لا يمكن الكتابة عن شفيقة القبطية دون الوقوع في دوامة الوهم المرتبطة بالأساطير، هذا الكتاب نشره الصحفي والكاتب والناقد جليل البنداري (1916- 1968)، وقد عُرف عن البنداري طول اللسان والسخرية الحادة، كان الجميع يخشون قلمه، وكان هو مغرمًا بكتابة السير الذاتية، فهو صاحب كتاب “عبد الوهاب.. طفل النساء المدلل” وكتاب “جسر التنهدات” عن عبد الحليم حافظ، وكتاب “شفيقة القبطية” الذي صدر 1963، بعد وفاة شفيقة بـ 37 عامًا. وهي الراقصة التي ارتبط اسمها بحكايات أقل ما يقال عنها إنها أسطورية؛ كانت حين ترقص يلقي الجمهور عليها بالجنيهات الذهبية بكميات تحتاج إلى ثلاث رجال لجمعها، وكانت تسقي خيولها شمبانيا، أي أنها كانت تملك خيولاً وقصورًا وعربات مطهمة، وترقص وهي تلبس حذاءً مرصعًا بالذهب.. إلى آخر كل هذه الحواديت اللازمة لصنع الشخصية الوهمية..
بالبحث المبدئي في سيرة شفيقة، سنجد أنها ولدت في 1851 وماتت في الخامسة والسبعين، 1926، أي أنها في فترة ثورة 19 كانت في الثالثة والستين، وهو ما يبدو غريبًا عما ذكره البنداري في الفصل العاشر من كتابه وهو يحكي دور شفيقة في ثورة 1919، وكيف كان لها دور وطني واضح وهي الصورة التي دائمًا ما تغفلها الثورات، ويغفلها التاريخ، الذي يختار بعناية من يمثله ومن يستحق أن يبروز صورته ببرواز الذهب.. وهذه الصورة بالتأكيد لن تكون لراقصة..
توافد المدعوون والمدعوات من عِليه القوم على قصر شفيقة لحضور حفلة الزار التي اعتادت أن تقيمها بين الحين والحين، وكان الصاعد إلى السرادق الذي أقيم على سطح الفيلا يرى كرسي الزار وقد وضع على صينية ضخمة مستدير صفت على أطرافها أواني الزهور وصحاف تحمل الوانًا مختلفة من الطعام والحلوى والفاكهة، وزجاجات الشمبانيا والويسكي وغيرهما من الشراب الفاخر. الخدم في ملابسهم المزركشة يحملون الهدايا الثمينة من كبار المدعون والمدعوات ويضعونها على مائدة أعدت لذلك. المدعوون يشربون ويضحكون وقد انتظموا شللًا.. كل شلة في ركن وبدأت الزفة وكانت شفيقة هي عروس الزار. ودارت الزفة حول كرسى الزار وانهالت عليها الجنيهات الذهبية التي تناثرت كالمطر!
وفي نهاية الزفة ظهر سيد درويش الذي لم يكن تفوته أية مناسبة سعيدة من مناسبات شفيقة. كان حريصًا على حضور هذه المناسبات بنفسه، وصافحته شفيقة فقبلها على وجنتيها قبلتين، ثم انتحى بها جانبا وأخذ يبثها حبه وغرامه، فقد خشي أن يكون قلبها قد تعلق بحب هذا الشاب الذي رآه معها لأول مرة، وقال سيد إنه لم يعد يستطيع أن يتذوق طعم الحياة بدونها، فقالت له شفيقة أنهما– هي وهو – لا يساويان شيئًا بلا معجبين!
وأنها في ظرف يجعلها لا تملك أن تكون له وحده، وأبدت رغبتها في أن يظلا صديقين حميمين!
وظهر أحمد!
