لم أعرف من الممثلين في بدايات طفولتي سوى إسماعيل ياسين وعادل إمام، وكنت أخلط بين اسميهما أحيانًا، إلى أن جذبني ذات يوم فيلم آخر بالأبيض والأسود على شاشة القناة الثانية؛ دخل أبي إلى الحجرة فوجدني ثابتًا أمام شاشة التليفزيون التي كانت تعرض فيلم “غروب وشروق“، لم أكن مُلمًا بأحداث الفيلم بطبيعة الحال، إلا أنني استوعبت أن تلك المجموعة تريد التخلص من هذا الرجل المستغل؛ الباشا الذي أداه محمود المليجي، ولسبب ما ظننت لفترة طويلة لاحقة أن زميلهم الضخم المتجهم، محمد الدفراوي، هو أحد الضباط الأحرار الحقيقيين. ساعدني أبي على فهم الفيلم وأشار إلى المرأة الفاتنة الوحيدة فيه وقال لى “دي اسمها سعاد حسني، دي مهمة قوى“.
كنا في مطلع التسعينيات، ربما في العام الذي خرج فيه آخرأ فلامها للنور، الراعي والنساء، ولذا لم يقدَّر لي أن ألحق بأي من أفلامها في عرضها السينمائي. انتهى مشوار سعاد على الشاشات بعد رحلة استمرت لاثنين وثلاثين عامًا، وكان من المتوقع لها أن تستمر لعشر أو عشرين عامًا آخرين، لولا تدخلات القدر والاكتئاب وتعقيدات الحياة والنفس البشرية غير المفهومة بشكل كامل.
***
في عام 1959، عُرض الفيلم الأول للوجه الجديد سعاد حسني “حسن ونعيمة“، في أول ظهور سينمائي لها وللمطرب الشاب محرم فؤاد. و في العام نفسه اضطر محمد خان إلى السفر إلى إنجلترا في معية والديه تاركا مصر الجديدة وأصدقاء الدراسة وأحلامه السينمائية وذكريات مراهقته خلف ظهره. لم يعد خان إلى القاهرة مرة أخرى إلا بعد أربعة أعوام، ولذا نتوقع أن مشاهدة خان لسعاد على الشاشات تأخرت تلك السنوات الأربعة في زمن بلا فضائيات أو إنترنت أو حتى فيديوهات.
جاءت سعاد إلى السينما بعد أن ودَّعت كل من شادية وفاتن حمامة مرحلة الشباب المبكر وبدا عليهما النضج، وكأنها ظهرت لتملأ هذا الفراغ الذي لم يكد يتبين، كانت قادرة على القيام بدوريهما بالكفاء ةذاتها، أقصد أنها استطاعت تأدية دور الفتاة الشقية الذي اعتادت شادية تقديمه في الخمسينيات قبل أن تغير جلدها، أو دور الفتاة البريئة المثالية الذي أدمنته فاتن حمامة، فقدمت في هذه الأعوام الأربع سبعة عشر فيلمًا دفعة واحدة، وكأن السينما وجدت فيها ضالتها فباتت المرشحة الأولى لكل الأدوار المناسبة لمرحلتها السنية الصغيرة: إشاعة حب، السفيرة عزيزة، موعد في البرج، غضن الزيتون،…
أما محمد خان فقد نشأ حبه للسينما في القاهرة، قبل رحيله، بوسط المدينة، في سينما مترو، إلا أن ثقافته السينمائية تطورت في أثناء إقامته بإنجلترا، شاهد هناك عشرات الأفلام بشكل وصل إلى حد الهوس أو الإدمان، شاهد “لورانس العرب” لديفيد لين في قاعة سينما إنجليزية، أعجبه، وانبهر مما قرأه في الصحافة الأجنبية عن عمر الشريف، فالنتينو الجديد القادم من الشرق، ومن الإشاعات المتداولة عن بطولته لفيلم آخر أمام صوفيا لورين، فتنبأ أن يشق طريقه في هوليوود، “الواد طالع لفوق” ، هكذا كتب في مراسلاته لصديقه سعيد شيمي، كما ظل يسأل سعيد عبر تلك الرسائل عن أحوال السينما المصرية، الأفلام الجديدة، وإن كان عمر الشريف ما يزال زوجًا لفاتن حمامة أم لا.
