بمناسبة عيد الميلاد، نشر جورج حنين هذه المقالة في مجلة «Un Effort» عام 1933 عندما كان في التاسعة عشرة من عمره، وعبر فيها عن أطيب التمنيات لشخصيات فنية وأدبية وسياسية. يفصّل حنين في تلك الأمنيات صفات أبرز من هجاهم في تلك الفترة: الانتهازيون، والسلطويّون والمتملّقون للسلطة، والفاشيّون والمتعامون عن الفاشية، والأخلاقويّون دعاة الطهرانية، والمكرّسون في الأكاديميات الفرنسية والجوائز الأدبية وناشروهم، وأدباء الرومانسية والابتذال، وفنّانو الزمن البائد، وغيرهم من الشعبويّين وحرّاس الأدب الكلاسيكي ومطّبلي الستالينية، أي، كما يقول حنين: “تمنيات لكل الناس تقريبًا…”.
يقدم لنا جورج حنين في هذه الأمنيات رؤيته عن كل أشكال الرداءة، كما تجلَّت له قبل تسعين عامًا، وكما لا تزال تذهلنا اليوم.
منذ أن وجد عيد الميلاد، أي منذ ألف وتسعمئة وثلاث وثلاثين سنة بالتمام والكمال، جرت العادة الاستفادة من هذا العيد المميز لتلقّي سَيْل من الهدايا وتوزيعها: تُقدَّم أجمل الهدايا للأشخاص المفيدين والبغيضين في الآن نفسه، وتذهب الهدايا الرديئة إلى قطيع الأهل لإشباع جوعهم، هم الذين لا نفعَ لهم إلا الوقوف في دربك. أما الهدايا الأقبح، فتسلك طريقها نحو أولئك الأعداء الحميمين الذين نلتقي بهم دائمًا مع أمل دفين ومستحيل بأن تكون هذه المرّةَ الأخيرة.
الأزمة، هذه الساحرة الشريرة التي يبدو وكأنها ترسخت في كوكبنا، أعادت ترتيب الأمور للأحسن أو للأسوأ. شيئآً فشيئًا، تُستبدَل الهدايا النادرة والمكلفة بالـ”بيست ويشز”، أي التمنيات السخية والمجانية. ولذلك ليس عبثًا أن أتأقلم اليوم مع هذا النمط الجديد من آداب الاحتفال، التي أصبحت في متناول جميع الميزانيات… أو جميع الأقلام. المزعج أن العالم كبير، وكثافته السكانية مرتفعة، هذا العفريت! لذلك، فإنّ الأشخاص الذين أود أن أعبِّر لهم في العلن عن القليل من الأمنيات العطوفة لا يمكن عدُّهم على أصابع اليد الواحدة، بل يحتاج الأمر إلى أرجل أمّ أربع وأربعين. ما علينا! فحجم المهمة، على حدّ ما يصدح به جميع رؤساء الحكومات، ينبغي ألا يدفع أصحاب النيّات الحسنة إلى التراجع.
ولكي أثبت لكم أنني واحد منهم، ليس علي إلا أن أباشر في المهمة، أي أن أتمنى، وأتمنى، وأتمنى…
بادئ ذي بدء، أنتم أيها “الإساييست” الأعزاء، يا أكثر الخَلوقين خلقًا، اسمحوا لي أن أتمنى لكم أن تستضيفوا مُحاضرَين اثنَيْن كل خميس، عوضًا عن خطيب واحد كلّ يومَيْ خميس.
أما وقد أنجزت هذا الواجب التقي، دعوني أعبُر بركة السلاطعين، وأسرع بالانتقال إلى أوروبا القديمة والهشّة تلك، موطن أنبل النفوس وأشهر الأوغاد.
أتمنى، لجورج برنارد شو الشهير، أن يكون قادرًا على التشهير بأكبر عدد ممكن من الناس، بمن فيهم جورج برنارد شو. ولأندريه موروا، أن يتمكن من مديح أكبر عدد ممكن من الأشخاص، بمن فيهم أندريه موروا. أتمنى لك، جورج سلافين دوهاميل، أن تكون نهاية عهد “اللاسلكي” البغيض قريبة. ولك، عزيزي سيلين الثابت في مكانك، أتمنّى لك أن تُطبَع أعمالك في خمسمائة نسخة. ليس أكثر! فقط بعدد الناس الذين يعرفون كيف يحبّونك…الأهم، وحرصًا مني على ألا أنساك، بول موران، يا رسول الفضيلة العذرية! وما الذي يمكن أن أتمناه للمؤلف اللامع، صاحب صرخة الإنذار الشهيرة: “الهواء… الهواء”، سوى أن يذهب ليتنفّس قليلًا من الهواء،… “الهواء الهندي”. سوف ينفعه ذلك. ونحن أيضًا.
سيد مورياك، منذ أن صرت جزءًا من الأكاديمية الفرنسية، هذا الوكر الهرم من الأفاعي، لم أعد أعرف أي شيء سعيد أتمناه لك. لكم أود أن أتمنى لك أن تُدفن في البانثيون. ففي آخر المطاف، إنها لنهاية لائقة ومحترمة، لها ما لها. السيد أبيل هيرمان المعروف بلانسلوت، أودّ بشدة أن تكتب قاموس جيب يستخدمه مرشّحو الباكالوريا. ولموريس مارتان دو جارد، أن تسمع السيد هنري بيار يتحدث عن صحيفة “الأخبار الأدبية”. للسيد فرانسيس كاركو ألا تعود إلينا إلى القاهرة عما قريب.
(لبائعي البندورة والبصل والبطاطا المهترئة، أتمنّى عودة فرانسيس كاركو عما قريب).
إلى جول رومان، ألّا يتمّ إقصاؤك عن الفيلم المقتبس عن مسرحية الدكتور نوك.
لمارسيل بانيول، أن يبني أمجاده على أنقاض السينما المحكية التي يعمل على تدميرها.
لرونيه كلير، أن يتمكّن من تدمير الأفلام القادمة لبانيول-المدمّر.
للسيدة سيسيل دي سوريل، أن تقرر أخيرًا تنقيح مذكّراتها الخاصة عن ثورة 1848.
للسيد هنري جارا، أن يُطفأ صوته تمامًا، مما سيسمح له، على الأقل، ألا ينشز بعد الآن.
أما أنت، جان فايار، فأتمنّى أن تتحقّق سعادتك المطلقة في أن ينتج ناتان دو جوينفيل أفلامًا أكثر نتانة!
كفانا سخرية! يوجد أشخاص كثيرون جديرون بأمنياتنا… أتمنّى لروسيا السوفيتية، أن تحشد بين صفوفها، بعد أندريه جيد، كاتبًا مطبِّلاً كبيرًا آخر. سيكون السيد فرانسوا موريس مثاليًّا لهذه الوظيفة؛ وبحال تعذره، فإن السيد هنري بوردو، الذي نعرف آراءه المتطرفة، سوف يقوم بالمهمة على أكمل وجه.
وأخيرًا، إلى الصينيين، ليعزّوا أنفسهم بالتفكير في حالة الأرمن: مثلهم، لا نحبّهم إلا عندما يُذبحون.
لألفونس الثالث عشر ودوجلاس فيربانكس وشارلي شابلن وأمير ويلز، أن يقتلوا عددًا كافيًا من نمور البنغال.
لنمور البنغال، أن تتمكن يومًا من التهام ألفونس الثالث عشر ودوجلاس فيربانكس وشارلي شابلن وأمير ويلز…
ولقارئ هذه السطور، أتمنى ألا يكون ثمة ما يتمنّاه لك كاتب هذه السطور.