من سلطة الملك، يُطارَد الإنجليز الذين يتسللون لِواذًا، وتُتبادل الضحكات المكتومة على الحياة الشخصية لنجوم الفن. الكلام عن أم كلثوم أكثر من الكلام في السياسة، أو عن السلطة، أو حتى عن اضطهاد المحتل. إنها – هي – ملاذ وسلوى شعب منح نفسه كل الحقوق على حياتها.
حقق “الوردة البيضاء”، فيلم محمد عبد الوهاب الأول، نجاحًا مذهلاً. كان رد فعل الجمهور شديد الحماس لأسطورة الحب الرومانسي. هذا مصدر للربح وفرصة لا يتوانى المنتجون عن اغتنامها، وأم كلثوم تريد إحراز بضعة أهداف في شِباك هذا الفن الناشئ. الاستوديوهات الحقيقية المزودة بمعدات متطورة تبدأ في الظهور، وعدد دور السينما يتضاعف. فريتز كرامب، المخرج الألماني ومدير شركة استوديوهات “ميكس”، يطمع في التعاون مع أم كلثوم في فيلمه المصري الأول. ستدور الأحداث في القرن الثاني عشر، في عصر المماليك، وسيحمل الفيلم عنوان “وداد”، عن سيناريو كتبه رامي. بمجرد بدء عرض الفيلم، من المشهد الأول، نجحت الجارية المغنية “وداد” المحاطة بديكور شرقي حالم في انتزاع صرخات الإعجاب من كافة مشاهديها. بدت أم كلثوم جوهرة وبدت الشاشة علبتها القطيفة.
الزمالك هي الحي الغني الهادئ البعيد عن صخب المدينة. يحلم بها الفقراء كروضة من الجنة. أم كلثوم أيضًا كانت تحلم بسكنى الزمالك، وأخيرًا تمكنت من شراء قطعة أرض في هذا الحي الراقي. تؤسس على أرضها فيلا من دورين بغرف عديدة وشرفة تطل على النيل. يتوافق يوم انتقالها للإقامة في في 5 شارع أبو الفدا بالزمالك مع تاريخ وفاة الملك فؤاد الأول. كان ذلك في شهر أبريل 1936. السماء غائمة بالحزن، ليس لأن الشعب يبكي مَلكه، بل لأنه مريض بالبؤس يُثقل كاهلَه عدم استقرار الحكم، وهكذا يتطلع بكثير من الأمل نحو فاروق، وريث المتوفى وولي عهده. هو شاب، ويتردّد أنه سيضمن رجوع الوفد بقيادة النحاس باشا إلى الحكم. يظهر تأييد الشعب من تصويته، يفوز الوفد بأغلبية كبرى في الانتخابات، ويعود النحاس إلى مقعد رئاسة الوزراء. يلوح حلم الاستقلال من جديد، رغم أن معاهدة لندن (1936) التي تم توقيعها في ذلك الشهر نفسه لم تسهم بأي صورة في إيضاح الموقف.
تنفر أم كلثوم من المناسبات الحاشدة كهذه، لكنها ستغني من أجل الملك الجديد. ككل أفراد شعبها، تريد هي أيضًا أن تعيش في بلد حر. خلال الحفل الذي تقدمه احتفاءً بجلوس فاروق، تحتفي أيضا بشوقي، أمير الشعراء الذي توفي قبل أربع سنوات، فتغنّي قصيدته “الملك بين يديك”. هكذا تحتفي بالشاعر الراحل وتبدي احترامها للملك الجديد.
أحمد بدرخان، مساعد فريتز كرامب في إخراج فيلم “وداد”، يطلب منها المشاركة في فيلم جديد. سيكون عنوانه “نشيد الأمل”، وستقدم هي دور امرأة عاملة، تكافح من أجل بلدها، و في الوقت نفسه تحافظ على جذورها وقيمها الحقيقية بفضل ما تعلمته من الأغاني الشعبية في طفولتها. بكل سرور تقبل أم كلثوم دور هذه البطلة المناضلة. ذلك أنها فهمت أن الفن ليس فقط سعيًا إلى الانسجام وإنما هو أيضا تقديم للمُثُل.
يقع استوديو مصر على طريق الأهرامات. خلال العمل تعتني أم كلثوم بأغنياتها بصفة خاصة. كانت قد لاحظت أن المشاهدين احتفظوا من “وداد” بالأغاني أكثر مما احتفظوا بمسار الأحداث. في الوقت نفسه، لم يكن حماس أم كلثوم للأفلام الغنائية ليُنسِيَها حفلاتها العامة. تتمكن من الغناء بالحديقة الملكية بالأزبكية والتي تتطلع إليها منذ وصلت إلى العاصمة. تتألق في فستانها التركوازي، وقرط براق يتدلى من أذنيها بينما تغني “قَضِّيت حياتي حيرى عليك” أغنية فيلمها الجديد “نشيد الأمل” الذي ظهرت بالفعل بشائر نجاحه الكبير. بمجرد أن تصمت، تطوي آهات معجبيها صخب المدينة.
