الخبر
نحن على وشك الحرمان من فقرة “عرض الرجل الواحد”، تلك التي كان سيدخل فيها المارشال السابق عبد الفتاح السيسي سباق إنتخابات رئاسة 2018 وحده.
تأسيس
قانون الإنتخابات الرئاسية (رقم 22 لسنة 2014) ألغى التزكية في إنتخابات الرئاسية، التي كان المرشح يفوز بمجرد عدم خوض منافسين الإنتخابات، وذلك بعد أن نصت المادة 36 على انه تتم الإنتخابات حتى لو تقدم “مرشح وحيد“ أو لم يبق سواه ببسبب تنازل بقية المرشحين، ويعلن فوز “الوحش الذي يصارع نفسه” إذا حصل على نسبة 5٪ من أعداد المقيدين بجداول الإنتخابات (في إنتخابات 2014 وصل العدد إلى 53,909,306 والأرقام الجديدة لم تعلن بعد)…وفي حالة عدم حصول “الوحش الوحيد” على النسبة، تعلن إنتخابات جديدة خلال 15 يوماً.
هامش غير ملزم
فقرة “الوحش يصارع نفسه” إبداع جديد، رغم أنه يبدو على عكس ذلك “ عودة إلى زمن الإستفتاء والتزكية “ و “قبول السلطة بأمر الشعب” و “ توسل الناس لكي لا يتركها الحاكم الأب الفرد المتوج “…إلى آخر هذه الخرافات السياسية الكبرى التي تراكمت كالحقائق الإيمانية في عقل و وعي قطاعات من المصريين يرون “الديكتاتورية قدر“ و “الحكم شأن الغرف المغلقة ونخبتها المقيمة هناك..”.
هذه الخرافات ولدت وعششت وتراكمت عبر زمن ثقيل لم يكن ليمر على هذه البلاد الطموحة، لولا نشوء وإرتقاء سلالات من أبناء “العبودية المختارة“، إستطاعوا تكييف طقوس عبادة الحاكم مع سنوات تورط الدولة في الشكل الديمقراطي.
حدث ذلك بسلاسة مثيرة للدهشة.
للخروج من الهامش
كما تصاحب نهايات الكون المنسجم، سنرى في مدرجات المتفرجين على نهاية الديكتاتورية الأبوية الحنونة، جمهور كبير يحب القسوة، وأقلية إختارت المرح العدمي؛ وبينهما تنمو كل يوم حكايات تتعامل مع الواقع على أنه عبث، وتنتظر من العبث منحنا حلولاً واقعية..
خلفيات
هكذا كان إعلان خالد علي الترشح في إنتخابات رئاسة 2018 (نوفمبر 2017)، هو نوع من “مناوشة“ الجدار الصلب الذى تبنيه السلطة حول نفسها. كان هذا أول تداخل بين العقلانية والعبث في قصة إنتخابات تمنى الجميع تأجيلها. العقلانية المحافظة التي تقرر التعامل مع العملية السياسية التي يهندسها نظام يعادي السياسة و يحول كل عملية ديمقراطية إلى مجرد إجراء شكلي، والعبث الذي كان سينتج فقرة “الوحش يصارع نفسه..”.
خلفيات أكثر تحديداً
الفقرة هي تتويج لسنوات التفويض، رغم تآكل التحالف العجيب الذي كان وراء إختراع التفويض بديلاً للشرعية الديمقراطية، يقول منظري التفويض أنه كان “ ضرورة “ في ظل فشل الثورة في إيجاد بديل للحكم، وكان أثرها الوحيد زعزعة حكم مبارك.
