يمكن أن نعثر في “الجونة” على قصص مثيرة عن المال والمتع البعيدة، وحكايات الهاربين من القاهرة، هناك دائما إثارة متوقعة في المدن الحرة المختبئة في صحراء البحر الأحمر. لكن لقاء الحرية باهظ التكاليف، فضلا على أنه وفى مهرجان الجونة السينمائى الأول كان هناك حضور معقد للمال المتحرك بأوسع من الحدود التي تسمح بها الدولة، وأيضا كشف لما حصدناه من الغرق في النوستالجيا؟
سافرنا بدون تخطيط الي الجونة خلف ما يمكن ان تفاجئنا به مسافة ٤٧٠ كيلومتر من القاهرة،ومع اقامتها لأول مهرجان”بدأ كبيرا“ وخارج السيطرة الحكومية و بمبادرة شركة/عائلة، تقدر علي صنع مسافة ما مع إرادة الدولة، وهي نوع من الدول تكمل اكسسوارتها بموديل اخترعه موسوليني في ١٩٣٢ حين اطلق “ معرض السينما الاول“في فينيسيا والذى أصبح فيما بعد مهرجانا،حيث تعرض فيه “الدولة الفاشية“واخواتها من الدول“ الشمولية“ وجهها المليح (فى صورة فن و سينما أو كل ما يتعلق بالبروباجندا الناعمة او كما يحبون تسميتها في مصر : القوى الناعمة) ومع السنين و مسارات التاريخ المعقدة انزوت إلي أماكن بعيدة فى الوعي أدوار “الدعاية“ ولم تعد فكرة “المهرجان “ تلعب مباشرة دور” واجهة ” الدول السعيدة بذاتها، وذهبت بشكل ما إلي كونها معرضا لفنون السينما ، ورغم انه لم تختف تماما الرغبة الاستعراضية لعرض” صورة الدولة “ في مهرجان ، لكنها لم تعد وحدها،واصبحت مهرجانات ” كان ” و ” فينيسيا ” و ” برلين” وغيرها من مهرجانات كبرى هي مواعيد لفن السينما تحتفي بالتطوير و الابداع ،تتصارع فيها تيارات ومدارس، تتحدى سطوة السينما التجارية ، وتفتح المجال امام سينما منسية او مخرج لم تصبه الشهرة ، سحر المهرجانات وقوتها اصبح رهن اكتشاف و تبني و دعم البعيد عن حظوة شركات الانتاج المسيطر ، وهذا طبعا ليس حال “مهرجان القاهرة” النسخة المحلية من “معارض الدول “، الذي يذكر مصحوبا بالرثاء و الحسرة ، بعد اكتمال سيطرة البيروقراطية المدعومة بسطوة امنية،تقود هستيريا الدفاع عن “صورة الدولة ” و تتحرك باحساس المذعور من خفوت هدير البروباجندا ، ذلك الذي يطمئن الأجهزة ،ويجعلها تنام مستريحة
كيف ستساهم ” الجونة” في ” معرض الدولة”؟
سؤال بدا مراهقا قبل اطلاق المهرجان ، لكنه بعدها تشعب الي سراديب العلاقات بين المال والدولة ، رجال الأعمال والسلطة ، وماذا تصنع المسافات في ” شكل ” المعرض” و حريته؟ او كيف تتسبب المسافة بين مؤسسي المهرجان (عائلة ساويرس و شركةاوراسكوم) في صنع مسارات يهرب اليها الفنانين من ” جحيم ” البيروقراطيين؟ .لم ننتظر دعوة من مهرجان الجونة، قررنا ان يكون لنا تجربة أولى فى”نكش”حدث يجمع الناس حول مجال محدد في توقيت محدد، ونكتشف من خلاله جوانب مكان في حالة استعراض ، لامكاناته و قدراته علي ان يكون مختبرا لديناميكية تتفاعل فيها عناصر متباينة ،وتمتزج تناقضات ، لا تجعل السيطرة مسبقة..ومضمونة
مكان في هذه الحالة ، جدير بالتأمل
وهذه القطع الصغيرة هي حصادنا من المهرجان وعن افلامه و نجومه ومدينته