في مقهى “الشاعر” المطل على حي السيدة زينب، تأتي أم كلثوم أحيانًا للقاء أصدقائها من الكتّاب والموسيقيين والفنانين الذين يشعرون بالفخر لوجودها بينهم. يدور الكلام عن الإصلاح الموسيقي خاصةً والإصلاح الفني بصورة عامة. صرنا في عام 1939 وصارت كلمة “الإصلاح” تثير كافة أنواع ردود الفعل. مرّت القاهرة بكثير من التحديث وشُيّدت عمارات مهولة الحجم على ضفاف شوارعها التي صارت تضيق بسكانها المليون. أصبح التعليم إلزاميًا. انقسم الوفد. وصار لحركة الإخوان المسلمين وجود ظاهر.
في بداية سبتمبر 1939، مع اندلاع الحرب، تقطع مصر علاقاتها الدبلوماسية مع ألمانيا. ويستعيد الإنجليز السيطرة العسكرية على البلاد، بناء على بنود معاهدة 1936. رغم هذا لا تزال كلمات الحب مزهِرة ولا تزال الموسيقى تنعش القلوب في بيت أم كلثوم بشارع أبو الفدا. مع تزايد مخاوف الحرب تغلق الصالات أبوابها مبكرًا ويتناقص جمهور العروض الفنية. تحاول الصحافة أن تتناسى ذلك الصراع الدموي العالمي بأن تنشر على صفحاتها الأولى أخبار ملكات الأغنية وملوكها.
لا تزال أم كلثوم وحدها قادرة على ملء الصالات في كافة حفلاتها التي يحضرها الآلاف متناسين ويلات الحرب وضرورة ترشيد النفقات. ومن ناحية أخرى، تمكّنها الإذاعة من الوصول لمعجبيها المنتشرين في أنحاء البلاد. هي مؤمنة بأن لحظات انعدام اليقين هذه لا يجب أن تقلل من قدرة الناس على الاستمتاع بالفن، على العكس، تمتد حفلاتها حتى مطلع الفجر.
جاءت الحرب في صالح صنّاع السينما. فجمهور الشاشات البيضاء لا يكف عن التنامي. وبمجرد زوال الخوف، تنجح الأفلام الغنائية لعبد الوهاب وفريد الأطرش وأم كلثوم في اجتذاب المزيد من المشاهدين. دون أي قلق على نجاح فيلمه الأول معها، يعرض عليها أحمد بدرخان بطولة فيلم جديد. إنها قصة “دنانير” الجارية البدوية التي تتخلى عن حياتها الباهرة في بغداد وتعود إلى التأمل في الصحراء. تقبل أم كلثوم عرضه، لأن شخصية المغنية البدوية توافق طبيعتها الورِعة. بالإضافة إلى جمال صوتها، تثبت أم كلثوم في دنانير موهبة كبرى في التمثيل، ويشهد لها النقاد فيُفردون المقالات للإشادة بأدائها البارع. غير أنها لا تكتفي بذلك، فتتخفّى في ملاية لفّ وشال أسود لتشعر بنبض جمهورها وتلتذ سرًا بآيات حبه وإعجابه.
قلِقًا من انطفاء جذوة هذ النجاح، يرسل إليها أحمد بدرخان سيناريو فيلم جديد يحكي صراعًا غراميًا بطولته للفلاحة الشابة عايدة وابن أحد الإقطاعيين. كيف يستطيع هذا الشاب أن يقدم الفلاحة لأسرته؟ لحسن الحظ، تتمتع عايدة بصوت خلاب، وتُمتع به صحبتها حين تغني مقطوعات أوبرالية تعلمتها في مدرسة الموسيقى. تحين مسابقة الغناء في نهاية العام. تتجمع القرية كلها. تغني عايدة أوبرا عايدة وتفوز بالجائزة الأولى. عندها يأتي والد حبيبها ليهنئها ويعلن لها أنها صارت منذ اللحظة واحدة منهم. تتحير أم كلثوم كثيرًا بشأن المقطع الذي تغنيه من أوبرا عايدة. احترامًا لجمهورها من غير المتعلمين تقرر غناءه بالعامية. فكيف كان رد فعل الجمهور؟(؟).
قبل التصوير بأيام معدودة، ذهبت إلى قريتها طماي الزهايرة، لتفتتح مكتبة. فهي، الطفلة التي لم يتفتّح وعيها على الكتب، ألزمت نفسها بتثقيف قريتها. في زمنها كانت الكتب باهظة الثمن، ولم تكن هناك مكتبات. وعلاوة على هذا، من كان يعرف القراءة والكتابة أصلا؟ فالجميع يلجأون إلى الكاتب العمومي الذي كان يظهر في أيام انعقاد السوق.
الموقف السياسي والاقتصادي إلى مزيد من التعقيد، والغضب المكتوم في تصاعد، فالإنجليز أعادوا النحاس باشا إلى كرسي الوزارة ضد رغبة الملك. الوفد، حزب الوطنية الذي أسسه سعد زغلول، أصبح يعمل مع الإنجليز ويقدم تنازلات. والشعب يعاني خيبة أمل عامة.
في فيلمها الخامس، سلّامة، تقدّم أم كلثوم لجمهورها شاعرًا شابًا وُلد في أفقر أحياء الإسكندرية هو بيرم التونسي. نُفي التونسي بسبب كفاحه ضد أفكار السلطة ورجالها، وقد أثارت عودته إعجاب أم كلثوم وشجاعتها. كانت قد استقبلته في بيتها بشارع أبو الفدا، وبدأت في غناء قصائده.
