عندما تنتهي هذه الحفلة التنكرية…
قال الشاعر والكاتب اللبناني بول شاؤول وهو يضحك ردًا على تمنياتي بأن نلتقي قريبًا، في نهاية مكالمة من بيروت يطمئن بها على أحوالي “القاهرة بالنسبة لبيروت مهددة أكثر بالكورونا مع حشود البشر في الشوارع“.
ضحكنا وهو يصف محاولات تعلم السير بالقناع الطبي؛ الكمامة كما تسمى في الأحاديث المتداولة بين الناس وفي إعلانات التوعية التليفزيونية.
الكمامة هي الواقي الجديد.. ستصبح جزءًا من الأناقة اليومية.. وكما كتب لي الشاعر والطبيب النفسي إبراهيم السيد في دردشة إلكترونية “الكورونا تشبه إيدز الثمانينيات.. رعب المناعة التي تتآكل وتختفي.. مناعة لا مرئية تختفي.. المرحلة الأولى هي الرعب والإنكار وإلقاء الاتهامات عن مجرم ما مارس الجنس مع قرد، أو مجرم جديد أكل خفاشًا.. الواقي الذكري الآن مضلع ومحبب وله نكهة الفراولة.. ويطيل المدة مدعمًا بمادة مخدرة.. ويباع عبر صيدليات تستورد كل شيء وتدخله في منظومة السوق/عرض وطلب ودعاية..”.
الدردشة بيننا كانت تتم بينما إعلانات الكمامة الصحية والعصرية والأنيقة تمر في صفحة الفيسبوك.. الكمامة هي الموضة.. تعودت عليها بعد مقاومة قصيرة.. لم أفهم هل هذا اهتزاز بثقتي في نفسي التي جعلتني أرفض الكمامة في ظروف أخرى.. استنشاق الغاز في تظاهرات الثورة.. الدخول إلى عنابر خطرة في المستشفيات.. الآن لا يمكن الخروج دونها.. أو كما قال مذيع شهير في مقدمة برنامجه “دونها أشعر أنني أسير عاريًا“.
هل أخاف على حياتي (ينصح الخبراء بالخوف على الحياة لتضمن استمرارك في الحياة)، أم لأنني مسؤول عن أبي وأمي، وبحكم العمر هما الهدف الأول السهل للفيروس الباحث عن جسم حي يتوالد فيه، وأنا في الوقت نفسه المرشح لأكون جسر التواصل بينهما وبين الحياة.. الحياة أصبحت قرينة الخوف؟
في دردشة أخرى مع صديق كان قلقًا. يخاف من فراق الأهل والأحباب، ويحب الحياة. سألته: وهل تفقد الحياة في حربك دفاعًا عن حب الحياة؟ كنت أسأل نفسي في الحقيقة؛ هل الاختباء مثل الهاربين في البيت، والاحتماء بالعزلة جدير بأن يكون سلاح الدفاع عن حب الحياة. هل إغلاق النادي والسينما والمطعم والمقهى والبار هو الدفاع عن حياة المدينة وزهوتها؟ أسئلتي نوع من خوف عكسي. كيف نتخلص من العقل الجمعي الذي تربى قبل الكورونا، لنضمن النجاة؟
نحن مدعوون جميعًا لقضاء وقت مثير دفاعًا عن الحياة.. شرط الاحتفال التنكري أن نتقن الخوف “عاوزين خوف طبيعي.. خوف واقعي..”. أن نشعر بالإثارة الكاملة ونحن نغطي نصف وجوهنا، نرتدي أقنعة طبية، لكي لا نلمس وجوهنا.. فهناك نصف جرام من الشر سيجعل العالم كله يصاب بالجنون القاتل.. سيجعلنا نبدأ من جديد.. عالم ما بعد الكورونا.. فهناك أكثر من رغبة تتنازعنا.. ها نحن إذا نستريح من تعب الحياة ونعود إلى بيوتنا نتحصن بها.. في رحلة أصدقاء يراها صديقي الكاتب والمفكر عبد الناصر حنفي “أوديسة” إجبارية (وكل أوديسة إجبارية).. ويراها آخرون فرز كوني لمن يستحق البقاء.