“أنا مش عارفني أنا تهت مني.. أنا مش أنا“..
هكذا صرخ عبد الباسط حمودة بكل ما يملك من صوت وبصمة فريدة في عالم الغناء الشعبي، بصمة وضعته ضمن الكبار، رحلة بدأها من الصفر حتى أصبح الحكمدار، يكفي هذا اللقب كي يعرفه محبي الغناء الشعبي، رحلة طويلة للحصول على اللقب، كأنه تدرج وظيفي، يستلزم الكثير من الجهد والمشقة والثبات.
كان السؤال الدائم في ذهني، كيف تكون العودة بهذه السرعة وهذا النجاح، فجأة وفي أشهر قليلة يصبح عبد الباسط على القمة، ماذا تحتويه الأغنية؟ ما السر؟ هل الأمر مرتبط بالشكل الفني والأداء، أو الكلمات، أم بالوضع الراهن على الساحة وقت صدورها، أم أن الأمر أعقد من ذلك، وجذوره ممتدة في أصل الرحلة وصراعات الذات.
كي نجد إجابة أو على الأقل نفهم ونتتبع سر هذه الأيقونة الغنائية، كان علينا الرجوع بالزمن إلى محطات قديمة، يمكن أن تفسر لنا ولو جزءًا صغيرًا من السر، نتتبع مسيرة الحكمدار، ونحاول اكتشاف وجهة نظره في مشواره ونجوميته، لكن قبل ذلك نرصد المشهد الغنائي وقت صدور الأغنية؛ الأغنية في ألبوم “ضربة معلم” عام 2007، الساحة الشعبية في مرحلة تجديد، مع ظهور سعد الصغير ومحمود الليثي قبل ذلك بعدة أعوام، أغلب مطربي البوب المصري قدموا ألبومات في ذلك العام، وعلى رأسهم عمرو دياب ألبوم الليلة دي، بجانب تامر حسني ومحمد فؤاد وهشام عباس ونانسي عجرم وإليسا وأنغام.
في ظل هذا الحراك الفني، كان عبد الباسط في شبه عزلة فنيه منذ 2000، أعمال قليلة على استحياء، وكأنه يتوارى عن الأنظار تدريجيًّا، يصبح واحدًا من الذين لم يستطيعوا مجاراة الأوضاع الجديدة والشكل الجديد للأغنية الشعبية، سحب سعد الصغير ومحمود الليثي البساط من تحته، أصبح الغناء مع سعد الصغير والليثي بعده، يحتاج إلى مجهود بدني كبير، عليك أن تتراقص على المسرح بصحبة مجموعة من الراقصين وعازفي الإيقاع والصاجات، عالم جديد من الأغنية الشعبية، لم يستطع عبد الباسط أن يجاريه أو يدركه، شيء خارج إطار ما تربى وعاش عليه، فهو ابن مرحلة الكاسيت، والاهتمام بالأداء الصوتي والكورس النسائي صاحب الصوت الرفيع (المسرسع)، كان من غير المقبول تمامًا للحكمدار أن يفعل ذلك، تجده في أحد الأفراح الشعبية يمسك العصا ويضرب الراقصات كي تعود خلفه، قائلاً “الله ينعل ابوكم ولاد كلب“، مع أنه في مقطع آخر يقبِّل راقصة من فمها، لكنه عندما يغني فهو يمتلك حنجرة قادرة على شد انتباه الجميع، لا يحتاج إلى منبهات مثل الراقصات أو الراقصين الملتفين حول المطرب ليستند إليهم ويشعلوا المكان، الصوت وحده كافٍ عند الحكمدار، ابن الافراح الشعبية وابن مرحلتها المتوهجة في الثمانينيات والتسعينيات.
