لم تكن هذه زيارتي الأولى للشارقة. سبق وأن زرتها للمرة الأولى منذ نحو اثني عشر عامًا، بالتحديد في أكتوبر 2011، لكن حينها كانت زيارة خاطفة لم تدم أكثر من ثلاثة أيام، متفرعة من زيارة أساسية استعادية لأبي ظبي؛ المدينة الكبيرة التي عشت فيها بشكل متقطع منذ 1995 وحتى 2005. أذكر زيارة 2011 جيدًا إذ كنت في زيارة لأبي استمرت شهرًا، قادمة من القاهرة؛ المدينة الكبرى، التي كانت تموج بالأحداث منذ بداية العام، معي تليفون ليس متصلاً بالإنترنت، بعد أن نجحت في إقناع نفسي أنني لا أحتاج للاتصال بالعالم، أو على وجه الدقة أحتاج ألا أعرف شيئًا عن العالم، وأني جئت إلى هنا خصيصًا كي لا أعرف شيئًا مما يحدث، لكن هذا لم يستمر طويلاً؛ فقد وقعت أحداث تظاهرات ماسبيرو، وجن جنوني لأني لم أتمكن من معرفة ما يحدث في القاهرة بالتفصيل، وحاولت جاهدة الاطمئنان على أصدقائي هناك، خصوصًا وقد اضطر أبي للمغادرة إلى القاهرة بعد أن جاءنا خبر وفاة عمي المفاجئة.
إثر هذا الخبر تركت أبو ظبي وذهبت إلى الشارقة بالباص بصحبة أختي لزيارة أخي. كنت حزينة وقلقة، واستقبلتني المدينة الصغيرة، التي كنا نسمع أنها ذات مزاج محافظ، وأنا هاربة من سلسلة متتالية من الحوادث والأحزان والقنابل المسيلة للدموع، ومن عام متفجر، بوجه هادئ تمامًا.. بالغ الهدوء!
حين تلقيت الدعوة للمشاركة في الأسبوع الافتتاحي لبينالي الشارقة في دورته الخامسة عشرة؛ الاحتفالية المطولة المختلفة هذا العام بمناسبة مرور ثلاثين عامًا على بدء البينالي، الذي أقيم للمرة الأولى (1993)، دهشت قليلاً، وفكرت كثيرًا، وانفتح في ذاكرتي باب واسع من الذكريات والتأملات. لكن كل خطوة في تلك الرحلة كانت تؤدي بي إلى مآل غير الذي بدأتها به. وكأنها كانت رحلة الشراك الملونة.
لذلك كان مهمًا في هذه الزيارة أن أتعرَّف أكثر إلى المدينة التي طالعني في كثير من ميادينها طلب غريب وجريء بالنسبة لي “ابتسم… فأنت في الشارقة”. يطلب مني مجلس المدينة الذي كتب هذه الجملة بالورد في الميادين أن أبتسم، ويقدم لي مبررًا “أنت في الشارقة”؛ لماذا يطلب مني المجال العام أن أبتسم؟ هل يكفي هذا؟
لكني ابتسمت هذه المرة!
ألا يوجد من يتكلم العربية هنا؟
في مسألة الكوزموبوليتانية، هذا الخليط من الألوان والألسن والثقافات ليس جديدًا على الإنسان، خصوصًا وأن العالم لم يعد دة الملامح، ليس مؤخرًا كما يتصور البعض؛ بل منذ القرن الرابع قبل الميلاد، ففي اليونان القديمة كان يوجد ذاك الإنسان اللامنتمي؛ “مواطن العالم”؛ إنسان يعيش في غير مدينته، ويمكن نسبته إلى مدينة أخرى بيسر؛ غير منتم إلى كيان مؤسسي بعينه وفقًا للتعريف الكانطي، حيث لا يستند حال مواطن العالم إلى التعريف الأنثروبولوجي الكلاسيكي، بل إلى استحقاقات قانونية محددة تحت مظلة من القانون والتوافق.
