-
Avan Titre
منذ آلاف السنين، في القرن الثالث الميلادي، رسم المصريون الأيقونات، لتخليد موتاهم ومقدسيهم، ثم انتشرت الأيقونات في بقية أنحاء العالم.. في الأول كانت فنًّا شعبيًّا، ثم دخلت في رعاية الكهنوت التي يسبغ ظله على الجميع فلا يخرج عنه إلا آثم. وفي العصور الوسطى اعترض رجال الدين في بيزنطة على الأيقونات والصور، وشنوا عليها حربًا عنيفة باعتبارها شركًا، وأحرقوا وحطموا منها ما استطاعوا، لكن الناس عادت وصنعت الأيقونات، بل إنها انتشرت أكثر في كل مكان! حين قامت حرب الأيقونات لم تطل مصر، ولم تتأثر بها كنيسة الإسكندرية. لكن بلا شك، وفيما يمكن اعتباره دون تردد دائرة مفرغة، يميل الإنسان إلى صنع الأيقونة لتحميه، وتزين جداره، ثم يعود فيحرقها، أو تتعرض للتلف، ليصنعها من جديد، وهكذا، وهكذا، المهم أن يظل معبوده محبوسًا مؤطرًا داخل صورة، وأن يظل الإنسان مشغولاً.
المشهد الأول..
في 1936 أنتجت السينما 13 فيلمًا، وأنتج ستديو مصر فيلمه الأول، وقدم أم كلثوم للمرة الأولى في السينما بفيلم ضخم الإنتاج “وداد” وأخرجه المخرج الألماني فريتز كرامب، الذي كان يعمل خبيرًا فنيًّا بستديو مصر، وأسند إليه إخراج الإنتاج الأول الذي تنسبه بعض المصادر للمخرج أحمد بدرخان.. كانت السينما لا تزال صناعة جديدة، وحين أنشئ ستديو مصر قال طلعت باشا حرب “إن الحكمة تقضي علينا بالتدرج في صناعة السينما، فنأخذ بالبسيط من عناصرها أولاً.. حتى إذا أتقنا صنعه ارتقينا في النهاية إلى وضع الروايات بالصور المتحركة”. لكن صناعة السينما في مصر انطلقت أسرع مما توقع لها الباشا..
وفي أغسطس قديم جدًا، سنة 1936 أيضًا، نظمت مجلة “الاثنين”، التي كانت إحدى إصدارات دار الهلال، مسابقة لصور الأطفال، وشارك أحمد أفندي حمامة، المراقب الإداري بوزارة المعارف، بصور لابنته فاتن، بعد أن ألبسها زي الممرضات، وصحبها إلى مصوراتي طلب منها أن تتخيل أنها تنظر إلى شخص مريض للغاية، وكان الانطباع على وجهها مؤثرًا للغاية، فالتقط الصورة وأعجبته النتيجة، حتى إنه طلب من والدها أن يطبع منها 500 نسخة، وبرر طلبه “بنتك هتبقى نجمة كبيرة.. وهنحتاج صور كتير نوزعها على المعجبين”! كان المصور يمزح طبعًا، ولم يكن يعرف بالتأكيد أن هذه الصورة ستظل متداولة حتى اليوم، وقد نشرتها المجلة على صفحة كاملة، وأعجبت المخرج الرائد محمد كريم (1896-1972)، فاختار الطفلة فاتن حمامة لتقدم دورًا في فيلم “يوم سعيد” 1940، وأرسل إلى أبيها خطابًا عليه كلمتان فقط “فيلم عبد الوهاب”، ثم اختارها لفيلم “رصاصة في القلب” 1944 مع راقية إبراهيم ومحمد عبد الوهاب.
محمد كريم، في مذكراته التي نشرت في 1972؛ ذكر انطباعات ومعلومات من الممكن أن تكون مفتاحًا لفهم أسطورة فاتن حمامة، فقد كتب أنه بعد أن التقى بالطفلة للمرة الأولى بذل جهدًا لتكبير مساحة دورها في الفيلم، وأنه كان يخبر أصدقاءه باقتناع حقيقي أن فاتن تفوق بمراحل شيرلي تمبل “الطفلة المعجزة”، نجمة السينما الطفلة آنذاك، وأنها كانت نابغة نبوغًا منقطع النظير، وعملاقة في طاقتها البشرية؛ تعمل منذ السادسة صباحًا وحتى السادسة مساء ولا يبدو عليها التعب، حتى إن البعض لم يكن يصدق أنها طفلة في السابعة.. لم يكن كريم يضطر إلى إعادة تصوير مشاهدها؛ وكانت الصغيرة لا تكتفي بشرحه، بل تستوضح كثيرًا من النقاط، وتتأكد، وتكرر الكلام الذي ستقوله، فإذا ما وقفت أمام الكاميرا، أدت دورها بدقة ومهارة “كانت الطفلة صاحبة عبقرية تمثيلية لا يشق لها غبار.. وكانت تفهم أن رسالتها في الحياة أن تمثل”.