فاستأذنت من الشيخ سيد في أدب، وجرت إلى معبودها تستقبله بالعناق والقبلات، وانزوت به في مكان بعيد عن مجتمع الحفلة، وبينما كانا يتهامسان بعبارات الحب والشوق ولوعة الفراق الذي لم يكن يزيد على بضع ساعات، إذ سمعت صوت أخد الخدم وهو يمنع شخصًا من الصعود إلى السطح، فحارت ماذا تفعل، ولكن أحمد أذن لها في أن ترى ما حدث، وأطلت من أعلى السلم فرأت مارد شارع نخلة ببذلته الصفراء الكالحة وطربوشه الغارق في الزيت وحذائه الأسود الثقيل القذر وهو يحاول الصعود بالقوة والخدم يمنعونه، فنزلت وأمرت الخدم بأن يتركوه. ودخلت الشقة وأشارت له بأن يتبعها فتبعها، وتعجب الخدم وأخذوا ينظرون إلى بعضهم البعض في دهشة ويتساءلون في صمت ترى من يكون هذا الرجل؟
ونظر إليهم إبراهيم وهو يدخل في أثر سيدة البيت، نظرة تحمل معنى التشفي والانتصار!
ودخل مساعد كمساري البضاعة الشقة كالمذهول، وحارت عيناه بين اللوحات الزيتية والتحف والتماثيل، وكان حذاؤه الأسود الثقيل يغوص في السجاد العجمي الثمين ويترك عليه ذرات الزفت والتراب، وتعلقت عيناه طويلًا بالبار الحافل، وسألته شفيقة بلا مقدمات:
جاي ليه؟
عاوز فلوس!
ما فصلتش بدلتين زي ماقلت لك ليه.. أنا مش قايلالك ماتجيش بالشكل ده؟
أمال عاوزاني ألبسلك الردنجوت؟
وديت الفلوس اللي اديتهالك فين.. شربت بيها؟
أنا حر!
وأنا ماعنديش فلوس!
شوفي أما اقولك.. بقى أنتي خارجة هربانة من بيتي. ويوم ما خرجتي عملت لك مذكرة في التُمن..
مذكرة؟
أمال.. تعصلجي معايا أجيب لك اتنين غفر يرجعوكي لغاية البيت!
وسكتت شفيقة، فقال إبراهيم:
إيدك!
فنهضت شفيقة، ودخلت إلى غرفة النوم وتناولت حقيبة يدها وأخذت منها عشرين جنيها ذهبًا، ثم ألقت الحقيبة على السرير وخرجت إلى إبراهيم وأعطته النقود..
فتناول إبراهيم المبلغ في صمت، وفي أثناء انصرافه اتجه إلى البار وأخذ زجاجة ويسكي، ومشى خطوتين ثم توقف وعاد إلى البار ووضع الزجاجة في مكانها وتناول زجاجة كونياك وانصرف.
وعادت شفيقة إلى غرفة نومها وفتحت حقيبتها وتناولت منها تذكرة كوكايين رفعتها إلى أنفها في شغف!
وعلى باب الشقة التقى أحمد الذي جاء يبحث عنها بإبراهيم وهو يغادر المكان، فتبادل الاثنان النظرات، كان أحمد ينظر إليه في دهشة، وكان مساعد كمساري البضاعة ينظر إليه في حقد وحسد!
أجال أحمد بصره باحثًا عنها فلم يجدها. كانت شفيقة في غرفة النوم تمسح أنفها وتجفف دموعها بمنديلها الحريري، ثم انكفأت على السرير وهي تجهش بالبكاء. وسمع أحمد نشيجها فاتجه إلى غرفة النوم وانكفأ هو الآخر عليها وأخذ يسألها عن سر بكائها وحزنها في تلك الليلة السعيدة فقالت شفيقة:
– ابعد عني يا أحمد.. أنا مش من مركزك..
– مش قلت لك الزار ده ح يتلف أعصابِك؟ أنتي فنانة وأعصابك من حرير..
– الحرير بيطلع من الدود.
– أنتي شمعة بتحرقي روحك علشان تنوري للناس.. أنا عاوزك تبطلي الغنا والرقص.. ولازم نتجوز ونعيش سعدا زي كل الناس.. أنا عاوزك ليا لوحدي.. لما تغني تغني لي أنا ولما ترقصي ترقصي لي أنا..
ولم ترد عليه شفيقة إلا بالدموع التي كانت تنهمر من عينيها بغزارة.. وبينما كانا كذلك، ترامى إليهما صوت سيد درويش وهو يغني للمدعوين على السطح هذه الأغنية الحزينة:
آه.. أنا عشقت..
