“ توكسيدو علي البحر”.لم أنجح في تحديد صاحب فكرةإقامة حفل إفتتاح أول دورات مهرجان الجونة ،علي مسرح مكشوف في الهواء الطلق ـ بين صحراء وبحرـ بملابس شديدة الفخامة، تمنح الطابع الارستقراطي الكلاسيكي ،الذي يوحي بالانفصال الغليظ عن الواقع والمكان يتخفف فيه سكانه و زائريه من الملابس والوعي المصاحب لها. ربما كانت رغبة عامة في صناعة” إبهار” من اللحظة الاولي ،لتفادي شعور عام بالعجز وعدم الثقة ، بإثبات قدرة علي “صناعة شيء جيد“.ستتردد كثيرا عبارات من نوع يضع بروازٍاً كبيرا للحدث :” أثبتنا أننا في مصر قادرون عندما نريد”..تبدو هذه القدرة رهن المبالغة في تنفيذ “الموديل العالمي “ وتحديداً في افتتاحات مهرجان “ كان” او حفلات توزيع الأوسكار،وذلك إلي حد إختيار التوكسيدو، قمة الاناقة بالأسود اللامع المحتفظ بكل قوة اللون وطاقته. الأناقة المفرطة تحولت الي فخ مع هبوب عاصفة علي الجونة ، لكنها لم تفسد الحفل ، فالأدرينالين و الهوس بتحقيق نجاح في ظل حالة بؤس “عمومية ، أكثر تأثيراً من الوقوف عند غرابة فكرة الحفل وعدم إتساقها مع روح المكان، أو حتى الأخطاء صغيرها أو كبيرها،في المفاهيم أو التنفيذ، هي غالبا روح شبيهة بإنتظار الجماهير مشحونة بالهستيريا، وصول الفريق المصري لكرة القدم الي مونديال روسيا 2018, لتكون علامة علي وجود طاقة خارج الحفرة العميقة التي يعيش فيها المصريون، هذه الروح احتاجت بالنسبة للفن السفر الي الجونة حيث يلتقى البحر والصحراء، وتخف الايدي البيروقراطية الحكومية ،ليكتمل كرنفال النجوم بمواصفات مفارقة للركاكة المعتادة . “الجونة” من هذه الزاوية أكبر من مهرجان سينما، هي دقات بداية لعملية “ترميم“ تلك الكتلة الغائمة التي تسمي علي إسم مصطلح جوزيف ناي الشهير: القوة الناعمة.
1
لم يلتفت أنسي ساويرس كثيراً في الحفل.وجهه منحوت ثابت الملامح ، كأنه في عالم أو زمن بعيد، مكتفياً بحضور رمزي صامت،في الحفل /الكرنفال الذي كان مزيجاً من الحفلات العائلية و المناسبات الوطنية و طقوس التدشين.ساويرس الأب بأعوامه التسعين أيقونة العائلة و”إله الحظ” الذي أسس شركة “أوراسكوم” عام ١٩٥٠.
حضورالأب هو احتفال بقوة العائلة،وتأثيرها في نجاح الأبناء الثلاثة، الذين يقسمون العمل والأدوار ويتركون لنجيب،الأبن الأكبر، موقع الواجهة، أو صانع الألعاب الحر في منتصف الملعب، وتقاطعات “ الشركة/العائلة “ مع الدولة والعالم. ساويرس(نجيب) وحسب شخصيته و موقعه من العائلة ،لايكتفي بالبيزنس،يتحرك منه الي السياسة و الميديا والرياضة، وهي مجالات خطر في دول تضع قبضتها علي كل مايتصل بالجماهير ، لكن نجيب محترف في “ضبط الخطر “ بالحفاظ علي “ العلاقة “ مع اعماق الدولة وعلي المسافة معها في نفس الوقت ، معادلة تجعلنا نراه في منطقة وحده ، بينما تتشابك أدواره العلنية والسرية بما يوحي أنه “ تحت عناية مركزة “ من الدولة ، لكنه ليس من المحظيين و المحظوظين الذين ينالون تصاريح تكوين الثروات ،مقابل تنفيذ الأوامر حرفياً، نجيب و عائلته ليسوا اغنياء الدولة ولا من “الحاشية المالية” للمجموعة المحتكرة للسلطة والثروة و السلاح.