مع بدايات الألفية، ظهرت أشكال موسيقية شعبية مختلفة عن القديم، بعيدة عن الأغنية الشعبية التي قدمها عبد الباسط وحسن الأسمر ورمضان البرنس ومجدي طلعت، بالإضافة إلى المولد، وهو شكل موسيقي لم يستمر كثيرًا، كان قائمًا على الرقص والحركة، يمكن أن تعتبره مرحلة تجهيزية قبل سطوع عالم المهرجانات، وفي عالم المولد وأغنيات الليثي الراقصة والمطعمة بجو صوفي، لم يقف عبد الباسط صامتًا، لكنه أعاد تقديم أغنية “قوليلي يا خاينة“، وهي في الأصل أغنية للمطرب عصام الأمير. كان عبد الباسط قادرًا على جعل أغنية تتحدث عن الخيانة الزوجية بتفاصيلها ومشاهدها؛ الزوج المخدوع (القفص)، والصديق الخائن، من أهم أغنيات الأفراح، كانت تشعل الفرح بالرقص والغناء معه، لكنها لم تمكنه من الرجوع إلى الساحة الفنية، كانت بمثابة حلاوة روح، تؤجل إسدال الستار فترة زمنية فقط لا غير.
كان ما صنعه محمد رشدي عند الرجوع للغناء وتقديمه ألبوم دامت لمين وقطر الحياة، مثالاً واقعيًّا وحقيقيًّا على قدرة الأغنية الشعبية في المنافسة على قمة الساحة الغنائية، كانت لحظة الغيرة الفنية عند عبد الباسط، فهو يرى نفسه المكمل لجيل محمد رشدي، كيف لم ينته رشدي واقتربت أنا من نهايتي الفنية، فبدأ البحث عن كلمات جديدة تعيده للسوق، الحل هو المنتج ورفيق الرحلة الحاج حنفي، فدله على الذهاب إلى الشاعر أمل الطائر، فطار إلى أمل وأخذوه إلى بيته في الإسكندرية، وبدأ عبد الباسط بالسؤال “ما عندكش حاجة ليا؟“، فقال أمل “أنا مش عارفني، أنا تهت مني أنا مش أنا، لا دي ملامحي ولا شكلي شكلي ولا ده أنا، أبص لروحي فجأة لقتني كبرت فجأة، تعبت من المفاجأة، ونزلت دمعتي، قوليلي إيه يا مرايتي قوليلي إيه حكايتي تكونش دي نهايتي وآخر قصتي“.
جاءت الكلمات وكأنها ضربة خنجر في جسد عبد الباسط، فتفتت كزجاج مسرطن، مع أن أمل قال له إنه كتب الأغنية تعبيرًا عن حاله بعد رحيل كل أخوته، إلا أنه لم يعره أي اهتمام، الحالة أكبر من فكرة أغنية، أو أي تفسير يحول بينه وبينها، تلك الصدمة أعادت عبد الباسط إلى أول لقاء جمع بينهم في مكتب أمل في شبرا بداية الثمانينيات، الشاب الذي لا يملك من الحياة شيء إلا صوته، كان يرتجف يومها وهو بصحبة المنتج وصاحب محل الأدوات المنزلية الحاج محمد أبو الغيط، يتخيل أن يفشل في الاختبار أمام أمل، كما فشل المطرب السابق الذي جاء به الحاج ورفضه أمل، وفي الوقت نفسه عبد الباسط لا يثق في أي شيء، إلا أن صوته جميل.
لكنه نجح في الاختبار وتبناه أمل والملحن مهدي خميس، وقدما أول ألبوماته “بين القصرين“، لينجح الألبوم وتنجح أغنية بين القصرين، ودنيا عجيبة التي كتب كلماتها أمل، وانتشر الألبوم بين سائقي الميكروباصات خصوصًا في العتبة، كان ذلك أكبر دليل في وقتها على نجاح الألبوم، واعتماده مطربًا شعبيًّا، بدأ يتذوق طعم النجاح للمرة الأولى في حياته، وأصبح قادرًا على الجلوس على مقاهي الفنانين في شارع محمد علي وهو يملك شيئًا يستطيع تقديم نفسه به، خرج من عباءة ابن المنطقة المتطفل على الفنانين، أو قريب طبَّال في الفرقة الماسية، أو وابن مداح الرسول البسيط المتوفى والذي تحمل عبد الباسط على عاتقه منذ طفولته المساعدة في مصاريف البيت، أو حتى الكومبارس في فيلم “أرزاق يا دنيا” 1982؛ في مشهد لا يتعدى الدقيقة، وانطلق يغني بشكل مكثَّف في الأفراح وإنتاج الألبومات، فقد ظهر عبد الباسط في وقت ازدهار مرحلة الكاسيت وتجارتها، ودخول صناع كثيرة في تلك الصناعة، من باب الانفتاح الاقتصادي، في الأصل كان صاحب محل أدوات منزلية، فهو ابن تلك المرحلة الإنتاجية، مرحلة ما بعد عدوية، ومحاولات تقديم أغنيات جديدة والخروج من عباءة عدوية الفنية، خصوصًا في الكلمات، كان يطل علينا مع العديد من المطربين الشعبيين، أشهرهم لنا، حسن الأسمر وكتكوت الأمير ورمضان البرنس ومجدي طلعت وشعبان عبد الرحيم، وغيرهم الكثير؛ كل منهم اختار شكلاً وطريقًا للاستمرار، منهم من نجح في خطته ومنهم من فشل، بصرف النظر عن إمكانياته الصوتية، فشعبان قرر أن يأخذ طريق التنمر واللعب مع السياسة، اسخروا مني كي أجني الأموال والشهرة، عرف شعبان من أين تؤكل الكتف، كتف النجاح المؤقت، الزائل، لكن عبد الباسط قرر الاستمرار في تقديم الأغنية الشعبية كما يقول عنها الكتاب، بكل مفرداتها وطريقة غنائها والمواويل واللعب بحنجرته الذهبية، معتمدًا وواثقًا في إمكاناته ثقة عمياء.