وشفت غيري كتير عشق
عمري ما شفت المر.. إلا في هواك!
***
واستطاع أحمد بعد ذلك أن يخرجها من صمتها وحزنها ودموعها، وصعدت معه إلى السطح واندمجت مع المدعوين والمدعوات، وضحكت كثيرًا وشربت كثيرًا وغنت مع سيد درويش “على قد الليل ما يطول” واستعاد جمهور الحفلة هذه الكلمات عشرات المرات:
شفتي بتاكلني أنا في عرضك.. خليها تسلم على خدك.
وشارك باشوات البلد وكبار رجال الدولة النساء في الرقص على أنغام الزار، وكان بعضهم يستعمل “الصاجات” بحذق ومهارة الفنانات المحترفات..
واستمرت السهرة حتي الصباح..
***
ولم يكن معبود شفيقة راضيًا عن حياة الصخب والضجيج التي تحياها، وعندما همس في أذنها بأنه يرغب في الزواج منها، لم يكن يهمس بالأماني والأحلام ليخدر عواطفها أو يبني لها أملًا على الرمال، وإنما كان يوكد لها حبه، وكانت هي تعلم أنه لا يخدعها ولا يطمع في جسدها، ولا يشتهي فتنتها ولا يرغب في امتلاكها، فقد كان حبه لها فوق كل هذا وأعمق بكثير..
وأيقنت شفيقة من تصرفاته أنه جاد في رغبته، وأنه مصمم على الزواج!
وكان كلما فاتحها في هذه النقطة ردت عليه بالصمت! وكان صمتها يضايقه ويزعجه ويقلق باله وتفكيره، وكانت هي تلحظ عليه كل ذلك وتتألم في داخلها ولا تملك أن تجيب!
ليتك تعلم ما يخبئه لنا القدر وما تطويه الأيام المقبلة لغرامنا من تعاسة وشقاء وموت بطىء.. بماذا أجيبك ومارد شارع نخلة على قيد الحياة.
لم تكن تستطيع أن تصارحه بقصة المارد الشقي حتى لا تفجعه في أحلى أمانيه!
***
وجاءها أحد المتعهدين يدعوها للقيام برحلة إلى باريس وشمال أفريقيا.
أعمل إيه؟
تغني وترقصي هناك.
إيه المناسبة؟
المجد والدهب.
ماهم معايا.. انا لا ناقصني مجد ولا ناقصني فلوس.
دول ح يدفعولك 5 آلاف جنيه.
و5 آلاف جنية دي فلوس.. أنا بأخسرهم في في “كو” قمار.
ربنا يزيدك!
أنا مش محتاجة فلوس.
أمال محتاجة لإيه؟
راحة البال.
سافري وأنتي يرتاح بالك وتنسي هموم الدنيا كلها..
اسمع يا جدع أنت.. أنا مش مسافرة.. أنا بأحب وح أتجوز!
قالتها بصورة قاطعة، جعلت الرجل ينهض ويصافحها وينصرف دون أن يعلق بكلمة واحدة، وما كاد يخرج من الباب حتى دخل عليها الصراف الذي التقى بها قبل ذلك على بار الصالة، وكان يحمل حقيبة، ففتحها أمامها، فوجدتها ممتلئة بأوراق البنكنوت.
إيه دول؟
10 آلاف جنيه.
جبتهم منين؟
لا يسأل المالك من أين ملك؟
تعرف أني اتأكدت دلوقتي أنك بتحبني؟
لهو إنتي عندك شك في إخلاصي.
أنا ما كنتش متصورة إنك مخلص للدرجة دي.. والعشر تلاف مصيبة دي جايبها لمين؟
أنتي رجعتي في كلامك.. هو لعب عيال ولا إيه؟
أنت فاهم الفلوس دي تقدر تشتري بيها شفيقة؟
فقال الصراف في لهجة يغلب عليها التحدي:
وأجعص من شفيقة!
فقالت شفيقة بهدوء:
أنت غلطان يا شاطر.
