في مجلتنا الجديدة نشاركك مقالات وأفكار تبحث عن الجمال والحرية، وتفتح مساحات لاكتشاف سرديات جديدة بعيدًا عن القوالب الجاهزة.
لعبت أسرة رجاء عبده – اسمها الحقيقي اعتدال جورج عبد المسيح– دورًا مؤثرًا في تكوينها الفني. فقد بدأت حياتها تلميذة في مدرسة «صالحة» الابتدائية، حيث كانت تجمع الفتيات في أثناء الفسحة لتغني لهن بعض مما تحفظ قبل أن تنتقل إلى مدرسة نوتردام «Notre Dame des Apotres» بعد حصولها على الشهادة الابتدائية. فقد كان والدها يعمل وكيلًا في هيئة التلغرافات العمومية قبل أن يُحال إلى المعاش. وفي كنف الوالد الذي كان عاشقًا للموسيقى والفنون ويجيد العزف على العود ويحفظ العديد من أدوار عبده الحامولي ومحمد عثمان ازداد ولعها بالغناء والطرب. وكان أحد أخوتها يجيد العزف على البيانو والقانون، بينما الآخر يجيد العزف على الكمان. وهكذا راحت رجاء تتعلم الغناء عن طريق الحاكي (الجرامفون) بتقليد أغنيات أم كلثوم وغيرها من المطربات الكبيرات (رجاء عبده: كيف أصبحت مطربة؟ الراديو المصري، 11/6/1938، ص 4). وخطت رجاء عبده المولودة في ضاحية «شبرا» بالقاهرة عام 1920 خطواتها الأولى نحو عالم الغناء والشهرة. فقد عاشت في أسرة تتكون من ثلاثة أخوة وأختين. وكانت والدتها تصحبها دائمًا معها إلى مولد القديسة «دميانة» بمدينة بلقاس عندما بلغت العاشرة. وكانت تغني وترتل هناك العديد من القطع التي حفظتها بعد أن تنزلا ضيفتين عند عائلة البدراوي باشا (محمد دياب: مطربة الرعيل الثاني التي رافقت عبد الوهاب وسواه. رجاء عبده رحلت مظلومة وتراثها أغنيات وأفلام، الحياة، 28/1/1999، ص 16).

رجاء عبده
وفي فرح أحد أعيان ضاحية «الزيتون» بالقاهرة استمعت إليها كوكب الشرق أم كلثوم التي أطربتها بأغنيتها المشهورة «حبيت ولا بانش عليا». وفي هذا الحفل تعرف إليها مكرم باشا عبيد وتنبأ لها بمستقبل باهر في الغناء. وحدث أن تعرف والدها إلى الموسيقار داود حسني ودعاه لزيارته في المنزل. وبالفعل تكررت زياراته لهم وبدأ في تحفيظ رجاء بعض الأدوار القديمة وكان أولها «قبل الهوى كنت في نعيم» وألح حسني أن تغني الفتاة في محطة «فؤاد الأهلية» على شرط أن توزع أجرتها على أفراد التخت كله دون أن تأخذ منها شيئًا، وكانت هذه المحطات الأهلية نقطة انطلاقها الأولى في دنيا الفن. وبدأت تنتشر بمساعدة إسماعيل عازف الكمان الهاوي نجل حسين باشا كامل مدير هيئة سكك حديد مصر الذي كان جارًا لأسرتها في ضاحية الزيتون. فذهبا معًا إلى محطة «سابو الأهلية» التي كان يملكها إدوارد خياط ليقدما بعض أغنيات أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب بين الفواصل الإعلانية نظير خمسين قرشًا تعطي منها عشرة قروش للفرقة الموسيقية وكذلك عملا معًا في «محطة مصر الملكية» لصاحبها الدكتور فريد رفاعي و«محطة فاروق الأهلية» لصاحبها إلياس حتى وصل أجرها إلى جنيه مصري. وفي ذلك الوقت استمع إليها الشيخ محمود صبح فتبنى موهبتها وبدأ في تحفيظها بعض الأدوار والموشحات والطقاطيق. وسافرت إلى بعض الأقطار الشقيقة إلى أن تم افتتاح الإذاعة اللاسلكية الحكومية المصرية عام 1934. وقدمها داود حسني إلى الموسيقار مدحت عاصم الذي وافق على انضمامها إلى الإذاعة بعد أن استمع إليها قبل أن يتعرف والدها إلى الشاعر الغنائي عبد العزيز سلام الذي تعاقد معها على تأليف بعض الأغنيات الخاصة بها. ولعل من أغرب المواقف التي جمعت رجاء عبده بالشاعر الغنائي عبد العزيز سلام، ذلك الموقف الذي حدث بإحدى كازينوهات منطقة حلوان حين اتفق صاحبه مع عبد العزيز سلام لإقناع ليلى مراد بالغناء في الكازينو. وباع صاحب المكان عددًا ضخمًا من التذاكر ولصق العديد من إعلانات الحفلة. وفي اليوم المحدد أخبر عبد العزيز سلام صاحب الكازينو بأن ليلى مراد لن تستطيع الحضور بسبب مرضها ولكن يمكن إنقاذ الموقف عن طريق رجاء. وبمجرد أن صعد إلى المسرح ليخبر الجمهور بالواقعة حتى انهالوا عليه بالحجارة فنزل على الفور قبل أن يصعد إلى خشبة المسرح صاحب الكازينو ويخبرهم بأن يستمعوا إلى الصوت الجديد فإن لم يعجبهم فهو على استعداد أن يرد إليهم ثمن التذاكر كاملًا. وما إن صعدت رجاء إلى المسرح وبدأت في الغناء حتى تحولت عاصفة الحجارة إلى أخرى من التصفيق الحاد (دون توقيع: مطربة في مأزق، الإذاعة، 11/2/1956).