المشهد الثاني..
لسنوات بعدها، فترة الطفولة والمراهقة، سيطارد فاتن دور الملاك، أو ما يشبهه، الممرضة، البريئة، لتلعبه في أفلام متتالية: “ملاك الرحمة” 1946، مع يوسف وهبي. ثم “الملاك الأبيض” 1947 مع إبراهيم عمارة، ثم “ملائكة في جهنم” 1946 مع حسن الإمام، ثم “نور من السماء” مع حسن حلمي 1946، ثم “القناع الأحمر”1947، مع يوسف وهبي مجددًا، ثم “كانت ملاكًا” 1947، مع عباس كامل، ثم “اليتيمتين” 1949، مع حسن الإمام، وغيرها.
وفي الفترة من 1940 وحتى 1959، مثَّلت أكثر من 60 فيلمًا. وهو عدد ضخم للغاية، إذ في سنة 1954 وحدها مثلت سبعة أفلام، وعملت مع كل المخرجين تقريبًا، حتى إنها كانت بطلة لثلاثة أفلام من إخراج عز الدين ذو الفقار، بعد طلاقهما، وهم “طريق الأمل” 1957، و”بين الأطلال” 1959، و”نهر الحب” 1960. وفي 1959 أيضًا قدمت مع المخرج هنري بركات فيلمًا صار علامة فارقة في حياتها، وفي تاريخ السينما في مصر، وهو “دعاء الكروان”.
فاتن مولودة في عابدين، أو في المنصورة، تختلف الأقاويل، المهم أنها مولودة في 27 مايو 1931؛ وهذا يعني أنها كانت في الثامنة والعشرين حين بدأت تختار أفلامها بوعيها الخاص جدًا، الذي تكوَّن على مهل انطلاقًا من شخصية قوية تعرف جيدًا كيف تدير حياتها، وموهبتها الاستثنائية.. لقد صنعت فاتن نفسها بنفسها، وامتلكت السيطرة على إيقاع حياتها، شخصيًّا وفنيًّا.
وهذا ما جعلها تختار تقديم رواية طه حسين على شاشة السينما، في حين لم يكن طه حسين مقتنعًا بأن الرواية تصلح للسينما، لأنه كان يظن أنه لا يجيد كتابة “الصور”، لكن بركات أقنعه أن الرواية “مليانة صور”! ويبدو أن طه حسين لم يكن مقتنعًا كذلك بقدرة فاتن حمامة على تجسيد دور بطلة روايته آمنة، وأظن أنها قناعة لم يكن لها مصدر سوى التعالي، وحين التقاها قبل تصوير الفيلم سألها باستخفاف: أنتي قريتي الرواية يا مدام فاتن؟
فردت: طبعًا يا فندم.
فعاد وسألها: وفهمتي دور آمنة في الرواية؟
غضبت فاتن من السؤال، لكنها ردت بهدوء: طبعًا.. الرواية عظيمة، ويكفي المعنى الذي تحمله، وما هو الأقوى، الحب أم الانتقام..
هز العميد رأسه ساخرًا، لكنه بعدما حضر العرض الخاص للفيلم، تقدم من فاتن حمامة، وصافحها قائلاً: إن خيالي وأنا أكتب آمنة هو بالضبط ما فعلته أنت يا سيدة الشاشة..
تلقفت الصحافة الفنية اللقب، الذي وصفها به شخص لم يرها بعينيه، وصارت تطلقه عليها، وهو ما أغضب، وأعتقد أنه حتى وقت قريب كان يغضب الكثير من الممثلات، وجمهور الممثلات، اللاتي لم يستطعن تحقيق ما حققته. حتى إنه في الخمسينيات، نشرت مجلة الكواكب مذكراتها، التي كتبتها بنفسها، وهي لم تتجاوز الخامسة والعشرين بعد، ومع ذلك كان لديها الكثير مما تحكيه؛ مئات الأفلام، وقصتا حب انتهتا بالزواج، وطفلان، وحضور استثنائي في المشهد الفني.
أما “دعاء الكروان” فقد قالت عنه فاتن “جعلني أتوقف عن الميلودراما التي كانت سائدة في ذلك العصر”. كان دور آمنة، حتى ذاك الحين، أكثر دور أحبته فاتن، وأحبها الجمهور فيه، فلم تكن تحب الميلودراما، مثلما ساد الاعتقاد، كانت تزعجها “ما بحبش النوع دا.. ما بحبش الميلودراما الفاقعة، بأكرهها.. في فيلم بين الأطلال، كنت أروَّح كل يوم حزينة وقلبي مقبوض.. وأبقى راحة الستديو وعارفة إني هعمل سينات هتوجع القلب.. زي ما أكون راحة على امتحان”. حقق فيلم “بين الأطلال” نجاحًا كبيرًا وأصبح من الكلاسيكيات، وأعيد إنتاجه في أواخر السبعينيات، بعنوان “اذكريني” إخراج بركات هذه المرة.. ظلت فاتن لفترة غير قادرة على تحديد وفعل ما تريده فقط، وأنها في المرحلة الأولى من حياتها، كطفلة ومراهقة وفي أول الشباب، كانت تعمل فقط، لكن الوضع تغيَّر تمامًا لاحقًا “لم أكن قادرة على تحديد ما أؤمن به وما أريده مما لا أريده.. كانت فترة تدريب وتعلم، ولم أكن أستطيع فرض اختياراتي.. لكن بعدما دخلت مرحلة النضج لم أفعل إلا ما آمنت به”. القاهرة، 1985.
