الحفاظ على السلامة والحماية النفسية أهم شيء في مثل هذه الأوقات، وذلك يتحقق من خلال تدريب المرونة النفسية لتصبح أكثر سعة في وقت الضغوط والعودة إلى طبيعتها بعد الانتهاء من الوضع الضاغط.
هناك ثلاثة أضلاع للمثلث:
1 العلاقات الاجتماعية: على الرغم أن التواصل الاجتماعي يزيد من الصحة النفسية، وأننا دائمًا ندعو الأفراد إلى بناء علاقات اجتماعية جديدة، وتوثيق العلاقات الحالية، إلا أن المطلوب الآن هو التباعد الاجتماعى. ولهذا لا بد من الحافظ على التواصل مع الأصدقاء والأقارب والزملاء “بأي طريقة” وعدم الانفراد بمخاوفنا وقلقنا، بل يجب علينا مشاركة هذه المشاعر والأفكار مع أشخاص نثق بهم، وندعوهم إلى ذلك أيضًا.
علينا أن نشكر التكنولوجيا على وجود الإنترنت، لتمنحنا هذه الفرصة من التواصل. أو نقابل الأصدقاء بشكل فردي، أي دون تجمعات من وقت إلى آخر في أماكن مفتوحة، لأن احتياج الفرد للتواصل الحي والمباشر يملأه بالونس والحياة.
أحيانًا يساعد تقديم المساعدة للأخرين في وقت التعب النفسي على التعافي وطمأنة النفس.. على سبيل المثال إذا استطعت تقديم خدمة مثل الذهاب إلى السوبر ماركت بدلاً من كبار السن في المكان الذي تسكن فيه، يساعدك على عدم التمركز حول ذاتك، ويمنحك فرصة للشعور بأنك شخص مفيد “وإذا تطلب الأمر الذهاب إلى متخصص، نذهب على الفور”.
2 الروحانيات: الاهتمام بممارسة الهوايات والاهتمامات “حسب المتاح” أو اللجوء إلى خلق فرص جديدة، مثل التعامل مع الإنترنت بديلاً مؤقتًا لممارسة الرياضة أو اليوجا.. إلخ.
ظهرت الكثير من المبادرات من متخصصين في الفن والرياضة وتعليم اللغات وغيرها، بطرح طرق للتعلم عبر الإنترنت سعيًا إلى خلق حالة من التواصل مع الآخرين، ومساعدة الأفراد على استغلال وقت الفراغ والجلوس في المنزل لفترات طويلة بطريقة مناسبة وممتعة أيضًا.
حاول أن تفكر بطريقة مفيدة، واجعلها فرصة لتتعرف على نفسك واحتياجاتك النفسية بشكل أعمق.
يمكنك التدرب على كتابة جرد اليومي لمشاعرك وأفكارك في نهاية اليوم، “التي تتبع من احتياجاتك الفعلية” وإدارة الأزمة الآنية، لأننا نادرًا ما نعطي أنفسنا فرصة لقراءة مشاعرنا بشكل دقيق، وإعطاء هذه المشاعر الاسم المناسب لها؛ فنحن لا نفرق بين الفرحة والنشوة أو الغضب والضيق،
وهذا يحتاج إلى وقت وتدريب لكي نطور الوعي الذاتي لدينا، ومن ثَم فهي فرصة كي نطوِّر قدرتنا على إدراكنا لأنفسنا، وتظهر نتيجة ذلك في حل كثير من الصراعات النفسية الداخلية وعلاقاتنا بالعالم من حولنا. وهذا ما يعرف بالذكاء الوجداني Emotional intelligence
كل هذا يجعلك تتعرف على الأشياء التي تحتاج إلى أن تتعلمها كي تحمي نفسك من المضاعفات النفسية.
حاول أن تحتفظ بما كتبته وأعد قراءته فيما بعد، وقارن مدى تطورك في فهم نفسك، وامتلك مهارة تقييم الذات بدلاً من جلد الذات ولومها الدائم على تكرار السلوك نفسه وانتظار نتائج مختلفة.
لقد حانت الفرصة لاستغلال الوقت لتفعيل الأنشطةا لمؤجلة، مثل الاستماع إلى الموسيقى، أو القراءة، أو الصلاة، أو تقديم المساعدة للآخرين.. ومحاولة الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية دون التعرض للمخاطر. هذا ما رأيناه عند الإيطاليين الذي يحتفلون بأعياد الميلاد في الشرفات.
شخصيًّا قمت بعمل لقاء جماعي مع صديقات عبر الإنترنت، تبادلنا فيه مشاعرنا وأفكارنا، وكان الحديث في البداية أغلبه شكاوى من المخاوف والقلق، ولكنه انتهي بالضحك والراحة.. أحيانًا أوقات الضغوط تجعلنا أكثر إبداعًا.
3 البيولوجي: الاهتمام بالنظافة الشخصية “التي تعتبر حملاً ماديًّا ومعنويًّا على الكثيرين في مجتمعاتنا، فهي ليست من الأولويات في تلبية احتياجات الفرد”.. والذهاب إلى الطبيب عند الحاجة، ووضع حدود مع الآخر، وتوكيد للذات والحفاظ على الخصوصية.. لا تصافح باليد إرضاءً للآخرين أو خوفًا من الحكم عليك بأنك خواف أو ضعيف.
لا تجعل أحد يفرض عليك قواعده ونظامه. لا تجب عن أسئلة لا تريد أن تجيب عليه.. تعلم أن تقول لا.
جاءت لي فتاة رقيقة تشكو من عدم قدرتها على التوقف عن المصافحة باليد “شغلي يا دكتورة يحتم عليَّ ذلك، وغير ذلك يعتبرني العميل أستهتر به، يسخر مني قائلاً هل أنت خائفة إلى هذه الدرجة؟ ولا أستطيع أقول له نعم، عدم السلام يحمي من انتقال الفيروس.. أنت عارفة ثقافتنا قائمة على التقبيل والأحضان الحميمية في اللقاءات.. وأحيانًا نكررها مع الشخص في نفس اليوم”. لهذا نحن أمام تحديات عديدة؛ على المستوى الشخصي والمجتمعي أيضًا، وأمام ثقافة وعادات وتقاليد وأعراف أقوى بكثير من القوانين واللوائح.
من الممكن إعداد قائمة شخصية من المهام اليومية، نستعرض فيها الأشياء التي نريد القيام بها. والأشياء التي نجد أنها تمثل خطورة علينا؛ مثل الذهاب إلى السينما، وأحاول البحث عن بديل لها أو تأجيلها إلى الغد، كي لا أدخل في صراع مفاده حرماني من ممارسة حياتي الطبيعية، أستطيع أن أقول لنفسي “النهاردا بس مش هعمل دا، لكن بكرة أعمله، ويمكن بكرة الفكرة ما تبقاش بنفس الإلحاح”.
في النهاية، أحيانًا تورطنا الأوقات الصعبة الضاغطة، وتحفزنا لتحريك دافعية العمل بالوعي بالذات أكثر وأكثر، ومن ثَم نستطيع إدارة والتحكم في مشاعرنا وأفكارنا بشكل أكثر أريحية وواقعية، مما يزيد من فرصنا لاكتشاف إمكانات ومهارات وقدرات شخصية لم نكن على وعي بها.