لا يمكننا أن نرى ما يحدث حاليًا في أفغانستان سوى باعتباره انقلابًا، فقد استولت حركة طالبان على السلطة بشكل غير شرعي بعد أكثر من خمسة وعشرين عامًا من ترويع الأفغان وكسب الأرض تدريجيًّا. استسلم الجيش الوطني قبل بداية المعركة، إذ أراد تجنب إراقة المزيد من الدماء، خاصة بعد أن فقد الدعم السياسي واللوجيستي اللازم للقيام بأي عمليات عسكرية. لكن هذا الاستسلام أسيء تفسيره باعتباره قبولاً أفغانيًّا بطالبان، ولكن الحقيقة أنه كان عاملاً من عوامل الدفاع عن النفس وضرورة الحفاظ على الحياة المدنية. حركة طالبان لم تستول على السلطة بمفردها، فقد أسهمت الولايات المتحدة في ذلك، ومكنت المنظمة الإرهابية من قيادة البلاد من خلال إضفاء الشرعية عليها وإقامة محادثات السلام معها، بعد أن عهدت لهذه المجموعة بإفشاء سلطتها الوحشية في أفغانستان.
مئة وجه للجهاد
ظهرت حركة طالبان عام 1994، وتمركزت في جنوب أفغانستان، وذلك في ظل الحرب الأهلية التي دارت بعد انسحاب الجيش السوفيتي من أفغانستان وانتهاء الاحتلال الدامي الذي استمر بين عامي 1979 و1989. وقد ساند الاتحاد السوفيتي حكومة الحزب الشعبي الأفغاني الديموقراطي في محاولة فاشلة للسيطرة على البلاد، وبعد انسحاب القوات السوفيتية، انهارت الحكومة الشيوعية في كابول عام 1992، وبدأ صراع آخر بين مجموعات المجاهدين التي قاومت الاحتلال السوفيتي. ثم تحول هذا الصراع تحولاً جذريًّا بعد الانتصار النسبي الذي حققته حركة طالبان باستيلائها على كابول عام 1996، وفرض حكمها على معظم أفغانستان قبل حلول الاحتلال الأمريكي، في أوائل الألفية، والذي أزاحها بمساعدة “التحالف الشمالي” المكون من عناصر المجاهدين التي قاومت طالبان طوال التسعينيات.
يخلط الكثيرون بين المجاهدين وحركة طالبان، وغالبًا ما يقوم الخلط على اعتبار أنهما ينتميان للإسلام السياسي بصورة عامة، ولكن هناك فارقًا تاريخيًّا جذريًّا في السياق الأفغاني. بينما تتسم حركة طالبان بأيديولوجيا موحّدة وتنظيم ممول من جهات محددة، وهي، تاريخيًّا، المخابرات الباكستانية (ISI) وبعض المؤسسات الأمنية الأمريكية، في حين لا يجمع بين المجاهدين إلا تاريخ المقاومة المحلية المباشرة ضد الاحتلال السوفيتي والحكومة الشيوعية اللاحقة له. وقد استمرت هذه المقاومة بمساندة قوى إقليمية وعالمية متعددة بتعدد المجموعات المحلية، وبالتالي ظهر “الجهاد”، كما يسميه الأفغان، بمئة وجه، وشارك فيه الآلاف من الرجال والنساء، والشباب والمسنون، والفنانون والكتاب، والأطباء والمهندسون، وجميع فصائل المجتمع الأفغاني خارج كابول؛ العاصمة الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشيوعية القامعة.