المشهد الثالث..
في برنامج تليفزيوني، مفيد فوزي سأل سناء جميل سؤالاً مرتبكًا غير مكتمل كعادته: هل أعطت فاتن حمامة مشوار المرأة المصرية كما ينبغي أن يكون؟
لكن سناء فهمت السؤال وأجابت بهدوء، يدل على أنها طالما فكرت في إجابته ورددتها:
-مفيش شك.. لأن فاتن حمامة ممثلة حقيقي عظيمة، وهي سيدة الشاشة، وقدمت أنماط بطريقة خرافية.. لكن النجاح مسؤولية كبيرة، مسؤولية التوجيه.. قدمت نموذج البنت الغلبانة والمقهورة والمكروشة، لكن ما دام عندها هذا الكم العريض من الناس.. كان لا بد أن تقوم بدورها كمعلم وموجه، وتغير حال المجتمع..
لا أعتقد أن ممثلاً غير فاتن قد استغلت هذا “الكم العريض من الجمهور” لتقدم أفلامًا تشتبك مع وعي المجتمع، وتغير فيه، اللهم إلا فريد شوقي، زميلها في معهد التمثيل.. وإذا سلَّمنا أن الفن فاعلية إنسانية؛ من حيث هو نتاج إنسان حر وواعٍ، يتطلب موهبة ومهارة، وأنه عمل ممتع غير قابل للتعلم، لا يمكن إتقانه بمجرد معرفة قواعده، وأنه ذو غاية وجدانية وجمالية، مثلما يؤكد كانط “الفن نتاج إرادة عاقلة وحرة..” فهذا هو ما فعلته فاتن حين أصبحت قادرة على الاختيار والتحكم فيما تقدمه، لكنها ربما تكون قد خالفته في رأيه بأن الفن ليس وسيلة، بل هو غاية في حد ذاته، لم لا يكون وسيلة وغاية..
كانت فاتن مرشحة لتكون بطلة لفيلم “بداية ونهاية”، لكن الأقاويل تذهب أنها رفضت الدور لأن يتطلب “بنت وحشة”! المفارقة أن واحدًا من أهم أدوار سناء جميل في السينما هو “نفيسة” في فيلم صلاح أبو سيف المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ “بداية ونهاية” 1960. ونفيسة واحدة من الشخصيات الفنية الأكثر تعرضًا للقهر والإذلال؛ حرمتها الطبيعة من المقومات الشكلية المرضية للمجتمع، وعانت الفقر، ودخلت في علاقة مع بقال أنكرها بعد أن ملها، فاضطرت إلى احتراف الدعارة لتنفق على أشقائها الرجال الذي أصبح أحدهم ضابط حربية تنكر لها حين قبض عليها، لينتهي بها الأمر منتحرة بإلقاء نفسها في النيل.. سيكون من السذاجة الحكم على تاريخ سناء جميل، وهو ليس تاريخًا هينًا، بسبب نفيسة، واتهامها بأنها تكرس لنمط المرأة المقهورة عديمة الحقوق؛ فلا يمكن إنكار أن هذا النموذج موجود، ويحق للفن تجسيده.