مع عدم وجود أرشيف حقيقي لهذه الألبومات، ولأن الإنتاج كان بسيطًا في ذلك الوقت؛ فكان من الممكن لألبوم أن يقدم في عدة نسخ بأسماء مختلفة حسب نجاح الأغنية، كما ذكر ذلك أمل الطائر في أحد حواراته الصحفية، فمن الصعب تحديد أسماء الألبومات، لكن المؤكد أنه قدم عدة ألبومات في الثمانينيات، وصل عددها ما يقارب الست ألبومات، ونجح في إثبات نفسه في ساحة الكاسيت، لكنه ما يزال حائرًا، لم يجد نفسه، لم يضع بصمته المعهودة لنا في الأغنيات، كانت أغلب الأغنيات تشبه بعضها في تلك الفترة، أغنية يا طبيب قريبة من أغنية كتاب حياتي يا عين لحسن الأسمر، وروقان لها لحن أغنية توهان لحن الأسمر أيضًا، وغيرها الكثير. يبدو أن عبد الباسط كان عينه على حسن الأسمر ونجاحاته، حتى طريقته في الأداء في بدايته.
مع بداية التسعينيات قدمت منى الحسيني حلقة من برنامجها الشهير “حوار صريح جدًّا“، تحت عنوان مطربي الأغنية الواحدة، واستضافت ثلاثة مطربين شعبيين في بداية مشوارهم الفني؛ مجدي طلعت وشعبان عبد الرحيم وعبد الباسط، الحلقة سيلاً من العنصرية والطبقية موجهة إلى هؤلاء المطربين؛ كانت الأسئلة كلها قائمة على فكرة التقليل من شأنهم، سُئل عبد الباسط؛ لماذا لم تغير اسمك؟ كيف تحفظ أغنياتك وأنت غير متعلم؟ كيف تغني عاطفي وأنت غير وسيم مثل عبد الحليم؟ كان عبد الباسط صغيرًا مهتزًا خائفًا وهو على شاشة التليفزيون، لدرجة إنه قال كلمات أغنية بين القصرين ولم يغنها، اكتفى فقط بتسميع الكلمات كي يثبت قدرته على الحفظ، وعلى الرغم من تقليلها المستمر من شأنه فإن عبد الباسط كان واثقًا في صوته ونجاحه. وعند السؤال الأخير: مين بيسمعك؟ والمذيعة تنتظر إجابة بسيطة لأبناء المناطق الشعبية، أو غيرها من الإجابات التي تقنعها أنها على صواب وأن العنصرية هنا حق إعلامي، كان لعبد الباسط رأي آخر “العالم كله بيسمعني.. العالم كله بيسمع عبد الباسط.. ما فيش حد شفته ما بيسمعنيش“. العالم كله بيسمعني؛ هذه إذن إحدى صفات عبد الباسط، الوهَام (المرض بالوهم)، عبد الباسط يرى نفسه بعد عبد المطلب ومحمد قنديل ومحمد رشدي.