عاد خان إلى القاهرة في فترة مؤقتة بين عامي 1963 و1964، واستطاع أن يجد مكانًا في لجنة القراءة بشركة فيلمنتاج التابعة لمؤسسة السينما، والتي ترأسها صلاح أبو سيف، إلا أنه سريعًا ما رحل إلى لبنان.
في هذين العامين قدمت سعاد نحو ثلاثة عشرفيلمًا،غلب عليها الطابع الخفيف، كوميديا رومانسية أو العكس، باستثناء اثنين،أحدهما لم يعد معروفًا وهو“سر الهاربة“، والثاني كان “الطريق“. شاهد محمد خان الفيلم الأخير في القاهرة مع سعيد شيمي، وربما اتجها بعدها لأكل سندوتشات الروزبيف والمخ بالمسطرده والمايونيز مع طبق مكرونة فرن عند “بامبو” أمام كاڤتيريا ألامريكيين، أو عند “روي” أمام سينما مترو، ثم شاهد الفيلم مرة أخرى بعد سفره للعمل في بيروت مع إحدى صديقاته هناك. أكثر ما لفت نظر خان في “الطريق” هو التصوير المتميز لوديد سري، لم تكن سعاد لامعة في هذا الفيلم سوى بجمالها، فرغم ما حققته من نجومية كبيرة حتى ذلك الحين إلا أنها أدت في هذا الفيلم المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ دورًا ثانيًا بعد شادية التي تألقت في تقديم شخصية الزوجة المحرومة جنسيًّا، الشبقة المغوية. ولذا لا نعرف بالضبط متى انتبه خان إلى موهبة سعاد التمثيلية وطاقتها الفنية التي لم يكشف عنها المخرجين في سنوات عملها الأولى إلا قليلاً.
ظل خان متخبطًا في مشواره، ومتنقلا بين البلاد، يخطط بشكل دائمل اقتحام عالم السينما ولكن دون خطوات حقيقية، وبات تصوره في بادئ الأمر أن يقدم فيلمًا من بطولة نجم واحد كبير ومعه مجموعة من الشباب والوجوه الجديدة؛فكر في أسماء شكري سرحان ورشدي أباظة، ووسّط معارفه لعرض أحد سيناريوهاته على رشدي، إلا أن الأمر لم يتم وتأخر فيلم خان الروائي الأول لأكثر من عشرة أعوام.
****
في عام 1972، عُرض فيلم “أغنية على الممر” لعلي عبد الخالق، أول ثمار ما سُمي بـ“جماعة السينما الجديدة“، وأفضل ما قدمته السينما عن فترة الحرب، إلا أنه لم يحقق نجاحا جماهيريًّا يُذكر، في حين تزاحمت الجموع أمام القاعات التي تعرض “خلي بالك من زوزو” لأسابيع طويلة دون توقف.
في العام نفسه عاد محمد خان إلى القاهرة في زيارة سريعة، مفاجئًا صديقه سعيد شيمي بأنه قرر أن يخرج فيلمًا قصيرًا في تلك الإجازة، طالبًا منه معاونته في تصويره، وبالفعل قام الصديقان بتصوير الفيلم الأول الذي يحمل اسم خان مخرجًا وهو “البطيخة“. أما فيلمه الروائي الأول فأحتاج ستة أعوام أخرى كي يبدأ في تصويره، وذلك بعدما استطاع أن يقنع نور الشريف بإنتاج وبطولة فيلم عن قصة وضعها باسم “ضربة شمس“.
