بعد عودته من رحلة العلاج في فرنسا، نظمت نوسة زوجة أحمد عدوية مع مكتشفته وصديقته شريفة فاضل حفلاً ضخمًا بمناسبة شفائه. الحفل الذي أقيم بقاعة ألف ليلة وليلة بفندق هيلتون، كان حدثًا أسطوريًّا وقتها، وظلت شرائط الفيديو التي وثقت الحفل تتداول بكثافة في سنوات التسعينيات وحتى بداية الألفية حينما انتقلت أجزاء من الحفل إلى يوتيوب، لتستمر في تحقيق أعلى نسب المشاهدة.
يمثل الحفل وثيقة لزمن في لحظة زواله، بينما كان يفترض في الحفل أن يمثل شرارة لإعادة إطلاق الصاروخ، بدا مرثية صاخبة بالموسيقى والرقص والنجوم الذين حضروا وغنوا ورقصوا وشربوا ودخنوا، وعدوية الذي جلس على المسرح مرتديًا بدلة بيضاء ووردة في عروة الجاكيت.
روى مدحت السباعي في مجلة صباح الخير أن النجم الكبير فريد شوقي وهو يقدم عدوية على المسرح قال “لا يجب أن ننسى موقف زوجة أحمد عدوية معه في هذه المحنة الشرسة، رغم كل الشائعات الكاذبة التي حاول بها البعض إن يشوهوا بها علاقتهما الزوجية“.
في الفيديوهات المنتشرة على اليوتيوب التي توثق لمقاطع وأجزاء من الحفلة تظهر “نوسة” في فستان وردي، تعانق أحمد عناق طويل عند صعوده للمسرح، وترقص حوله وهو يغني، وتقدم المغنيين الآخرين الذين أتوا للغناء احتفالاً ، وتشكر محمد فؤاد وعلي حميدة (مطرب الستة مليون شريط كما قدموه في الحفل) لأنهما لازما عدوية في مرضه ودعماه، وتصفق بحماس حينما يسند حسن أبو السعود عدوية ويجعله يقف من على الكرسي وهو يغني، ليرفع ذراعيه بحركته الشهيرة راقصًا مظهرًا عضلة العضد (الباي)، والجميع يحتفي بالهوى اللى لعب وبعودة سلطان أهل الهوى.
على وجه نوسة سعادة وامتنان لكل الحضور، تطوف على الموائد كملاك حارس لعدوية، تدفعه لمحاربة المرض والعجز، تضغط عليه للحفاظ على العلاج والتمارين، وتتفق على المشاريع المختلفة، وتحصن أسرتها الصغيرة من تدخلات عائلة عدوية الكبيرة. بداية من 1989 ستظهر نوسة في الإعلام بكثافة إلى جانب أحمد لتقدم صورة مغايرة للصورة التي رسمها الإعلام والأساطير الشعبية لها منذ زواجها بعدوية في السبعينيات.
ملكة جمال المعادي
في بداية السبعينيات كان عدوية يتربع على عرش مبيعات الأسطوانات الغنائية وشرائط الكاسيت، وقد جعل صعوده الصاروخي زملاءه يطلقون عليه كما قال حسن أبو عتمان لمفيد فوزي في حوار صحفي سنة 1976 (عدوية المُرْزَق). شاب، وسيم رزقه الله بالمال والشهرة لكنه أعزب، ركزت الصحافة الفنية على النقطة الأخيرة في تغطيتها لأخباره، لذا حينما وقع الفتى في الحب وقرر أن يتزوج احتل هذا الخبر مكانة بارزة في الصحافة الفنية، بل تناولته أقلام بعض المعلقين بالتعريض، ففي زمن عاد فيه جيل كامل من الحرب ليجد شبابه قد انتهى ويجد نفسه عاجزًا عن الزواج مُحَاصرًا بالبطالة، قدم عدوية صورة مضادة لكل هذا. فهو الذي لم يذهب للحرب ولم يطلق رصاصة واحدة وغنى “السح دح امبو” فرزق بالمال والشهرة، رأوا فيها هدفًا لمقتهم ورمزًا للزمن الذي ظلمهم.
