لم نعد لبنانيين بعد اليوم. أصبحنا مجرد رهائن، محتجزين في رقعة من الأرض من قبل حفنة من المجرمين. لا مفر لنا منها، مهما ضاقت بنا، إلا من خلال الموت. لا مكان آمنًا فيها من شرهم، حتى في غرف نومنا. نقف عراةً أمامهم، غير قادرين على حماية أنفسنا من رغباتهم القاتلة. نحن مجرد رهائن وليس هناك من سينقذنا بعد اليوم.
لم نعد ثوارًا بعد اليوم. أصبحنا مجرد كائنات مفلسة، نُنهب يوميًّا من قبل رابطة من الصيارفة وأصدقائهم السياسيين. لا مهرب من هذه السرقة اليومية، حتى بعدما خسرنا كل شيء. حتى المساعدات القادمة ستُسرق من قبلهم، كي يضيئوا قصورهم ويحصنوا منازلهم. لن يبقى شيء بعد اليوم، أخذوا كل شيء، حتى نوافذ الحمامات. نحن مجرد إفلاس اليوم، ولن نعود يومًا إلا ما كناه.
لم نعد قيدَ الحياة بعد اليوم. أصبحنا مجرد ناجين، ننجو من الموت كل يوم، لمجرد أننا توقفنا ثانيةً عن المشي أو دخلنا المطبخ. نجن ناجون دون أن ندري، حياتنا باتت معلقة بخيط رفيع، يفصل بين زجاج ساقط وبعض من الوقت الإضافي على قيد الحياة. نحن مجرد ناجين، حتى الآن، قبل أن نصبح من عداد الموتى.
لم نعد كائنات حيةً بعد اليوم. نحن مجرد “زومبي”، نتحرك ونمشي ونتكلم، ولكن الحياة هجرتنا، وأخذت معها الآمال والمخاوف والقلق والخوف والحب وحتى رغبة الحياة. لم يبقَ هناك مستقبل للتمسك به أو ماضٍ لاستذكاره. مجرد انهيار طويل، يقتل ببطء أو بسرعة حسب مزاجه. أما نحن، فنعيش من جنازةٍ إلى أخرى، حتى لم يبقَ لنا شيء كي نرثيه. نحن مجرد أموات، وليس هناك من سيدفننا عندما نقع.
لم نعد شيئًا بعد اليوم. نحن مجرد لا شيء. نحن لا شيء، ولذلك نحن غير مسؤولين أو متضامنين أو ملتفين حول وحدة وهمية. نحن لا شيء، ولذلك لن نحاسب ولن ننتظر لجنة تحقيق ولن نشحذ معكم بعض المساعدات. نحن لا شيء، ولذلك لن نهاجر ولن نصمد ولن نثور ولن نسكت. نحن لا شيء بعد اليوم، وكل ما يمكن أن نقوم به هو تعليق المشانق وحرق القصور والسحل في الشوارع. ليس من أجل لبنان أجمل، فخرا على لبنان. وليس من أجل غد أفضل، فلم يبقَ إلا الآن المظلم. وليس من أجل مستقبل أطفالنا، فهم باتوا من عداد الموتى لمجرد كونهم خلقوا هنا. وليس من أجل مبادئنا، فلم يبقَ منها إلا مبادئ الانتقام والغضب والكره.
نحن لا شيء بعد اليوم، ولذلك سنقتلكم، ليس لأنه لم يعد لدينا ما نخسره، بل لأنه لم يعد هناك ما نفعله إلا قتلكم. سنلملم الزجاج من الشوارع، وسنحتفظ به بأيادينا، وعندما يأتي النهار، سنملأ قبوركم به.
*ينشر الإتفاق مع الموقع الصديق ميغافون
**صورة الغلاف :وسام متى – بيروت