على نقيض الشائع، لعبت فاتن أدوارًا كانت البطلات ترفض تأديتها، ويتركنها لممثلات الصف الثاني، ولصديقات البطلة، أو شريرات الأفلام، حفاظًا على مشاعر المجتمع، وقيم الأسرة المصرية التي كانت وقتها لا تزال بالأبيض والأسود.. في 1960 قدم الزوجان فاتن حمامة وعمر الشريف فيلمهما الأخير معًا “نهر الحب”، القصة الممصرة من رواية تولستوي الشهيرة التي تحولت إلى فيلم بكل اللغات تقريبًا “آنا كارنينا” من إخراج عز الدين ذو الفقار.. سردت فاتن في شبابها الأول لإحدى المجلات عن صديقة لها كانت تعيش قصة حب، وزوَّجها أهلها قسرًا، من رجل يكبرها، كان قاسيًا صارمًا، وحاول الحبيب أن يتواصل معها بعد زواجها، ونجح بعد جهد كبير، والتقت فاتن صديقتها التي حكت لها هي تبكي رغبتها في طلب الطلاق، والزواج من حبيبها، فنصحتها بالتروي وبمحاولة إقناع زوجها أن يمنحها حريتها، لكنها فوجئت بعد أسبوع بنعيها في الأهرام “انتحرت المسكينة بتجرع الفنيك، وبذلك فرَّت من عذاب فوق طاقتها.. ولم يسعني إلا أن أبكي وأقول لنفسي: ليتني نصحتها بطلب الطلاق من ذلك الزوج القاسي، والزواج ممن تحب”.. واجه الفيلم الرومانسي موجة عارمة من الانتقادات، بحجة أنه لا يناقش قضية اجتماعية، وكأن الجمهور يحب دائمًا مناقشة القضايا الاجتماعية! في النسخة المصرية لآنا كارنينا، نوال فتاة لطيفة، تتزوج من الباشا ذي النفوذ الذي يكبرها كثيرًا إنقاذًا لأخيها المختلس، ثم تقع في حب الضابط الوسيم، حتى إنها تترك بيتها وابنها من أجله- يا لها من تضحية- بعد أن رفض الباشا أن يطلقها ليس لأنه رجل عاشق، بل لأنه يخشى على مستقبله السياسي من الشوشرة، ولأنه لو طلقها فهو يشجع على “الزنا” ويكافئ “الخطيئة”! ويسرف الباشا الذي حرص الفيلم على تقديم مبررات كافية لكراهيته، في إطلاق أحكامه الخلقية القاطعة، كمن يملك السيطرة على مصير كل شيء، فتتناثر ألفاظ مثل ضالة.. منحلة.. محتاجة للرثاء، إلخ، وبدافع من رجولته المطعونة يعلن أنه قرر أن يسامحها، ويساعدها على “التوبة” وأن هذا ليس عجزًا أو ضعفًا، لا سمح الله، بل “قوة ومثالية”.
في مراحل الرومانسية من حياتي، كنت أبكي وأنا أرى مشهد النهاية في “نهر الحب”؛ حين تقف نوال على قضبان القطار في الليل، بعد أن قتل حبيبها في الحرب، وظن ابنها أنها ماتت، غير منتبهة لأصوات الأجراس ولا لأضواء السيمافورات، والشاويش يصرخ بلا جدوى “حاسبي يا ست.. حاسبي”.. وانزعج الجمهور، بلا شك، من أن تلعب ممثلته الأيقونية دور الزوجة الخائنة، التي تركت حياتها وابنها في سبيل الحب، مع أنها خسرت كل شيء، لكن ولو، الجمهور لا يحب الخيانة، يكرهها أكثر مما يكرهها الباشا الذي لم يكن يمانع لو ظلت في السر، ولم تصل إلى ألسنة المجتمع ونميمة البريك في سباق الخيول.. الجمهور يفضل دومًا أن تظل الزوجة في بيتها حتى لو كانت متزوجة من رجل لا يربطها بها أي رابط.. الجمهور يحب الاستقرار، ويحب الأفلام التي تضحي فيها المرأة بكل شيء في سبيل الحفاظ على زوجها وبيتها.. وهو ما ستقدمه فاتن مثلاً في فيلم “شيء في حياتي” الذي أخرجه بركات 1966؛ امرأة متزوجة تقع في حب رجل متزوج، لكن هذه المرة الزوج، الذي يكبرها كثيرًا، رجل لطيف سبهللي يحب الطيور الملونة ويربيها، ولعب دوره عدلي كاسب، والحبيب طبيب شاب لعب دوره إيهاب نافع؛ الضابط الطيار، ورجل المخابرات الذي لا أحد يعرف أي قوة خفية جعلته ممثلاً، المهم أنها في نهاية الفيلم، التي تبدو منطقية بالنظر إلى نموذج الزوج في الفيلم، تقرر العودة إلى بيتها واستقرارها ليهدأ المجتمع وينعم بالسلام..
قبل مرحلة النضج بقليل، في 1952، ومن إخراج فطين عبد الوهاب، قدمت فاتن فيلمها الشهير “الأستاذة فاطمة”، فيلم كوميدي طبعًا يحمل بصمة فطين المميزة، لكنه ينتصر لحق الفتيات في التعليم والعمل، رأسًا برأس مع الرجل.. وبعد نحو عشر سنوات، وبعيدًا تمامًا عن الكوميديا، عرضت السينمات لفاتن ثلاثة أفلام مميزة، يمكن اعتبارها أفلام قمة نضجها الفني، وفيلمًا رابعًا غامضًا، وهي “لا وقت للحب” مع رشدي أباظة، ومن إخراج صلاح أبو سيف، و”الباب المفتوح” عن رواية لطيفة الزيات التي تحمل العنوان نفسه، ومن إخراج بركات، وفيلم “الليلة الأخيرة” مع محمود مرسي، ومن إخراج كمال الشيخ. أما الفيلم الرابع الغامض فهو الفيلم الإنجليزي “القاهرة/ Cairo”، الذي أنتجته شركة مترو جولدن ماير، وشارك فيه ممثلون مصريون؛ أحمد مظهر ويوسف شعبان شويكار وآخرون. ولفترة طويلة لم يكن لهذا الفيلم وجود على الإنترنت، لكني أخيرًا بحثت عنه ووجدته على قناة يوتيوب اسمها “أفلام محترمة”!
