أصغر لاعب، ثم أصغر هداف مع الفريق الأول لنادي موناكو، وفي المرتين كسر رقمًا قياسيًّا مسجلاً باسم اللاعب الكبير الفرنسي تيري هنري، ثاني أصغر لاعب فرنسي يسجل هدفًا في دوري أبطال أوروبا (في شباك العملاق الإنجليزي مانشستر يونايتد). بعد كريم بنزيمة رأس حربة ريال مدريد وأحد هدافي أوروبا الكبار، كيليان مبابي هو ثاني أغلى لاعب في تاريخ كرة القدم؛ انتقل من نادي موناكو إلى العملاق الباريسي باريس سان جيرمان بـ 180 مليون يورو في 31 أغسطس 2017، التاريخ نفسه الذي سجل فيه هدفه الدولي الأول مع منتخب بلاده فرنسا في تصفيات كأس العالم ضد هولندا، وحتى الآن سجل مبابي المولود في 20 ديسمبر 1998 ثلاثة أهداف في مونديال روسيا 2018، تضعه ثالثًا في ترتيب هدافي البطولة – ما تزال لديه مباراتان مؤكدتان بعد صعود فرنسا اليوم إلى نصف النهائي، بعد فوزها على المنتخب الأمريكي الجنوبي وأحد أبطال العالم السابقين أورجواي – اثنان منهم في شباك الأرجنتين، أزاح بهما ميسي العظيم منافس مثله الأعلى صاروخ ماديرا رونالدو الذى سجل أربعة أهداف في النسخة الحالية، وذلك قبل أن تخرج البرتغال من البطولة في ثمن النهائي.
هل كانت موهبة كيليان فقط وراء هذه المسيرة المبهرة لـ”مراهق” انتقل بما يزيد عن 200 مليون دولار وهو في عامه الثامن عشر؟ صور كيليان مبابي وهو في الخامسة من عمره في الملعب مع تيري هنري؛ أو صورته مع الأسطورة كريستيانو رونالدو، وهو في الحادية عشرة من عمره، تعلن أنه بجانب الموهبة الهائلة لا بد من وجود سياق ومناخ يسمحان بظهورها، ومسارات لتطورها وبزوغها.
البداية كانت في بوندي؛ وهي ضاحية شمالي شرق باريس، ثمان شهور فقط بعد فوز فرنسا بكأس العالم 1998 بقيادة زيزو؛ زين الدين زيدان جزائري الأصول، وأحد أفضل من لعبوا كرة القدم في تاريخها، أنجبت السيدة فايزة مبابي لاماري لاعبة كرة اليد السابقة -الفرنسية جزائرية الأصل أيضًا- ابنها كيليان. الأب السيد ويلفريد مبابي كاميروني نيجيري مدرب كرة قدم في أكاديمية بوندي لكرة القدم التي تضع صورة كيليان اليوم كـ” كوفر فوتو” على صفحتها الرئيسية. يقول الأب إن الطفل كيليان كان مجنونًا بكرة القدم، كان مشغولًا بها 24 ساعة / سبعة أيام في الأسبوع، يشاهد أي مباراة، لدرجة أنه كان يشاهد أربع أو خمس مباريات متتالية!
الموهبة كانت سببًا لاهتمام الأسرة الرياضية، والعشق كان دافع الطفل، ومنذ البدايات الأولى كانت أولويات كيليان واضحة: كرة القدم، ثم أي شيء آخر. في سن السادسة عرف الاتحاد الفرنسي لكرة القدم كيليان؛ هناك طفل لديه تكنيك ورؤية لا يملكها أقرانه، دائمًا ما لعب مع الفرق الأكبر سنًا، فلم يكن هناك منطق في أن يلعب مع نفس سنه كما قال أحد مدربيه السابقين في بوندي، خيال الطفل وموهبته وجينات الأسرة الرياضية وتدريبات الأب الأولى في بوندي – الأب أصبح الآن مديرًا لأعمال ابنه – واحترافية المسؤولين عن كرة القدم وصلوا بالطفل الموهوب لموقعه الجديد، أحد أهم لاعبي الكرة في العالم وهو في الثامنة عشر. في الثالثة عشر كانت النقلة التكوينية الأهم في حياة كيليان: أكاديمية كليرفونتين، هناك تدرب الفتى على الحركة واستعمال قدمه الأضعف، على صقل مهاراته واكتساب مهارات جديدة، درس التكتيك وتمت تنمية قدراته الذهنية والنفسية، تم الاعتناء به بدنيًّا لتجهيزه ليكون من لاعبي الصف الأول. كليرفونتين افتتحت 1988؛ الاسم الكامل أكاديمية كليرفونتين الوطنية لكرة القدم، وهي واحدة من اثنتي عشر أكاديمية منتشرة بطول فرنسا وعرضها لتدريب لاعبي كرة القدم الفرنسيين الموهوبين من سن 13 -15 سنة، 22 لاعبًا فقط – منهم أربعة حراس مرمى – تقبلهم الأكاديمية سنويًّا ليقيموا فيها خمسة أيام أسبوعيًّا لـ”يتعلموا” كرة القدم، ويتحمل اتحاد كرة القدم كل تكاليف الأكاديمية، فقط يكفى أن تكون موهوبًا.
بعد أداء مذهل في كليرفونتين، وريال مدريد، وتشلسي، ليفربول، ومانشستر سيتي وأيضًا بايرن ميونخ يتسابقون للحصول على توقيع الصبي كيليان، واختار الصبي وعائلته البقاء في فرنسا، ليبدأ مسيرته مع الفريق الأول لموناكو، وهو في السابعة عشرة، ويسجل في 2016 ستة وعشرين هدفًا، ثم انتقل في العام التالي مباشرة إلى باريس سان جيرمان ليحرز واحد وعشرين هدفًا في 44 مباراة، ويفوز في العامين بجائزة أفضل لاعب شاب في فرنسا.
يعقد مبابي ذراعيه ويرفع إبهاميه لأعلى كأحد طرقه الشهيرة في الاحتفال بعد إحراز الأهداف، والحقيقة أنه تعلم هذه الطريقة من احتفال أخيه إيثان الذي يصغره بسبع أعوام حين يهزمه في البلاي ستيشن، ويبدو أن اللاعب العالمي الذي لديه الفرصة ليحمل كأس العالم مع بلاده بعد أيام لم يتجاوز طفولته تمامًا، والمؤكد أن كيليان قد تكفل بحضور خمسة وعشرين طفلًا إلى روسيا لمشاهدة المنتخب الفرنسي في دور المجموعات، والمؤكد أنه أعلن تبرعه بأجره عن كل مباراة في كأس العالم، ومكافأة الفوز بكأس العالم نفسها إذا حصلت فرنسا على الكأس لصالح الأطفال. الشاب الصغير صرح أنه يرى أنه لا يجب الحصول على أجر نظير اللعب لمنتخب بلاده، فرنسا صنعت نجمًا وقد يرد لها الجميل.