برشلونة.. المدينة التي قضى فيها بابلو بيكاسو “1881-1973” مراهقته وشبابه الأول، ثم تركها إلى باريس بحثًا عن آفاق أخرى للفن، لكنه كان يتساءل من وقت إلى آخر “كيف تركت مدينة كالعسل مثل برشلونة وأتيت إلى هذا المكان اللعين؟!”.. يبدو أن لهذه المدينة سحرًا لا يقاوم، كان له أثر واضح على كارلوس ريز زافون “1964-2020” الروائي والقاص والسيناريست صاحب الأعمال الأكثر مبيعًا، والذي يبدو أن المزاج الشرقي أحبه أكثر مما فعل المزاج الغربي؛ ترجم المترجم السوري معاوية عبد المجيد معظم أعماله إلى العربية.. وعندما بحثت بالإنجليزية على جوجل سعيًا وراء أرشيف زافون وجدت نتائج محدودة للغاية..
الأسبوع الماضي، في 19 يونيو 2020، بمدينة لوس أنجلس الذي يعيش فيها منذ 1994، بعدما أصدر أولى رواياته “أمير الضباب” بعام واحد 1993، رحل كارلوس ريز زافون، أو كارلوس زافون كما تصر أغلفة كتبه المترجمة إلى العربية، متأثرًا بسرطان القولون الذي أصيب به منذ عامين، بعد 55 عامًا فقط، و8 كتب، كان آخرها المجموعة القصصية “أبوكاليبيس لدقيقتين” 2015. وقد ترجمت كتبه إلى أكثر من عشرين لغة..
ضد المحو
في مقابلاته الصحفية، وفي سيرته الذاتية، وفي رواياته طبعًا، نتأكد من أن زافون مهووس بشيئين؛ الكتب، هوس الطفولة التي رافقه حتى النهاية، وبرشلونة؛ مدينته الأصلية القديمة ذات المكانة التي لم تتغير في داخله، حتى وإن تركها ورحل عنها.. في حواره مع صحيفة سيدني هيرالد، 2012 يقول عنها “برشلونة مدينة قديمة جدًا، تشعر فيها بثقل التاريخ؛ هناك يلاحقك التاريخ.. لا يمكنك المشي هناك دون إدراكه والإحساس به.. في لوس أنجلس، الأمر على العكس تمامًا: إنها مدينة أقدم مما قد تبدو عليه، لكنك لا تدرك ذلك.. كل يوم تخرج من منزلك، وتقود سيارتك إلى مكان ما، وأحيانًا يغمرك هذا الانطباع بأن كل شيء هناك وجد فقط في الليلة السابقة.. هذا المحو المستمر للتاريخ هو شيء في طبيعة المكان.. وعندما تأتي، مثلما فعلت أنا، من مكان قديم جدًا، ستجد ذلك أمرًا صادمًا للغاية“.. كان زافون يظن أن هناك قوى خفية في لوس أنجلس تمارس عملية محو يومي للتاريخ، ولا تترك شيئًا، وهو أمر كان ينفر منه بشدة، ويقاومه. وفي معرض الحديث عن روايته “ظل الريح” يذكر شيئًا عن بداية الفكرة التي أوحت إليه بتخليد مقبرة الكتب المنسية، فكرة ضد المحو “واتتني الفكرة على الأرجح في أواخر التسعينيات.. أعتقد أنها جاءت من شيء كنت أدركه في ذلك الوقت؛ ألا وهو تدمير الذاكرة.. تدمير التاريخ. لطالما اعتقدت أننا ما نتذكره، وكلما قلَّ ما نتذكره، كلما تضاءلنا.. لذا كنت أفكر في السفر في جميع أنحاء البلاد والعثور على كل هذه المكتبات المستعملة الرائعة التي لم يكن يهتم بها أحد.. كانت كل هذه الأشياء تتداعى في ذهني، وفي مرحلة ما توصلت إلى صورة هذا المكان. كان من الواضح أنها استعارة بصرية، ليس فقط للكتب المنسية، ولكن للناس والأفكار المنسية“..
ضد المحو أيضًا، يذكر هنا أنه سعى عامدًا إلى تخليد مدينته التي كان يستطيع فيها أن يطارد التاريخ في كل مكان، وليس هناك كاتب يمكنه أن يقاوم لعبة ممتعة كهذه اللعبة “إن مطاردة التاريخ متاحة دومًا في برشلونة.. أرى المدن ككائنات حية.. كمخلوقات.. بالنسبة لي مدريد رجل وبرشلونة امرأة.. امرأة عابثة للغاية.. مثلما كتب الشاعر الكتالاني العظيم؛ جوان ماراجال، في قصيدته الشهيرة التي أطلق عليها اسم برشلونة الساحرة العظيمة، إن في المدينة لسحرًا غامضًا يغوي الناس ويجذبهم.. أعتقد فعلاً أن برشلونة فيها الكثير من ذلك“..