في استقبال الفندق يحدثني خليل، الشاب المغربي، بإنجليزية ذات لكنة شمال أفريقية. وفي المطعم تحدثني بندو، النادلة الهندية بالإنجليزية الهندية طبعًا. وأمام الفندق يحدثني السائق البنغالي شاروك بالإنجليزية الهندية. وفي التاكسي ينصحني السائق النيبالي الذي لا أذكر اسمه المكتوب على شاشة صغيرة فيها كل بياناته، وأقلني إلى المول، أن أذهب إلى دبي، وأن أرى الأبراج العالية، وأتسوق من هناك، بإنجليزية ذات لكنة نيبالية، هندية في آخر الأمر. وفي فعاليات البينالي يتحدث الجميع من كل أنحاء العالم الإنجليزية بلكنات مختلفة.
في إحدى الفاعليات كنت أتمشى في ممر بين قاعات العروض الفنية، وبينما كنت أنظر إلى الشمس، سرحت، أو فقدت تركيزي، لست متأكدة مما حدث، فارتطمت بزجاج شفاف ظنًّا مني أنه طريق مفتوحة. كان الارتطام مدويًّا، وتجمع الحاضرون للاطمئنان عليّ، فظهر من المنظمين من أحضر الثلج لمداواة أثر الخبطة على جبهتي، ووضعت زميلة لبنانية يدها على رأسي وأخذت تقرأ القرآن. واقتربت مني فنانة كوبية وقالت بلهجة لطيفة موبخة كما لو كانت تكلم طفلتها “أنا أم ودائمًا ما يفعل أطفالي ذلك… يرتطمون بالحوائط… انتبهي.. هل أنتِ بخير؟ هل تشعرين أنك أفضل؟ هل أصبتِ؟”.
ومازحني أحد المنظمين قائلاً إن هذه الخبطة إن دلت على شيء فإنما تدل على أن الزجاج كان نظيفًا ورائقًا حتى أني تخيلته غير موجود. وقال آخر إن عليَّ أن أتصدَّق لأني لا بد محسودة، لا يوجد تفسير ثان! كنت لا أزال تحت تأثير الصدمة، والود الجماعي أيضًا، ولم أستعد تركيزي لفهم كل ما يقال بوضوح، لكني أذكر أن كل ما قيل كان بالإنجليزية، فيما عدا القرآن طبعًا!
في مختلف الأسواق، وفي غير الأسواق، يتحدث جميع البائعين وأصحاب المحلات الذين تتنوع جنسياتهم ما بين الهندية والباكستانية والأفغانية والنيبالية والبنغالية باللغة الأردية، وشبيهاتها، مزخرفة بالقليل جدًا من الكلمات العربية، ومع ذلك يتفاعل معها الجميع، الذين هم خليط عربي وخليط هندي وشرق آسيوي من سكان المدينة، ويردون عليها، يفهمون بعضهم بعضًا، وتتم المعاملات في سلام، كأنها أصبحت لغة راسخة ذات قواعد ضمنية متفق عليها، فتجد جملاً مثل “بنِّد الباب (اغلق الباب)… جلدي كاروه (دوغري بسرعة)… هذا ما يريد معلوم.. أنا يعرف أنت ما يعرف… هذا فيه أصلي… إلخ”.
وقد يحدث أحيانًا حتى أن تسأل عن سعر أي شيء فيجيبك البائع ببساطة: خمسين روبية!
مواطن العالم/ فنان العالم
الفن أحد الوسائط المعبرة عن هذا المعنى، هو ما قد يجعلك تشعر أنك تنتمي إلى فكرة كونية جمالية متعددة الظلال. وأنك قادرعلى أن تكون أحدًا غيرك ببساطة، وأن أي آخر قادر بنفس الدرجة على أن يكون أنت. وذلك لأنه يوجد في مكان ما في العالم إنسان لا تعرفه ولا يعرفك، يمكنه التعبير بدقة عما في داخلك؛ عما تشعر به، وعما تود أن تشعر به، وبالتأكيد عما لا ترغب نهائيًّا أن تشعر به أو تعرف بوجوده من الأصل. والأمر متروك في النهاية للعبة التلقي، في تلك المساحة الطولية الضيقة بين سلمين كهربائيين، ربما أحدهما صاعد والآخر هابط. الفن إذن هو لعبة الاستعارة المجازية التي تسير في كل الاتجاهات وبالعكس، وحول نفسها. الفن هو لعبة المجانين المفضلة.