أُحبط نور الشريف عندما شاهد النسخة الأولى من الفيلم على الرغم من حماسته الأوّلية، ظن أن إيقاعه بطئ ورتيب، وربما استعوض الله في أمواله، كانت النسخة التي شاهدها دون المؤثرات الصوتية والموسيقى التصويرية التي وضعها كمال بكير معتمدًا على إيقاعات الطبول لتضخ في على الفيلم توترًا ولهاثًا كان يحتاجهما، مما غيَّر وجه الفيلم، حتى أنه حقق نجاحًا جماهيريًّا كبيرًا ومفاجئًا، ربما لم يحققه خان مرة أخرى قبل “أيام السادات“، وكذلك حظي الفيلم بحفاوة نقدية وترحيب فني، وهو رد الفعل الذي رأى خان لاحقًا مُبالغًا فيه، إذ أن الفيلم قائم على قصة هزيلة، هكذا وصفها سامي السلاموني ووافقه خان على رأيه بعد مرور السنين، ربما إنجاز الفيلم الأهم هو الخروج من الستديوهات والكافتيريات والتصوير في شوارع القاهرة والترام والتنقل بين الطرقات والعربات، ما سيصبح سمة ملازمة لسينما محمد خان في السنوات اللاحقة.
حلّق خان سريعا على الطريق، وتتابعت أفلامه، فقدم فيلم “الرغبة” مع نور الشريف لمرة أخرى وأخيرة، وتبعه بـ“طائر على الطريق” في أول تعاون مع أحمد زكى، رفيق مشواره فيما بعد. في الوقت ذاته، مطلع الثمانينيات، عادت سعاد حسني إلى نشاطها بعد فترة من الخمول الفني، وشغلتها أفكار عن جدوى ما تقدمه من أفلام وعن دورها كممثلة ونجمة، وقد لعب علي بدرخان وصلاح جاهين الدور الأكبر في هذا التغيير الذي طرأ على نظرتها إلى نفسها وللسينما؛ فلم تقدم سوى فيلمين عبر خمسة أعوام، والاثنان لصلاح جاهين، إلا أنها عادت وانشغلت بمشاريع عديدة مع صلاح أبو سيف وبدرخان وسمير سيف، وكذلك عرض عليها محمد خان سيناريو كتبه بشير الديك لفيلم باسم “موعد على العشاء“. كان خان حذرًا في أول الأمر، فمع أنه يكبرها بأربعة أشهر إلا أنه مخرج حديث العهد وهي نجمة لامعة، فعاملها بحرص وحذر، متحسسًا كلماته، ولكن مشاعر الألفة تسللت إلى قلبيهما سريعًا. زار الثنائي خان وبشير سعاد في بيتها بالزمالك عدة مرات لإقناعها بأداء شخصية نوال والوقوف على كل تفاصيلها. في إحدى الزيارات، شم الصديقان رائحة غريبة في أثناء انتظارهما أمام باب منزلها، وتحيرا في طبيعة ما تلتقطه أنفاهما. اكتشفها عندما دخلا أنها رائحة “مورته“؛ زبدة سايحة على نار هادئة، وقفت سعاد في المطبخ تعدها بنفسها. كانت سعاد تعشق الأكلات الشعبية، أو الأكل البلدي على حد تعبير خان، حتى إنها تضع إلى جوار مقعدها المواجه لمائدة الطعام، مائدة أخرى صغيرة، زاخرة بالباذنجان والمخلل والأكلات “الحرشة” التي تهواها. دعتهما سعاد في مناسبة أخرى لزيارتها واعدة إياهما بوجبة سخية، وكانت لحمة الراس في انتظار الصديقين، بدا خان مرتبكًا وهو يرى العين في قاع الصحن وكأنها تنظر إليه وتتوعده، حتى التقطها بشير الديك والتهمها متهمًا خان بالجهل، قائلاً “دي الجوهرة يا جاهل!”، فضحكت سعاد، وما أدراك ما ضحكة سعاد، مما أزال كل ارتباك خان فانقض على الطعام والتهما الرأس دون هوادة.