في عددها الذي نشر بتاريخ 7-2-1974 نشرت مجلة الموعد الفنية خبرًا صغيرًا تحت عنوان “مطرب السح الدح يخطب فتاة أحلامه“. اهتمت المجلة بتضمين الخبر فقرة صغيرة عن العروس وهي “هانم مرسي” 17 سنة وطالبة بالثانوية التجارية ووالدها تاجر كباب، ومن بنات المعادي مع إشارة لأنه حي أحمد عدوية نفسه، مما يشير إلى احتمالية وجود قصة حب طويلة. بخلاف هذا الخبر سيختفي اسم هانم مرسي من الصحافة، بل إن عدوية لن يشير إلى تلك الخطبة حتى، وحينما يتحدث عن قصص حبه سيذكر لأيمن الحكيم أن أول قصة حب في حياته كانت قبل الشهرة، حين كان يقيم في شقة صغيرة وأحب فتاة تسكن مع أهلها في الدور الأولاني فطلب من صديقه الشاعر سمير محجوب أن يكتب له أغنية عن الدور الأولاني، ولحنها له ملحن كان يعمل معه في شارع محمد علي اسمه علي رضا، وكانت هذه الأغنية شبكته التي قدمها للفتاة عند خطبتها، لكن الفتاة على حد قوله “جالها مرض خبيث وماتت في سن صغير“.
يسبغ عدوية، في المرات القليلة التي تحدث فيها عن حياته العاطفية قبل الزواج، قدرًا من التراجيديا كأنما يبرر بالفقر، وبهدلة الدنيا وعدم اكتمال قصص حبه سر الحزن الذي يغني به المواويل على الرغم من ثرائه المادي. أو لتبرير تأخره في الزواج حتى بلغ الثلاثين، حينما نشرت مجلة الموعد في عدد 11-3-1976 وهذه المرة بالصور خبرًا بعنوان “عدوية.. يزف مرة ثانية”. وصفت الموعد العروس بأنها الآنسة نوسةأحمدعاطف ملكةجمال المعادي.
حوى التقرير صورة لعدوية مع عروسة وحماه، وصورة ثانية فيها يحتوي عدوية عروسه بين ذراعيه، والتعليق أسفلها “عدوية يحتضن عروسه بكل حب، ويؤكد لها كذب ما قالته الوشايات عن غرامه بسواها“.
أحاطت الصحافة أخبار زواج عدوية ونوسة باهتمام بالغ يخلط كعادة الصحافة الفنية بين الأساطير الشعبية والحقائق.على سبيل المثال انتشرت شائعة أن أحمد عدوية يشترى لعروسه بـ 300 جنيه شيكولاته. في الوقت الذي لم يكن مرتب خريج الجامعة يتجاوز الـ 180 جنيهًا. سأله مفيد فوزي عن شائعة الشيكولاته يضحك وينكر بالطبع ويسخر قائلاً “دا حتى مينفعش، لو عملت كدا أسنانها تقع”.
فرضت ملكة جمال المعادي حضورها في حياة أحمد عدوية والصحافة، لم تكون مجرد ملكة جمال في الخلفية، كانت تصر على أن تتحرك معه، وأن تحضر حفلاته، سواء إذا كانت في فندق خمس نجوم أو فرح شعبي، وأن تتدخل في ملابسه وطبيعة اختياراته وتعاقداته الفنية، حتى إنه في مايو 1976 نشرت مجلة الكواكب أن ألبوم عدوية في لندن سيحوي مفاجأة للجمهور حيث ستشاركه زوجته بالغناء.
كان عدوية يستجيب لكل طلبات وأمنيات الملكة. لكن مثل أي زوجين شابين تعرض زواجهما لأزمة، لا نجد تفاصيلها واضحة في الصحافة.كانت هناك فقط أخبار عن انفصالهما، وأن عدوية ترك نوسة في مصر وسافر لشهور لإحياء حفلات خارج مصر.
يا قلبي صبرك على اللي راح
في حوار له مع عدوية يذكر مفيد فوزي أنه حين انفصل أحمد ونوسة سقط شعر رأسها حزنًا على فراقه. بينما كتب محرر الموعد إن عدوية رغم سفره في بلاد الله الواسعة لم ينس حبيبته، وكان مثلها يتعذب في حبها من بعيد لبعيد “لكن عيونه كانت تراقبها، وأرصاده كانت على مقربة منها، وكان يكاد يعرف ماذا تفعل، وكيف تقضي أيامها، بل وماذا تأكل على الإفطار، وكيف أحبت الملوخية من أجله“.
أفردت مجلة الموعد في عدد 23-8-1978 ثلاث صفحات بالصور غطت فيها بالتفاصيل “عودة نوسة إلى بيت عدوية“. حللت المجلة قصة حب عدوية ونوسة بداية من جمالها الذي أسر عدوية فترك خطيبته الأولى، وشغفه بحبها وتحقيق كل أحلامها، تعترف نوسة للمجلة بأنها كانت عنيدة وكثيرًا ما كانت تعترض على كل قرارات أحمد، لا لشيء إلا لمجرد الاعتراض، “كان على سبيل المثال يلبس بذلته (السموكنج) التي أحضرها خصيصًا من لندن، كي يذهب بها إلى حفلة رسمية، فتطلب منه أن يخلعها لكي يرتدي جاكيت سبور وقميصًا بنص كم، أو يشتري لها سيارة حمراء، فتقول له: أوف.. أنا أريدها بيضاء“. لم تكن تتركه وحده، وتصر على أن تصحبه في كل مكان من أفراح الدرجة الثالثة وحتى الفنادق الفاخرة، من رحلاته لإحياء حفلات في الإسكندرية والمنصورة وحتى حفلاته في لندن. تململ عدوية من هذا الحصار والدلع، وانتهى الأمر بخلاف بين الاثنين فوقع الانفصال.