المدن نفسها يمكن أن تكون مدنًا أخرى، كلما فتحت بابًا أكبر دخلت الشمس أكثر. في التسعينيات كانت الشارقة مشهورة بأنها، من بين الإمارات، المدينة ذات المزاج المحافظ المنغلق، فكنا نسمع أخبارًا مثل أنه قبض على رجل وامرأة أجنبيين ضبطا يقبلان بعضهما في الشارع. أو أن امرأة أوقفت لأنها تلبس ثوبًا لا يتناسب مع “الدريس كود” الخاص بالمدينة. قبل افتتاح البينالي سألت إحدى الصحفيات على جروب البينالي عما إذا كان هناك دريس كود معين ينبغي الالتزام به، لكن إجابة اللجنة المنظمة، التي جعلتني أبتسم ابتسامة أوسع هذه المرة، كانت “لا.. لا يوجد”!
في الدورة الحالية من البينالي، المستمرة من فبراير حتى يونيو القادم، بفنانين من جميع أنحاء العالم، كانت الفكرة أن تكون المدينة بالكامل معرضًا للفنون. كل الأماكن القديمة والحديثة يمكن أن تكون ساحة لعرض مختلف أنواع الفنون البصرية وغير البصرية، التي تنوعت بين الفن التشكيلي وعروض الڤيديو وعروض الأداء والفوتوغرافيا. تصبح المدينة مدينة أخرى، تستغل الفن أو يستغلها الفن، يحل فيها أو تحل فيه، لا فرق.
في مشوار إلى متحف الشارقة للفنون انتبهت إلى وجود الكورنيش، بمراكب صيد قديمة، ومراكب تحت الإنشاء، ذكرتني بمراكب الصيد في عزبة البرج وراس البر. هذا ما لم يمهلني الوقت في الزيارة السابقة للالتفات إليه واكتشافه، وهو كاف لإجراء الاختبار الذي أجريه دائمًا لقياس كمية الشعر الموجودة في أي مدينة، وعليه يكون كافيًا خلق مساحة من الألفة!
في المتحف شاهدت الكثير من المعارض، لم تعجبني معارض التصوير؛ بدت بدائية في معظمها، وكأنها من زمان مختلف تجاوزه الفن، على عكس عروض أداء وفيديو آرت وتشكيل جيدة شاهدتها في الجولات اللاحقة في المدينة وضواحيها أغلبها لنساء.
لكن ما استوقفني كثيرًا كان معرض فوتوغرافيا للفنانة البيروڤية أنخلا بونثي، تحت عنوان (أياكوتشو). ما جعلني أحاول البحث عن مزيد من المعلومات والأعمال لها على الإنترنت. ولأن اسم أنخيلا بونثي شائع في إسبانيا، ومن ثم في البلدان المتحدثة بالإسبانية، ولأن أي إنسان يمكنه أن يكون شخصًا آخر، فقد وجدت أنخلا بونثي غير التي كنت أبحث عنها. ظهرت لي ألوف النتائج من صور وأخبار وإحالات إلى الإنستجرام عن أنخلا ماريا بونثي، عارضة الأزياء المولودة في إشبيلية، أول ملكة جمال إسبانية متحولة جنسيًّا، توجت باللقب في ٢٠١٨؛ بعد ست سنوات من المحاولات الفاشلة للمشاركة في المسابقة، وبعد أن نجحت قبل ذلك بثلاثة أعوام في أن تتوج بلقب ملكة جمال قادش. كان ذاك الفوز حديث الصحف العالمية حينها، وأثار جدلاً كبيرًا في إسبانيا. وفي خضم رحلة مضنية من المضايقات والإهانات والسخرية، واصلت رحلتها الساعية للإمعان في الإعلان عن هويتها الجديدة التي اختارتها، لتمثل بلادها في مسابقة ملكة جمال الكون، بعد زمان طويل من رفض مشاركة المتحولين جنسيًّا في هذه المسابقات!
كان عليَّ مواصلة البحث عن أنخلا بونثي البيروڤية، لأفهم أكثر عن معرض أياكوتشو، حتى عرفت أنها مصورة فوتوغرافية وثائقية مستقلة ومصورة صحفية مقيمة في بيرو، وأنها من مواليد 1994، تركز في عملها على المشاريع طويلة المدى التي تتناول القضايا الاجتماعية في أمريكا اللاتينية، والنزاعات السياسية، وحقوق الإعاقة والذاكرة. ونُشرت أعمالها في نيويورك تايمز، وبلومبرج، وبي بي سي، وجيتي إيمدجز، وإل بايس، ولا كروا، وغيرها.
