1
الشاشات
أصبحت الشاشة هي الامتداد الطبيعي. هكذا يمكن أن تصف الجسد الإنساني الذي يحمل تليفونات ذكية، أو يتطلع إلى شاشات التليفزيون المتناثرة في المقاهي. شاشات في كل مكان؛ وكأنها أجهزة تعويضية، لم تعد خارج الجسد. التصقت ومنعت التواصل مع خارجها. تصنع عزلتها في الشوارع. كأننا في كبائن مفتوحة للاتصال بعالم لا يراه أو يسمعه غيرنا. كأننا ونحن في الخارج ندخل مرة أخرى إلى معازلنا، ومنها إلى معازل أخرى. الشاشة تمنحنا فرصة الرقص على الحدود بين العوالم… معزول ومفتوح… داخلي وخارجي. اتصال وانقطاع. أنا والعالم. الشاشة لم تعد سطح العرض. بل موضوع العرض. في أكثر من فيلم الشاشة حاضرة. مكان افتراس الحكاية بعد صيدها من الشارع. الشاشة لا تعرض فقط. لكنها مع كاميرات المراقبة، إعادة ترسيم للحدود بين الافتراضي والواقعي. لا واقع قديم هنا. لا مزيف وأصلي. كلنا هنا في منطقة هشَّة من العالم. لا شيء يمكننا المغامرة به إلا أجسادنا. لا ذاكرة سوى ما تلتقطه مراكز الحواس المشتعلة في الداخل. في الخارج فوضى. الشاشة ممرها غير الآمن. وهي في الوقت ذاته طرف جديد في لحظة التصاق بالجسم القديم. تلك اللحظة المربكة.
Bestiari from Albert Merino on Vimeo.
2
سفينة نوح
حين تعبر الكباري والطرق الدائرية وتخترق الضواحي. تذهب في اللاوعي إلى نقطة بعيدة؛ تتخيل أن عندها إنقاذك. تصل به إلى البيت. الهروب من الطبقات المتراكمة دون عناية، والهندسة التائهة في الزمن المهمل، لترتاح في فضاء كل شيء فيه مرتب لمهمة الإنقاذ. هكذا تقول لك حاملات الإعلان الضخمة: الحياة كما تريد. لا تكتفي سفينة نوح بالدعوة إلى الخروج من المدينة والهروب، لكنها تبتلع بإعلاناتها السيارات وراكبيها. الصور تتحرك الآن وبأحجام أضخم من السيارة أحيانًا. وأنت في علبة، مهما كانت مجهزة، لا يمكنها تفادي جحيم المدينة. الصور تبني سفينة نوح، فماذا تفعل الفيديو آرت؟ كيف تيمكنك إقناع ملايين العابرين بأن إنقاذهم في الصحراء ؟ وأن هذه الشاشات المتحركة ماهي إلا مدافن أشباح المستقبل؟.تعرف أننا أصبحنا حتى قبل السينما نقضى جزءًا من حياتنا نحدق في شاشة؛نرى من خلالها ؛ تطور هذا وتكاد الشاشات تبتلعنا ؛عبورنا كل يوم في المدينة تصاحبه مرحلة من التخييل الناقص، نوع من التخييل بأننا أصبحنا أشباحاً ننتمي للمستقبل و مكاننا هناك في الصحراء حيث تنتظرنا “سفينة نوح”،طبعاً بعد إختبارات الفرقة الناجية أو ال”community.
Infront of my grandmother’s building there is a suspicious car standing there (2018) from Medrar on Vimeo.
3
ممر الجحيم
في المستشفى كان يجب أن نمر. تذكر جيدًا؛ لا بد أن تقنعهم أنك حالة طارئة. ليس مهمًا الآن أن يكون جسمك هو الأرشيف الحي. ولا أن تجد الأب الروحي الذي يهوى الهروب. بعد أن يترك صوته وأفلامه المحروقة. هناك بين مئات الضحايا تتحول العائلة إلى فرق تتبادل الأدوار. تبحث عن كرسي متحرك تمسكه باليد والأسنان، لتتنقل به في الممر. ألا تتقن الدور؟ لست ممثلاً جيدًا لدور الضحية. لم تفقد الأب في رحلة تشبه قصص تان تان المصورة. الموت فيها رحلة في الغواصة. وذاكرتنا مؤرقة. مؤلمة. سر الشقاء والوجود معًا. تشاركنا الأجهزة. الشاشات. الطرف الجديد في عملية التطور (بمعنى لم يفطن إليه ذهن داروين). لماذا تبدو الذاكرة حفرة غامضة مع كل هذه الشاشات؟ ما الذي يتركه سيل الصور؟ هل تعودنا على الضحايا في ممر الجحيم، وضمرت عواطفنا ولم نفكر غير في حفظ النظرات والملامح؟ هل فكرنا في التصوير أكثر من التجربة؟ هل متعة التجربة في حفظها؟ في التحديق فيها؟ أم في الهروب منها؟
VORTEX (2017) from Alexandre Alagoa on Vimeo.