المجاهدون إذن ليسوا فقط شبابًا مدججين بالأسلحة كما تصورهم الصحف العالمية، بل هم أيضًا شعب أفغانستان الذي كافح بأشكال متعددة ضد الاحتلال. في المقابل، تشكّلت حركة طالبان عبر التعبئة المباشرة في تنظيم قتالي يهدف إلى الاستيلاء على الحكم السياسي بالتعاون مع الدولة الباكستانية وبعض الحكومات العربية، وحتى الولايات المتحدة نفسها، التي ساعدت في انتشار الحركة بين عامي 1994 و1996. لكن شكل هذا التعاون تغير مع الزمن، فالمخابرات الباكستانية التي كانت تمول وتدرب مقاتلي طالبان في التسعينيات وضعت قياداتهم تحت الرقابة، بل وفي السجون أحيانًا عندما هربوا إلى باكستان بعد الاحتلال الأمريكي. وسمحت الدولة الباكستانية بوجود طالبان الجديدة في أراضيها بشرط أنها تخضع لمصالحها، وتركت هذه الحركة لتشنّ حملات إرهابية مستمرة على أفغانستان في العشرين سنة الماضية، كسبيل من سبل الضغط على الحكومة الأفغانية. وتكتمل تلك المساندات في الظرف الحالي، بينما تسهم الصحافة الباكستانية الرسمية في تصوير حكم طالبان تصويرًا إنسانيًّا لامعًا في ظل تهديد وضرب وقتل هؤلاء الصحفيين المحليين المتبقين في أفغانستان.
حملات تلميع الصورة
عندما قضى الغزو الأمريكي على حكم طالبان بمعاونة التحالف الشمالي، لجأ قياديو طالبان إلى باكستان، حيث نمت الحركة من جديد منذ منتصف الألفية الجديدة. وبدأت الحركة في تحصيل التمويلات من مصادر خاصة متعددة، وعند استحواذها على بعض المناطق الريفية في جنوب أفغانستان منذ منتصف الألفية، واستمرت الحركة في تحصيل ضرائب وأموال إضافية من الزراعة والتجارة المحلية والإقليمية. وبينما ثبتت عقيدتها السياسية، تنوعت الاستراتيجيات التي استخدمتها للوصول إلى الحكم الحالي. أبرز تلك الاستراتيجيات وأكثرهن قسوة كان الهجوم الإرهابي العشوائي على المدنيين في جميع المدن الأفغانية، وخصوصًا في المناطق الشيعية والأجنبية. اعتمدت حركة طالبان أيضًا على إقناع الشباب الذي عانى من أضرار الحملات الجوية الأمريكية في شرق وجنوب أفغانستان بالانضمام إلى نشاط الحركة. وبالتوازي، افتتحت الحركة مكتبًا للمباحثات السياسية في قطر، ودفعت نحو تشكيل حكومة ائتلاف بين طالبان والدولة الأفغانية التي نشأت بعد الاحتلال الأمريكي.
شنَّت حركة طالبان كذلك حملات إعلامية كثيرة تهدف إلى تلميع صورة الحركة وتبرئتها من أبشع أفعالها، وتتضح هنا المفارقة الجذرية بين كلام وأفعال الحركة، التي استباحت دماء الأفغان في سبيل الوصول إلى الحكم بالإرهاب والتفاوض معًا. وانتشر الخطاب الطالباني عبر وسائل الإعلام القديمة والحديثة، حيث يقدم المتحدث الرسمي باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، خطابًا مغايرًا يُظهر فيه وجه أفضل لطالبان في المؤتمرات الصحفية والتليفزيونية وعبر حساباته الإلكترونية كذلك. وهو خطاب موجه بوضوح إلى الإعلام الدولي، فالجمهور المحلي يعاني من تضييق أكبر وأكبر لمساحات التعبير الحر. وعلى سبيل المثال نشر المتحدث الرسمي مؤخرًا تغريدة عبر موقع تويتر تحوي فيديو قصيرًا حول “السماح للفتيات بالذهاب إلى المدرسة”. لكن طالبان لم ولا تسمح للفتيات بالذهاب إلى المدارس، بل إنها تمنع الأولاد من الذهاب إلى مدارسهم قطعًا في بعض أنحاء البلاد، كما أصدرت أوامرها في الأيام الأخيرة بمنع الطالبات من الدخول إلى جامعاتهن، كما تمنع الموظفات الحكومية من الذهاب إلى أعمالهن. هذا بعد أن ظلت مدارس الفتيات والجامعات والمنشآت الحكومية تحت التهديد الدائم بالتفجير في السنوات الأخيرة.