في مقال بعنوان “الفكر الاجتماعي في أفلام فاتن حمامة” نُشر بمجلة الهلال، 1982، كتب الصحفي حلمي سالم “ونحن إذا نظرنا إلى أعمال فاتن حمامة التي اهتمت بالفكر الاجتماعي لا نستطيع أن نقول إن ذلك نبع من كون فاتن حمامة لها اهتمام بحركة المجتمع، بل إن الحدوتة الأدبية أعجبت مخرجًا ما أو منتجًا ما، ثم أعجب الدور فاتن حمامة بعد ذلك فقدمته.. ونحن نستطيع أن نتوقف أمام عدد من أفلامها التي اهتمت بالفكر الاجتماعي المصري.. قدمتها بحدسها الفني وليس باقتناعها الفكري”. لكن الحقيقة أن فاتن كان لها اهتمام بحركة المجتمع، وكانت تختار أفلامها، وتشتري حقوق الروايات التي تعجبها، وتقدمها للمخرجين، وفي الستينيات والسبعينيات كانت أغلب اختياراتها تتماشى إلى حد كبير مع صورة المرأة الجديدة، التي سعت دولة العهد الجديد إلى إظهارها وتقديمها، وحتى تلك التي لم تسع الدولة لتقديمها، مثلما فعلت في فيلم “الخيط الرفيع” المنسوب إليه صدمة أول شتيمة في السينما المصرية وجهتها فاتن، التي عرفت بتحفظها الكلاسيكي، إلى محمود يس “يا ابن الكلب”..
وقد كان حماسها للقضايا النسوية، حتى وإن بمعناه الأوَّلي، القائم على فهم معنى الحق والمساواة والتعاطف، عاملاً مؤثرًا في تغيير بعض قوانين الأحوال الشخصية. وبغض النظر عن القوانين، وصعوبة تغييرها في المجتمعات المتكلسة، فقد أسهمت الكثير من أفلامها في تفكيك النموذج النسائي التقليدي المعتاد، وفي طرح نماذج أخرى لامرأة قادرة، مستقلة، أو حتى مظلومة مضطهدة، لكنها تسعى إلى تغيير واقعها. وذلك بدءًا من دعاء الكروان، وصولاً إلى يوم مر ويوم حلو، مرورًا بسلسلة طويلة منها: لا وقت للحب، والحرام، والمعجزة، والليلة الموعودة، والباب المفتوح، وحبيبتي، وإمبراطورية ميم، وأفواه وأرانب، وأريد حلاً، ولا عزاء للسيدات، وليلة القبض على فاطمة، وغيرها.
المشهد الرابع
(المهندس) حلمي السعيد، هل يذكر أحد هذا الاسم؟ ضابط أركان حرب مهندس، صار مستشارًا لجمال عبد الناصر، ثم وزيرًا للكهرباء والسد العالي فيما بعد، ثم أول رئيس للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة؛ وهو أيضًا أحد الذين حققوا في قضية صلاح نصر، المعروفة بقضية انحراف المخابرات. لكن كل هذه المناصب وغيرها الكثير، لن تجعل أحدًا يذكره.. في التسعينيات الرخوة استضافت هالة سرحان حلمي السعيد، وسألته طبعًا عن حقيقة تجنيد السيدات لصالح المخابرات بعد تصويرهن في أوضاع مخلة وابتزازهن لإجبارهن على العمل في “الجهاز” كما كانوا يطلقون عليه، وليس غريبًا أن حلمي السعيد دافع عن المتهم، الذي كان هو بنفسه يحقق معه، والذي حُكم عليه في تلك القضية بالسجن لأربعين عامًا.. أجاب السعيد باستخفاف وصلف مبررًا “كل الستات اللي في القضية كانوا ممثلات، مش بنات عائلات.. مش بنات أسر”! لا جديد إذن، هذه هي النظرة التقليدية التي طالما تبناها المجتمع إزاء الممثلات، الممثلات ليسوا بنات عائلات..