ومرشح/حاكم “الضرورة“ هي تعبير أنيق من تعبيرات أستاذ صحافة السلطة محمد حسنين هيكل المحترف في تسمية الأوضاع القبيحة بأسماء أخف وطأة، وتساعد السلطة في نفس الوقت للإستمرار في موقعها رغم الفشل، وكما سمي الهزيمة في يونيو 1967 نكسة، لينقذ سلطة عبد الناصر، أسمى العجز الذي أعاد بالجنرالات ومؤسستهم إلى “سرة الحكم“ ضرورة، مبشراً بنسخة موديل “الهابط من سماوات القدر“ لينتشل مصر من حفرة التاريخ، أو الرئيس الذي نضطر إليه نحن سكان وادي النيل، لنداري عجزنا عن بناء وتفعيل “مجال عام“ نشترك فيه في تحديد مصيرنا و طرق حياتنا.
الهابط من مؤسسة السلاح كان الأمل والبطل بالنسبة لعموم الناس الخائفة من الإخوان وصحبتهم من منتظري الخلافة، فهو ينشط “الذاكرة“ لتعادي “الطيف العابر“ الذي بدا يلوح في يناير 2011.
السيسي إندمج في الدور تماما، وصدق صورة “ المنقذ “و”صانع المعجزات“، ولم يبذل مجهوداً كبيراً ليجد سنداً من أفكاره و معتقداته، ولهذا تزامن مع “التفويض” رسائل مشفرة جاءت له عبر منام قديم من ٣٥ سنة رأى فيه أنه سيحكم مصر، كماحكي المستشار العسكري للسيسي عن العارف بالله الذي كان وراء “إنذار السبع أيام الذي وجهه إلى المرسي قبل 30 يونيو 2013”.
أمر واقع
وهكذا عاشت مصر أربع سنوات تحت حكم مزيج الغيب و القوة المسلحة /مزيج القوى غير المنظورة و المنظورة معاً.
والنتيجة
إلتصقت “الدولة“ بالفرد كما لم يحدث منذ نشأة “ديكتاتورية الأب المسلح“ مع عبد الناصر ورفاقه من “الضباط الأحرار”، إلتصاق لم يكن ممكناً إلا مع تدمير الدولة ذاتها بإعتبارها كياناً رمزياً يحكم عبر مؤسسات، كل ماهو رمزي أصبح معطلاً بداية من الدستور وحتى القضاء مروراً بالإعلام والأحزاب والثقافة والفن، هذه أدوات الفرد الحاكم لترسيخ هيمنته بعد فرض سيطرته الأمنية بالأساس.
بمعنى
عاد الناس للنظر إلى أعلى، بإتجاه الضوء المتسرب من الغرف المغلقة، كلما أرادوا معرفة شيء عن واقعهم، أو معرفة مستقبلهم، وهذا يسر السيسي المفعم بنرجسيته، فهو المستقبل لمن أراد مستقبلاً، ولهذا لم يكره في حياته كراهية “طقس” الإنتخاب، تعالى عليه في المرة الأولى، وخطط لكي يلغيه في المرة الثانية حين فكر في تعديل الدستور عبر برلمانه المختار، لكنه فوجىء بأن “أصحاب الوكالة” في البيت الأبيض أو المؤسسات الفاعلة حوله، ترفض التعديل و تعتبر الذهاب إلى تمديد الولاية سيؤدى إلى كوارث.
وماذا فعلوا؟
لم يكن هناك سيناريو غالباً لمواجهة الإنتخابات الإضطرارية، وتم الإكتفاء بالحصول على القبول من العواصم المؤثرة دولياً و إقليمياً، أما كيف ستمر الإنتخابات هنا؟ هل بسيناريو ديمقراطي تظهر فيه بعض ملامح الصراع بين عدد من المرشحين يمنحون للوحش فرصة الإنتصار عليهم؟ أم سيناريو شعبي تهبط فيه الملايين إلى الشوارع لتجدد التفويض بعد أن بدت صلاحيته على المحك؟..غالباً لم يتم الإستقرار على سيناريو يواجه به سكان الغرف المغلقة حدثاً مثل الإنتخابات،لم يكن سؤى عبئاً علي الجميع في ظل فرض “الملل“ من جديد على كل موضوعات تتعلق بتغيير السلطة، بل أن الوحيد القادرعلى كسر الملل هو السيسي نفسه بعروض الميكرفون الحر من الأسلاك (الواير ليس) الذي تحول إلى أداة حكم.