وأخدت تحرك قدمها لتلفت نظره إلى حذائها ذي الكعب الذهبي المرصع بفصوص الماس!
أنتي مالكيش حظ في الرجالة.
فقالت شفيقة:
الرجالة زي الحيطان.. كلكو زي بعض.. مفيش حيطة ما بترشحش!
فنهض الصراف العاشق وقال بعصبية:
اسمعي يا شفيقة.. أنتي لازم تفهمي إن الفلوس دي أنا اختلستها من الخزنة علشانك أنتي.. قلتي إيه؟
فسكتت شفيقة، فأخرج مسدسه من جيبه وهو يقول:
أنا ح أقتلك وأقتل نفسي!
فقالت شفيقة بسخرية:
اقتل..
وقبل أن يضغط بيده على الزناد، اقتحم الغرفة ضابط بوليس وبعض رجاله ومعهم المعلم عدوي الذي أرشد عن هذا الصراف المختلس، واستطاع الضابط أن يطيح بمسدس الصراف في الهواء، ثم قبض عليه واقتاده للتحقيق معه!
واعتبر الضابط شفيقة شاهدة في هذه الجريمة، كان قد استمع إلى كل كلمة تبادلها معها الصراف المختلس، وكان عدوي مأخوذًا وهو يرقب مع الضابط كل ما دار في الغرفة، فأيقن أنها ليست من الغواني اللائي يجرين وراء المال المختلس من خزائن الدولة، فشقيقة تقامر بمالها ومال عشاقها وأصدقائها، ولكنها لا تسرق ولا تختلس ولا تماطل في دفع الحقوق.
وعرفت شفيقة أن عدوي هو الذي أبلغ عن الصراف بإيعاز من غريمتها زوبة الوطنية، فهاجمته هجوما عنيفًا، وقالت له إنها كانت متأكدة من أن الشاب كان سيعيد المبلغ الذي اختلسه إلى الخزانة، دون أن يضيع مستقبله على هذه الصورة الرهيبة. واعتبرت فتنتها مسئولة إلى حد ما عن جريمة الشاب، فكلفت أحد المحامين بالدفاع عنه، ولكنه لم ينج من السجن.
***
هبت مع نسمات الربيع الرقيقة الحانية عاصفة من النيران والدماء على مصر بأسرها، وبحثت المحبة الولهانة عن معبودها في كل مكان فلم تجده، وعرفت شفيقة القبطية أن السلطات البريطانية قد ألقت القبض عليه بتهمة تحريض زملائه طلبة مدرسة الحقوق على الإضراب.
كان ذلك في يوم 9 مارس 1919 وقبلها بيوم واحد كانت السلطات البريطانية قد اعتقلت سعد زغلول ومحمد محمود وإسماعيل صدقي وحمد الباسل، وساقتهم إلى ثكنات قصر النيل فامضوا بها ليلة واحدة، ثم نقلوا في اليوم التالي بالقطار إلى بورسعيد حيث أقلتهم الباخرة إلى المنفى في جزيرة مالطة.
وكان أول من أضرب من الطلبة عن تلقي العلم احتجاجًا على نفي الزعيم زغلول هم طلبه الحقوق، فاجتمع بهم أحمد في فناء المدرسة وهتف بحياة مصر وسعد وسقوط الحماية البريطانية، فخرج إليهم المستر والتون ناظر المدرسة ونصحهم بالعدول عن الإضراب فلم يستمعوا لنصيحته، فاستدعى المستر موريس نائب المستشار القضائي لوزارة الحقانية، فجاء على عجل، وكرر عليهم النصح بالعودة إلى دروسهم، ودعاهم إلى ترك السياسة لآبائهم، فرد عليه أحمد في شجاعة:
- إن آباءنا قد سجنوا واعتقلوا وحكم عليهم بالنفي، ونحن لا نستطيع أن ندرس القانون في بلد يداس فيه القانون!