من التعريف الموجود على الموقع الشخصي للفنانة اتضح أن أياكوتشو اسم مدينة، مكوَّن من مقطعين أيا “aya” وتعني الميت أو الجثث، وكوتشو “cocho” وتعني الركن أو الزاوية. ليكون الاسم في النهاية (ركن الجثث) أو (زاوية الموتى)!
عرفت أيضًا أن أياكوتشو شهدت في العقدين الأخيرين من القرن العشرين أكثر الأوقات مأساوية في تاريخها وتاريخ بيرو. بعد أن أدى النزاع المسلح الذي وقع في الثمانينيات بين الحزب الشيوعي البيروفي “الطريق المضيء” وبين الحكومة إلى سقوط عشرات الآلوف من القتلى، ومن حالات الاختفاء القسري في بلدات أوشو وأكوماركا ولوتشانماركا وكيارا.
ولأن النساء دائمًا هن الحلقة الأضعف في كل الصراعات الدموية، فقد كانت في هذه المجتمعات ضحايا عرضة لسلسلة طويلة من الإرهاب والقهر. فكانت الفتيات تجندن في سن مبكرة للانضمام إلى الميليشيات المتمردة. كما استغللن قسرًا في أداء وظائف مختلفة؛ فأجبرن على الزواج قهرًا، واستخدمن كحارسات أمن، وكن ضحايا للاعتداء الجنسي المستمر، كما تعرضن للقتل العشوائي. واليوم، تواصل النساء والأرامل واليتامى الباقون على قيد الحياة البحث عن العدالة. وهذا هو بالضبط ما تحكيه صور معرض أنخيلا بونثي، هو إذن تذكار لمأساة أياكوتشو التي لم تنته بعد، وسعي لخلق ذاكرة جماعية وبحث عن الحقيقة.
واحة المجاز
كان السوق القديم في أبي ظبي أكثر الأماكن حميمية بالنسبة لي في مدينة البنايات الشاهقة، لم يكن بالغ القدم، لكن بمقاييس المدن التي تغير جلدها باستمرار كان عتيقًا. وقد ظللت هناك حتى حزنت عندما شهدت هدمه وبناء آخر حديث، يشبه بقية الأنحاء في سعيها المستمر لتكون مدينة أخرى أكثر حداثة. كان جميلاً، وطبيعيًّا، ومزدحمًا للغاية على الدوام. الأغنيات الهندية تتصاعد من كل المحلات تقريبًا، تشعر وكأنك في فيلم هندي. واللغة الأردية، على يافطات المحال، بجوارها الإنجليزية أو تحتها، وربما العربية أو ربما لا. كان السوق القديم، متبلاً؛ برائحة التوابل الشرقية الحريفة، والعرق كذلك. لكنه كان بشريًّا؛ أصوات الناس عالية، ولغاتهم كثيرة متنوعة. وفيه ضجيج تقليدي من التقليب في البضائع والشراء واللاشراء. والمساومة على الأسعار ممارسة واجبة لمن سيذهب للتسوق. وكنت قد نسيت موضوع الفصال هذا، حتى ذهبت في هذه الزيارة إلى سوق قديم في الشارقة مع أخي لشراء جهاز ريموت كنترول غير موجود في كل محلات الأجهزة الإلكترونية، ونصحنا أغلب من سألناهم: سوق الرولة.
ذهبنا إلى سوق الرولة، لأجدني أمام نسخة أخرى من سوق أبي ظبي القديم، ومع أني صرت أخاف الزحام والضوضاء والتسوق كذلك أكثر من زمان، سعدت بهذه الزيارة. وجدنا الريموت كنترول النادر، وفاصلنا في سعره البسيط، وابتسمنا. وفي صباح اليوم التالي صحوت لأذهب ثانية إلى سوق الرولة؛ هذه المرة لأتأمل بدقة لافتات المحال التي استوقفني منها لافتة بعنوان “واحة المجاز”. نظرت ثانية لأتأكد أن هذا ليس عنوانًا لرواية أو لكتاب نقدي. لكن “واحة المجاز” كان محل ملابس، لبيع العبايات والشِيَل (الإيشاربات)!