هذه المدينة ذات الشخصية القوية إذن تستحق أن تبقى في أكثر الأماكن ألفه بالنسبة له؛ في الكتب.. “توفِّر برشلونة أجواء ساحرة وغامضة ورومانسية لأي قصة.. لأن بها أشياء كثيرة.. مكانها وشوارعها وتاريخها وشعبها.. إنها فريدة من نوعها. كما وأنها أيضًا مسقط رأسي؛ مكان أعرفه مثل راحة يدي، وقد أردت استخدام هذه الخلفية الرائعة كشخصية عضوية، تمامًا مثلما فعل الروائيون العظماء في القرن التاسع عشر، مثلما تعامل ديكينز مع لندن، وفيكتور هوجو وبلزاك مع باريس.. وما إلى ذلك. آمل، بعد قراءة الرواية، أن تظل ذكرى برشلونة في ذاكرة القراء“.
في هذا المقال، المنشور في موقع “القردة الثلاثة“، يتجول الكاتب ستيف بورتر في برشلونة التي تخص زافون فقط، الحاضرة في ظل الريح..
التمشية في برشلونة زافون
ستيف بورتر
عندما يزور دانيال سمبيري مقبرة الكتب المنسية، يدعوه والده ليختار كتابًا من على الأرفف، يختار دانيال ظل الريح لجوليان كاراكس؛ الكاتب البرشلوني المنفي في باريس. بعدها يصبح عمل كاراكس مرغوبًا للغاية بسبب ندرته؛ حتى الشيطان نفسه يريد نسخة!
تحمل رواية “ظل الريح” لكارلوس ريز زافون، التي نشرت للمرة الأولى في عام 2001، الاسم نفسه. وفيها يصور العاصمة الكتالونية في ضوء غير تقليدي، أو بالأحرى في الظلام. غالبًا ما تكون برشلونة عند زافون مغلفة بالضباب، أو مغسولة بالمطر، أو مغطاة بسجادة من الثلج. يخبرنا هذا عن نفسية المؤلف وتأثيرات مدينته الأصلية عليه. في مكتبة زافون، أتوقع أن أجد أعمال ستيفنسون وكونان دويل وزولا.
للأسف، لا توجد مقبرة للكتب المنسية في برشلونة. ومع ذلك، يمكنك أن تشعر باحترام لمنطقة مسرح أركو حيث يقع متجر الكتب الخيالي. بالقرب من منطقة Las Drassanes، حيث أحواض بناء السفن في برشلونة، والتي ظهرت للمرة الأولى في القرن الرابع عشر، عندما بدأ ملوك أراجون وكتالونيا في استخدام المدينة كميناء. في ذلك الوقت، سيطر الأراجون على معظم إسبانيا الشرقية وجنوب إيطاليا، بالإضافة إلى عدد من جزر البحر الأبيض المتوسط.
وصلت إلى منطقة مسرح أركو عبر ممر أسفل مسرح ليسيو في شارع رامبلا.. يحكي دانيال القصة:
“كان شارع مسرح أركو ينتظرني.. تدفق تيار من الماء الأسود في وسط الشارع الضيق وشق طريقه مثل موكب الجنازة، نحو قلب حي رافال“.
في الحقيقة، لم تتغير منطقة مسرح أركو كثيرًا.. إنه ليس مكانًا حيث من المحتمل أن ترغب في قضاء الكثير من الوقت. ومع ذلك، فإن لرافال سحرها؛ حيث السكان متعددو الثقافات والحياة الليلية الصاخبة. في السنوات الأخيرة، ظهرت مجموعات من الموسيقيين المايستيزو “أصحاب العرق المختلط“، مثل فريق أوخوس دي بروخو Ojos de brujo الرائع.
في أيام الأحاد، تتوافد الحشود إلى سوق سانت أنتوني المجاور بحثًا عن الكتب المستعملة. قد يتذكر جمهور الرواية فورتوني وأولاده؛ متجر صانعي القبعات الذي يملكه والد جوليان كاراكس، ويقع في ميدان سانت أنتوني. اليوم ممر رافال هو مركز الضوء الأحمر في المدينة؛ تستمر فتيات الليل في الترويج لتجارتهن على الرغم من حملات القمع التي يشنها مجلس المدينة، والتي يمكن أن تؤدي إلى فرض غرامات كبيرة على كل من عاملات الجنس وعملائهن.