وبسبب اغلاق المجال العام ، والسيطرة المفرطة علي كل مجالات الاتصال مع الجماهير، تبدو حركة نجيب لاعب العائلة ملفتة ومثيرة و مؤثرة ، تنفذ أدوارا يمكن ان تستفز حمية محدودي الأفق من المغرومين بسلطتهم، الذين يحبون الطاعة أكثر من إتمام المهمة، وبين هذه الدوائر المتشابكة والمعقدة والرثة معا،حقق نجيب مهرجان الجونة، مصحوباً بعائلته كلها،وبحضور رمزها التاريخي ، مغامراً في منطقته الآمنة ، ومراهنا علي الفراغ الذي لا يجعل أحد سواه (بعد غياب أساطين مثل حسين سالم) علي ان يدير عالم الترفيه واللهو بمنطق يحقق أهداف الدولة في غياب قبضتها.
أضاف حضور العائلة المكثف،مشاعر حميمة لمهام عادةً ما تتم وسط جفاف وصلف البيروقراطيين بكافة تمثيلاتهم السياسية و الأمنية و الادارية ، ومرت مهمة اظهار “صورة أُخرى” لمصر،بخفة المجال العائلي الذي يستضيف نجوم وفنانين حول عالم السينما اللذيذ والمحبب لعموم الناس.
وتأكيداً للحميمية قدمت الفكرة علي انها امتداد لعشق نجيب للسينما “يري فيلما كل يوم و لديه احلام باستعادة المجد القديم و الريادة الضائعة “،وهي الشراكة الأولي بين الأخوين نجيب وسميح الذي لايحب السينما و”الفيلم بالنسبة له محفزا للنوم” ،لكنهما التقيا في عمل مشترك سميح بمشروعه الكبير(الجونة ) و نجيب بدوره المنتظر في قيادة “ الترميم “ بعيدا عن مخططات الدولة التي تحب القوي الناعمة لكن باعتبارها إمتداداً للشئون المعنوية.
2
ليس في غير الجونة ، يمكن أن تسمع تعبيرات مستهلكة مثل “ استعادة الريادة “و من أجل “صورة مصر”،بدون الغضاضة التي يسببها تفريغ الكلام من معناه ، وتجويفه الى ان يصبح شعارا اكبر من الواقع ، بل يريد الشعار ان يكون“ الواقع “ . في الجونة اللقاء مع “ الكيتش الوطني” له شكل ومذاق آخر،يرتبط بهشاشة مصدرها الفن والهوس بالنجوم ،آلهة العصور الحديثة، يضاف اليهما أننا في أحد ملاذات الهاربين من القاهرة في نسختها المحافظة القاسية ، ليس جميعهم لكن الشرائح الأكثر قدرة وتطلعا الى حياة غربية في قلب صحراء البحر الأحمر. هذه الهشاشة تخفف وطأة “ الكيتش” مثلما تفعل الانتصارات الصغيرة في الرياضة، حين ينفتح الغاضبين و المتمردين و الباحثين عن فرادنيتهم، علي الوعي الجمعي لفترة قصيرة من الزمن. هكذا يمكن ان تسمع مقولات مستهلكة مثل “..ان الناس في العالم العربي يعرفون عادل امام و يتكلمون علي طريقته منذ ٣٠ عاما “فهو” الهرم الرابع “ ، بدون نفس المشاعر الغاضبة التي لا يحركها عدم التصديق و إنما حضور مثل هذه التصورات مثل الحقائق النهائية أو حوائط المبكي على مجد ضائع. الحضور الطاغي لعادل امام هو نوع من النوستالجيا لأيام الهيمنة الثقافية لمصر علي شعوب في بداية مشوارها بدون سلطان عثماني و محتل غربي ، ولم يكن هناك إلا الماكينة المصرية تعمل بقوة وهديرها يسمعه أصغر طفل من المحيط الى الخليج …الحنين هنا ليس الى قوة الماكينة ولكن الي الفراغ الذي كانت تعمل فيه . وهذا تقريبا مصدر شر النوستالجيا ، انها تقوم علي الاختصار والتعبئة والاكتفاء بالنكهة بديلا عن المذاق . ولهذا لم يكن من الممكن أن تدشن الجونة بدون عادل امام.
3
عادل امام هو “زعيم القوة الناعمة “ وأيقونتها،حافظ أسرارها،يجلس علي القمةالمدببة وحده، مثل زعيم أبدي لا مكان لغيره في سياسات السلطة الشائكة في السياسة والفن. لن تجد مبرراً فنياً في إستحواذ عادل إمام على “ الزعامة “ في مجال ليس فيه زعامة،ولامستبد فردي، ربما غير تفسير منطقي هو إستنساخ الإستبداد في كل مجالات الإتصال مع الناس، حتي انهم في زمن الملوك يختارون أميرا للشعراء ، وفي زمن جمهوريات الأبطال العسكرية لابد من ” زعيم” لنجوم السينما.