يؤكد محرر الموعد أن انفصال أحمد ونوسة استمر لمدة عام ونصف العام، وخلال هذه المدة لم يخب الحب بين الاثنين، ظل أحمد مشغولاً بنوسة. وحافظت نوسة على نفسها، وأحبت الملوخية من أجل أحمد، ورفضت الخروج من منزلها. ثم ذات يوم رن جرس الباب “وبدون مقدمات كان هو على الباب، وابتسامته تملأ وجهه، وإلى جانبه صديقه الملحن وعازف الأوكورديون حسن أبو السعود وزوجته الممثلة نبيلة الأنصاري..في تلك اللحظة لم يكن للكلام أي معنى.. كان الشوق قد برح به تمامًا، وأخذ كل قلبه وتفكيره. هجم عليها، باللهفة نفسها التي هجمت بها عليه، واحتضنها وقبَّلها.. لم يكونا بحاجة إلى مأذون يعيدهما.. فقد كان الطلاق انفعاليًّا، وقيل بالفم، مرة واحدة، ولم يسجل في الدوائر الحكومية.. وهذا يجعله قادرًا على إعادتها“.
تبدو التغطية المفصلة لتفاصيل العلاقات العاطفية للفنانين سمة مميزة لصحافة هذا الزمان، والبارز في حالة عدوية هو الإجماع على أن نوسة هي الدلوعة، وأنها سبب الانفصال فهي ملكة جمال المعادي التي لا يعجبها العجب وتشير للنجوم فيقبض لها عدوية على النجوم فتقول له بل أريد القمر.
تغير نوسة قصة شعرها، واستايل لبسها كل فترة، وأحيانًا وأنا أقلب في الأرشيف الصحفي وأشاهد صورها كنت لا أتعرف عليها. بل إنني لم أجد لها صورتين بقَصَة الشعر نفسها أو “استايل” الملابس.
ظلت هذه صورة نوسة حتى وقعت الحادثة سنة 1989. حينها توارت نوسة الدلوعة، وظهرت “الست نوسة”.
الضهر والسند
في حواره مع أيمن الحكيم روي أحمد أنه حينما وقع في حب الموسيقى والغناء صغيرًا، كان يهرب من المنزل والمدرسة ليحضر الأفراح والحفلات ويستمع إلى الموسيقى ويشاهد المغنين.وحينما كان يعود إلى المنزل يجد الباب مغلقًا. نبذته العائلة صغيرًا بسبب اتجاهه إلى كار العوالم والمغنين.
من المواقف المؤثرة التي رواها عدوية أنه ذهب إلى منزل أخته وكان جائعًا وطلب منها طبق “ملوخية”–طبقه المفضل- فمنعت أخته الطعام عنه عقابًا له على استمراره في السعي للغناء والجري وراء العوالم، هنا تدخلت نوسة وقالت إن أحمد مع ذلك حينما فتح الله عليه وأصبح مغنيًّا كبيرًا وانهمرت الأموال عليه لم ينس عائلته وأهله، بل بنى لهم عمارة كاملة وأسكنهم فيها. وصارت العائلة تفخر بابنها بعدما أصبح المغني الأول لسنوات السبعينيات والثمانينيات. ودائمًا سنجد أقارب لعدوية يعملون مساعدين له أو مرافقين شخصيين. لكن في 1989 حين دخل المستشفى فاقدًا للنطق والحركة، لم يكن هناك سوى نوسة، التي ستتحول إلى صوت عدوية وهو في الغيبوبة والمتحدثة الرسمية باسمه، إنها درعه وسيفه، تزود عنه أمام المباحث والنيابة التي تتهمه بتعاطي المخدرات وترفض بلاغه ضد الشيخ الكويتي، وضد الإعلام الذي استمر في حرب الشائعات ضده، وضد الدولة التي رفض تليفزيونها الرسمي إذاعة تسجيل تليفزيوني لعدوية وهو مريض، وضد العائلة التي يبدو موقفها غامضًا في تلك الفترة، بينما تتحدث الصحافة عن خلافات بينها وبين نوسة.
