استكمالا لدعوتنا للمشاركة في كتابة وتسجيل كوابيسنا الجماعية في زمن التباعد الاجتماعي والعزل الصحي حيث ظل الكورونا فوق الجميع. وصلنا عدد من الرسائل والشهادات المختلفة التى سنواظب على نشرها في فترات متباعدة ومختلفة.
نستقبل المزيد من شهاداتكم وكوابيسكم ومخاوفكم في عالم الكورونا وما بعده
الايميل: as.naje@gmail.com
أو على حسابنا على الفيسبوك: https://www.facebook.com/MedinaPortal/
أو حسابنا على تويتر: @MedinaPortal
يمكن للمشاركة أن تكون في هيئة نصوص أو شهادات مكتوبة، أو فيديو، أو تسجيلات صوتية.
سوف نواظب هنا باستمرار على نشر تلك الكوابيس وأسوأ السيناريوهات، حتى يتحقق السيناريو الأفضل، ويعبر الوباء حياتنا بأقل الخسائر أو ننتصر عليه.. من يدري؟ ربما..
نور: الأسى
أنا معزولة في مدينة تقرب مدينتي الأم، حيث يسكن والداي وأشقائي .. بعد غد سيمر على العزل شهر كامل، أخشى أن يطول، أن أبقى بعيدةً عن أمي، وأبي.. لا تكفيني مكالمات الفديو، ولا يكفيني النظر لصورهم، تأتي نوبات الهلع كل أسبوع مرةً واحدة، تدوام على ذلك.. كل ما أخشاه هو أن يحدث ماهو اسوء، الحمدلله.. السعودية هنا تبدو حريصة، أشعر بالأسى لنا ولكل العالم.
صلاح المولد: إعادة تعريف الخوف
بدأ أحد الأصدقاء مبادرة لكتابة رسائل للنفس أو للعالم عن ما بداخلنا ومشاركتها مع الآخرين عبر أحد وسائل التواصل. في الحقيقة، ظللت لعدة أيام مُعجب بالفكرة غير أني لا أعلم كيف أبدأ. بعد عدة أيام زادت مخاوفي وهواجسي حول موضوع الحجر الصحي وتداعيات جائحة (إلى الآن) فيروس كورونا المستجد وبدأت الحاجة في التعبير عنها تتزايد. تذكرت تلك المدونة التي كنت أنشر فيها بعض المتفرقات، ووجدت أن آخر ما تم نشره كان في عام ٢٠١٥. وياله من عام!
عودة لمخاوفي التي تتغير كل يوم حول هذا الموضوع:
في الحقيقة، لا تقلقني الأرقام كثيراً ولم أعد أهتم بها. فليس لدي أكثر من التباعد الإجتماعي والعادات الصحية وتوعية الآخرين لأفعله. فمتابعة الأرقام بعد ذلك هو مجرد عبء نفسي لا أتحمله. دائماً ما ألجأ إلى بعض الحيل لأتحاوز مخاوفي. أولاً، أتصور الأسوء بكل تفاصيله وكل تباعاته. أستعد له وأضع خطة للتعامل معه جيداً وأتأهب له نفسياً. أذكر نفسي ببعض ما كنت أتصوره “الأسوء” الذي مررت به وتجاوزته. أخبر نفسي أن “كل هذا حتماً سيمر”. العبارة التي لم أجد أصدق منها قط.
وثانياً، أبدء في التفكير بشكل علمي بحت وبمنظور عام وشامل ونظرة مستقبلية للأمور. أحاول أيضاً البعد عن الوضع الراهن والتعامل مع المستقبل. فمثلاً، لا أتابع الأرقام اليومية لمجرد معرفة الوضع ولكن للنظر إلى العالم كله على أنه يمر بتجربة ما وأن علي تحليل ما يجري ودراسة كيف ينتهي وماذا بعد نهايته. ومن هنا، أستطيع بطريقة ما بالخروج من حيزي العاطفي المتصل بمن أحب وخوفي على فقدهم إلى نطاق أكبر يتعامل مع الأرقام والمعدلات ويتجنب عاطفته. أليس هذا ما يجب أن يفعله البعض لكي يصل إلى حل ما وينقذ العالم! (ويكأني سأنقذه!). عادة ما تفلح تلك الطريقة (على الأقل معي) في تجاوز تلك المِحن. لكن الوضع هنا أعظم وأجّل. فلم يكن غريباً إختبار أنواع أخرى جديدة من المخاوف.
بالأحرى هو خوف من المعركة!
مع بداية حياتي العملية التي بدأت بعد إنهاء التعليم الجامعي قامت ثورة يناير ٢٠١١. كنت وقتها شاب سلفي من مدينة طنطا على وشك الزواج من فتاة عرفها في الجامعة وإنتقل ليستقر في القاهرة حيث فرص العمل. مع قيام الثورة وإنتقالي للقاهرة، بدأت في إعادة تعريف الأشياء وإدراك الكثير مما لم أكن أراه. كانت عملية مرهقة إستمرت لسنين. الكثير من المجهود والمقاومة مع النفس ومع الآخر. المعركة التي مازالت مستمرة إلى تلك اللحظة.