في نهاية ذلك العام، 1944، كان التواجد البريطاني في الشرق الأوسط كافة تحت التهديد. (أحمد ماهر) خليفة النحاس باشا يعلن نيّته دخول الحرب بمجرد تنصيبه، فيتم اغتياله سريعًا. يشهد شهر نوفمبر من العام نفسه ميلاد جامعة الدول العربية. وفي قلب القاهرة، يتم اغتيال اللورد موين، الوزير البريطاني المقيم، برصاص حركة صهيونية.
حين يبدو أن نهاية الحرب صارت وشيكة، يطالب الملك بجلاء القوات الإنجليزية. بات الشعب خائرًا، يحتاج إلى رمز يحفّز قواه، إلى موسيقى، إلى بعض الأمل. تحمل أم كلثوم هذه المهمة على عاتقها، فتقدم فنّها في استقبال ممثلي دول الجامعة العربية، وتتقاسم مع الجميع إيمانها بأيام أفضل. في 1946، تتضاعف المصاعب. فبينما تزيد الإثارة في القاهرة، يظل إيقاع بيت أبو الفدا على حاله المعتاد في تتابع الزيارات بحثًا عن بصيص أمل لدى أم كلثوم. تصبح أغنية “سلوا قلبي” التي ألفها العظيم أحمد شوقي كما لوكانت نشيدًا لمعركة الكفاح. أعضاء الجامعة العربية يطلبون من أم كلثوم أن تشدو بها أمامهم. هكذا، يتزايد الشبه بين حفلاتها وبين التجمعات السياسية.
يحكي “فاطمة”، الفيلم السادس لأم كلثوم والذي ألفه الصحفي مصطفى أمين، قصة شاب دنيء من أولاد الذوات، يغري البنت الفقيرة “فاطمة” فينجب منها ولدًا ثم يرفض الزواج بها حتى لا يصطدم بأهله. يقوم بدور البطولة في هذا الفيلم الممثل الشاب “أنور وجدي”. بمجرد أن ينتهي التصوير، تعلم أم كلثوم بوفاة والدتها التي كانت قد بقيت في القرية. بين الحداد على أمها وبين الصراع العربي الإسرائيلي الذي اندلع لتوّه، تعاني ألمًا وحزنا بالغًا أثّرا في نشاطها المعتاد، حتى أن بدء عرض فيلمها الجديد “فاطمة” لم يفلح في إعادة حميّتها، فاستقبلته دون كبير مبالاة. كانت قد عانت كثيرًا أثناء التصوير من حساسية عينيها للإضاءة، فأصبحت تُداريهما وراء نظارات سوداء.
غير أن تلك التي ارتبط مصيرها بمصير وطنها تنفض عنها سُباتها أخيرًا. أُعلِنت الهدنة بين المقاتلين، وعاد كثير من جنود مصر وقياداتهم إلى العاصمة. تقرر أم كلثوم التي طالما ابتهلت من أجل سلامة هؤلاء الرجال أن تُحيّيهم وتعبر عن إعجابها بهم. ستغني فقط من أجلهم، ولن يكون ذلك في مسرح عمومي بل في فيلّتها الخاصة. وسط زهور حديقتها بشارع أبو الفدا، تغني من أجل هؤلاء المقاتلين أغنيات الكفاح والنضال. تقدم أغنيتي “النيل” و“السودان” حيث النبرة الوطنية موجهة خصوصًا ضد الإنجليز. في هذا الحفل تلتقي لأول مرة بالبكباشي جمال عبد الناصر، الذي كان القدر يُعدّه لتولي السلطة في مصر.
فرح عارم لم يكد يمتد للحظات حتى تبعه قلق وخيم؛ تستيقظ أم كلثوم ذات صباح وقد أصيبت بأسوأ مرض قد تتعرض له مطربة: سرطان الحنجرة. يجب إجراء جراحة، وسيتم ذلك في مستشفى قوات البحرية بواشنطن. بينما أم كلثوم طريحة الفراش في الغربة، كانت مصر كلها تشعر باليُتم. البلد بكامله يترقب أي خبر ترسله السفارة المصرية من واشنطن ليذاع على الراديو.
عادت لتوها إلى القاهرة شاهدًا حيًّا على المعجزة: لم تفقد أم كلثوم صوتها. وها تنطلق في فورة عمل جنونية. تلزمها أغنيات جديدة، فقد قررت أن يكون لقاؤها التالي بجمهورها حفلًا لا يُنسى. كانت قد قرأت قصائد الشاعر الفارسي عمر الخيام على سرير مرضها في واشنطن، فطلبت من رامي أن يختار باقة من أجمل نصوص هذا الحكيم العظيم لتغنيها.
كانت هدنة رودس في 6 يناير 1949 قد وضعت حدًّا لأعمال القتال بين العرب والإسرائيليين، لكن أحدًا لم يكن سعيدًا بما جرى. العسكريون يتهمون المدنيين من حكام البلاد بالفساد وانعدام الكفاءة. اللواء نجيب، العسكري الوحيد الذي لا يزال يتمتع بجماهيريته، يشجب أخطاء السياسيين على الملأ. وحنق يتصاعد من الشارع. كل ذلك لم يكن ليمنع الرجال من الركض بحلول غروب الشمس إلى حديقة الأزبكية حيث تُحْيي أم كلثوم حفل عودتها. وهي بدورها تنتظرهم على خشبة المسرح وقد تزيّت بفستان من الدانتيلا السوداء. كان حفلها هذا بداية لفترة راحة شاءتها السماء، تمتد الليلة في تصفيق حاد وتحيات عاشقة يطلقها جمهور غمرته النشوة. يُستأنف الحفل حتى مطلع الفجر في بيت أم كلثوم يحيطها بضعة أصدقاء مخلصين.