حياته في شارع محمد علي لقربها من بيته، وعمله فيما بعد كمطرب أفراح شعبية، ورؤيته الفنانين والعازفين من على قرب، جعلته يتوهَّم أنه من ضمن الكبار، في كل حواراته التليفزيونية يتحدث عن أجواء شارع محمد علي التي لم يعشها إلا طفلاً صغيرًا أو شابًا لم يقدم شيئًا بعد، يتعامل مع عدوية كزميل كباقي الزملاء، لا واحدًا من أسباب إعادة إحياء الأغنية الشعبية الجديدة، مع أنه غنى أغنيات عدوية مثل كله على كله وجوز وفرد. وهو مقتنع بأنه قادر على التفوق على دارسي الموسيقى، فقط لأنه تربية محمد علي، يتحدث في مرة عن شكوكو كقيمة فنية، لكنه عندما يتحدث عن سعد الصغير يقوله إنه مثل الأراجوز ويشبهه بشكوكو، يتعامل مع شكوكو إنه مطرب أقل منه صوتًا وفنًا، ويكمل حديثه عن سعد الصغير بأن سعد كان طبالاً في فرقته، مكملاً حديثه بصيغة الجمع “ده احنا بنلقلق الحجر، احنا مسكنا فلوس ماحدش مسكها.. احنا ملوك التمانينات” ومع أن نجاحات عبد الباسط الحقيقية كانت في التسعينيات، فهو هنا يتحدث عن النجاح المادي والغناء في الأفراح الشعبية.
التسعينيات هي فترة النجاح، أصبح واحدًا من أهم مطربي الغناء الشعبي، ألبومات كثيرة، وأغنيات نجحت بشكل كبير مثل اديني قلبك، قدري، موال حياتي، كلك عاجبني، متصحوش المواجع، أنا شاري، بالإضافة إلى تجارب سينمائية كمطرب؛ أبو الدهب 1996، السلاحف 199، تحت الربع بجنية وربع 2000، رغم النجاح لم يستطع عبد الباسط الوصول للمرتبة الأولى، لم يستطع الخروج من الدائرة الصغيرة، إلى دائرة الشهرة الكاملة، مثل حسن الأسمر أو حكيم فيما بعد، ظل في مكانه، لا يعرفه إلا محبو الغناء الشعبي فقط، لكنه استمر مقتنعًا بأن العالم كله “بيسمع عبد الباسط“!
واستمر هذا الاقتناع الدائم، إلى درجة المرض، بأنه رقم واحد على الساحة الغنائية، حتى إنه كان يتحدث عن الأفلام التي شارك فيها وكأنها بطولته مناصفة مع آخرين، وعندما تبحث عنه في الأفلام تجده شارك كمطرب فقط، دون أي مشاركة في التمثيل ولو بجملة واحدة، هذا الوهم المرضي كان مهمًا في استمرار عبد الباسط على الساحة الغنائية، فهو يرى نفسه الحكمدار عن جدارة واستحقاق، وهو حقًّا واحد من أهم الأصوات الشعبية، بكل ما يمتلك من طاقة وحضور طاغٍ على المسرح، ويستطيع التلاعب بصوته بشكل يجعل له بصمة فريدة لا يقترب منها أحد. كان عبد الباسط يستحق مكانة أكبر مما وصل إليها حتى بداية الألفية، لكنه بالطبع لا يستحق ما يتوهمه، فهو ليس الأول بعد جيل الكبار، فذلك ظلم بين للعديد من الأصوات والتجارب الشعبية المهمة؛ على رأسها أحمد عدوية وحسن الأسمر.
وسط كل هذه الأوهام والحقائق غاب عبد الباسط وهو يستمع لكلمات أغنية “أنا مش عارفني“، لحظات من الصدق مع النفس، جعلته يرى الحقيقة ولو للحظات؛ العمر يمر وحلم اعتلاء القمة كمطرب شعبي يضيع رويدًا رويدًا، لم يعد له مكان على الساحة، لكنه لم يتنازل عن الحلم، يجب على أوهامه أن تصبح حقيقة، أو على الأقل جزء منها، كل ذلك جعل الكلمات تخرج منه بكل صدق، لحظة تخبط جعلته ينفجر بكل هذه القوة والجمال والتمكن، وقتها تذكر موال في بداية أغنية “سيبوني أبكي” وهو يصرخ صرخة الأنا نفسها في أنا مش عارفني “جريح وبائس وقلبي يائس جريح أنا أنا أنا أنا جريح.. جريح وبائس أنا وقلبي يائس ماعدش ناقص والله والله ماعدش ناقص يا ناس جروح“.