وهكذا كان قرار خالد علي بالترشح “مناوشة“ قابلتها جوقة البروباجندا بالشتائم والسخرية من “قلة العدد“، وقابلها “حكمدارات“ أمن الدولة بالتحذير:” ادخلوا الانتخابات..حقكم ..لكن انسوا الشارع…لا مؤتمرات…لا دعايات…لا مسيرات …لا لقاءات جماهيرية”…بإختصار “الشارع لنا..” هكذا كان كل “حكمدار” أمن دولة حاسماً في منطقته ومع النشطاء الباقين على نشاطهم.
محمد أنورالسادات من موقع آخرتعرض لرفض التصريح له بتأجير قاعة فندقية لإعلان موقفه من إنتخابات الرئاسة، ورغم أن مسافات السادات الصغير مع السلطة ليست بعيدة كما هو حال خالد علي إلا أنه مازال في خانة “الثعلب الضال“ كما وصفته صحافة النظام، أثناء عملية إبعاده عن مجلس النواب، ولهذا لم يحسم أمر دوره في “السيناريو المفقود “.
لكنهم فعلوا ماهو أقسى
ونقصد هنا “درس أحمد شفيق”، وكان قاسياً إلى درجة أن الرجل الذي كان مؤهلاً لمصارعة الوحش، لأنه من سكان الغرف المغلقة، وقديم في “الدولة“ وله قطاعات مؤيدين من “الشفاشقة“، أصدر بياناً يعلن فيه أنه “لا يصلح لهذه المرحلة”.
المشهد الأخير
إقتياد الشفيق تدريجياً إلى مكان تقاعده كان بالنسبة لجمهور واسع هو بعد ترحيله العنيف من الإمارات، وإستقباله من الرجال الخطرين و اللقاء مع “الأخ الأكبر“ و البقاء الإضطراري في الفندق، ثم إنسحابه، كان بالنسبة للمتفرجين آخر مشهد مثير قبل فقرة “الوحش يصارع نفسه”، وتوقع الجميع تراجع خالد علي خاصة بعد قرارات الهيئة الوطنية للإنتخابات التي أكدت نظرة الدولة للإنتخابات على انها “إجراء“ شكلي…وليس “عملية ديمقراطية “، وفي نفس الوقت خفتت توقعات الإثارة في سيناريوهات “الكومبارس” …كل الشواهد و المشاهد تقول بأن رغبة السيسي تنتصر …وفقرته ستفرض نفسها….ولم يفكر الناس في فواصل الملل إلا في “كيف ستمر السنوات الأربعة القادمة ؟”
تفاصيل الخبر
خالد على قرر أن يكملها بالشجاعة. وأعلن يوم الخميس 11 يناير أنه سيكمل المسار الإنتخابي، وهذا ما أفسد فقرة السيسي، لأنه:
– لم يدخل العملية الإنتخابية محملاً بالآمال القديمة في تمثيل مشرف، أو إعلان تواجد أو فرصة اللقاء مع الجماهير، أو حتى تأسيس تيار و كانت هذه مبررات الدخول في مواسم الصناديق طيلة أيام مبارك التي كانت هندسة الحصص السياسية لعبة خبراء سيطرة معتقين مثل كمال الشاذلي.
– أعلن نفسه ممثلاً لمن سماهم “ أبناء يناير“، وهذا تضييق ضد الحكم الإنتخابية المحفوظة، لكنه إختار هو وحملته مواجهة الحصار الخانق حول الصناديق، بالإعلان عن وجود “تلك الأقلية“ التي تصورت أجهزة السلطة أنها إختفت خلف السجون أو عادت إلى فقاعاتها الشخصية أو إختارت الإنضمام إلى فرق كورال الإحباط العمومي….ولهذا فإنه من الشجاعة إختيار هذه الكتلة التي لا يتوقع منها شيئا في إنتخابات تتم تحت قبضة غير مسبوقة في تاريخ الديكتاتورية الأبوية المسلحة الحنونة.