***
كان موعد على العشاء هو الموعد الثاني في فيلموجرافيا سعاد بعد “موعد في البرج“، واستطاع خان بموهبته ولغته السينمائية المتفردة أن يصنع من قصة تبدو ميلودرامية ذات نهاية فاجعة، فيلمًا رقيقًا غير متكلف أو زاعق، هادئ مع ما يعرض من مأساويات، لا يصرخ أبطاله ليعبروا عن انفعالاتهم، فيلم يعتمد على رصد التفاصيل، النظرات، حركات الأيدى، الالتفاتات، ليكشف ما يدور في صدور أبطاله، يستعرض معنا الشوارع، الحجرات، المكتب، الكوافير، مصارعة الديوك، كل التفاصيل حاضرة وبميزان دقيق، دون إفراط أو تزيد، وبالطبع، وكعادة محمد خان، كان للطعام دورًا فعالاً في الفيلم، صينية المسقعة المحشوة بسم الفئران. في الواقع لم تكن صينية واحدة، بل ثلاث، إذ أن ذلك المشهد صوِّر على مدار ثلاثة أيام، وفي كل يوم كانت هناك صينية جديدة، وكادت سعاد في اليوم الثاني أن تستسلم لجوعها ومدت يدها لتتذوق المسقعة قبل أن يمنعها الفنيون فقد كانت الصينية مرشوشة بالفيليت، مبيد الحشرات، لمنع الأيادي المتسللة.
ظلت أحبال الصداقة ممتدة بين خان والسندريلا، رغم ندرة اللقاءات التي جمعتهما، التقيا في سفرات إلى باريس وفي نُزه بالشانزليزيه والمطاعم الإيطالية بفرنسا، وسهرا ذات ليلة في أحد المطاعم الباريسية، كانت سعاد في مزاج رائق وأخذت تغني، حتى أغلق صاحب المطعم أبوابه على الموجودين بينما غنت سعاد يا واد يا تقيل، والدنيا ربيع، والحياة بقى لونها بمبي، حتى مطلع الفجر.
وفي القاهرة طاردته سعاد في أحد الأيام عندما لمحت سيارته في شارع مراد، حتى لحقت به واستوقفته ثم حكت له في الشارع عن فيلم كانت بصدد تصويره وسألته أن يقترح عليها اسما له.
أراد خان أن يعود للعمل مع سعاد مرةأ خرى، بل إنه طمع أن يجمع بين سعاد حسني وفاتن حمامة لأول مرة، ورأى في قصة أعدها عن خادمتين، إحداهما قاهرية واعية والأخرى ريفية ساذجة فرصة سانحة لتحقيق التعاون المأمول، وبالفعل عرض الفكرة على سعاد أولاً لاعتبارات الصداقة والتعاون السابق، وقدملها سيناريو “أحلام هند وكاميليا” وتصوره له. اجتمعا في نادي الجزيرة وشربا أكوابا من الليمون المثلج في صيف حار جدًا، وتناقشا في تفاصيل الدور، إلا ان سعاد عرضت رؤية مغايرة وتصورًا مختلفًا للشخصية، وأخذت تصفها وتسرد تفاصيلها، استمع لها خان بإخلاص ودوَّن الملاحظات دون أن يُبدي رأيًا، ولكنه أدرك أن المسافة واسعة جدا بين رؤية كل منهما، وكما يقول خان فإن سعاد لو لم تقتنع بشكل كامل، لن تستطيع أن تعطيه ما يتمنى أن يراه في الدور.
انتقل دور كاميليا إلى نجلاء فتحى، أما دور هند فتردد طويلاً، من نورا إلى إلهام شاهين وأخيرًا إلى عايدة رياض.
عُرض الفيلم في عام 1988، وفي العام ذاته عُرض فيلم “الدرجة التالتة” من بطولة أحمد زكي وسعاد حسني، وإخراج شريف عرفة عن قصة لآخر أزواج سعاد، السيناريست الشاب، وقتها، ماهر عواد. تعرَّض الفيلمين لهجوم كبير على الرغم من تميزهما، تحديدًا الثاني، ذُبح على صفحات الصحف وفي شباك التذاكر، ولم يتقبل الجمهور والعديد من النقاد تلك التجربة السينمائية الجريئة والمختلفة. ومن هنا بدأت رحلة اكتئاب سعاد حسني وانزوائها، ربما بدأ الأمر قبل ذلك، ربما بدأ عند موت صلاح جاهين قبل عامين، تزامن الفشل الجماهيري المفاجئ مع فقدانها لسندها وموجهها وصديقها ومعلمها، تزامنًا مع انقضاء سنوات الشباب وإصابتها بأوجاع الظهر، فخبا وهج سعاد وأخذ في الانطفاء.