في حوار مع مجلة “الفنون”، 2000، حكت فاتن حمامة “أتذكر وأنا في المدرسة كنت مشهورة جدًا بين البنات، وكان الكل معي ماعدا واحدة، قالت لي يومًا: أنتي فاكرة نفسك إيه! أنتي ممثلة.. فأقسمت وقتها أن أجعلهم يحترمون الممثلة.. كنا في ذلك الوقت صغارًا جدًا، ولكني قلت في نفسي سوف أجعل مهنة التمثيل عندهم محترمة”. وهو بالضبط ما فعلته لاحقًا، بهدوء وإصرار شديدين. أما هذه الزميلة الساخرة فهي نعيمة حمدي؛ الذي دار الزمان وأصبحت المرأة الحديدية، مدير عام الرقابة في الثمانينيات.. وكان للأستاذة الرقيبة نعيمة طابعًا خاصًا متشددًا في إدارة الرقابة؛ فكانت تُشرك المؤسستين الدينية والأمنية في الرقابة على الأفلام، وتستدل برأيهما قبل اتخاذ أي قرار بإجازة أي فيلم أو منعه.. وهي التي رفضت، وكل زملائها الرقباء، إجازة فيلم “الإنس والجن” للمخرج محمد راضي 1985، ورفعت الأمر للأزهر، الذي أرسل مندوبه الشيخ الطيب النجار للبت في أمر الفيلم، فأجازه للعرض دون أي تحفظات. وكان لها ملاحظات على مشهد النهاية في سيناريو فيلم “البريء” لوحيد حامد وعاطف الطيب، لكن وفقًا لرواية وحيد حامد، فإنه عندما هددها بتصعيد الموقف لجهات عليا، فوجئ في اليوم التالي أنها أجازت السيناريو بلا أي ملاحظات، لكن منتج الفيلم هو الذي آثر السلامة، وغيَّر النهاية متطوعًا.
يظل ما فعلته فاتن لجعل مهنة التمثيل “محترمة” مثار تفكير وتأمل؛ ولا يمكن تجاهل الإشارات إلى تحفظاتها الشهيرة في هذا السياق، لم تكن شخصية صاخبة تسعى لافتعال الدوشة، كانت تعمل أكثر من أي شيء آخر تحترفه نجمات الضوء.. وربما كان في بالها أن عليها لتأكيد الاحترام أن تحافظ على صورتها نقية، كي لا تخدش الصورة/image، التي تحاول صنعها وتكريسها. وفي حين لم تكمل دراستها بمعهد العالي للتمثيل “المعهد العالي للفنون المسرحية لاحقًا”، أكملت بناء ثقافتها، فعلمت نفسها لغة واثنتين، وأحاطت نفسها بمجموعة محدودة ومنتقاة من الأصدقاء، من أدباء وصحفيين، وكان لها كتابها المفضلون، وشعراؤها المفضلون، بل إنها صرحت أنها تحفظ الشوقيات عن ظهر قلب! سيطرت فاتن على إيقاعها.. تعودت على ذلك منذ البداية، وتعلمت الدرس، بعد أن قسا عليها أبوها، وهي طفلته المدللة، كي لا تقع في فخ الغرور، حين صفعها للمرة الوحيدة في حياته “أنتي فاكرة نفسك مين.. أنتي ولا حاجة!”، هذا بعد أن لعبت الشهرة برأسها، فأصبحت تسخر من آراء النقاد، وترفض النصيحة، فقد فاقت نجوميتها كل من حولها، تمشي في الشارع، يحيط بها المعجبون والمعجبات، وتزغرد النساء، ولم يحدث أن نالت طفلة في الشرق ما نالته من نجومية.
وإرساءً لقواعدها الصارمة في مسعاها، كانت النجمة الناشئة ترفض حين تنهي التصوير أن يصحبها المخرجون أو المنتجون في سياراتهم، وتفضل ركوب الأتوبيس مع العمال، ويحكي كمال النجمي في أحد كتبه أن العمال كانوا يصفقون لها “وهي تأخذ مكانها بجوار واحد منهم”. وفي مرحلة الشباب الأولى رفضت القبلات السينمائية، لذلك كان غريبًا، ووجبة شهية للنميمة الصحفية، وغير الصحفية، أن “تسمح” لعمر الشريف أن يقبلها قبلة طويلة حارة في فيلم “صراع في الوادي”، هذه القبلة التي بررتها، بعد الهجوم عليها، بأنها لمست “قدرته الفنية” بعد أدائه التمثيلي أمامها في الفيلم، وكلنا يعرف أن أداء عمر في صراع في الوادي، أول أفلامه، هو الأسوأ على الإطلاق.. عمر الشريف أيضًا حكى في مجلة الكواكب “كان مشهد القبلة يقتضي أن يغمى عليَّ، وبعد أن تم تصوير هذا المشهد تحوَّل التمثيل إلى حقيقة، واكتشفوا أنه آغمي عليَّ فعلاً.. ولا أدري سببًا لهذا حتى اليوم”! توجد قبلات أخرى حارة في أفلام فاتن، مثل قبلة رشدي أباظة في فيلم “لا وقت للحب”، أعتقد أن فكرة القبلات لم تكن ممنوعة لديها تمامًا، بل مقننة ككل شيء كانت تفعله؛ كل شيء من أجل الصورة، كل شيء بميزان!