– ومن الشجاعة أيضاً الخروج عن حدود نقد قرارات الهيئة الوطنية للإنتخابات، بما تمثله من ذراع بيروقراطية للسيطرة على الصناديق، إلى السيسي و أحلامه بإغلاق الصناديق على صورته وحده، وإفساد الفقرة التي ينتخب فيه نفسه.
هذه الشجاعة هي التي حسمت تردد سامي عنان.
الخبر يقترب من الإكتمال
سامي عنان رئيس أركان الجيش، آخر أيام مبارك، وأيام الثورة، وفي الفترة الإنتقالية، وحتى أول أيام المرسي و الإخوان، وهذه هي المرة الثانية التي يعلن فيها عن رغبته في الترشح لرئاسة الجمهورية، الأولى إنتهت بالتنازل في صمت، سنعرف اليوم ومع تكرار الرغبة أنه كان مؤلماً.
مزيد من الشرح
الرسالة وصلت للفريق عنان قبل الفريق شفيق:”..إستمتعوا بالتقاعد”، شفيق وصلته عبر الراعي الإماراتي الذي تراجع عن فكرته السابقة بأن من حق الفريق شفيق دخول السباق الإنتخابي، وتجربة إعادة إحياء معادلات مبارك المبهرة في السيطرة و الكمكمة السياسية بدون أصوات ولا جراح ولا عنف مقلق، الراعي الإماراتي بات مقتنعاً بتحقيق رغبة السيسي في وقت لإكمال دائرته، ولأن الراعي مشغول بعدة جبهات مفتوحة، والسيسي إحترف زرع أفخاخ في كل الملفات التي كانت في يده، حتى لا تكتمل بدونه، وكان القرار “هو أفضل من غيره في هذه اللحظة“، كما أن إعادة هندسة السلطة السعودية يحتاج تفرغاً كبيراً، لا يصح معه فتح جبهة كتسعة مثل هندسة السلطة في مصر، وهذا ماشعر به شفيق وأراد تغييره بتسريع الإعلان من الإمارات نفسها، لتكون إشارة إيقاظ لكتلته الإنتخابية التي كانت نائمة وسط تحالف التفويض.
لكن الشفاشقة ليسوا مدربين على السياسة ومواجهاتها مع السلطة وشراستها، فهذه القطاعات هم”جمهور سلطة“ ولدت رغباتهم في الدفاع عن شفيق الطبعة المقبولة من مبارك، والأقرب إلى عالم البرجوازية المتوسطة و العليا، الفخور بالعسكرية و الرافض لقبضتها في نفس الوقت.
ولم يكن صعباً على “الأجهزة” تنفيذ عملية “تكميم الشفيق” فهي عملية مسجلة في سجلات روائعها الكلاسيكية.
عنان وصلته رسالة التحذير عبر شتائم إستباقية من جوقة البروباجندا وأكشاك الحراسة الإعلامية. وظل متردداً بين الصمت و المناوشة، خاصة أنه في جولة 2014 أعلن بالفعل عن المشاركة وقدم أوراقه وبدأ حملته معتمداً على إتفاق داخلي في غرف مغلقة أن السيسي لن يطلب الرئاسة.
وماذا حدث؟
من الناحية الدرامية لابد أن الفريق سامي عنان قام بزيارتين في الأسابيع الماضية، الأولى للفريق شفيق بعد العودة إلى بيته، مستطلعاً حجم الضغوط التي تعرض لها واضطرته لإعلان أنه “ليس صالحاً”.
الزيارة الثانية للمشير طنطاوي من أجل جس النبض عبر “الأب الروحي”، وربما ليبلغ السيسي أو يضمن له الحماية و عدم تكرار “الخشونة“ التي قوبلت به رغبته في 2014.