عاش دانيال ووالده في سانتا آنا، بين رامبلا وبوابة دي لانجل. وقبالة هذا الشارع توجد ساحة رامون أماديو Ramon Amadeu، وهي ساحة صغيرة هادئة توفر الراحة من الصخب والضجيج. هناك يمكنك أن ترى كنيسة سانتا آنا حيث يقام حفل الزفاف في نهاية الرواية. استمرارًا في النزهة مشيت إلى بوابة دي لانجل، ستجد مقهى القطط الأربع Quatre Gats في شارع مونتسيو قبالة سينما باريس Paris Cinemas. في الرواية، هذه المؤسسة البوهيمية هي المكان الذي التقى فيه والدا دانيال للمرة الأولى.. كما وفرت مكانًا للاجتماعات الأدبية لجوستافو بارسيلو.
“كان شارع مسرح أركو ينتظرني.. تدفق تيار من الماء الأسود في وسط الشارع الضيق وشق طريقه مثل موكب الجنازة، نحو قلب حي رافال“.
في الحقيقة، لم تتغير منطقة مسرح أركو كثيرًا.. إنه ليس مكانًا حيث من المحتمل أن ترغب في قضاء الكثير من الوقت. ومع ذلك، فإن لرافال سحرها؛ حيث السكان متعددو الثقافات والحياة الليلية الصاخبة. في السنوات الأخيرة، ظهرت مجموعات من الموسيقيين المايستيزو “أصحاب العرق المختلط“، مثل فريق أوخوس دي بروخو Ojos de brujo الرائع.
في أيام الأحاد، تتوافد الحشود إلى سوق سانت أنتوني المجاور بحثًا عن الكتب المستعملة. قد يتذكر جمهور الرواية فورتوني وأولاده؛ متجر صانعي القبعات الذي يملكه والد جوليان كاراكس، ويقع في ميدان سانت أنتوني. اليوم ممر رافال هو مركز الضوء الأحمر في المدينة؛ تستمر فتيات الليل في الترويج لتجارتهن على الرغم من حملات القمع التي يشنها مجلس المدينة، والتي يمكن أن تؤدي إلى فرض غرامات كبيرة على كل من عاملات الجنس وعملائهن.
عاش دانيال ووالده في سانتا آنا، بين رامبلا وبوابة دي لانجل. وقبالة هذا الشارع توجد ساحة رامون أماديو Ramon Amadeu، وهي ساحة صغيرة هادئة توفر الراحة من الصخب والضجيج. هناك
يمكنك أن ترى كنيسة سانتا آنا حيث يقام حفل الزفاف في نهاية الرواية. استمرارًا في النزهة مشيت إلى بوابة دي لانجل، ستجد مقهى القطط الأربع Quatre Gats في شارع مونتسيو قبالة سينما باريس Paris Cinemas. في الرواية، هذه المؤسسة البوهيمية هي المكان الذي التقى فيه والدا دانيال للمرة الأولى.. كما وفرت مكانًا للاجتماعات الأدبية لجوستافو بارسيلو.
هل كان هؤلاء السادة هم “القطط الأربع“؟ ربما، ولكن ضع في اعتبارك أن هذا التعبير هو المكافئ الكتالوني في اللغة الإنجليزية لـ“أربعة رجال وكلب“. ويحكى أن منتقدي المشروع توقعوا أن عملاء المقهى سيكونون بالفعل قططًا وكلابًا. لكن ظنونهم خابت تمامًا، فبدلاً من ذلك، أصبح مقهى القطط الأربع، الذي افتتح للعمل في صيف عام 1897، مركزًا للنشاط الفني في برشلونة في مطلع القرن. وغالبًا ما ارتادته أسماء رفيعة المستوى مثل جاودي Gaudí وبابلو بيكاسو Pablo Picasso، وكذلك الشاعر النيكاراجوي روبن داريو؛ أحد القامات البارزة في الشعر الإسباني الحديث، الذي كان دومًا ما يحب الذهاب إلى هناك عند زيارته للمدينة.
بالنسبة لأولئك الذين يفضلون المقاهي المفتوحة، يعتبر Plaça Real أحد نقاط الالتقاء الرئيسية. بالقرب من هنا أن واجه دانيال للمرة الأولى الجاسوس المتسول فرمين توريس تحت الأقواس التي تربط ممر مادوز بشارع فيران. حيث كانت عائلة بارسيلو Barceló تعيش في الراوية؛ وسط صخب حياة المقهى، في الهواء الطلق، وهناك تمكنت من اكتشاف أصوات البيانو البعيدة.. وربما كانت حبيبة دانيال في طفولتها كلارا بارسيلو تتمرن على الموسيقى.