في يناير 1952 كشّرت الثورة المختمِرة عن عُنفها. على أثر هجوم الإنجليز بالسلاح على ثكنة عسكرية بالإسماعيلية نفض الشعب خموله، فأحرق كل مبنى يرمز لوجودهم. البنوك، والفنادق، ودور السينما تحولت إلى رماد تحت وطأة انفجار الغضب المتراكم. غير أنه في شهر يوليو التالي على تلك الأحداث وبينما القاهرة لا تزال نائمة، وأم كلثوم في الإسكندرية لأنها لا تغني طوال شهور الصيف، استمعت من الراديو إلى خبر الانقلاب العسكري الذي قام به الضباط الأحرار، وأعلنه واحد منهم هو أنور السادات. بعدها بثمانية وأربعين ساعة تم عزل الملك فاروق وترحيله إلى المنفى على متن يخته “المحروسة”.
تقطع أم كلثوم إجازتها وتعود إلى القاهرة. أيام الثورة أطول من أيامها المعتادة. تسهر حتى الصباح حتى لا يفوتها أي من الأحداث والترتيبات الهامة. يقال إن اللواء نجيب تولى قيادة الحركة الجديدة. وأم كلثوم تريد أن تقيم حفلا غنائيًا كبيرًا من أجل الثورة. جاءها رامي بأغنية “صوت الوطن” (مصر التي في خاطري..) والتي كتبها لتوه تمجيدًا للانقلاب العسكري ومن دعوا إليه. توجه أغلب طاقتها لأحداث الثورة، وكأنها بذلك تتغلب على آلامها. هي تعتقد أن إرادتها أقوى من جسدها، لكنها للأسف مضطرة لمعاودة الطبيب حسن الحفناوي الذي يفحصها يوميًا منذ عودتها من الولايات المتحدة الأمريكية.
يحتفل الشعب بأول رئيس للجمهورية. وأغنية أم كلثوم على كل لسان. من أغنى الأغنياء إلى أفقر الفقراء، يدندن الجميع بكلماتها الساحرة “مصر التي في خاطري…”.
تعود أم كلثوم مجددًا إلى أمريكا. في ذلك المستشفى بواشنطن حيث أجرت جراحتها الأولى، كان إيمانها هو عزاؤها الوحيد. “وماكان لنفس أن تموت إلا بإذن الله، كتابا مؤجلا”، هكذا يقول القرآن. وهي منذ طفولتها الأولى تجيد تلاوة آياته كما تجيد لغة أمها. تترك للأطباء فرصة القيام بعملهم في علاج حنجرتها حالمين بالمستحيل. عندما يتم إبلاغها بأنها شفيت تمامًا وأنها تستطيع العودة إلى بلدها الذي ينتظرها بفارغ الصبر، يأتيها خبر وفاة أخيها خالد. ألقى الحداد ظلاله على سعادتها بالشفاء. لدى نزولها من الطائرة وجدت أنور السادات الذي أصبح يشغل وظيفة مرموقة في أول حكومة مصرية حرة، وقد حضر لاستقبالها بصحبة مسؤولين آخرين، فيما يشبه مراسم استقبال رؤساء الدول.
لقد ساهمت الثورة في فتح المجال أمام مختلف العقليات. أم كلثوم تنتمي إلى النظام القديم الذي صار يزايد عليه البعض، ويبدو أن شعبيتها الجارفة قادرة أيضًا على توليد الكراهية. أصبحت تتلقى تهديدات، لكن مجلس قيادة الثورة الذي لم يكن ليخاطر بحياتها يقرر تعيين جنديَّي حراسة على بابها.
في ذلك العام، 1953، احتفلت الثورة بعيدها الأول بكل البهاء المطلوب لاحتفال كهذا. فيما قررت أم كلثوم أخيرًا أن تتزوج. وكان الزوج هو طبيبها الدكتور حسن الحفناوي. في السنة الأولى من زواجها لم تقدم إلا عددًا محدودًا من الحفلات، غير أن أحداث العام التالي دفعتها إلى العودة للعمل. بمجرد بدء المفاوضات لإجلاء القوات البريطانية، تغني “نشيد الجلاء” التي تمجد شجاعة الشعب في مواجهة المحتل. زادت الدراما بوقوع محاولة اغتيال جمال عبد الناصر خلال زيارته إلى الإسكندرية. لم يزد الأمر عن إصابة طفيفة لحسن الحظ، لكن أم كلثوم أرادت أن يعرف الجميع أبعاد المؤامرة الدنيئة التي كان ضحية لها. تطلب من سائقها التوجه إلى الإذاعة المصرية، تطالب بتغيير خطة الإرسال، تغني “يا جمال يا مثال الوطنية”، الأغنية التي كتبها بيرم التونسي تكريمًا لعبد الناصر. مصر تولد من جديد، وأم كلثوم في مقدمة المسيرة. يتم استبعاد اللواء محمد نجيب فيصبح تاريخًا. يخلُفه جمال عبد الناصر الذي يتعرف فيه الناس على الرجل الفاعل المنتَظر منذ زمن.