وذلك غالباً كان جزءاً من التردد الذي حسمته شجاعة خالد علي من باب “كيف لهذا الشاب المدني الصغير أن يواجه الوحش و إحنا اللي حاربنا في حرب الإستنزاف و انقذنا مصر بعد سقوط مبارك…نتخاذل عن المعركة…”.
تغريدة
#السيسي لايريد ولا يحب السيرك، يريد الخشبة فارغة له وحده مع الحديدة (ميكرفون واير ليس) يذهب أينما تحرك خلفه ليقول وحده، ولذلك يريد جمهوراً جاهزا ، لكن السيرك ربما يستدعي جمهوراً من بينهم 5 ملايين أضيفوا إلى قوائم الذين لهم حق الإنتخاب، ولا يهتم بهم أحد رغم أنهم قوة تصنع المفاجآت.
للذاكرة
هذه هي جولة جديدة تتصاعد فيها الحرب على السلطة بفعل حركة ما من “تلك الأقلية”.
من هي “تلك الأقلية”؟
أولئك الذين خرجوا عن “الميل العام“ لعبودية السلطة والتعامل معها على أنها قدر لا يخص حياة الناس…الخروج كان في “ثورات” لم تكتمل…وادركت “تلك الأقلية” قبل غيرهم نهاية تركيبات مابعد التحرر من الإستعمار …الاقلية التي لم تلتفت إلى “الإجماع “ الذي تحصل عليه سلطات الإستبداد في الصناديق أو ذلك الذي كان يعتبر “الثورة“ كلمة سيئة السمعة و التغيير “مؤامرة أجنبية “ و “الإصطفاف خلف رب النظام و فرعونه الكبير“ هو قمة “الوطنية”.
سؤال قديم
هل تبخرت تلك الأقلية التي أشارت إلى “إحتمال اخر“ و “إمكانية” غير الإندماج في قطعان عبادة دولة المستبد الواحد و تسعى إلى “عالم جديد” خارج البؤس العمومي الذي يصعد فيه البطل الإستثنائي على أكتاف ملايين العاجزين ليزداد بؤسهم؟
هذه الأقلية يحملونها الجحيم الكوني بعد خروجها عن “الإجماع“ أو بالأحرى تحريرها الإجماع من سطوة “السير كالقطعان ثمناٍ لحياة امنة”.
لكن هل ستعود “تلك الأقلية“ بالإنتخابات؟ وماذا سيفعل حضورها في سباق الرئاسة؟
إشارات للإجابة
حركة “تلك الأقلية“ تربك التواطؤات الصغيرة و الكبيرة، كما حدث في 25 يناير، عندما تفسخت الدولة من حول مبارك الذي أراد إستمرار شيخوخته حاكمة، ليصبح جسراً ل”كومبينة“ التحالف بين العائلة و النخبة المالية، وقررت النواة العسكرية إستعادة مركزها في الحكم، كما لمعت في عقل الإخوان المسلمين فكرة “التمكين“ والقفز إلى السلطة، وهذا لم يكن يحصل إلا بكسر الدائرة عن طريق “تلك الأقلية“ الخارجة عن الميل الذي تترتب عليه المصالح و التحالفات والصراعات كما يتراكم الصدأ على الآلات المعدنية.
أين المنافسة؟
سامي عنان يرى نفسه بطلًاٍ في معركة إستعادة الجيش لموقع “النواة المركزية “، لكنه من عالم أقدم من عالم السيسي الذي يرى التاريخ خشناً بدون تراكمات الخبرات و الأفكار الإنسانية، يراه صراعاً بين الخير و الشر، ولهذا يرى نفسه “طبيب فلاسفة “، قادم من “مؤسسة السلاح“ التي تعزل نفسها لدرجة يشعر فيها بالمسافة عن بقية المصريين، هم أعلى وأقوى، وفي “ نطاق الحكم“ تتم تربيتهم داخل الثكنات، ولهذا فإن جمال عبدالناصر هو الأب المؤسس لهذه “الصوبات الحاكمة”، وهو في نظره مجرد “قائد عسكري” يحكم قطعان بشرية يسمونها في الأدبيات السياسية إسماً براقاً هو: الشعب.
