في مجلتنا الجديدة نشاركك مقالات وأفكار تبحث عن الجمال والحرية، وتفتح مساحات لاكتشاف سرديات جديدة بعيدًا عن القوالب الجاهزة.
بديعة مصابني فاتنة نضرة التقطها نجيب الريحاني من بنوار عرضه البيروتي. الحكاية الأدق تقول إنها التي دقت بابه وطلبت منه عملًا. وقتها (في منتصف العشرينيات) كان الريحاني نجم المسرح الكوميدي الباحث عن جمهور من طبقة الموظفين والشوام المهاجرين والتجار المستورين. وعثر في حكايات ألف ليلة على كنز فتحته له بديعة؛ نموذج جمال الجواري في العصر الحديث، دلال وأنوثة من نوع نادر في بيئة محافظة مثل مصر؛ ترقص وتغني وتمثل؛ تضفي على سحر الأسطورة من جاذبيتها. بديعة ابنة هذه اللحظة من تاريخ الشرق؛ لحظة العبور من زمن إلى زمن. ولدت بديعة في حلب، ومع ضياع ثروة كانت تستر عائلتها، بموت الأب وهي طفلة (حزنًا على احتراق مصنعه)، هاجرت مع العائلة إلى أمريكا اللاتينية، بحثًا عن مكان يخلصها من فقر أيام التحولات، وارتباك الأخلاق القديمة للناس، مع الانتقال الاجتماعي من حال إلى حال، (قصة اغتصابها وهي في الثامنة التصقت بتاريخها الشخصي). كان اسمها وديعة، لكن جمالها الفاتن، دفع أهلها بالتدريج إلي تغيير حرف الواو بالباء، لتمييزها عن ابنة خالتها التي حملت الاسم نفسه؛ الذي عبر عن وعي بذاتها، وقوة مستمدة من الجمال أهلتها للهروب من مصيرها كبنت لعائلة محافظة متدينة تصارع الفقر. جاءت إلي القاهرة أول مرة (قبل لقاء الريحاني) مع أمها، وفي حديقة الأزبكية قابلت ممثلًا من فرقة جورج أبيض؛ أشهر فرق مسرح هذه السنوات المبكرة من القرن العشرين، ومعهم أضافت العربية إلي كوكتيل اللغات التي تتكلمها وتقرأ بها، وهذه واحدة من ملامح هذه اللحظة، حيث تختلط في القاهرة أجناس وثقافات ولهجات؛ فتاة شامية حلوة تتكلم تركي وجريجي وإسبانيولي (تعلمته في أمريكا اللاتينية، وفرنسي وإنجليزي). وهذه القدرة على الدخول في روح العصر، ظهرت بعد ذلك في النوع الذي اشتهرت به من عروض تجمع الرقص بالغناء، والتخت بالأوركسترا؛ قدمت نوعا مبكرًا من الفن الفيوجن؛ أي الفن الذي يمزج أنواع رقص وغناء من ثقافات وأزمان مختلفة.