يحكي مصطفى أمين، الذي كان وشقيقه علي أمين صديقيها المقربَيْن، أنه في أوائل الستينيات، كان في زيارة لمستشفى جراح شهير، وأشار الجراح إلى سرير صغير، وأخبره أن فاتن حمامة كانت هناك منذ بضعة أيام وأُجريت لها جراحة ناجحة، رقد مصطفى في سرير فاتن الصغير الدقيق، فكان نصفه في السرير ونصفه خارجه، ثم نشر مقالاً بعنوان”أكتب لكم من سرير فاتن حمامة”، بعدها فوجئ بفاتن تدخل مكتبه غاضبة “والشرر يتطاير من عينيها، لم أرها في الأفلام بمثل هذه الثورة والغضب، وقالت: كيف تشوه سمعتي؟ لقد حافظت على سمعتي طول حياتي ولم يخدشها إنسان، كيف تدعي كذبًا أنك نمت معي في سرير واحد”، ثم ضحكت حين قرأت المقال الذي أشعل عنوانه ثورتها.
بالمران وخبرة الزمن المبكرة تعاملت فاتن بحسم وترفع مع كل الأزمات أو القرارات الشائكة التي اضطرت إليها. تزوجت في السابعة عشرة دون علم أهلها بموعد الزواج، وضعتهم أمام الأمر الواقع، وتزوجت من خطيبها عز الدين ذو الفقار، أبكر مما أرادوا، وانفصلت عنه حين انتهى الحب، بعد أن أوصلت إليها الصحافة حواديت غرامياته، وقبل الطلاق وقعت في الحب من جديد وتزوجت من عمر الشريف، الرجل الذي اختارته، بعد فيلمهما الأول معًا، وكان يوسف شاهين قد قدمه إليها في بيتها، فحياها في هدوء وخجل، يقول عنه عمر “في الواقع لم يكن خجلاً، بل كان الخوف.. فقد كانت فاتن هي فاتن، وأنا مجرد وجه جديد”. وشاركت في صنع نجومية الوجه الجديد التي اتسعت حتى طار خارج سمائها. بعد سنوات من فيلم “لورانس العرب” 1962، واستقرار عمر الدائم في الخارج، ثرثرت الصحافة حول غراميات عمر، وأن فاتن تطارده في عواصم العالم لتقليده والعمل في أفلام أجنبية، أو لحمايته من اللعب بذيله مع النجمات العالميات اللاتي شاركنه أفلامه، كانت تلك الادعاءات جزءًا من الحملة المنظمة التي شنتها عليها الصحافة بعد أن نجحت في الخروج من مصر، هربًا من محاولات صلاح نصر تجنيدها للعمل لصالح الجهاز.. لكن المساحة التي حرصت فاتن على إقامتها بينها وبين كل الدوائر ساعدت على حمايتها في الأوقات الصعبة، وإلا كيف يحمي النموذج الأسطوري نفسه.. كيف يكمل مسيرته وسط المعمعة.
المشهد الخامس
عندما حدثت حركة الضباط في يوليو 1952، كانت فاتن في أوائل العشرينيات، وتحمست لها، بدوافع الوطنية والرغبة في التغيير، والسعي إلى الأفضل، إلى آخر كل الأحلام التي سرعان ما تبخرت. ولم تتردد في دعم الدولة الناشئة في المؤتمرات الصحفية الملحقة بالمهرجانات السينمائية بالخارج، فتحدثت عن التغيير، ومجانية التعليم، وتوزيع الأراضي على الفلاحين، لكن في مطلع الستينيات تغيرت الأمور كثيرًا، فبعد أن كانت تحب محمد نجيب، وتعتبر جمال عبد الناصر “إلهًا”، لاحظت تضييقات واضحة في الحريات، واعتقالات متزايدة في محيطها “وبدأت أسمع عن أشخاص يؤخذون في منتصف الليل، ويختفون في السجون.. عايشت ظلمًا كبيرًا تعرض له الكثيرون من حولي.. وتعرضت لمضايقات في حركتي، وفي سفري للخارج، وفي أشياء أخرى”.. ثم انتشرت حكايات صلاح نصر ورجاله ومضايقاتهم للفنانات، حتى طالتها المضايقات، عندما اتصل بها “شقيق فنان يعمل في هيئة الاستعلامات”، يقال إنه مرسي سعد الدين شقيق بليغ حمدي، يبلغها بتحديد موعد في بيتها مع أحد رجال المخابرات، الذي حضر وحدثها عن أمن البلاد، والتضحيات الواجب على المواطنين الشرفاء تقديمها، ثم طلب منها وضع ميكروفونات في بيتها لتسجيل أحاديث زوارها، وترك لها بعض كتب الجاسوسية لتتعرف إلى طبيعة المهمة الموكلة إليها، ولم يغفل أن يخبرها أنهم يثقون بها، ويعرفون أنها لن تتكلم في شيء، مع أن لها أشقاءً يتكلمون، لكنهم يتركونهم “لجل خاطرها”. شعرت فاتن بالرعب، ولم تنم لأسبوع، وزاد الرعب بعد أن قرأت الكتب التي تركها لها رجل المخابرات “زاد انقباضي من قذارة ما قرأت”، فلجأت للمخرج حلمي حليم وشقيقه أسعد حليم، اللذين كان لهما سوابق في سجون عبد الناصر، فأخبراها أن تتعامل مع الموضوع بجدية، لأنهم لن يتركوها، وبالفعل اتصل بها رجل المخابرات بعد أسبوع، فأبلغته باعتذارها عن التعاون معهم، وبأنها لن تتردد في إبلاغهم إذا سمعت إساءة لسمعة مصر، لكن الضغوط استمرت وزادت، فأشار إليها علي أمين بضرورة مغادرة البلاد في أسرع وقت، وساعدها عبر زكريا محي الدين على السفر لأوروبا، لتظل خمس سنوات بين أوروبا وبيروت.. لكن حتى هذه السنوات الخمس العصيبة كانت فاتن تعمل، وقدمت أفلامًا من منفاها، حتى عادت إلى مصر في فبراير 1970، قبل وفاة عبد الناصر بشهور..