سامي عنان يسمي حزبه مصر العروبة“ كأنه يضيف إلى مساره العسكرى الذي كانت ذروته في حكم “آلمجلس العسكري” من فبراير 2011 إلى يونيو 2012، وخاض فيها حرباً عنيفة لتحجيم التغيير وإعادة الدولة إلى قبضة مؤسسة السلاح.
سؤال اللحظة الراهنة فقط
هل يُكمل سامي عنان طريقه إلى مصارعة السيسي؟
يريد الفريق عنان ألا يكون الفريق شفيق، ويسعى إلى تجاوز العقبات البسيطة والصعبة (على رأسها عضويته بالمجلس العسكري) وبالطبع عليه تجاوز كلاسيكيات الأجهزة التي تبدأ بجلسة الأخ الأكبر بما تتضمنه من:
– فقرة التعاطف: نحن في أشد الأوقات إحتياجاً للإصطفاف الوطني…ولانريد منشخصية كبيرة ولها مساهمات كبيرة في الوطن وخبرة في أمور الدولة …أن تكون شريكاً في شق الصف الوطني في تلك اللحظات الصعبة.
– إشارات تهديد: هل تريد أن تشارك في حرب الإرهاب علينا؟
– مزيد من التهديد: أنت تعرف طبعاً أن في الإنتخابات كل الملفات تفتح …وبينها بالتأكيد ملفات عن فترة حكم المجلس العسكري.
– الورقة التي لا تخيب: للأسف يافندم لن نستطيع في حال إصراركم على المشاركة منع نشر تسجيلات تليفونية أو أشرطة مصورة… تمس حياتكم الشخصية..أنت تعرف أن المعارك الإنتخابية تبيح المحظورات.
إلى أي مستوى سيتحمل الفريق؟ أم أنه عبر كل هذه المراحل وهو الآن في مرحلة مقابلة الوحش؟
وماذا سنسمي المعركة؟
ربما مصارعة المارشال و الفريق….وهي في ظاهرها “معركة داخلية“ في المؤسسة العسكرية، لكنها ليست كذلك إلى آخر المطاف فإذا إستمرت المعركة حتى الوصول إلى الصناديق، فإن أصوات الناخبين سيكون لها نصيب في حسم النتيجة، وفي هذا زعزعة في منطق تحويل الرئاسة إلى سر من أسرار الغرف المغلقة.
وهل تكشف المعركة عن شيء خفي؟
ليس في الغالب “صراع أجنحة“ التي تقال إستسهالاً في مثل هذه الظروف وبالرجوع إلى سوابق في تاريخ المؤسسة العسكرية من ناصر – عامر إلى مبارك – أبو غزالة.
سامي عنان هو ثالث مرشح “عسكري” في إنتخابات 2018، الأول له ماضي عسكري هو الفريق شفيق إنسحب، والثاني ترشح وهو في الخدمة وبالملابس العسكرية العقيد أحمد قنصوة مسجون لمدة ست سنوات…
وهذه ظاهرة تخالف أعراف المؤسسة العسكرية في الإتفاق على مرشح واحد يحفظ لها الحق في “إحتكار“ السلطة، وهو حق لا يمنحه الدستور ولا هوية الدولة ولكن “قوة الأمر الواقع”.
وتحتاج الظاهرة إلى زوايا نظر أخرى غير “صراع الأجنحة“…
مثلاً
– فشل البروباجندا في صنع “هيمنة“ للمارشال سيسي تجعل خطابه ينطلي على غالبية الناس بدون خوف من القمع أو من غياب البديل.
– الخوف من تأثير حالة الغضب المكتوم على “مكانة “ الجيش.
