“بالتأكيد سوف أقتل ابنك الآن، كنت سأقتله في كل الأحوال، ولكن الآن سأدمره تمامًا، ستأخذه إلى المنزل باكيًا.. الآن” هكذا فكر ناشئ نادي ليرز البلجيكي صاحب الأحد عشر عامًا؛ وهو طفل ولد في أنتويرب لأب وأم من أصول كونغولية، الجد للأم ما يزال هناك في الجنوب الفقير في أواسط أفريقيا، والحفيد الطفل الذي ولد ويعيش في الشمال الغني بالتحديد في شمال بلجيكا عاصمة الاتحاد الأوروبي ويحمل جنسيتها، ما يزال فقيرًا للغاية ويتعرض للعنصرية أيضًا..
بدأ المشهد بالطفل روميلو ناشئ نادي ليرس البلجيكي في إحدى مباريات مسابقات الناشئين، حين منعه أحد آباء لاعبي الفريق المنافس من الدخول للمستطيل الأخضر؛ المدخل الوحيد الذي يعرفه لحياة أفضل. كانت أسئلة الأب المنافس عن عمر هذا الطفل، فقد بدا جسده أضخم كثيرًا من بقية لاعبي الفريقين، وكان هذا في الحقيقة سؤالاً مشروعًا! أين بطاقة اللاعب؟ ومن أين هو؟!
“من أين أنا ؟ ! أنا من هنا.. ولدت في أنتويرب .. أنا بلجيكي” دارت هذه الأفكار ومعها مشاعر مختلطة لطفل – حتى وإن كان جسده ضخمًا – لم يكن أبوه معه مثل بقية الأطفال، فالأب لاعب الكرة المتقاعد كانت أحواله المادية متعثرة للغاية، وكان مفلسًا تمامًا في الحقيقة، انتهت رحلته محدودة النجاح مع كرة القدم بلا بدائل ولا مدخرات؛ لدرجة أنه لا يستطيع توفير نفقات مرافقة ابنه إلى المباريات.. كان الطفل وحيدًا ومضطرًا للدفاع عن نفسه، فعاد ليحضر بطاقته، رأى آباء لاعبي الفرق المنافس ينقلونها فيما بينهم ويفحصونها. لكنه ما يزال يذكر كل هذا الغضب “ستأخذه إلى المنزل باكيًا“..
هداف المنتخب البلجيكى روميلو ميناما لوكاكو المولود في 13 مايو 1993 في أنتويرب – بلجيكا، أكبر هدافي المنتخب البلجيكي في كل العصور، وصاحب الأربعين هدفًا في 71 ظهور له مع منتخب بلاده الذي يحتل المركز الثاني في ترتيب هدافي كأس العالم الحالي بعد نهاية مباريات الدور الأول الأول بأربعة أهداف، أحرزها في مباراتين، بالتساوي مع الأسطورة، الدون رونالدو.
الشاب الضخم الذى يتحدث الفرنسية والهولندية والإنجليزية والبرتغالية والإسبانية وأيضاً السواحيلى بلهجته الكونغولية بدا لي غاضباً للغاية في مباراتي منتخب بلاده أمام بنما وتونس، لم يكن ذلك الغضب على ملامحه فقط، حتى عندما سجل أهدافًا، بل شعرت أن هناك طاقة غضب مشعة تخرج منه؛ ينشرها حوله؛ يشعر بها منافسوه ويخافونها ويخافونه..
“أردت أن أكون أفضل لاعب كرة قدم في تاريخ بلجيكا، لم أرد أن أكون جيدًا أو حتى عظيمًا، أردت أم أكون الأفضل على الإطلاق، لعبت دائمًا بغضب مهول، لأسباب كثيرة : بسبب الفئران التي كانت تجرى حولنا في شقتنا الصغيرة، بسبب أني لم استطع مشاهدة دوري الأبطال، بسبب نظرات آباء الأطفال الآخرين إليَّ… كنت وكأنني في مهمة“.
حين وضعت اسم لوكاكو وبجانبها كلمة غضب على جوجل، كان هذا ما وجدته، معاناة مع الفقر والتهميش والعنصرية. يحكي روميلو أنه بعد تلك الحادثة كان يحادث جده لأمه في الكونغو، اعتاد الحديث معه في كرة القدم، فهي حبه الأول – يقول في سياق آخر إن تيري هنري، لاعب فرنسا السابق الكبير، ربما يكون هو الوحيد في العالم الذي يشاهد كرة قدم أكثر منه– ولكن الجد لم يتفاعل هذه المرة مع حكايات الحفيد الكروية، وطلب منه أن يعتني بابنته! حار الطفل وأجاب بأنهم بخير، ولكن الجد أصر أن يعده الطفل، وقد كان.. رحل الجد بعدها بأيام، وذهب الطفل إلى أمه ليعدها بأن كل هذا سينتهي؛ سيحترف كرة القدم حين يتم عامه السادس عشر كما يسمح القانون، وسيتغير كل شيء، ولم يتأخر تحقيق الوعد سوى أحد عشر يومًا فقط! بعد إتمامه السادسة عشر بأحد عشر يومًا وبالتحديد يوم 24 مايو 2009 لعب روميلو لوكاكو مباراته النهائية الأولى في إندرلخت فريقه الجديد أمام ستاندرد ليج.
سجل لاعب مانشستر يونايتد الحالي هذا العام – عامه الأول في الفريق – في البريمير ليج ستة عشر هدفًا في 34 مباراة، وتسعة أهداف أخرى في بقية المسابقات، وهو أحد خمسة لاعبين فقط في تاريخ الدوري الإنجليزي استطاعوا تسجيل 50 هدفًا قبل بلوغهم الثالثة والعشرين، وخامس أصغر لاعب يصل للهدف رقم مئة في تاريخ الدوري الإنجليزي.
كانت كرة القدم لعنة روميلو ومنقذته، انتهت رحلة الأب مع الكرة بمعاناة هائلة لعائلته، جعلت الطفل “يدرك” وهو في السادسة معنى أن يكونوا مفلسين تمامًا، ولكنها عادت لتنقذه؛ كرة القدم اللعبة والصناعة المتداخلة بعمق في الاقتصاد العالمي يمكنها أن تكون الاثنين: المعاناة والمخرج منها، يمكنها أن تكون مسارك في المدينة للدخول إلى عوالمها الرحبة أو مسارك العكسي لأطرافها وفقرها؛ من أنتويرب إلى بروكسل إلى مانشستر في لندن تنقل روميلو لوكاكو – بينما أخاه الأصغر جوردان يلعب حاليًا في لاتسيو الإيطالي – حاملاً معه قدراته البدنية وموهبته وغضبه فوق كل هذا.
“أتمنى فقط أن يكون جدي هنا ليشاهد كل هذا، لا أتحدث عن البريمير ليج، ولا عن مانشستر يونايتد ولا دوري الأبطال، ولا حتى كأس العالم، ليس هذا ما أعنيه؛ أريده أن يكون هنا ليشاهد الحياة التي نحياها الآن، أتمنى أن أحادثه تليفونيًّا مرة أخرى لأخبره: هل ترى؟ لا فئران في شقتنا مرة أخرى، لا نوم على الأرض، لا ضغوط أخرى.. نحن بخير .. نحن بخير… لم يعودوا يريدون رؤية بطاقتي ثانية .. إنهم يعرفون اسمي“
** كل الاقتباسات مما كتبه روميلو لوكاكو لـ The Players Tribune