من سيلتهم الدولة الميتة؟ هذا موت لا تقدر عليه أسماك صغيرة لعوب. هذا موت لا يقدر عليه سوى الموتى أنفسهم. السؤال أقدم من تكليف البروفسير حسان ثابت بتشكيل الحكومة. وبعيدًا عن تمام التكليف أو عدمه. فإن الاختيار نفسه استعراض لقوة السلاح المهيمن؛ إذ لم يعد حزب الله يستعمله إلا في إعادة تنصيب المنهار من دائرة مركزها إيران.
فقد سلاح حزب الله مجاله العاطفي؛ مع خفوت معارك المقاومة مقارنة بمعارك “تثبيت” الأركان المنهارة في إمبراطورية “الولي الفقيه”. وهذا الفقدان جوهري، ليس عابرًا، فهو تماسك بنية ظلت تنمو تدريجيًّا لتصارع على الهوية من داخل الحرب مع العدو، التي تبدو مركز الاصطفاف هويات باحثة عن سلطة.
وبعد القومية في الزمن الناصري، وبالتوازي مع الإسلامية في زمن انتصار حماس، حفر حزبا لله وجوده بهوية ابتلعت كل الحطام ببراعة السلطوي الناشئ.
الناشئ اليوم عجوز مترهل يدافع عن حصاد السنين. والاستثمار في حطام كل الاتفاقات من سايكس بيكو وحتى الطائف.وإستهلاك منظم للمظلومية الشيعية المعاصرة. وبين النشوء والتطور في بلادنا فجوة يظل فيها التنين مختفياً عن الأنظار رغم تضخم حجمه حتى يصل إلي ما وصل إليه كل سلطوي من كل إتجاه: إما أن تكون “أنا” الحزب/النظام/الحاكم هي نهاية العالم… آخر المنتظرين… خلاص البشرية… أو أن هذا عالم خائن يستحق تدميره.وهنا يبرر التحالف مع الخصوم و الملعونين ليمهد خروج التنين من مكمنه.
العالم بالنسبة لنا: خلاصاً أو مؤامرة. يحدث هذا مند سايكس بيكو. وسقوط الخلافة. وانتقالنا من استعمار خشن ينتمي للإقطاع إلئ ناعم ينتمي للدولة القومية… مع كل مرحلة يظهر رعاة يعتنون بوكلاء محليين. يعتبرون أنفسهم “نحن” ويتخذون في حياتهم شكل “الوطن” عندما يكونون في مزاج الحنان… ويضيفون بعض القسوة ويصبحون “الدولة“… وهم ليسوا إلا أبناء بيوت السلطة؛ حيث يتحالف المصرفي والسلاحجي والروحاني، بنسب مختلفة؛ حسب طبيعة كل بلد وظروفها واحتياجات جمهورها.
بيوت السلطة لم تتغير تقريبًا فكرة أنها ليست دولة ولكنها “وضع يد” لبيت من بيوت السلطة.
وهذا هو المأزق بالضبط… بيوت السلطة في شيخوختها لم تعد قادرة على شيء. تريد الاستمرار وتسمه الاستقرار… ولا شيء فعلاً سوى فتات من الإحسان… هكذا يريد البروفسير حسان تغيير العالم ليبقى على حاله. هو أعجوبة بيوت السلطة في استعراض قدرتها.
نسيت أن أقول إن بيت السلطة في بيروت الآن هو “الحزب“؛ هكذا تقال بالألف واللام… هو الحاكم الذي سئم من إخفاء لحيته وسلاح قاسم سليماني عباءة خامنئي… ولهذا اختارت أن تدمر صيغة دولة الطوائف باختيار رئيس حكومة سني بدون كتلته السنية…يحرسه فرسان الطوائف الأخرى… ويشبه رجال الحكم الموضة هذه الأيام أولئك الذين يقولون كلامًا يشبه الحكمة… ويلوكون شعارات شبه الشعارات… وهم نتاج طبيعي لرواج فكرة مستعارة من عالم الاستهلاك… حيث مرقة ماجي تقدم على أنها حساء… والتانج يعيش في دور العصير، والنيدو في دور الحليب، أما الإندومي فيعيش في سمت الأكل.
كتبت هذا على الفيسبوك في مناسبة بعيدة عن ظهور البروفسير حسان من عمق الأزمة… بالضبط عندما صرح سيناريست معتق بأن الثورة مثل الماء الذي يغلي… وبعد فترة يبرد “تداول الناس التصريح وكأنه حكمة… فاستدعت صور الإندومي وكأنه أكل… تكرر الأمر مع التكليف في بيروت… ويتكرر كلما تأكد موت الماضي ورفضه للرحيل…وليس أمامنا الآن إلا مطالبة بيوت السلطة أن تلتهم الميت الذي أماتته.
الوسوم :