يسيطر على فكر الرئيس الجديد مشروع لبناء سد هائل في أسوان، بما يسمح لمصر بالاستقلال في إنتاجها للكهرباء، بل وبزيادة معتبرة في رقعتها القابلة للزراعة. لم يكن لدى الغرب، وخاصة أمريكا، أي حماس لتمويل مشروع السد. لذا وجب على مصر أن تجد المال بطريقة أخرى. ضائقًا بالرفض الغربي، يتجه ناصر إلى الاتحاد السوفيتي. غير أن هذا لم يكن ليكفي. في 26 يوليو 1956، وعبر خطاب بثته إذاعة صوت العرب، يعلن ناصر على الهواء مباشرة قراره بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس، ساحبًا من المستعمرين موردًا ماليًا ضخمًا. بإحراجه للقوى المالية العالمية بهذا الفعل الجريء، يرفع ناصر رأس شعبه عاليًا في العالم العربي كافة.
لن تغيب أم كلثوم عن ذلك المشهد المهيب. تحيّي نجاح ناصر بأغنيتها “والله زمان يا سلاحي” التي تتحول هي الأخرى إلى ما يشبه النشيد الوطني. وفي ذلك الحر القائظ لشهر يوليو، تستعيد المغنية حيوية شبابها، وتصبح اللقاءات في بيتها شبيهة بمجالس الحرب. في كل ما تقول يتبدى إعجابها بجمال عبد الناصر الذي يملك كثيرًا من قنوات التواصل مع امرأة يعتبرها سيدة مصر الأولى.
بينما تتذوق الجمهورية الوليدة طعم الأمل، اندلعت حرب بينها وبين القوى الإمبريالية التي أزعجها تأميم قناة السويس. بمعاونة من إسرائيل تشن فرنسا وإنجلترا هجوما على مصر من البر والبحر. انتهت هذه المكيدة الكريهة إلى مشهد سخيف حين اضطرت الجيوش المعادية إلى الانسحاب من الأراضي المصرية تحت تهديد القوتين العظميين الناشئتين. تكبد الجيش المصري خسائر ثقيلة، لكن الشعب لم يزل متحدًا خلف عبد الناصر. ستنقذ القناة مصر من المجاعة، وناصر يؤكد أن الدولة الجديدة ستوزع الثروة على الجميع، ويتحدث عن الاشتراكية. يوجه نداء إلى النساء بالانضمام إلى تلك الجهود الجماعية فيمنحهن حق التصويت. أم كلثوم تناضل إلى جواره.
أمست في الستين من عمرها. وجهها مازال نضرًا يعلوه شعرها الأبنوسي. عيناها فقط ظلتا مريضتين. فهي لا تكاد تتخلى عن نظاراتها السوداء، وكثيرًا ما صارت تلف منديلًا حول رأسها. دعتها الحكومة إلى إحياء ذكرى ثورة 23 يوليو. منذ توحدت مصر مع سوريا واليمن، أضحت القاهرة عاصمة هائلة تليق بالدور الذي تقوم به. تمتلئ شوارعها بسكانها وقد تجاوزوا الملايين الثلاثة. ويحرص مسؤولوها على ترسيخ صورة مشرفة لها مستخدمين أحدث تكنولوجيا. كان ناصر يعمل على إعلان إنجازاته عبر الإذاعة وها هو يظهر على شاشة التليفزيون المصري الذي بدأ بثه مؤخرًا. أم كلثوم، صاحبة السبق دائمًا، تفزعها وسائل الإعلام الجديدة، غير أن هذا لم يمنع التلفزيون من تصوير كافة حفلاتها منذ تلك اللحظة.
في مطلع شيخوختها، لم تكن أم كلثوم لتُعجب بفكرة التقاعد وهي لا تزال تداخلها نوازع الطموح، ورغبات الاكتشاف. تفرض عليها حالتها الصحية أن تتخذ المزيد من الاحتياطات خلال الإعداد لحفلاتها. وحين يأتي يوم الحفل تظل ممددة طوال النهار، يلازمها القرآن، بينما تراجع كلمات أغانيها. تتمنى لو استطاعت تقليص وقت ظهورها على المسرح، لكن جمهورها – بعد أربع ساعات من الغناء – يطالبها بالمزيد.
بتحولها إلى الاشتركية، تعيد مصر شعور العزة إلى شعبها. أصبحت أرضه تحت تصرفه، وأصبح العمل متاحًا أمام كل من يحمل شهادة. ومنذ أن خفّض الاتحاد الاشتراكي أسعار اللحوم، صار سكان طماي يتناولونها بمعدلات أسرع. أم كلثوم سعيدة. هي لم تنس أبدًا مسقط رأسها. من مالها الخاص، تنشئ مسجدًا وتمد شبكة لخطوط المياه الجارية.
في الخميس الأول من كل شهر، تخلو من المارة شوارع القاهرة ومثلها شوارع الدار البيضاء وبغداد، وجميع التجمعات السكانية في العالم العربي حتى أطراف الصحراء. يمكث الناس في بيوتهم للاستماع إلى الإذاعة المصرية. طوال خمس ساعات، ثماني مرات في العام، تُنتظَر أم كلثوم.
