“الكورس الشعبى” لوحة عرضها الجزار سنة1949فى معرض جماعة الفن المعاصر. وضع لها بنفسه عنوانا “رعاياك يامولاى”. أغضب العنوان الساخر الملك فاروق. رفعت اللوحة واعتقل الجزار واستاذه حسين يوسف امين لمدة قصيرة، وافرج عنهما، بعد أن تدخل الفنانان محمود سعيد ومحمد ناجى،وكانا من الصفوة، اختفت اللوحة وأعاد الفنان رسمها مرة ثانية فى بداية الخمسينات. المشهد على ما فيه من مباشرة، يبدو محيرا. وربما اختار الفنان له عنوانا صادما، ليتفهمه السياسي، وكأنه سؤال حول هذا الوجود المهدد، حول الجوع نفسه، حيث لا مجال للحديث عن نوع الحياة أو شكلها، وانما فقط عن الحق فى البقاء.
فى مواجهتنا صف مرصوص من البشر بكامل ملابسهم، بينهم امرأة عارية، يقفون خلف صف من الأطباق الفارغة يتوسطها ابريق ملون. على اليمين ثلاث عجائز يصعب تمييزهم جنسيا، ولا اعتقد أن الجزار كان يلمح بذلك الى هوان الذكورة. العارية الوحيدة فى العمل،هى مكمن الدهشة، تبدو أقل بؤسا من غيرها،وعريها محير، فلا زالت قادرة على أن ترتدى خلخالا. الخلخال هنا ليس مجرد حيلة فنية. وكأن هذه المرأة وسط الحاضرين تحت ثيابهم. تصرح بعريها هذا الذى لا حسية فيه،ولا يبدو أنها تخجل كثيرا منه، أن الحياة نفسها عارية مثلها، لأن غايتها هى الوجود فقط، الحياة عارية وقاسية كما تلك الاطباق الفارغة المصقولة. من عرى هذه الفتاة وعرى تلك الأطباق أيضا، ينقلنا الجزار الى عرى الحياة نفسها.
عبد الهادى هذا السكندرى الوسيم، كان يعزف العود ويرتل القرآن بصوت جميل، ويكتب الشعر ويقرأ الهيروغليفية. روح عبقرية ترتج داخل جسد بقلب واهن،كان منذورا للموت فى اى لحظة، وادرك ذلك منذ الصغر، ترك دراسة الطب واختارالفن. فى أعماله تسكن هواجس عميقة، وكأن العالم بكل همومه وثقله إيماءة زائلة، يلمحها فقط ذلك الكائن الرقيق،المعلق بين الحضور والغياب.