عادل إمام يسيطرعلي شبكته الممتدة من شباك التذاكر إلي قصور الحكم وبيوت السلطة والمال،سيطرة لاتخلو من ذكاء ظهر في كلمته أمام جمهور الجونة من النجوم حينما قال ” الناس عندما ثاروا في الاتحاد السوفيتي و أوربا الشرقية حطموا تماثيل المستبدين، لم يحطموا تماثيل الادباء و الفنانين”. في هذه الجملة بدا عادل امام مسرحياً، يشبه/يجسد مفهوم “القوة الناعمة “ كما يتردد على الألسنة ، كتعويذة خالية من المعني ، يلتقي عندها الليبراليين و الوسطيين و الناصريين /الدولتيين و المعارضين في حديقة الدولة الخلفية /الفنانين و خيوط اتصالهم مع أجهزة الدولة…الجميع يتحدث بأسي غامق عن “غياب القوة الناعمة” وعلي أنها” الحل “ لنهوض “دور مصر “ ، هكذا بدون تفكير ، او إعادة نظر في مستوى فهم المصطلح الذي قدمه جوزيف ناي ، في روشتة انقاذ السياسة الدولية للولايات المتحدة .
نظريا القوي الناعمة هي اعتراف من الدولة بالمجتمع وقوته، وهي اختراع الليبراليين ، لمنافسة اليسار علي الحشد و التعبئة لجماهيرهم ، وتعتمد علي تكوين قاعدة لجاذبية الدولة، تضاف الي قدراتها الشاسعة في الاكراه و الاخضاع ، وهذه الجاذبية تعتمد علي” أن يكون للدولة قوة روحية ومعنوية من خلال ما تجسده من أفكار ومبادئ وأخلاق ومن خلال الدعم في مجالات الثقافة والفن و حقوق الإنسان، مما يؤدي بالآخرين إلى احترام هذا الأسلوب والإعجاب به ثم اتباعه، وواقعيا تحولت “ القوة الناعمة “ الي طريقة في “ البروباجندا “ لا تبدو فيها انها “ بروباجندا “ للتأثير علي الرأي العام او خلق جمهور متجانس مع “ قوته “ الناعم منها و الصلب. وغالبا يحب المصريين القوة الناعمة لأنها سلاح الغزو بدون تكلفة السلاح .وللغزو سحر عند المهووسين يالدور المصري والمجروحين في نرجسيتهم علي امبراطورية لم تقم أبدا.
4
وبالنسبة لمدمني “ الروشتات “ فان عادل امام “معجزة” ، تستمر بدون مقوماتها،معتمداً علي ذكاء الاقامة الطويلة علي “ عرش” الشباك ، وقدراته في الاستمرار رغم بهتان الموهبة، و اصراره على يصر علي الحضور بكامل بطلاً مطلقاً ، متحدياً الزمن نافياً كل ما هو غريب عن “ أبهة “ القوة والزعامة.
“القوة الناعمة “ تعيد ترسيخ اُسلوب الحكم الذي يتصور نفسه أبديا (خالدون على الكرسي) مطلقاً(مسنوداً بالدعم الالهي ) من محاولة ضرب أية معايير ترتبط بالنسبية/ الوقتية / الزائلة فيتم التحكم في سوق النجومية مثلا لتكون تعبيرا عن “ركود الزمن ” فيستمر عادل امام في الانتاج رغم التردي و الركاكة و الرداءة لأنه رمز تثبيت الزمن وعدم قبول الحركة إلا في هامش صغير أو حديقة خلفية تلهو فيها الأشبال التي ستولد ميتة حول الزعيم المنتهى فنيا والمستمر بتقديس المجال له،وهذا يلائم تمام تحويل الفن إلى “سبوبة” و”تقليب عيش” ليسيطر الرديء وتتجمد الفاعلية عند تكرار النمط السائد ويكون الإنجاز كل الإنجاز في الدخول الى عالم الركود “الجميل” و الحصول على نصيب من “السبوبة”.
5
عادل إمام غادر”اللعب“ من زمن. ليصبح زعيماً ملهماً ومبشراً ،يتعمّد عنده شباب النجوم في طريقهم لدخول “ المنظومة “ محاطين بأغنيات” تحيا مصر” وعادات وتقاليد”سبوبة” الفن الكبرى ، ويبارك إحتفال ترميم القوة الناعمة، في رعاية طبقات تهوى النسخ المصرية من كل ماهو أجنبي ،وتشعر بالخيلاء من مجرد ضبط “الأداء “ولو كان فارغا من سواه.