بعد مماطلات طالت عشرين عامًا، تقبل أم كلثوم التعاون مع منافسها الأكبر محمد عبد الوهاب. ستغني أغنية كتبها أحمد شفيق كامل ووضع عبد الوهاب لحنها. عنوان الأغنية “أنت عمري” ويبدو أنها ستكون عملاً مذهلاً. جاءت ليلة الحفل. يستمع إلى الأغنية عبر أثير الإذاعة ما يقرب من مئة مليون مستمع في البلاد العربية. تظل متاجر الأسطوانات مفتوحة طول الليل وتسجل مبيعات مدهشة.
في مطلع أبريل 1967، نفذ فدائي فلسطيني هجومًا في إسرائيل فأغار الطيران الإسرائيلي على دمشق. ومن موقعه كقائد للعالم العربي، يدفع عبد الناصر بجيشه إلى سيناء ويطالب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بالانسحاب ويغلق مضيق تيران. يبدو الهجوم وشيكًا. أم كلثوم لا تقف صامتة؛ بل تجهز مدفعيتها الخاصة. الآن وقد حمل الفلسطينيون السلاح لتحرير أرضهم، تغني هي عبر الإذاعة أناشيد حربية من أجلهم.
في 5 يونيو تهجم إسرائيل. بمرور ستة أيام كانت الكارثة قد حلت على الجيش المصري الذي فقد آلاف الرجال. يحتل الإسرائيليون ضفتي قناة السويس. في خطاب تليفزيوني، يتقدم عبد الناصر باستقالته، غير أن حشودًا هائلة تتجمع تحت نوافذه وتثنيه عن الرحيل. لم تستطع أم كلثوم احتمال الهزيمة، تشعر أن الأمل يتخلى عنها وأن المستقبل لا يحمل لها إلا المزيد من المرض ثم الموت. إلا أنها سريعًا ما ترفع رأسها لمواجهة البؤس الذي أصاب بلادها. تؤسس جمعية خيرية لمساعدة الجنود الجرحى وإعانة ذويهم. وبعد مرور شهر على الهزيمة تسافر في جولة عبر البلاد العربية لتُعْلِم الجمهور بالموقف في مصر.
عليها أيضا أن تغزو أوروبا من أجل قضيتها. تختار أم كلثوم باريس لتقدم أولى حفلاتها في الغرب. ستقدم عرضا حيًا على مسرح الأوليمبيا، ذلك المسرح المرموق حلم كل نجوم الغناء. جسر جوي بين الشرق الأوسط وباريس من أجل حفلين غنتهما أم كلثوم. يسافر حشد من السفراء والشخصيات المهمة من أجل الاستماع إليها. عندما تدق أولى نغمات أغنيتها الوطنية “حب الوطن” (راجعين بقوة السلاح)، التي تقول فيها “راجعين كما رجع الصباح من بعد ليلة مظلمة” تتحول الصالة إلى نوع من الهذيان. وصلت رسالتها، وستحمل مبلغًا كبيرًا إلى مصر، وعند عودتها ستكون قد رفعت سمعة بلادها عاليًا. بعودتها ستتلقى تكريمًا لها وسامًا ذهبيًّا من الدولة بالإضافة إلى جواز سفر دبلوماسي ولقب “سفيرة”. أصبحت المحفز الأكبر للعالم العربي، وأصبح صوتها رمزًا للروح العربية.
تستعد القاهرة للاحتفال بألف عام على مولدها. مصر المهزومة عسكريًّا تريد أن تثبت للعالم العربي كله أنها قلب ثقافته. تشارك أم كلثوم بحماس في هذه المراسم. تستقبل بنفسها وفودًا حضرت من البلاد الشقيقة. مع هذا تتمنى لو تُوِّج كفاح بلادها بنصر كبير. كما تود أن تفهم المزيد حول الاشتراكية في بلاد المشرق، لأن مصر تعتمد كثيرًا على روسيا في إمدادها بالسلاح. تستجيب السفارة السوفيتية لطلب أم كلثوم فتمنحها تأشيرة للسفر.
الشعب الروسي يظهر حفاوة في استقبال زواره. يحضر مساعد وزير الثقافة بنفسه لاستقبالها على سلم الطائرة. تُظهر لها حفاوة الاستقبال منذ لحظة وصولها كيف أن الروس هم الصديق الحميم لشعبها، وللشعوب العربية المناضلة. غير أنها تتلقى خلال إقامتها الرائعة في بلد الاشتراكية خبر وفاة عبد الناصر بسبب أزمة قلبية. تستقل أول طائرة إلى القاهرة، لكنها تصل متأخرًا فلا يمكنها اللحاق بجنازة الريس. الريس الجديد، أنور السادات، نائب عبد الناصر منذ 1969، هو نفسه ذلك الضابط الذي اصطحبها إلى سلم الطائرة وقت رحلتها إلى أمريكا. قريب من الأوساط الدينية، متزوج من مصرية نصف أصولها إنجليزية، ويعطي انطباعًا بأنه رجل مبتهج ومطَمْئن.