واصلت رحلتي إلى سفح رامبلا ونصب كولومبوس التذكاري الذي بُني في عام 1881، بعد مسابقة معمارية في الذكرى 400 لوصول المستكشف إلى أمريكا. جلس دانيال يراقب الزوارق الترفيهية، مثل تلك التي لا تزال تنطلق إلى جزر البليار ووجهات البحر الأبيض المتوسط الأخرى. واجهه لين كوبرت في هذا المكان. لحسن الحظ، في هذه المناسبة، لم يكن الشرير ذو الوجه المتفحم يتسكع بنية حرق نسختي من ظل الريح.
ومن هناك، ركبت قطار مونجويك المعلق من مترو Parallel. أولئك الذين يحبون المرتفعات يمكنهم بعد ذلك ركوب التلفريك. لكني فضَّلت أن أتسلق وأفكر في احتمالات أصول الأسماء الجغرافية لمونتجويك. يدعي البعض أنها مشتقة من جبل المشتري. لكن الشائع على نطاق واسع أن الاسم مأخوذ من تسمية كتالونية لجبل يهودي؛ إذ تُظهر الوثائق أن مقبرة يهودية كانت موجودة من قبل في المنطقة التي تغطيها المقبرة الجنوبية الغربية الشاسعة. ويُعتقد أنها تحتوي على أكثر من مليون جثة، من بينها ضحايا الحمى الصفراء والكوليرا التي كانت تتفشى بشكل دوري في المدينة طول القرن التاسع عشر. وقد كان المرض أحد الأسباب التي أدت إلى هدم أسوار المدينة في عام 1850، مما أدى إلى تطوير المدينة الحديثة وتوسعها..
يحتوي متحف التاريخ في برشلونة على عجلات العربات القديمة، وشواهد خزفية للقبور المكتشفة على جانب التل، التي تشهد على أن مونتجويك مأهولة بالسكان منذ العصر الروماني.. ويعود تاريخ الآثار المتبقية من قلعة مونتجويك إلى أوائل القرن الحادي عشر، على الرغم من أنه يمكن الجدال بشأن ما إذا كان الهيكل الحالي موجودًا في الموقع الأصلي، فقد بُني كحصن مؤقت واستخدم في معركة مونتجويك خلال حرب القرن الثامن عشر؛ عندما انتفض الفلاحون الكتالونيون ضد قوات فيليب الرابع ملك إسبانيا. وقد حُولت إلى هيكل دائم، وسقطت لفترة وجيزة في أيدي الهبسبورج في عام 1705 خلال الحروب الإسبانية المتعاقبة. وقد حصَّن ملوك البوربون الإسبان المبكرين القلعة، وسرعان ما أضيفت إليها وسائل الراحة مثل مياه الشرب والصهاريج، إلى جانب ثكنات واسعة، ومدفعية، ومطابخ قادرة على إطعام ما يصل إلى نحو 3000 شخص.
استخدمت قلعة مونتجويك للمرة الأولى كسجن خلال الحروب النابليونية. وقد قُصفت برشلونة من هذا الموقع في انتفاضة 1842-1843، حين أصدر جوان بريم، حاكم المدينة، أمرًا بقصفها قصفًا مكثفًا، في محاولة لإنهاء التمرد الذي استمر لأكثر من ثمانين يومًا. كان العديد من مواطني برشلونة الأكثر ثراءً سعداء بما فيه الكفاية، نظرًا إلى أنهم كانوا محتضنين بأمان في جراسيا Grácia، وهي القرية التي كانت منفصلة في ذلك الوقت. عندما انتهى كل شيء، تم التعامل مع العناصر التقدمية بقسوة، ونُفذت عمليات الإعدام العامة في رامبلا. وبحلول نهاية عام 1843، خضعت برشلونة أخيرًا لسيطرة مدريد المركزية. ومكافأة له، مُنح جون برايم لقب جنرال لنجاحه في “تهدئة” المدينة.