بركات عادل إمام تذكر بعهده القديم ، في أفلام تقوم الكوميديا علي بطل هامشي يفسد حفلات الطبقات العليا و يضحك جمهوره الواسع علي المتأنقين المنفوخين في بدلات وخلف قصات شعر ،عادل الآن “زعيم” في حفل ، بين نفس الطبقات، بل هو بركة الحفل، الذي يشعر بمشاعر تودد عائلي تجعله مستريحا و هو يستدعي في الميكرفون ولديه محمد ورامي ليصعدا المسرح ليصافحا”عمهما” نجيب(ساويرس).
عادل امام كان الأكثر حضورا علي المسرح ، رغم شحوب قدراته علي اطلاق “القفشات” ،لعبته وملعبه الذي فشل مثلاً النجم الشاب ( احمد فهمي) في تقديمها ، فهزمت القدرات الشاحبة قوة الشباب ، وهذا سر احتلال عادل امام لنفس مساحته منذ ٣٠ عاماً، كلهم يريدون موقع ” البديل ” ويودعون ذواتهم ليحصلوا علي ” بطاقة عضوية ” في ” منظومة ” راكدة لاتريد سوى “زعيم ” واحد ، له ظل من عشرات نجوم يسعون الي ان يكونوا البديل ، وهو سعي للتقليد لا للابداع ، السير علي الخطي وليس حفر مسار جديد ، وعادل أمام اين هذه المنظومة ،وزعيم بها ، وبركة القوة الناعمة فيه، فهو أسير التكرار الأبدي، لا يريد المغامرة ولا يقدر علي التجريب او الدهشة، اوتقبل للفقد و الخسارة ، ولا يمكنه قبول فكرة الحضور العابر في الأفلام ،كما فعل نجم مثل آل باتشينو في فيلم “ دبكة “ الذي شاهدناه في المهرجان .
لماذا تشعر “المنظومة” و”القوة الناعمة” بالأسي دائما، رغم ان زعيمها مازال علي قيد الحياة، يمارس حضوره الأيقوني والروحي والواقعي، وقوانينها سارية و دورها مطلوب و ” السبوبة مازالت تجرى “؟
لماذا يشعرون بالتهديد رغم كل هذه السيطرة ؟
القوة الناعمة،وبمفاهيم أصحابها خانت نفسها،لم تعد رهن حرية وإستقلال وجاذبية، لكنها اصبحت كتيبة ملحقة تتحرك بأوامر عليا،وتحولت إلي “نسخة “من القوة المتوحشة في الحكم و السيطرة ، هدفها ترويض الجمهور والسوق، والانقضاض علي مواقع الهامش لتشعر بخطر ابتعادها عن “المركز “ و “التيار الاساسي” و الديناصورات المتحكمة في صناعة السينما، تحكم أوصلها الي الانهيار تقريبا، إنهيار هو سبب حالة الرثاء التي تتحدث بها “جحافل” القوة الناعمة عن نفسها.
6
ولأن البيروقراطية الحكومية كانت “شبه غائبة“عن “الجونة“،لم يكن “ ترميم “ القوة الناعمة بضراوة ” شغل ” الموظفين ، حراس الرداءة.كان هناك هواءً مختلفاٍ يتسرب بين وقت وآخر ، وتتسرب رغبة في التحرر من كل الثقل المرتبط باستخدام الفنون لخدمات ورسائل وأهداف في السيطرة ، وحماية كيانات تقوم علي الغموض والكهانة ، كأننا ” جنود ” في معركة أقدار لافكاك منها، وتمنح حق الوصاية علي الفن والأفكار لمن يحتل/يستحوذ علي موقع القيادة.
كان هواءًجانبياً خفيفاً، أتاحته غالبا رغبة ” اتقان” بعيد عن الرداءة البيروقراطية أو “اختلاف”عن قتامة المستعرضين لثرواتهم ، هذا الهواء خلق مساحات تفاعل ، حاصرت بشكل ما ” القوة الناعمة ” بشيخوختها ، وابتذالها في منطقة ” الكرنفال” .
لم يكن ممكناً وجود هذه المناوشات بدون” مسافة “ساويرس عن “الدولة“ وشعوره بحمايتها في ان واحد ،خاصة ان إقامة مهرجان في ظل الرغبة المحمومة في السيطرة علي كل مجالات النشاط الاقتصادي و الفني و الاعلامي، هو مغامرة كاملة ، خاصة أن هناك علي بعد خطوات تتسارع عملية إبتلاع السينما التتي تتم عبر شركات تعمل بتوجيهات أجهزة أمنية مباشرة ، وتنتج أفلام “بروباجندا” قلبا وقالبا، سرداً وصورة، بل إن بعض الأفلام المنتجة حديثا بأفكار مباشرة وروايات سكان قصور الحكم ،عن بطولات المجموعة الحاكمة في إنقاذ مصر.