تشعر أم كلثوم بالتعب الشديد لدرجة أنها فقدت قدرتها على الاستمتاع بعملها. كانت عودتها إلى شعبها هذه المرة أكثر دفئًا من المعتاد. كالعادة، تتردد في الشوارع أصوات الإعلان التي تتردد قبل كل حفلاتها. ولكن كيف لهذا الجهد أن يتواصل بينما الجسم مريض؟ أوصاها طبيبها بالراحة. على عكس المرضى العاديين، فإن كلمة الراحة هذه لديها القدرة على زيادة قوتها عشرة أضعاف. تبدأ جولة موسيقية، أولاً إلى أبو ظبي، ثم إلى ليبيا. تحيي حفلين في أبو ظبي فتشعر بإعياء فتقرر السفر في طائرة ليلية هربًا من الصحفيين. في ليبيا، تفتتح مسرحًا شُيّد خصيصًا من أجلها. لأول مرة في حياتها الفنية، تتوقف عن الغناء في منتصف الليل، فساقاها لم تعودا قادرتين على حملها.
تستجمع أم كلثوم قوتها لتُقدم حفلاً في الذكرى الخمسين لوقوفها على المسرح للمرة الأولى. لم تلفت الصحافة الانتباه إلى درجة أهمية هذا الحفل، لكن أم كلثوم سعيدة بالاحتفال بهذه الذكرى بينها وبين جمهورها. تغني “يا مسهرني”، آخر أغنياتها مع رامي، ثم تشعل حماس الجمهور الأصغر سنًا بأغنية “حكم علينا الهوى” التي لحنها عبد الوهاب (الحقيقة أنها من تلحين بليغ حمدي ولم تغنها أم كلثوم في أي من حفلاتها وإنما سجلتها في استوديو…المترجم). بعدها تعتذر عن عدم قدرتها على إكمال الحفل لأسباب صحية. يتعين عليها السفر إلى انجلترا لاستشارة أطباء مختصين بأمراض الكلى.
مساء السادس من أكتوبر 1973، وبينما عادت لتوها من رحلة لندن، تناهت إليها صرخات الفرح في الزمالك. هتافات باسم الرئيس أنور السادات الذي نجح في تحقيق عبور القناة. عُرضت عليها أغنية تمجّد الانتصار، لكن أم كلثوم لم تعد تشعر بأنها تجسد صورة قوة البلاد وتجدّدها. أصبحت تميل أكثر إلى الأغاني الدينية، تلك التي حظيت دومًا بمكانة أثيرة لديها. هي ليست بعد امرأة مسنة متقاعدة، لكنها امرأة لم تفقد بصيرتها. تعرف أن جمهورها ينتظرها، لكن عليها أن تلتزم بقرارات الأطباء، هؤلاء الذين قرروا إعادتها إلى أمريكا للخضوع لتدخل جراحي أخير.
مساء الحادي والعشرين من يناير (1975)، تعرضت أم كلثوم لأزمة كلوية حادة. يريد الأطباء نقلها إلى غرفة في مستشفى المعادي العسكري، لكن المغنية تفضل البقاء في منزلها. تمر سيارة شرطة أمام بوابتها. حركة غير معتادة حول الفيلا. صحفيون ومصورون، ومعجبون غير معروفين يحملون أجهزة ترانزستور، ينتظرون بفارغ الصبر نتائج أزمتها الصحية. يصل سعاة البريد لاهثين يسلمون رسائلهم إلى شرطيي الحراسة. مصر كلها في حالة اضطراب. تعلن الإذاعة عن الترتيبات التي اتخذها الرئيس السادات. وضع طائرة تحت تصرفها، على استعداد للإقلاع في أي لحظة وإلى أي مكان لإحضار أفضل متخصص قد تحتاج إليه أم كلثوم.
في منتصف الليل، صفارات سيارات المطافئ، وأصوات فرامل وحشية، وصراخ باكٍ يوقظ الحي بأكمله. أم كلثوم تعاني من نزيف في المخ. نُقلت إلى مستشفى المعادي. أمام مبنى المستشفى الرمادي الكبير، تتوالى نداءات يائسة يطلقها حشد ضخم يرفض مغادرة أعز حبيباته على الإطلاق.
صباح 3 فبراير، يعلن رئيس الوزراء بصوت تحشرجه الدموع أن ليالي مصر اغتمّت. ماتت أم كلثوم في الساعة الثانية صباحًا. فوصلت بهذا إلى الخلود: ستعيش في قلوب الجميع. ستكون حاضرة بصوتها في النيل، في الأهرام، في كل ربوع الأمة. ستبقى أم كلثوم في كل مكان بعد صعودها إلى رحاب الله.
سرادق عزاء من نسيج يزهو بألوانه ينتصب أمام مسجد عمر مكرم. تنتظر وفود من جميع أنحاء العالم على كراسي بأذرع مذهبة. ستقام مراسم العزاء الرسمية يوم الأربعاء 5 فبراير في العاشرة والنصف صباحًا.
نعشها المغطى بغطاء أخضر رائع، يحمله إلى مستقره عدد قليل من الرجال الذين يتناوبون من وقت لآخر، وكل منهم يلتمس الاقتراب من الجسد الذي توقف عن الغناء. سرعان ما يتحول المشهد إلى نوع من الغضب. يندفع الحشد الضخم الذي يتقدم مثل البحر الهائج نحو النعش فيحمله أبعد فأبعد، غاضًا النظر عن المسار الذي حددته السلطات. يبدو أن آلهة النيل، التي تحملها هذه الموجة الهائلة، تنطلق بعيدًا عن الأرض لتنضم إلى عالم آخر، عالم يسوده السلام والحب.