فارتفعت الحناجر بالهتاف، وخرج طلبة الحقوق إلى زملائهم طلبة المهندسخانة والزراعة وساروا جميعًا إلى مدرسة الطب والتجارة العليا، وأرسلت المحافظة إلى هؤلاء الألوف من الطلبة الوطنين قوة كبيرة من بلوك الخفر بقيادة الضابط آرثر وكيل الحكمدار الذي حاصرهم وقاد مئات منهم إلى المحافظة، وتحولت مصر كلها إلى شعلة من النيران وسقط مئات وألوف الوطنيين برصاص المستعمرين، وكان الفنانون وفي مقدمتهم سيد درويش وحسن فايق ونجيب الريحاني ومحمد عبد القدوس وزكريا أحمد وشفيقة القبطية وغيرهم يلهبون حماسة الشعب بالأغنية وبالمنلوج وبالمسرحية التي يضم حوارها أكثر من معنى، وكانت السلطات البريطانية تصادر كل أغنية ومنلوج وقصة وطنية، بل كانت تغلق أبواب المسارح التي تخالف الأوامر الصادرة من الرقابة.
وسمع أحمد وهو معتقل مع زملائه من الوطنيين نبأ المظاهرة التي ضمت النساء والفتيات الوطنيات وتعرضن لرصاص الجنود الإنجليز، واستشهدت فيها شفيقة القبطية!
ولم يطق أحمد أن يظل سجينًا ولا يشترك في تشييع جنازة معبودته ويودعها الوداع الأخير..
واستطاع أحمد أن يهرب من السجن، واشترك في تشييع جنازة أول شهيدة مصرية، وحمل المصريون نعشها في موكب مهيب يبعث الحزن والأسى، وكانت من بين أربعة عشر شهيدًا آخرين..
وحاول الإنجليز منع الموكب وتشتيت المشيعين ولكنهم عجزوا عن ذلك بعد أن تبين لهم أن الثوار معبأون بالشعور الملتهب، وأنهم في سبيل وداع شهدائهم وموتاهم لن يتوانوا عن أي شيء..
وعرف أحمد وهو يمشي في صفوف المشيعين أن الشهيدة الأولى لم تكن شفيقة القبطية، وإنما هي شفيقة محمد! ووصف الثوار في منشوراتهم شفيقة محمد التي قتلها الإنجليز في يوم 10 أبريل سنة 1919 بجان دارك.
وفي تلك الليلة الحزينة من عمر مصر تسلل أحمد في الظلام والتقى بمعبودته، وعرف أنها كانت تلعب دورًا إيجابيًّا خطيرًا، فقد كانت تسهل للثوار الذين يغشون صالتها مهمة الانتقام من الجنود والضباط الإنجليز ورد العدوان. ونمى إلى علم السلطات البريطانية قصة اختفاء جنودهم وضباطهم في صالة شفيقة القبطية، وبدأت تراقب الصالة وتحاول اعتقال الثوار، فكانت شفيقة تعمل على حمايتهم من بطش ضباط المستعمرين وجنودهم، ورأى أحمد بعينيه الذخيرة التي كانت تشتريها بأموالها من الجنود الإنجليز لتقدمها كهدايا للثوار.
انتهت لحظات الحب والغرام ولم يعد العاشقان يتبادلان العناق لفرحة اللقاء، فقد كانا يلتقيان وفي قلب كل منهما أمنية واحدة، هي أن يرى أحدهما الآخر في المرة المقبلة على قيد الحياة.
وقالت شفيقة لأحمد أن البريجادير جنرال هدلسنون الذي جاء من السودان ليحكم مديرية المنيا بالحديد والنار، قال لها في زهو وفخار وهو يتناول الكأس السادسة من زجاجة الويسكي الثانية أنه أصدر أمرًا هناك بأن يحيي كل مصري أي عسكري بريطاني يمر به بالتعظيم!
وأسرها أحمد في نفسه ثم اختفى عن نظرها لبضعة أسابيع سمعت خلالها أن أحد الثوار المصريين قد قتل هذا الضابط المستعمر، وعبثًا حاولت السلطات البريطانية أن تعرف اسم الثائر المصري.. حتى الثوار المصريين أنفسهم لم يكونوا يعرفون شيئًا عن زميلهم الفدائي الذي قتل ضابطاً بريطانيا مرموقًا مثل هدلسنون.