متى عرفت تحية أنها “غاوية..”؟
وقتها ربما كانت تتحايل من أجل فرصة ترقِّي. لكن الأيام أثبتت أنها كانت تسمع في هذا السن الصغيرة أصواتًا خافتة تحت ركام روح وجسد أكلهما التعب والخوف والوحدة… ومن الصعب تتبع إيقاع العلاقة بين هذا “الصوت الخافت” وبين “صخب إنقاذ حياتها..” وهو الإيقاع الذي استمر ولم يتوقف، بل ربما كان أحد مفاتيح حياتها. في الأساطير المكررة حول حياة تحية لم يظهر صوت الغواية إلا شاحبًا… حين رقصت مرة واحدة في فرح عائلي ولفتت الأنظار، بما في ذلك نظر سعاد محاسن، هذا طبعًا قبل أن تنال العقاب.
الأساطير الأولى حاولت أن تضع هذه اللحظة العابرة كأنها علامة على غواية الفن، لكن تحية كانت بعد اكتمال شهرتها، تحب أن تخرج عن تكرار نمط السير المبتذل وقتها، وهو نمط كان يسبغ على سيرة الراقصات ورحلة هروبهن إثارة… وتؤكد في تحدِ صارم “لم أترك بيت “بابَّا ” (تنطقها متهكمة على طريقة أولاد الذوات المتصنعين) لكي أرقص…”؛ كانت تُصر عل أنها هربت من التعذيب، وكانت تبحث عن أي عمل يدعم وجودها الجديد، كيلا تعود الى العائلة مضطرة حتى لو كان ذلك العمل: خدامة.
كان كل ما تحلم به تحية “الطفشانة” مساحة بعيدة عن طفولتها المعذبة… وأدركت بغريزتها التي حصلت على فرصة اليقظة أنها لا بد أن تكون “غاوية“.
بعد 50 عامًا، وقبل رحيلها بفترة قصيرة عندما يسألها صحفي في مجلة بيروتية عن “الذي خرجت به من مشوارها الطويل؟” ليكتب إجابتها بختام من نوع “ما زلت أستمتع بالحياة بالروح نفسها التي كانت تغمرني وأنا طفلة ألهو بأحلامي على شاطئ القناة في مدينة الإسماعيلية“!
وهذه غالبًا صياغة من ذهن الصحفي لتعبيرات غائمة قالتها تحية، من وحي المراوحة بين العنف والهشاشة. مراحل تجعل من البحث عن حكمة لحياتها، رحلة شائكة.. ومبعثرة. فكل من حاول الاقتراب منها كان ينحو نحو تعبيرات محفوظة في مصنع الأساطير أشهرها “الجدعنة“.. وكلها مفاهيم لا تفسر غموض وتعقيد الشخصية، وإنما تحوِّلها إلى شيء يمكن تداوله؛ وهذا أقوى ما حدث مع تحية، وشاركت هي بنفسها أحيانًا في صنعه: سيرة شخصية قابلة للتداول.