نرى صورة أم كلثوم سعيدة في شبابها. تغني، بينما تتابع صور جميع المدن الإسلامية، من القاهرة إلى بغداد، ومن دمشق إلى الجزائر، ومن الدار البيضاء إلى إندونيسيا، ومن إسلام آباد إلى سمرقند.
تعليقات المترجم
-
1 يتوجه المترجم بخالص الشكر لطلابه في دار المعلمين العليا في باريس عام 2019 على مساعداتهم القيّمة أثناء جمع المخطوطة وتحقيق كلماتها، أخص بالذكر إستير رافييه، أصيل فضل، بول بوفير، جين كابيل، ريم سالومون والعزيز الواعد شكيب أرارو. كما يتوجه بالشكر إلى الأساتذة والزملاء والأصدقاء: فادي العبد الله، فريدريك لاجرانج، ياسر عبدالله، وبصفة خاصة ياسر عبد اللطيف، على تعاونهم في إجابة أسئلته الكثيرة خلال ذلك العمل، أدام الله أفضال الجميع. هذا ويبقى المترجم وحده مسؤولًا عن أي خطأ.
-
2 لم أعثر على وصف لصالة البيلوت باسك التي يشير إليها قصيري عند كلامه عن أول لقاءاتها برامي. ما يحكيه رامي أنه استمع إلى أم كلثوم تلك المرة في “حوش صغير بحديقة الأزبكية”، كما ورد في كتاب “موسوعة أعلام الموسيقى العربية، أم كلثوم”، إعداد إيزيس فتح الله ومحمود كامل، دار الشروق، 2001. ص22. تنقل الموسوعة عن رامي فيما كتبه عن هذا اللقاء: “… تقدمت إليها أعرفها بنفسي، وأرجوها أن تغني قصيدتي فلبت طلبي وهي تتعجل إلى لقاء الشاعر الذي تغني شعره من غير أن تعرفه”. كما حكت الدكتورة نعمات فؤاد القصة بذات التفاصيل دون أن تحدد مكان الحفل واللقاء. نعمات فؤاد، “أم كلثوم – عصر من الغناء”، الهيئة العامة للكتاب، ط2، 1983، ص 168-169.
-
3 ربما يُفهم من كلام قصيري أن مونولوج “إن كنت أسامح” من تسجيلات شركة أوديون، وأن أم كلثوم وقعت عقدًا مع الشركة ذاتها في 1926، وهذا لا يطابق ما ورد في عدة مصادر وربما لم يقصده قصيري نفسه بمروره العابر على هذه السنوات. ما يبدو مؤكدًا أن شركة أوديون عرضت على أم كلثوم التعاون سنة 1924، غير أن المونولوج المقصود كان من إنتاج شركة جرامافون التي تعاقدت بالفعل مع أم كلثوم عام 1926، علمًا بأن أوديون لن تفوز بعقد جديد مع أم كلثوم إلا في عام 1930. هذا ما تحكيه فيرجينيا دانيلسون في سيرة أم كلثوم
Virginia Danielson, The Voice of Egypt, Chicago studies of ethnomusicology, 1997, Kindle edition “Recordings and Radio”. . من جانبها تشير موسوعة عصر من الغناء إلى أن تاريخ إنتاج الأغنية هو 1927، كما تحكي الدكتورة نعمات فؤاد عن رسائل تحذيرية وجهها مدير تسجيلات جرامافون إلى منيرة المهدية حتى تكف عن تقديم الأغنية نفسها، وذلك عام 1928. انظر “عصر من الغناء”، ص 172.
-
4 يربط قصيري بين عصر المماليك والقرن الثاني عشر، والصحيح أن عصر المماليك بدأ في منتصف القرن الثالث عشر.
-
5 ينفرد ألبير قصيري برواية إصابة أم كلثوم بالسرطان، فلم نجد لها أثرًا عند كافة من كتبوا سيرتها. المشهور أنها أصيبت في ذلك التوقيت بالغدة الدرقية. هذا ما تؤكده نعمات فؤاد التي تشير (مثل قصيري) إلى سفر أم كلثوم إلى واشنطن لأول مرة سنة 1949. انظر “أم كلثوم وعصر من الفن”، ص 280 – 281.
-
6 ينفرد قصيري أيضًا بالحديث عن أن أغنية “راجعين بقوة السلاح” قُدّمت على مسرح الأوليمبيا. ولما لم أجد لها ذكرًا في أي مصدر آخر، وجب توجيه السؤال للكاتب الكبير محمد سلماوي الذي كان مترجم أم كلثوم خلال تلك الرحلة والذي كتب عنها في مذكراته الصادرة عن دار الكرمة في 2018. وقد أكد الأستاذ سلماوي أن الأغنية لم تقدّم في تلك الرحلة التي غنت فيها أم كلثوم “الأطلال”، وأنت عمري” وأمل حياتي” و”وبعيد عنك”. شكرا للأستاذ سلماوي ولواسطة الخير الأستاذ أحمد ناجي.