ومع ذلك، استحضرت أحداث ظل الريح خلال عصر فرانكو.. ينسج زافون عناصر تاريخ برشلونة في رواياته. في هذه الرواية، يرتكب المفتش الشرير فوميرو، الذي يعيد إلى الأذهان عصر فرانكو، فظائع في قلعة مونتجويك. في الواقع، شهدت القلعة العديد من الأحداث القاتمة على مر السنين. وكان أشهر ضحية لعمليات التطهير في مونتجويك هو لويس كومباني Lluis Companys، الرئيس الكتالوني للجمهورية الثانية. وضريح كومباني في المقبرة عبارة عن هيكل بسيط في قسم Fossar de la Pedrera حيث أعدم العديد من الأشخاص في أثناء الحرب الأهلية الإسبانية.
في القلعة أيضًا مقابر للعديد من الأسماء البارزة؛ منها الزعيم الأناركي بوينافينتورا دوروتي (لمقبرته عمود على شكل جرس)، والأب جاسنت فيرداجوير (أحد أشهر شعراء كتالونيا)، بالإضافة إلى فنانين مثل سانتياجو روسينول، وخوان ميرو. وتحوي كذلك جثثًا لأشخاص خياليين مثل والدة دانيال سمبيري وآخرين على علاقة بمقبرة الكتب المنسية.
يُعرف الستاد الأولمبي في مونتجويك باسم ستاد لويس كومباني. قد لا يكون مثل ستاد كامب نو، ولكنه يستوعب نحو 55000 شخص، وهو موطن فريقي كرة القدم المتنافسين برشلونة وإسبانيول. وعلى الرغم من أنه نادرًا ما يكتظ عن آخره، فإن من الممكن إقامة مباريات فرق مثل ريال مدريد أو فالنسيا عليه في حال كان لبرشلونة مباراة في مكان آخر.
في الطرف المقابل من المدينة توجد هضبة تيبيدابو Tibidabo. أخذت الخط السابع من ساحة كتالونيا إلى منطقة إل بوتكست قبل أن أصعد إلى شارع بالمس Carrer Balmes للحاق بالترام الأزرق في شارع تيبيدابو. وهو الطريق الذي عرفه دانيال جيدًا:
“عندما خرجت من نفق مترو الأنفاق، بدأ الظلام. بدا شارع تيبيدابو مهجورًا، تمتد فيه سلسلة طويلة من أشجار السَّرو والقصور. لمحت شكل الترام الأزرق عند المحطة، وسمعت الترام الأزرق يخترق الريح. ركضتُ بسرعة، وقفزتُ نحوه قبل أن يبتعد. أخذ السائق، وهو أحد معارفي القدامى، العملات المعدنية، وهو يغمغم تحت أنفاسه، جلست داخل العربة المحمية قليلاً من الثلج والبرد. والقصور الكئيبة تمر ببطء، خلف نوافذ الترام الجليدية. راقبني السائق بمزيج من الشك والتسلية، وبدا وكأن البرد قد جمَّد وجهه“.
في أثناء تجوالي عبر هذه المنطقة، أدهشني مدى تأثير حب زافون للخيال القوطي، وتأثير ذلك على تصويره الأسطوري والرومانسي لمدينته الأصلية. لقد تغير الزمن بالطبع، ولكن لم يكن هناك أي علامة على الكآبة الموجودة في الرواية. في الواقع، فالعديد من القصور تبدو وكأنها تنتمي إلى قصور القصص الخيالية أكثر منها قصورًا كئيبة. شارع تيبيدابو لم يبد منحدرًا فحسب، بل كان أيضًا راقيًا، بقصوره الخيالية التي تتألق مع المآذن والتصاميم النوسنتيمية nou-centisme. 1
مررت بعنوان “ملاك الضباب“؛ القصر القوطي في رقم 32 بشارع تيبيدابو، الذي احتوى على قبر حبيب الطفولة الخيالي جوليان كاراكس. هناك التقى كاراكس وجها لوجه مع المفتش الشرير فوميرو. هذه المواجهة ليست قضية مثلما تواجه دكتور جيكل ومستر هايد، بل هي أشبه بمن يواجه شقيقه التوأم.
على قمة الجبل توجد مدينة ملاهي، وفيها لعبة البندول الذي يسقط ركابها 50 مترًا بسرعة 100 كيلومتر في الساعة. وينصح المخاطرون أن تتجنب الأكل بعد ركوبها. توقفت عند مقهى ميرابيلو، الذي توفِّر نوافذه الزجاجية الكبيرة إطلالات مفتوحة على المدينة أدناه. طاف ضباب خفيف فوق المدينة، لو أنه فقط أكثر سمكًا بقليل، لكان هو اليوم الذي يفضله زافون تمامًا، أما التحول المفاجئ في الأحداث هنا، أن تسطع الشمس في أثناء زيارتك.