في أعوام العزلة والاكتئاب، اتفق خان وسعاد على شفرة ليتصل بها تليفونيًّا بين الحين والآخر، عدد معين من الرنات ثم يضع السماعة ويعيد الاتصال، وبذلك ظلا على صلة ولكن دون لقاء، إلا أن رحلة العزلة والابتعاد طالت وزادت حدتها، حتى رحلت سعاد إلى لندن، رحلة طويلة دون عودة.
***
في مطلع الألفية الجديدة، انهمك خان في صناعة واحد من أقل أفلامه جودة، ربما أقلها على الإطلاق، “أيام السادات“، إذ صُنع السيناريو بطريقة القص واللزق بين عدد من السيناريوهات، فبدا متفككًا ولم يستطع خان الذي لا ينتمي لنادي عشاق السادات أن يُضفي على الفيلم أية مشاعر حقيقية، فظهر كفيلم وثائقي، يعرض لقطات متفرقة دون أحاسيس أو دراما، وكذلك ظهر أداء أحمد زكي كاريكاتيريا دون أي تعمق في الشخصية وأغوارها كما أعتاد أن يفعل.
سافر خان إلى لندن لطباعة نسخ الفيلم، وعند وصوله إلى العاصمة الإنجليزية، اتصل برقم سعاد حسني، جاءه الرد على شكل رسالة مُسجلة بصوتها تقول “أنا زوزو النوزو كونوزو“، انتظر حتى سماع الصافرة ثم قال لها أنه موجود في لندن ويريد التواصل معها. بعد قليل، اتصلت به سعاد، كانت ودودة كعادتها على الرغم من صوتها الضعيف المتحشرج، هنأته على الفيلم الجديد، تبادلا السلامات والتحيات والمحبة. كانت هذه هي المرة الأخيرة التي يسمع فيها صوت سعاد، فقد سقطت بعد أسابيع من شرفة منزلها، سقطت أو أُسقطت، وبعد أسبوع من وفاتها، بدأ عرض فيلم “أيام السادات“.
***
استعاد خان ذكرى سعاد في فيلمه الأول بعد الثورة، “فتاة المصنع“، أهدى الفيلم إلى اسمها، وملأه بأغنياتها، رنين صوتها وما يثيره في النفس من مشاعر وأشواق، عايزين نحب، آه يا هوى، الدنيا ربيع، شيكا بيكا، وكذلك ضمنّه مشهدًا من “السفيرة عزيزة“، وجرافيتى لسعاد على أحد الجدران، مُنهيًا فيلمه بمشهد ترقص فيه بطلته أمام محبوبها المهندس، في محاكاة لرقصة سعاد الأشهر أمام حبيبها وعائلته في “خلي بالك من زوزو“.
كانت صورة سعاد قد عادت إلى مخيلة خان وسيطرت عليها مع اندلاع ثورة 25 يناير، وفي أثناء مشاركته بمسيراتها، ربما رآها بين الجموع، ظن أنها بالتأكيد موجودة في مكان ما، مُشاركة في هذا الانفجار الشعبي، هكذا كتب، تخيل أنه يراها تترجل من منزلها بالزمالك، تحمل علم مصر، وتنضم للمتظاهرين وتهتف “الشعب يريد إسقاط النظام“. رآها في الفتيات الشابات من حوله، في بنات وسط البلد، وفي فتيات المصنع، وبات ظلها الناعم الرقيق يلاحقه، حتى صنع فيلمه قبل الأخير، وكأنه يصنع مشروع فيلمهما الثاني الذي لم يكن، وكأنه يفي بوعد لم ينطق به أي منهما، وكأنها همست في أذنه ذات ليلة بصوتها الساحر الذي لا تخطئه أذن أنها تريد فيلمًا جديدًا لها، فيلمًا بإمضائه، فيلما آخر لزوزو النوزو كونوزو.