وأنا أشاهد لقاء حلمي السعيد، قفز إلى ذهني تلقائيًّا مشهد فاتن وستيفان روستي في فيلم “سيدة القصر”، حين سألت ستيفان، الذي كان يحاول إقناعها أن تفتَّح دماغها وتصاحب صديقه الثري، ساخرة: أنت بتشتغل إيه؟ فأجابها: ها؟ أنا؟ مهندس!
La fin
يبدأ فيلم “الباب المفتوح” بلقطات لتظاهرات 1946 التي طالب فيها الشباب بسقوط العرش “عميل الاستعمار”.. يعلو صوت الراوي المليء بالحماسة معلنًا الاستنفار العام، ثم ينتقل المشهد إلى حوش مدرسة للبنات، تجري ليلى بطلة الفيلم، لتحث زميلاتها على الخروج والمشاركة في التظاهرة، ثم يأتي صوت ناظرة المدرسة في الميكروفون ليأمرهن بالسكوت، وتبدأ خطبتها “إن وظيفة المرأة هي الأمومة.. ومكان المرأة هو البيت.. إن السلاح والكفاح للرجال”. تقاطعها ليلى هاتفة في زميلاتها، بلا ميكروفون “إن حضرة الناظرة تقول إن وظيفة المرأة للبيت والرجل للكفاح، وأنا أقول إن الاستعمار حين استعبدنا لم يفرق بين الرجل والمرأة.. وحين سدد الرصاص إلى قلوبنا لم يفرق بين الرجل والمرأة.. فدعونا نعبر عن مشيئتنا.. وافتحوا لنا الأبواب”.. قصة حياة فاتن المهنية تشبه قصة ليلى، بطلة لطيفة الزيات، التي بدأت منصاعة لواقع الحال الخانق، الذي يجبرها على الطاعة، والذوبان في سائل التوافق المجتمعي اللزج، حتى فتحت الأبواب وانطلقت، وقدمت كل الأنماط، لتعود وتستقر صورتها الأيقونية في هيئة الضمير؛ هذه المرة على شاشة التليفزيون، في نموذج أسامة أنور عكاشة المفضل، النسخة النسائية من أبي العلا البشري، محارب الطواحين الواعظ الراغب في تأديب المجتمع الذي تنقصه التربية.. صحيح أنها ابتعدت لفترة طويلة قبل هذه العودة، ولم تنزلق لفخاخ تحريم الفن، ولا حجاب العجائز، مثلما حدث مع فنانات من جيلها كن أكثر جرأة منها، مثل هدى سلطان وتحية كاريوكا أو حتى شادية. لكنها بعد أن هربت من ظلم نظام العهد الجديد في الستينيات، عادت في مشهد الفينال لتلقي برأس السلطة الجديدة في 2014، ضمن لقائه بالفنانين، فترك مكانه على المنصة وتوجه إليها، مؤكدًا أنه لا يمكن أن يفوته تقديم التحية، ثم أرسل إليها باقة ورد عندما مرضت ودخلت المستشفى، واتصل بها تليفونيًّا، ليطمئن عليها ويطمئنها على حال البلاد، وفي المقابل صرحت هي أن مصر تحتاج “بدل السيسي اتنين سيسي”!
في 17 يناير 2015 رحلت فاتن إثر وعكة الموت، في الثالثة والثمانين، بعد رحلة طويلة جدًا أمام الكاميرا، منذ أن قالت لعبد الوهاب “دا الأكل النهاردا حلو قوي”، حتى وصلت إلى مشهدها الأخير أمام كاميرا السينما، في فيلم داوود عبد السيد “أرض الأحلام” وهي تتساءل، بلثغة تشبه التي نجحت في التخلص منها بعد أن أجبرها أستاذها زكي طليمات وهي طالبة مراهقة في معهد التمثيل، عن “عربية 128 حمرا”!