من ملاعيب المجاز/ الاستعارة، ابتداءً هنا أن المجاز المقصود في لافتة المحل هو منطقة (المجاز) القديمة التي يقع فيها السوق، لكن النظرة الأولى للافتة لن تستدعي هذه المعلومة، ومئات اللافتات، بحكم أن مختاريها ربما من جنسيات أخرى قد يشعرك أنها جمل مترجمة، وغريبة، أو أن وراءها قصصًا. القصص موجودة في الفاترينات نفسها، مثل تمثال بوذا الذي يرقد تحت أرجل المانيكانات التي ترتدي الساري. والجملة المكتوبة على زجاج أحد محلات المانيفاتورة “يوجد قماش للمصريين”. لماذا المصريين بالذات؟ هل يشتري المصريون أنواعًا معينة من الأقمشة لا يشتريها غيرهم؟ لم أتمكن من الحصول على إجابة.
بالعودة للافتات؛ خذ عندك “المسيسيبي للتجارة”، و”مضيق البسفور للأثاث”، و”صالون تكساس للحلاقة”، و”منظر الحديقة /Park View”، و”مطعم الحديقة المشهورة”. ثم ندخل لفئة عناوين الكتب والروايات؛ فنجد عنوانين من عند نجيب محفوظ؛ بوتيك “الطريق”، و”السراب” للأجهزة الكهربائية”. ثم نجد “الكلمة للقماش”، و”مؤسسة الرقعة”، و”المصدر الذهبي/ Golden Source لتجارة الأدوات الصحية”، و”البيت الأزرق” لا أذكر ماذا يبيع. أو عناوين من ألف ليلة وليلة مثل “الجوهرة الحمراء لتجارة الأقمشة”، و”البستان الأبيض”، و”الشمس العالية للأجهزة”، و”أضواء المنار للملابس”، و”منارة المدينة للأجهزة الكهربائية”، و”الرماح للكماليات”!
ثم فئة عناوين كتب الشعر “بيت الفراشة للأثاث”، و”ركن الربيع” للحلاقة، و”زهور الخريف لتجارة الأقمشة”، و”الزهرة الذهبية للتجارة”، و”المُغادر للأجهزة الكهربائية”… و”بيت الفراشة للهواتف المتحركة”، و”الفضاء للمكسرات والحلويات”! و”صدفة البحر للأدوات الكهربائية”، و”ركن البسمة للأحذية”، و”وسط الصحراء للتجارة”. كيف يمكن أن يتاجر الإنسان وسط الصحراء؟!
ثم فئة اللافتات الإيرانية “مثل “بيت الزعفران” للأعشاب طبعًا، و”سهراب علي للملابس”، و”مخزن شاهنوان”. لا يسلم الأمر من فئة اللافتات العادية “ست الكل للأقمشة”، و”صيدلية رشا”، و”برج الفلاح”، و”مخبز البهلول”، و”الشمسية للحقائب”، و”الخيط الأسود للخياطة”. وفئة اللافتات القومية “الشمس العربية” لتجارة الأجهزة الكهربائية، “وبلاد الرافدين” للطباعة”، وتسجيلات “وادي النيل”، و”سوق العين”. ستجد أيضًا عناوين كتب الفلسفة “ركن الاختيار للموضة”، الشفقة” للأقمشة، و”مدينة التهافت” للأقمشة، هذه اللافتة جعلتني أقترب كثيرًا لأدقق فيها وأتأكد أن مدينة التهافت يمكن أن تكون محلاً للأقمشة.
كل هذا حتى أتت اللافتة الأكثر غرابة على الإطلاق، كانت معلقة على محل مغلق، لم أتمكن للأسف من معرفة ماذا يبيع، وهي “محطة الوقت”! أهو محل للساعات؟ هل للوقت محطة؟ كيف يمكن أن يكون للوقت محطة؟ هل يستريح الوقت في مكان وينطلق مرة أخرى إلى مكان آخر، ربما يصبح وكأنه وقت آخر، بملامح أخرى، مثلما حدث في هذه الرحلة!
*الغلاف عمل للفنانة هيلينا ميتاڤيريا