في مجلتنا الجديدة نشاركك مقالات وأفكار تبحث عن الجمال والحرية، وتفتح مساحات لاكتشاف سرديات جديدة بعيدًا عن القوالب الجاهزة.
لا تنظر تحية كاريوكا لأحد من جمهورها وهي ترقص؛ كانت نصيحة من بديعة حين لاحظت ارتباكها من مزحة “زبون” سمج. بديعة علمتها “لا تنشغلي بغير رقصك..”. جاءت هذه النصيحة من أستاذة فنون الاستعراض التي كان أنفها الكبير يغطي على جمالها القديم؛ المزيج المدهش التركيب من المحظيَّة وفنانة العروض الغربية. بديعة هي الأم الثانية لتحية بعد الهروب. وهي كذلك أم نفسها؛ في ولادة اجتماعية في منطقة بين المغامرة والحذر. وهي صفات عمومية ولد فيها “المقاتل من أجل وجوده” في فترة ما بين الحربين. كانت الحرب الأولى تسمى “العظمى” باعتبارها فريدة في ضخامتها؛ لكن عندما قامت الثانية كانت التسمية أقل انبهارًا بضخامة التدمير؛ فمال الكتَّاب وقتها إلى إطلاق تسمية “العالمية”. أما فترة بين الحربين فقد شهدت مسارات جديدة على مستوى الفن والفلسفة والثقافة والسياسة والأفكار، وفي اختيارات شخصية بعيدًا عن “الكتل بتركيبتها القديمة”: العائلة… والمجتمع بتركيبته العشائرية أو القبلية أو المنتمية إلى مناطق مغلقة… والمجتمع القديم لفنون الموسيٍقي والرقص.
نقلت السينما التعامل مع الفنون إلى منطقة أخرى. أضيفت التكنولوجيا إلى الخيال الذي يفكر في المستقبل؛ الآلة لم تعد يدوية، بل تدخلت قوانين الفيزياء وخيالات المغامرين من أجل صورة متحركة. لم تعد الصورة مجرد إطار لاقتناص لحظة خالدة. بل مجال لحكايات من نوع جديد. وأبطال عابرين من زمن الأقدار إلى زمن الاختيار. اتسعت في الانتقال شريحة الباحثين عن وجودهم خارج “مجال الطمأنينة القديمة”، ولم تعد البطولة تقتصر على أفراد قلة، لكنها أصبحت سمة عصر يقاوم الفناء الذي أنتجته علاقات قديمة بالقدرات على العثور على حيازة جديدة علي يسار الخراب. المغامرون من هذا النوع لم ينظروا يمينًا أو يتوغلوا في حياتهم القديمة، لكنهم بحثوا عن “مساحات” أو “حيازات” جديدة يبنون فيها أماكنهم للمستقبل.