4
التحديق
عداوني؛ هكذا يصفون التحديق في المعاجم القديمة. وهذه إحدى الصفات التي مارسها الفيديو آرت على الفنون القديمة عندما ظهر في الستينيات كمنتج هجين لعملية تخصيب الفنون والتكنولوجيا. ولدت هذه الفنون مرتبطة بالجهاز (الفيديو) وظلت في الوعي جديدة. على الرغم من مرور كل هذه السنوات ما يزال التحديق في شاشة… والتجسد بعيدًا عن اللوحة والتمثال عدوان يبحث عن تبرير لكونه مهجنًا يصارع فنونًا أصيلة. من يصنع المعنى؟ وهل المعنى أو الذاكرة أهم؟ كيف يضيع التحديق قيمة عمل فني يحصل على جدارة المتحف؟ وكيف يمنحه حياة؟ لم ير الكثيرون لوحات جون شيلي في المتحف؛ لكنه بكل هشاشته وأجساده التي تكاد تتناثر باللمس، عبرت عبر شاشات يحدق فيها أجيال مهووسة بالتحديق؟ حتى كليمت عبر من فخ الاستهلاك، ولم يعد ملكًا لمن يملك حقوق طبع “القبلة“؛ وصارت لوحاته بالتحديق فيها توضع في مكان جديد. ويبدو أنه لم يعد ممكنًا اختصار التحديق في العدوانية وقتل المعنى والقيمة. يبدو أن هناك مناطق آهلة بالتجاورات اللذيذة؛ المرهقة.
❒ from Andrew B. Myers on Vimeo.
5
الهروب
نأكلها ميتة، هي السمكة التي تنتحر إذا عاشت وحيدة. وتلتهم جلودنا الميتة. وتلقيها الأم بعد انتحارها في ماكينة التخلص من النفايات. من أنت حتى تروي حكاية الأب الغائب في البحر؟ تولد في حلقة السمك. تحزن لأن أرشيف الثورة لم يكتمل، وابتلعته البيروقراطية بين وجبتين.
6
من طرف واحد
تنظر إلى الشاشة، لكنها لا تنظر إليك. مشغولة بحكاياتها المغلقة. عقلك يلهث وراء أجزاء متناثرة من كل حكاية. رقع السرد تتفاعل داخلك كلها مرة واحدة. تحاول السيطرة بالمراقبة. راقصات بالملابس الداخلية في سرادق شعبي تتساقط من حولهن كالمطر أوراق مالية، لتصاحب الشفقة الإثارة. صور كاتمة الغرائز. أو تستنزفها كما تفعل السمكة في برطمان ماء غير طازج. تصنع وحدك عرضك الذاتي. تشاهده وحدك. جمهورك لا يراك. يصفق من بعيد لسحر الكاميرا المركبة داخلك. والصوت يفارقها. يلغي وجودها؛ أو يحاول. والصورة تطوي الصوت كما لو كانت ثعبانًا يدخل حجرة معزولة يبحث عن ضحايا.
The Magic Bullet (English subtitles) from mauricio sanhueza on Vimeo.
7
العمق
مسلحًا بكل أدوات الغطس في العمق، تنظر إلى الصورة، تسحبك الرسوم مثلما فعلت كروت الألعاب الآسيوية ونحن أطفال. محمية من الحكايات الخرافية. تقودك إلى عمق قديم نوعًا ما. نعم للعمق زمن. والصور يقودها صوت يغني للمحمية التي كانت. والكائنات التي لم نرها وحاولت الرسوم المتحركة تجسيدها، لتروض العمق المتوحش. أو تستأنس الغموض المحيط بوجودنا. الصورة بتوترها تقترب من الموسيقى في تحويلها الغموض إلى حركات على سلم الموسيقى. ماذا ستفعل نظرتك اللاهية في تحدي العمق؟
8
أنالوج
بين المدينة وصورتها نجلس صامتين. الفيديو يصيبك بالصمت. يسألك في النهاية: هل رأيت ما أتاحته التكنولوجيا من مستويات الواقع الذي لا تراه؟ ما تزال فنون الفيديو جديدة على الرغم من مرور الزمن. وترتبط بتكنولوجيا اختفت من أمام أعيننا. لم تعد الصورة تعيد بناء العالم. ولا تحيله إلى عرض بصري. الديجيتال جعل الصورة شريكة مع العالم بالتواطؤ. والمتفرج أضيفت إليه أدوار أخري. منها التلصص بكاميرا شخصية. والمونتاج لم يعد حكرًا على الخبراء، هناك تواطؤ ضد السرد الخطي. ذلك الدواء المطمئن. هل ما زلت تبحث عن المعنى؟ ما رأيك في قليل من العدمية يجعل رؤيتك أصفى؟
9
كرسي متحرك
عثرنا أخيرًا على كرسي متحرك في ممر الجحيم. دقائق ونصعد إلى حيث ممرات لا يأتي النظر العادي على نهايتها. ذلك المستشفى القديم ساحر في كونه مسرحًا لألعاب الشفاء ومصارعة الألم. الكرسي لم يتحرك بعد كل هذا المجهود في الحصول عليه. لكن المشاهد لم تتوقف. تكرار للضحايا كأنهم توائم يتناسخون كل لحظة. التكرار يفكك الألم. لا يجعله مأساويًّا. كما تعيد صور الشاشة في المقهى الفيديو كليب نفسه. أو كالإعلان الذي حوَّل تنهدات التعساء بوحدتهم إلى عرض مسلٍ. كيف خرجت طمأنينة من تكرار اللقطات المأساوية لرواة المتآلفين مع التعاسة؟ هل هو تثبيت المشهد إلى حد يجعلنا نقتل الخوف من الحيوانات المفترسة؟ ماذا سنفعل إذا احتك بنا ذيل قطة عابرة بعد أن شاهدنا الجاموس الأسود يلتهم شبل الأسد؟