تحت التهديد
يعرف قيادات طالبان جيدًا أن لديهم سجلاً مروعًا بشأن النساء والفتيات، ويشكل هذا السجل حاجزًا سياسيًّا يمنع الاعتراف بهم، ولذلك يظهرون وجهًا مختلفًا للعالم كي يتم إضفاء الشرعية على حكومتهم الحالية. وتراهن طالبان في هذه الحملة الإعلامية على الفجوة الكبيرة بين الإعلام المحلي، والذي يقع تحت تهديد العنف المباشر منذ عشرين عامًا، والإعلام الدولي، والذي يردد صيغة الأحداث كما تصوغها القوات الإمبريالية والإقليمية التي تدفع بمصالحها داخل أفغانستان. ونرى هذه الأكاذيب في الإعلام الرسمي الأمريكي عن الوضع الراهن بوصفه “صراعًا أهليًّا” بدلًا من تصويره كانقلاب دعمته الولايات المتحدة،كما نرى أكاذيب الإعلام الباكستاني والقطري عن حالة “الاستقرار” التي تعُم في البلاد بعد استيلاء طالبان على الحكم. وبعد يوم 31 أغسطس، عندما تغادر جميع القوات الدولية نهائيًا، يخشى الأفغان الباقون في البلاد من حالات القمع والقتل التي ستقوم بها طالبان، خصوصًا وقد بدأت الحركة في جمع قوائم من المثقفين والصحفيين والطلاب المحليين بعد استيلائها على العاصمة يوم 15 أغسطس.
لقد وقع أهالي أفغانستان تحت تهديد دائم منذ نشأة طالبان، ولذلك تظل أصوات الناس الذين يجب أن يتحدثوا ويُعبّروا عما يحدث في أفغانستان حاليًا صامتة بسبب الخوف على حياتهم وعائلاتهم. فهناك رقابة ذاتية واضحة في الوسط الإعلامي وخارجه. ولا يستطيع الأفغان مطلقًا التحدث عما يريدونه وعما يخشونه رغم طلاقة صحفيي وإعلاميي ومناضلي أفغانستان، فالجميع تحت التهديد، وليس فقط النساء كما يُشاع في الصحف الغربية. لقد فقدت أفغانستان العديد من الفنانين والمثقفين والعاملين في المجتمع المدني والأساتذة والطلاب وغيرهم على أيدي طالبان عبر اغتيالات استهدفت أفرادًا بعينهم في السنين الأخيرة، ويتعرض البعض للتهديد أكثر من الآخرين، ولكن حياة الأفغانيين إجماًلا مهددة.
هروب اضطراري
والآن، تشهد أفغانستان هجرة جماعية أخرى مثلما شهدت بعد اندلاع الحرب الأفغانية السوفيتية. لا يريد الأفغان أن يغادروا بلادهم، ولكنهم مجبرون على المغادرة. ومنذ حلول الاحتلال الأمريكي، تشكّلت مجموعة جديدة من الخبراء والسياسيين لدعم الحكومة الأفغانية الرسمية، التي عانت من الفساد والإخضاع لمطالب الإمبريالية الأمريكية. وتشكّل كذلك جيل جديد من الطلاب والمحترفين في كل المجالات، وهو الجيل الذي يسعى إلى الهروب من البلاد حاليًا. لا يهرب هذا الجيل عن اختيار، بل بدافع الضرورة، فقد أطلقت عليهم طالبان “أعداء المسلمين” باعتبار أن المجتمع المدني الجديد الذي نشأ بعد الاحتلال الأمريكي فاسد إجمالًا، رغم الفارق الواضح بين الخبراء والسياسيين وبائعي الأسلحة من ناحية، وكل هؤلاء الشباب الجامعي والحرفي الذي أراد بناء حياته في هذا البلد. لقد سُلِبَت منهم تلك الحياة، فالجيل الذي يرحل الآن يأخذ معه البذور التي زرعها على أمل العيش في أفغانستان، ولكنها سرقت منه. ويظل التجار والعمال وكل هؤلاء الذين لا يستطيعوا مغادرة البلاد مهددين بالحكم القامع الذي ستفرضه حركة طالبان عليهم.