ومن هنا أهمية وتوقيت محاولة ساويرس المنافسة علي نفس المهمة، بمنطق “ لدينا طرقاً مختلفة “ لنفس الهدف. “الجونة” مناسبة لطقوس لا يقدر عليها البيروقراطي الرث، الغارق في حسابات وعالم أضيق ، جعلته في ظهوره النادر داخل أروقة المهرجان ممثلا في الادارة المحلية ، أو وزارة الثقافة ،غريباً، شارداً ، وسط أجواء تتخذ طابعها من قدرة المال علي صناعة” صورة “ مختلفة لنفس الواقع.
هكذا كانت أول بشائر التخصيب بين “ المنطومة/العائلة و الخبراء في المجال الدقيق(المهرجانات)، وغالبا تم تقسيم غير معلن علي ان تكون “الحفلات “ من نصيب فريق معاون لساويرس(عمرو منسى وشركات علاقات عامة و تنظيم حفلات)، واهدافها في ترميم “ منظومة “ القوة الناعمة ، ومايتبع ذلك من “ تنشيط السياحة “ و تحفيز الرعاة و الداعمين للانفاق في الدورات المقبلة ، وهو ما قاله احد رؤوس التنظيم في إجتماع عاصف بسبب أزمةالصحفيين المحتجين علي عدم حضور حفلة الإفتتاح و تخصيص قاعة لمشاهدة الحفل علي شاشاة عرض. غلب خط المنظمين الساعي الي ( تقديم كرنفال الطقوس و جذب الرعاة) الي حد اقصاء خبراء المهرجانات السينمائية في اقاصي بعيدة علي المسرح ، كما يظهر موقع مدير المهرجان انتشال التميمي والمذيعة المحترفة بعيدا عن مركز شغله تمام ساويرس مهندس الطقس والكرنفال ، وصحبته. وكذلك غاب التعريف غياب فناني السينما ، خارج دائرة النجوم ، القادمين من عالم المهرجانات الكبري و السينمات البعيدة عن الشهرة،والتي كان يمكنها ان تثقل من حضور “ الثقافة “ بجوار السياحة ،والفن بجانب النجومية.والسينما في ظل طغيان الكرنفال.
7
مذيع التليفزيون نقل الافتتاح مكررآً بحماس ومبالغة“الاكليشيهات المقدسة“ في مثل هذه المناسبات( الفرح العائلي/الاحتفالات الرسمية) ،و رددها الجميع كأنها آخر مطاف الحقيقة : “…اليوم خرافي ويقدم صورة جميلة لمصر من خلال الجونة ويضعها على خريطة السياحة” ، لم يوقف تيار الدروشة السعيدة ، إلا المخرج يسري نصر الله عضو اللجنةالاستشارية :”..الجونة لا تحتاج للمعرفة كمكان سياحي، لكنها اليوم تقدم نفسها كمكان ثقافي”.
هذا الوعي لم يكن غائباً او مهجوراً في تنظيم الجونة ، لكنه الخط الثقيل للكرنفال و “القوة الناعمة “و “صورة مصر” الذي تمثله (العائلة/النجوم/المنظومة) ، لم يكن وحده ( وهذه ميزة)،كانت هناك خطوط متعددة و متنوعة محورها الفن والثقافة والسينما ، مفاتيح هذه الخطوط كانت مع “خبراء” المهرجانات وعلي رأسهم انتشال التميمي أحد أهم مبرمجي المهرجات في العالم العربي و الذي كان وراء إختيار مجموعة من الأفلام المميزة ، حاملا خبرة النسخ الحديثة من المهرجانات التي تدرك أنها مكان عرض الإتجاهات الحديثة في السينما و منصات او فضاءات تتيح للمشاريع الجديدة فرصا للمعرفة والتمويل والسند في مواجهة (منظومة) الشركات التجارية.
و “المنطلق” الذي كان في الركن البعيد عن أضواء الكرنفال، خلق بديناميكيته طاقة جعلت من “الجونة” مكاناً حيآً،لايموت مع موت الكرنفال آو اطفاء الضوء.
حياة و موت مهرجان الجونة في نجاح تخصيب العائلة /المنظومة بشحنات “الخبراء” .