“نعرف ما في مرفأ حيفا أكثر مما نعرف ما في مرفأ بيروت”
حسن نصر الله، 07/08/2020
يعاملنا حسن نصر الله باستعلاء. للرجل ابتسامة ماكرة. شديدة النكران. تلك التي تجعله يحاكينا من خلف الشاشة بنبرة ممتعضة ومتشاوفة، كأنه يربينا. وهو كذلك. منذ أن قبض على الدولة ومرافقها ومرفأ عاصمتها ومطارها واستخدم أمنها العام لتمرير صفقاته. منذ أن أنزل علينا في 7 أيار/مايو شبيحته، وحطموا واجهات المدينة بالقمصان السود. منذ أن ترك زعرانه ينهالون على شبابنا بالهراوات والعصي في قلب ساحة الشهداء وعلى الرينج. ومنذ أن انفجر فينا أمس الأمونيوم الذي يتملص منه. كأن المرفأ ليس مستودعه منذ سنوات. يخزن فيه انتصاراته، وكلنا يعرف.
يربينا نصر الله لأنه يعلم أننا لا نملك رفاهية عدم تصديقه، سوى على مواقع التواصل الاجتماعي. وإن قلنا عكس هذا، يعرف كيف يربينا بأيدي الآخرين. بسلاحهم. بقبضاتهم، وعيونهم التي تراه قديسًا. وأمس، حين قتلَنا مع عصابة الحكم، بالأمونيوم، كان يريدنا أن نتربى. يريد أن يعلمنا كيف نبيد مدينةً فدى النظام الذي يحميه منذ أن دخله حاكمًا بأمره. وقبل كل هذا فِدى مقاومته العابرة للحدود، وللأجساد وللأحلام وللمرايا. فلا مرايا في بيروت التي تكسرت اليوم، سوى الشاشة التي يظهر من خلالها وخلفه دخان المجزرة.
هو يعرف ما في مرفأ حيفا، ولا يعرف ما في مرفأ بيروت. علينا أن نصدق، مجبَرين، كي لا يبيد لنا مدينة أخرى. كما فعل في سوريا التي سوى ركامها ودموع أهلها بالأرض، بأذرع المقاومة. علينا ألا نتجرأ. ألا نفتح أفواهنا. أن نصدق فحسب. وأن نتفرج على دويلته تتمدد في جسم الدولة الهرمة والفاسدة، تدعم سلطة المومياء ميشال عون، تفرض الغطاء على قمع الدولة وحماية الفاسدين، والتواطؤ مع القتلة.
يربينا نصر الله، منذ أن قالوا عنه إنه سيد النصر. وهو نصر جردنا منذ حصوله، وبضربةٍ واحدة، من حياتنا. وضعَنا رهائن له. اليوم، يعاملنا نصر الله كرهائن لنظامه، وليس لذاك النظام الذي قال إنه في أزمة. نظام حسن نصر الله بديهي. بسيط. لا كلمة فيه تعلو فوق كلمته. لا سلاح يعلو فوق سلاحه. لا حرائق تعلو فوق حرائقه. لا أهمية فوق مقاومته. لذا لا تحزنوا، إن الله معنا. إن مُتنا تحت الأنقاض، وإن دُمرت بيوتنا، وإن جعنا وتبهدلنا وشحذنا الملح، كل هذا فِداءً للمقاومة. فلتمت بيروت وأهلها، ولتحيا المقاومة. شجرتها ستصل الى الله، وسنقطفها في جنان الخلد. لتمت بيروت، ولينم سلاح المقاومة. ولنبنِ مرفأ جديدًا. نزرع فيه جثثًا جديدة. نحوله إلى متحف للفن المعاصر عن دويلة الأمونيوم.
هذه حادثة وليست مجزرة، كما قال. حادثة مشابهة لتسرب غاز في أثناء طهو ورق العنب. حادثة مشابهة لمس كهربائي. حادثة أشبه بسقوط عامل من سلم. ما تهدم يمكن أن يبنى، بسواعد المقاومين. حجرة حجرة. وحينها، لن نضع الأمونيوم لنقتلكم، بل سنصنع مفاعلًا نوويًّا، كي نقاتل إسرائيل. ونهدمها.
يربينا حسن نصر الله بمقاومته. يعلمنا كيف نجيد الخوف منه. من أصبعه المتمايلة ونظراته الشزرة وشفتيه اللتين تمتلآن مكابرة، لأنه يدرك أننا كشفناه مرارًا. ولم نعد نصدقه.
*ينشر الإتفاق مع الموقع الصديق ميغافون
**صورة الغلاف :وسام متى – بيروت