– التنازع في حق الصعود إلى الحكم بين أصحاب الأدوار التاريخية من جهة و بين شباب المؤسسة العسكرية الذين يرون أنه مادام السيسي وصل إلى الكرسي فلم لا نصل؟
– إرتباط الخطاب الوطني داخل المؤسسة بنزعات مثالية ذات طابع إنشائي مثل التي قدمها العميد المحبوس قنصوة….الذي رأى في نفسه منقذا أكثر جدارة.
المعارك أنواع؟
خالد علي معركته واضحة، تحدي نرجسية السيسي في اللعب وحيداً، ساخراً من الجميع، قاهراً كل من يتصور أنه سيقف في مواجهته.
أما عنان فمعركته أصعب، وسيخوضها غالباً باللعب على:
– الأصوات الإحتجاجية النائم منها و المعلن، الراغبين في طرف قوي من “أبناء الدولة والجيش” يراهنون عليه في التخلص من السيسي.
– كل من يريد ألا تكون السنوات الأربع القادمة إمتداداً للأربع السابقة…ويمكنه ان ينزل من بيته ليدفع بشخص آخر يمكنه الإنتصار على السيسي.
– التحالف مع أطراف على هامش الدولة، ربما يكون من بينها محمد أنور السادات الذي سيضمن له أصوات المتضررين من قطاعات مالية و إجتماعية ليست قليلة.
وللتذكرة
حزب الإصلاح والتنمية الذي يرأسه السادات رشح الفريق عنان في إنتخابات 2012 ولم يرفض، لكنه طلب الإستئذان من المشير طنطاوي الحاكم العسكري وقتها، والذي رفض بمنطق “لانريد أن يقول الناس أن الجيش ساند الثورة لأنهم يسعون للحكم..”
والقادمون من الشقوق
أعلن مرتضى منصور ترشحه الرئاسة في مداخلة مع برنامج تليفزيوني…وهذا كان بالنسبة للمتابعين:
– فقرة جديدة من فقرات المستشار.
– رسالة تحذير إلى كل المرشحين بنوع ومستوى المعارك.
– قاذفة شتائم لخصوم السيسي.
– مرشح إحتياطي في حالة النجاح في إستبعاد خالد علي و سامي عنان.
وربما يكون هناك سبب آخر يخص نظرة مرتضى لنفسه.
والخلاصة
ربما يعاد نصب السيرك من جديد…ويدخل جمهوراً لم يتوقعه السيسي حين أرادها وخطط إلى أن تكون فقرة وحيدة…حتى أنه بدأ في الإعلان عن فيلم يجسد بطولاته في 30 يونيو، هل كتبه وحيد حامد منفرداً، أم مصحوباً بإستشارات وطلبات كانت أحياناً من السيسي شخصياً؟
سنعرف قريبا، وربما لانعرف فالفيلم يرتبط مصيره بالإنتخابات وبالعقل الذي يفكر فيها، كان إسمه “أيام الثورة و الغضب” وتحول إلى “ سري للغاية “ ، بما لايخفي من دلالة على رفض فكرة “الثورة“ أو خوفاً منها، والتركيز على الأدوار السرية وبطولاتها، وترتيبات الغرف المغلقة.
والإعلان عن الفيلم تزامن مع بداية إجراءات الإنتخابات، وسيعرض على الشاشات في مايو القادم أي بعد أسابيع قليلة من إعلان نتيجة الإنتخابات.
الوسوم :
٢٠١٨٢٥ يناير٣٠ يونيوcairoegyptworldأحمد شفيقابو ظبياحمد شفيقاختفاءالإماراتالاخوان المسلمينالاماراتالجيشالدولةالرئاسةالساداتالسعوديةالسيركالسيسيالقاهرةالمجلس العسكريانتخاباتترحيلتيران و صنافيرحسني مباركخالد عليخطفدبيسامي عنانسياسةشارعشفيقشوارععبد الفتاح السيسيفلسطينمباركمدينةمرتضى منصورمصروائل عبد الفتاح