في الأعوام الماضية، أصبحت كابول أسيرة للهجمات المعقدة والاغتيالات المنظمة والتفجيرات الانتحارية التي أحدثتها طالبان وغيرها من المنظمات الإرهابية في العاصمة لإثارة الرعب والخوف بين الأهالي. وعاشت سنوات طويلة من الخلل الأمني المصاحب بمحاولات مستمرة للعودة إلى استقرار الحياة اليومية، ولكن الخوف الذي استقر في كابول الآن خوف مختلف، إذ يسبب الاستهداف العلني وتفتيش المنازل قلقًا أكبر بكثير بين عموم الأفغانيين. ومع ذلك، تقدم وسائل الإعلام الدولية صورة أخرى للعاصمة، بالتركيز على تخفيف التفجيرات الانتحارية لحظيًّا، وانهيار الجدران التي كانت تحمي المؤسسات الأفغانية، وتعزيز “السلام” الذي يعم شوارع المدينة. ولكن أهالي العاصمة لن ينسوا العنف والفوضى التي تسببت فيها حركة طالبان طوال السنوات الماضية. وبينما ركز العالم على ما تفعله الحركة قبل الانسحاب الأمريكي النهائي في 31 أغسطس، تحاول طالبان أنها تظهر بأفضل سلوك من خلال السيطرة على وسائل الإعلام الأفغانية من ناحية (والتي تمارس الرقابة الذاتية تحت التهديد بالعنف) ووسائل الإعلام الدولية من ناحية أخرى (والتي تركز على مؤتمرات طالبان الصحفية دون الرجوع إلى مصادر محلية والدخول في عمق المشاعر الجماهيرية تجاه حركة أرهبتهم خلال العقود الأخيرة).
ليست حرباً أهلية
انخرطت الولايات المتحدة في مفاوضات “السلام” الرسمية مع حركة طالبان اعتبارًا من عام 2018، وتجاوزت هكذا قدرة الحكومة الأفغانية القائمة على اتخاذ قرارات مستقلة، وأجبرتها أمام الأمر الواقع بالانضمام إلى تلك المفاوضات. تصرفت الولايات المتحدة في شأن أفغانستان كما تتصرف مع مستعمرة، فقررت وحدها وبلا مبالاة تامة تجاه أهالي أفغانستان أن تعطي لطالبان مفاتيح البلاد، ونسقت كذلك رواية خاطئة عما يحدث في أفغانستان بوصفه “صراعًا أهليًّا”. ولكن حركة طالبان لا تتساوى مع الشعب الأفغاني بأي حال من الأحوال. وهذه ليست بأي حال من الأحوال “حربًا أهلية” كما كان الحال في التسعينيات. إن الروايات الكاذبة عن “حاجة الأفغانيين لخوض حربهم بأنفسهم” تستبعد مساءلة أمريكا والمجتمع الدولي عن دورهم في إحداث الوضع الحالي في أفغانستان، منذ بداية الاحتلال وإلى الآن. فالاعتراف بحركة طالبان دونًا عن أي جهة حكومية أو مدنية أخرى جريمة في حق الشعب الأفغاني، الذي يرفض أن تمثله حركة طالبان التي لا يوجد شيء “ديموقراطي” في وصولها إلى السلطة. كل ما في الأمر أن بايدن يبرئ نفسه، والحكومات الأمريكية السابقة مما فعلته بأفغانستان وشعبها. لقد أضفى بايدن شرعية الحكم التامة على مجموعة إرهابية لم تكن مهيمنة قط، حتى في ذروة حكمها بين عامي 1996 و2001. فلم يعترف بالإمارة الإسلامية الطالبانية آنذاك إلا باكستان والمملكة السعودية والإمارات المتحدة. ورغم سيطرتها على كابول والكثير من العواصم المحلية مثل قندهار وهلمند، واجهت حركة طالبان المقاومة السلمية وغير السلمية في أثناء حكمها، حدث ذلك بشكل أساسي من قبل مجموعات الاتحاد الشمالي في شمال شرق البلاد، حيث لم يكن لطالبان أثر قوي، بالأخص في ولاية پنجشیر التي كانت مركز المقاومة تحت قيادة أحمد شاه مسعود. قاومت تلك المناطق السياسات القامعة التي فرضتها طالبان، فعلى سبيل المثال