في مجلتنا الجديدة نشاركك مقالات وأفكار تبحث عن الجمال والحرية، وتفتح مساحات لاكتشاف سرديات جديدة بعيدًا عن القوالب الجاهزة.
ولدت ليلى حلمي باسم «فريدة» عام 1920، بالقرب من شاطئ مدينة دمياط، وبعد عامين من ولادتها نزحت مع الأسرة إلى مدينة القاهرة، حيث احترفت والدتها التمثيل فوق المسارح. وعندها شاركت مع والدها في إنشاء فرقة مسرحية للتمثيل تجوب الوجهين القبلي والبحري. وقد أدى هذا التنقل المتواصل بين القرى والمدن المصرية إلى التحاقها بأكثر من مدرسة، كما كانت تقضي أغلب وقتها بين كواليس الفرقة وعروضها لتحفظ الألحان والبروفات التمثيلية. وكانت أسطوانات أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب هي المادة الخام الأولى التي استمعت إليها وتعلَّقت بها في عالم الطرب، خصوصًا مونولوج «إن كنت أسامح وأنسى الأسية» لأم كلثوم. وفي الثامنة من عمرها التحقت بمدرسة «ديروط» الابتدائية وتفتحت مواهبها الغنائية خلال الفسحات المدرسية التي تغني خلالها لزميلاتها من الفتيات. وعندما بلغت الثانية عشرة من عمرها انتقلت مع أسرتها إلى مدينة الإسكندرية، وبدأت تغني هناك في ثلاث صالات، فسمعتها فنانة فلسطينية وعرضت عليها العمل في إحدى الصالات التي تملكها في مدينة «يافا»، وقضت هناك ستة أشهر (ليلى حلمي: حياتي، الراديو المصري، 15/6/1946، ص 9).
شهدت البدايات الأولى للطفلة ليلى غناء بعض الطقاطيق والمونولوجات الخفيفة أمثال «ألو ألو» من ألحان سيد شطا، و«زنوبة يا زنوبة» من ألحان ليتو باروخ. ومع الوقت بدأت في تقليد أغنيات محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، حتى أطلقوا عليها لقب «أم كمون» بدلًا من أم كلثوم. وكان اسمها يكتب على جميع إعلانات الفرقة في أثناء رحلاتها إلى شتى أرجاء القُطر المصري. وعقب رحلة فلسطين غادرت الفرقة إلى مدينة «بيروت» إثر اتفاق مبرم مع متعهد الحفلات حينها أحمد الجاك، وهناك قضت الفرقة ما يقرب من عامين بين ربوع الشام. ومن أغرب المواقف التي شهدتها ليلى هناك الحادث الأليم الذي تسبب في مقتل العديد من رواد مقهى «كوكب الشرق» بعد أن انهار السقف على من فيه. ولعبت المصادفة دورها فقد حدث أن تأخرت ليلى على إحياء إحدى حفلاتها في المقهى بعد أن تأخرت في صالة السينما وعندما عادت إلى موقع المقهى علمت بما حدث! وبمجرد عودتها إلى القاهرة علمت بأن الفنان مصطفى بك رضا أعد حفلة غنائية من أجل مساعدة الفنان القعيد كامل الخلعي، وكانت هذه الحفلة سببًا في تعرفها إلى مصطفى بك رضا؛ الذي رافقها في الذهاب إلى الفنان مدحت عاصم والذي أُعجب بصوتها وتعاقد معها على الغناء لمدة ستة أشهر في محطة الإذاعة اللاسلكية الحكومية المصرية (بدون توقيع: حديث طريف مع المطربة ليلى حلمي، الراديو المصري، 4/3/1939، ص 10).
وبعد شهرين من هذا الاتفاق غادرت ليلى مجددًا للعمل في فلسطين، وقد تزوجت لمدة خمسة أشهر فقط وغادرت إلى العراق. لكن يبدو أن قفص الزوجية لم يكن مريحًا للعصفور الذي عشق الحرية والتغريد فكان الانفصال النهاية الحتمية. وفي عام 1936 تعاقدت ببا عز الدين معها للقيام برحلة إلى «تونس»، قبل أن تعود مجددًا للعمل مع أختها ثريا في صالة ببا في شارع عماد الدين عام 1938 (ميمدال: هذه هي السيكاميكا، الفن، 9/2/1953، ص 13). واستطاعت ليلى خلال هذه الفترة أن تصبح واحدة من نجمات المسارح والإذاعات العربية، حيث قامت بالغناء في إذاعات القدس وبيروت وتونس كما غنت على مسارح الجزائر والعراق ومراكش والشام قبل أن تنضم إلى الغناء في فرقة «الباليه المصري» بكازينو الكوبري عام 1951.