تشهد مدينة نيويورك الأمريكية صحوة طربيّة بدأت قبل أكثر من عقدين عندما استهل عازف العود الفلسطيني الأصل سيمون شاهين ملتقى سنويًا للموسيقى العربية بولاية ماستشوستس تَرسّخ مئات العازفين والعازفات فيه على موسيقى المقام الشرقي.
في هذه السلسلة سنزور حانة سيسترز في شارع فولتون لحضور إحدى جلسات المقام في بروكلين، ثم سنقطع بالسيارة بروكلين من شرقها لغربها بصحبة موسيقيين أميركيين وعرب مرورًا بأحياء اليهود والصينيين والعرب مرورًا بمقبرة غرين وود وعبورًا على جسر فيرازانو في يوم ممطر وضبابي ووصولًا لحيّ ستاتن آيلاند حيث منزل المايسترو ميشيل مرهج بقلوق؛ عازف الإيقاع الأساسيّ مع الأخوين الرحباني وفيروز على مدار مسيرتهم الفنيّة والذي أجّل بسببه ملك العود تسجيل أغنية “حبينا“.
وعبر النهر الشرقي سنستقل مترو نيويورك، شمالًا تجاه حيّ مانهاتن، الذي يضمّ فطاحل المال في وول ستريت ونجوم الإعلام الأمريكي وزحام السياح في ميدان التايمز وعروض مسرح برودواي المبهرة، تجاه دائرة كولومبوس قاصدَيَن بناية سكنية يملكها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ حيث سنزور شابًا أمريكيًا من الجيل الرابع لمهاجرين يهود من حلب يعيد استكشاف إرثه الموسيقيّ بالعربية الفصحى (وبمخارج حروف صحيحة).
ثم سنستأجر سيّارة ونقطع 170 كم شمالًا بمحاذاة نهر هدسون الخلاب في رحلة أبعد من التفاحة الكبيرة لزيارة قيِّمة أمريكية من أصل عراقي يهودي في إقامة فنية بمنطقة جبال كاتسكيل، لتحكي لنا عن محاولاتها لضبط تردد الماضي وما عثرت عليه بعد التنقيب في أرشيف والدها العوَّاد العراقي سول باشا.
وسنسافر أبعد من ولاية نيويورك، إلى بوسطن تحديدًا، للتعرّف من أكاديمية موسيقية درست التراث اليهودي الحلبي كيف سرق حاخام كفيف قدود الملاهي الليلية وحوّلها لترانيم دينية. ورجوعًا للمدينة، سيشرح لنا أحد فرسان المقام لماذا يعَّد “التنويت عدو الطرب“.
وسنتوقف في جادة أتلانتِك، التي حطّ بها المهاجرون السوريون واللبنانيون عابرو النهر الشرقي من سوريّا الصغيرة في مانهاتن للضفة الأخرى في بروكلين، لتعقّب أثر أحد أكبر متاجر الاسطوانات العربية في نيويورك، والذي راسل مؤسسه ألبرت راشد اللبنانيّ الأصل شركة بيضافون في ثلاثينيات القرن الماضي للحصول على حقوق توزيع أغاني فيلم الورد البيضاء في أميركا الشمالية واستورد في عصره الذهبي اسطوانة “انت عمري“. ومرّ على متجر “مبيعات راشد” رموز الموسيقى العربية في رحلاتهم للولايات المتحدة الأميركية مثل عبد الوهاب وفريد وعبد الحليم وعدوية، وذلك قبل أن يغتال متجره الديجيتال وتبتلعه “بقالة سعادة” المجاورة.
ثم سننهي رحلتنا الطربيّة حول نيويورك في محطة باي ريدج، حيث توجد جالية عربية كثيفة، بما يصاحب ذلك من متاجر ومقاه ومطاعم عربية وطبعًا شيشة وطاولة وشاورمة، وذلك لزيارة ريموند راشد، أحد وريثَيّ “مبيعات راشد“.
بعد رحيل ألبرت، كتب تشارلي، وريث “بقالة سعادة” المجاورة، نعيًا في صحيفة مختصة بالشأن العربي في نيويورك: “الحزن يخيم على أتلانتك آفينو“.
سنستعرض في هذه السلسلة بعض مقامات الموسيقى الشرقية، وسنلقي الضوء على عدد من الآلات ولا سيّما آلة العود الإلهية والرِقّ المنوط بلاعبه ضبط الإيقاع وتحميس الجمهور دومًا وإنقاذ اللحن أحيانًا. كما سنحاول تعريف ماهيّة الطرب والوقوف على ناصيته وتتبُّع سَيْرِه ووصف درب بلوغ نشوته، كما سنتعرّف على فِرق وموسيقيين يحيون تراث الموسيقى العربية على الساحل الشرقي للولايات المتحدة ومنهم أميركيون وعرب اكتشفوا العُرَب والطرب بُعيد الهجرة، وكأن الغُربةَ زيتُ والطربَ نارٌ.