شجعت مدارس البنات واحترام حقوق سجناء الحرب والفعاليات الموسيقية والفنية. إن بوادر مثل هذه المقاومة اليوم عارضة لاعتداءات حركة طالبان الجديدة، بعد أن سلمت الولايات المتحدة البلاد إليها، دون أي تقدير لتاريخ الصراع الشعبي ضد هذه الحركة. وتبقى الحقيقة أن الشعب الأفغاني لم يقل كلمته في وصول هؤلاء الإرهابيين إلى الحكم. فقد قاتل الأفغان ضد حركة طالبان قبل الغزو الأمريكي عام 2001، رفضًا لطالبان، وظنوا أن طالبان تمثل العدو المشترك بينهم وبين العالم. لم تقم وسائل الإعلام العالمية بتغطية ما كان يحدث داخل البلاد في التسعينيات، ولم تغط كذلك الانتفاضات التي حدثت خلال الأسبوعين الماضيين، عندما هتف الأفغان “الله أكبر” في جميع أنحاء البلاد اعتراضًا على استحواذ طالبان على تلك العبرة الدينية. يقاوم الأفغان حركة طالبان حاليًا، ولكن بلا تغطية من وسائل الإعلام الغربية والعربية للمقاومة الشعبية. إن هتافات “الله أكبر” في جميع أنحاء أفغانستان خلال الأسابيع الماضية دليل آخر على أن الشعب الأفغاني لن يقبل بأن تمثل طالبان دينهم وإيمانهم وبلادهم. فهم يريدون بلادًا ذات سيادة، خالية من القوى الخارجية التي تفرض عليهم الجماعات الإرهابية، وتتفاوض معها بالنيابة عن شعب عانى من الحروب المتواصلة منذ عقود. ولا ينبغي لقادة العالم وحكومات الولايات المتحدة والصين وتركيا وروسيا وإيران وقطر وباكستان وغيرها أن تعترف بحركة طالبان كممثلة شرعية لأفغانستان بالاستضافة والتفاوض وإقامة العلاقات الدبلوماسية، فبهذه الطريقة يحرم المجتمع الدولي الشعب الأفغاني من تقرير مصيره. خصوصًا وقد رفض المجتمع الدولي أن يستمع إلى صرخات أهالي أفغانستان بينما كانت طالبان تحقق مكاسب كبيرة في المحافظات، وذلك حين أصدروا إعلانات تهدد بالزواج من غير المتزوجات والأرامل تحت سن الـ45، كما قاموا بمداهمة المنازل واستهداف الأشخاص الذين يظنون أنهم منتمون للولايات المتحدة.
هيمنة ناقصة
ويبقى الأمل أن طالبان لم تنجح في فرض هيمنتها على أفغانستان في التسعينيات، ولن تنجح اليوم. ففي الأيام الأخيرة، تشكلت جبهة للمقاومة القومية تضم بقايا الجيش القومي الأفغاني وبعض الشباب المحليين في ولاية پنجشیر، التي قادت المقاومة ضد الاحتلال السوفيتي ثم ضد حركة طالبان في التسعينيات. وفي الأيام القادمة، سوف يشتد الصراع بين طالبان والمقاومة، إذ حاولت جنود طالبان أن تغزو پنجشیر يوم 30 أغسطس دون نجاح، وقطعت الاتصالات الإلكترونية عن هذه المنطقة. وبدأت بالتوازي مع ذلك سلسلة من الاحتجاجات المحلية في إطار العيد القومي الأفغاني يوم 19 أغسطس، حين ظهر الكثير من المتظاهرين في شوارع جلال آباد وكابول وغيرها من المدن لاستبدال العلم الأفغاني بعلم حركة طالبان المستحدث. صاح الآلاف من الأفغانيين صيحات تكبير في مواجهة الغزو الطالباني وإرهاب الحركة باسم الدين والإيمان. وبالتأكيد لن تستجيب حركة طالبان لهذه المقاومة إلا بالقمع والسلاح، وستفرض سياساتها القمعية تدريجيًّا على المناطق التي تقع تحت سيطرتها. ولكن سيظل الصراع الدائر في أفغانستان هو صراع الشعب الأفغاني ضد مجموعة أرهبته عبر العقود الأخيرة، وسيستمر هذا الصراع حتى يحقق أهالي أفغانستان الحكم الذاتي الذي يأملونه.