إعتقدت لبعض الوقت أن العِقد الثالث من العمر –كما يدّعي الكثيرون – هو الوقت الذي تبدأ الأفكارفيه بالنضوج! إعتقدت أني سأحصل على هُدنة قصيرة.
وجاءت الجائحة (كم هي معبرة كلمة “جائحة”) لتطيح بما كان. مع الكثير من القراءات عن ما هو قادم وما نحن فيه، نجد أننا (أو على الأقل أنا وحدي) على مشارف إعادة تعريف لكل ما كان وكل ماهو آت. كل تصورتنا عن المنظومات السياسية والمجتمعية والإقتصادية سيتغير حتماً. بل كل تصورتنا عن الإنسان وعن المجتمع وعن علم النفس والسلوك سيتغير حتماً. يالها من معركة أخرى!
هنا، لم تفلح خطتي في أن تعبُر بي من تلك المخاوف. ووجدت نفسي أواجه مخاوف أخرى. ليس لها علاقة بالموت أو حتى موت من أحب. وإنما هو خوف من عدم القدرة على إعادة تعريف الأشياء مرة أخرى. خوف من خسارة تلك المعركة التي ستحتاج طاقة قد تفوق قدرتنا وقتها.
آمل أن ينتهي (أو على الأقل يمر) كل هذا. وأن نستطيع التعافي سريعاً دون أن تنهكنا محاولات التعافي الإقتصادية ومحاولات البقاء. وأن يتبقى لنا بعض الطاقة لمحاولة فهم ما حولنا وإدراكه وتعريفه.
معاذ محمد: في مدح الاعتيادية
اذا نظرنا للأزمة الحالية بمنظور شاعري، يمكننا رؤية الحنين الواضح للأحداث العادية التي لم تعد عادية، الجلوس في المقهى، التسكع في الشوارع، العودة للمنزل بعد منتصف الليل مترنحاً كالسلطعون، البارات والمطاعم وكرة القدم حتى لو كانت في حالتنا المحلية مجرد بث تلفازي، التكرار اللانهائي لأي فعل يدخلة في اطار الاعتيادية مهما بلغت قيمتة وعندما يصبح الفعل اعتيادياً نكسبة صفة الملكية الشخصية، فتصبح الأحداث ملكاً لنا لأننا من خلقناها من العدم ولأننا نمتلك ارادة خلقها الاف المرات دون التفكير في سياق استثنائي مثل السياق الحالي والذي سلبنا مااعتقدناة جزئاً من قدراتنا كبشر.
تبرز قيمة الفعل في حالتين، النشوة الأولى لممارسته أوعندما يحضر مضادة، لا قيمة لإنتظار الليل ان لم يسبقة النهار، تحولت دفة الإعتيادية بين ليلة وضحاها لتنبذ كل الأفعال والأنشطة التي كنا نمارسها دون اي احساس بالامتنان لوجودها –وهذا طبيعي– لتضم احداثاً اخرى ولكنها تقع وسط جدراناً مغلقة، مانيفستو الإعتيادية الجديد، هوى سقف التوقعات وأصبح اقصى الأمال الشخصية هو التسكع في الشوارع بعد منتصف الليل وليس السفر إلى اوروبا، من المجنون الذي يريد السفر إلى اوروبا الأن؟ تصبح الحياة احياناً كالبورصة، يمكن للسهم ان يهَوَى دون انذار، من كان يصدق انني يمكني طرح هذا السؤال في 2020.
ربما كانت هذة المعضلة الوحيدة للرفاهية المطلقة، لاشىء مبهر، لاشىء مستحيل، احساس السعادة المر المشابة بإنهاء كل تحديات لعبة الكترونية في اليوم التالي لشرائها، انت سعيد بمهارتك ولكنك حزين لإنتهاء العرض، ربما كان تحول دفة الإعتيادية مفيداً للصحة النفسية للبشر في هذا التوقيت على عكس ما يبدو، صحيح ان العزلة تفك قيود الوحوش القاطنة بداخلنا ولكن إعادة العرض من البداية واستعادة الإنبهار والسعادة بأتفة الأفعال له اثر لا يمكن انكاره، لعبة وجودية بسيطة سنرى نتائجها بعد انتهاء الأزمة الحالية مهما طال امدها، سيرقص الناس في الشوارع وستصدح الموسيقى وسط الأبنية، ستكون لحظات سعيدة مهما انتفخت فاتورة الضحايا، ولكنها ككل الحظات السعيدة، ستنتهي، وسنعود مرة اخرى لطاحونة الإعتياد ولكن بذاكرة حية تبرهن ان السعادة مجرد مراوغة عقلية، هل تستطيع تنفيذها ؟
صورة الغلاف كورنيش الإسكندرية في إبريل 2020 ؛تصويرمن تصوير و تلوين رقمي:عمرو عادل