مدحت السباعي الصحفي المقرب من العائلة، على ما يبدو، أجرى حوارًا مع نوسة بينما عدوية لا يزال في الغيبوبة، وسألها عن حقيقة أن أهل عدوية طالبوا بالحجر عليها كي لا تبدد مال عدوية، وكأي بنت أصول ستنكر نوسة أي خلاف مع الأهل، لكنها كما في معظم حوارات هذه الفترة ستفصح عن وضعها ووضع أحمد المادي قائلة “كل ما كان لدينا من مال هو مبلغ سبعون ألف جنيه مصري صرفت بالكامل على علاج أحمد ما بين القاهرة وباريس.. كما أني بعت سيارتي وبعض مصاغي لكي أكمل مصاريف علاجه، وأنا لم أفعل هذا تفضلاً مني عليه، لأن كل ما عندي هو من مال زوجي ومن خيره”.
في ذلك الحوار وفي حرج شديد سألها السباعي عن الشائعة التي بدأت في النمو في تلك الأيام حتى غطت كل شيء حينما وصلت لأيامنا، أخبرها السباعي بعض تفاصيل الأسطورة التي تقول إن ما حدث كان انتقامًا من أحمد، وأنهم خدروه ثم قاموا بقطع عضوه الذكري. نفت نوسة هذه الأسطورة في كل حوار لها، وأكدت أن عدوية بمئة رجل. بل وحتى الآن حينما يظهر الاثنان في البرامج الحوارية وقد تجاوزا الستين تحرص نوسة على تأكيد رجولة أحمد وأن كله تمام. كانت شهادتها ما أخرس الألسنة عن الطعن في ذكورة عدوية وأكدت رواية المخدرات، مثلما أكدت شهادة كل الأطباء المعالجين لعدوية هذا الأمر. لكن كل هذا بالطبع لم يوقف توغل وتمدد الأسطورة، التي تحولت لشبه حقيقة يؤمن بها الأجيال الشابة والأصغر.
حاربت نوسة ضد النيابة التي جاءت إلى المستشفى للتحقيق مع عدوية لتتهمه بتعاطي المخدرات. وصرحت لصحيفة المساء في عدد 4-7-1989 بأن عدوية لا يتعاطى المخدرات بأي شكل من الأشكال، وأنه ملتزم جدًا، بل صارحت الصحفي قائلة “زوجي لا يتعامل مع المخدرات، إنه يشرب الويسكي فقط”.
قام عدوية من السرير إلى الكرسي، ومن الكرسي وقف مرة أخرى مستندًا إلى ذراع نوسة. وهي التي نظمت حفلة شفائه، ودعت إليها كل نجوم مصر لتعيده إلى الساحة، لكن شيئًا ما كان قد انكسر في الصوت، ظل سلطان الهوى سلطانًا لكن بدا وكأن الشيخوخة بدأت تداهمه.حاول عدوية العودة بعد الحادثة، وحافظ على وجود معقول، وأصدر عددًا من الشرائط، كان معظمها إعادة توزيع لأغان وشرائط أقدم، وفي كل محاولاته للبقاء على الساحة كانت نوسة هي الحائط الذي يتكئ عليه. حتى بعد عشرين عامًا على زواجهما، كان سحر نوسة وأحمد صالحًا للصحافة؛ نشرت صحيفة المساء بتاريخ 20 أبريل 1995 خبرًا صغيرًا بعنوان “زوجة عدوية تسرح شعره بأصابعها” وتفاصيل الخبر إن أحمد عدوية وزوجته كان في المطار وفجأة أخذت زوجته تبحث عن “مشط” لتصفف شعره وحينما لم تجد مشط قامت بتصفيف شعره بأصابع يدها ووقفت أمامه تنسق ملابسه وكرافتته وسط دهشة الجميع.
تحرص نوسة على أن تظهر بجوار عدوية، فهي المسؤولة عن أعماله وصورته، حتى الآن تظهر في البرامج لترد على حلمي بكر حين ينتقد أحمد، أو تروى سيرته في بعض البرامج. حينما عاد نجم أحمد للظهور في بداية الألفية ارتدى حلة الأسطورة. أصبحت البرامج حينما تستضيف عدوية تحرص على وجود نوسة معه، تستدرجهما المذيعة إلى الحياة الخاصة وتفاصيلها بجرأة لن نجدها في أي زوج فني أو مشهور يتحدثان بخفة وتسامح عن أخطاء الماضي، تسألها المذيعة هل سامحت عدوية على خيانته، فتقول بالطبع لأنه حبيبي وأبو عيالي، يتدلل عليها أحمد ويغازلها أمام الكاميرات “هي الحب وكل حاجة”. ومع ذلك سيواظب على توزيع غزله واحتضان المعجبات، ذئب يدَّعي التقاعد وتمازحهفيفي عبده ذات مرة أمام الكاميرات: “بيحب الستات أوي الراجل دا“.