كانت مراهنة بكل ما يملك من أمل أخير، كيف يمكنه تقديم أغنية شعبية بالأسلوب القديم، ويتوقع لها النجاح؛ أغنية شعبية لا تعتمد على حركة المطرب أو فرقته، ولا على راقصة، أو فيلم يدعمها، خصوصًا مع انتشار المهرجانات، واقترابها من السيطرة على الشارع المصري، كان عبد الباسط المتمسك بجلده كما كان منذ امتهانه الغناء، الذي ثبت على طريقه ولم يغير لونه، وهو أيضًا الذي قال في حوار صريح جدًّا، إنه يلقَّب بالجلد الملون، لقدرته على غناء كل الأشكال الغنائية، وأعتقد أنه لقب أطلقه عبد الباسط على نفسه، ليقينه بقدرته على الغناء وامتلاكه صوتًا جميلاً وقويًّا من الناحية الشعبية.. أعتقد كذلك أن عبد الباسط كان يغني وهو يشعر أنها آخر مرة سيغني فيها “قوليلي إيه يا مرايتي.. قوليلي إيه حكايتي.. تكونشي دي نهايتي وآخر قصتي“، كان يرى طفولته في حواري القاهرة، داخل حواري الدرب الأحمر وشارع محمد علي، ويسأل نفسه هل لو كنت قد تعلمت كان الأمر ليختلف، هل كنت سأصل إلى النجاح الذي عشت أحلم به طول عمري؟ “يا دنيا طفيتي شمعي، يا ناس كترتو دمعي، والعمر راح هدر، كتبت الآه بألمي، كسرتو سن قلمي، وبرده بقول قدر، حزين من صغر سني، ومين على الآه يعيني، وخداني الخطاوي لسكة تايهة مني..”، لذلك كانت الأغنية تعتمد على صوته، البطل الأول للأغنية، فهذه الحنجرة يجب أن تأخذ حقها، وأن تجد مقعدًا لها.
لكن ما لم يكن يعرفه عبد الباسط أن القاهرة وناسها في شوق لأغنية شعبية بالشكل القديم، أغنية صادقة دون إضافات أخرى تجمِّلها، وهذا ما حدث بعد ذلك بعدة سنوات مع أغنية أحمد شيبة “آه لو لعبت يا زهر” 2016. وهو نجاح الذي لم يكن يتوقعه عبد الباسط نفسه، وكأنه أخيرًا وجد نفسه مع ألبوم ضربة معلم، ثم سلفني ضحكتك، وحقق ما لم يحققه طول مسيرته، الأمر ليس فقط نجاح أنا مش عارفني، فقد حققت بعض الأغنيات الأخرى نجاحًا كبيرًا وأكدت موهبة وقدرة عبد الباسط على التربع على عرش الأغنية الشعبية؛ مثل أغنيات بيأكلوك مربي، دمعتي، ضربة معلم، يا معلمين الهوي، سلفني ضحكتك، الدنيا جرالها إيه، الجو هادي..
يغني عبد الباسط وكأنه طائر في الهواء، تمكن وقوة وبهجة في أغنيات الغزل، وحزن حقيقي في الأغنيات الحزينة. لقد وجد نفسه أخيرًا.. وحقق ما كان يحلم به حقًّا، وما يستحقه بعيدًا عن الوهم وقصص الخيال وتجاهل الآخرين.
أصبح عبد الباسط واحدًا من نجوم البرامج، واستعان به العديد من فرق الأندرجراوند في أغنياتهم، مثل كايروكي، وشارك في دويتو مع نيكول سابا، وآخر مع دنيا سمير غانم، والكثير من الإعلانات، وتترات المسلسلات، لا أحد الآن لا يعرف عبد الباسط، لا أحد لم يسمع أغنية أنا مش عارفني، ولو مرة بالمصادفة، الآن عبد الباسط يجلس سعيدًا فرحًا بما وصل إليه، أصبح الحكمدار عن وجه حق ونجاح وشهرة.. وما يزال متوهمًا أيضًا لكنه وهم جميل على أي حال!