كيف هربت هدى بركات من الفخاخ في بيروت وباريس؟

حوار في القاهرة

وائل عبد الفتاح

وصلت متأخرًا، وليس هذا جديدًا تمامًا؛ الجديد أنني لم أكن السبب، ولا ترددي الدائم في الخروج ومقابلة العالم، هذا التردد يأكل نصف الوقت أو أغلبه، لكن هذه المرة كان الطريق شبه مغلق بسبب خطة تطوير القاهرة، وإعادة هندستها بمحاور تجعلها ممرًا إلى العاصمة الجديدة.
.استغرق الطريق ثلاث ساعات كاملة بدلاً من نصف ساعة تأخرت فيها على لقاء هدى بركات في حفل تقديم الطبعة المصرية من كتابها “رسائل الغريبة”، (فبراير ٢٠٢٢)
ابتسمت أمام الميكرفون وأنا اعتذر لهدى باسم”خطة التطوير” التي عطلتني عن واحدة من مرات نادرة أشارك فيها في لقاءات عامة.. وأنا الكسول الذي لا يرى في كل حركة بركة، وردت هي ردت على الاعتذار بابتسامة: لكنني عزيزة عليك!
محبتي لهدى بركات بدأت بالكتابة منذ قرأت “أهل الهوى”، وبعدها أكملت “حجر الضحك” و”حارث المياه” حتى “بريد الليل”، وتراكم عندي كتالوج من الشفرات التي عملت عليها جيدًا؛ تسللت بعيدًا عن الدراما، مع أنها قريبة من الدراما.. أصابعها في لب الدراما.. متأثرة بها.. تعيش داخلها.. لكنها خلقت مسافة بعيدًا عنها، وهذه المسافة هي سر كتابة هدى بركات، وغالبًا سر حياتها؛ فهي إمرأة تبدو هادئة جدًا.. لكنها بالغة الصخب من الداخل، قد تبدو متحفظة وأنيقة  في اختيار تعليقاتها، لكنها لا شك تملك حسًّا ساخرًا وغاضبًا للغاية من العالم.. راقبت هذه المسافة في قرائتي الأخيرة لـ”رسائل الغريبة” واكتشفت اللهاث الذي بين السطور.. بينما تبتعد هي وتكتفي بالفرجة؛ هذا اللهاث يجعل القارئ في حال من الترقب والفرجة والتردد إزاء اتخاذ قرار بشأن ما يقرأ.. وقد يزعج هذا عشاق الأحداث وتطورها، ومنتظري الفوران، لكنها تجيد أن تأخذك بهدوء إلى أعماق الذين يصنعون أحداث الرواية.

هدى بركات مع وائل عبد الفتاح في حفل توقيع الطبعة المصرية من كتابها “رسائل الغريبة”؛ مكتبة الكتب خان؛ فبراير ٢٠٢٢

لماذا تسمين شخصيات رواياتك أبطال الحدث؟ هل تحبين الأبطال؟

لم يحدث أن أسميتهم بالأبطال، ولا مرة…

ولكني سمعتك في التليفزيون تتحدثين عن بطل الرواية..

ربما قلت ذلك جريًّا على اللغة المستعملة.. لكني فعلاً ليس لديَّ أبطال، نهائيًّا.. أما فيما يتعلق باللهاث فهو اللعبة السردية التي تجعل منك منغمسًا، وأنت بعيد، وأنا في حالة الضغط القصوى، أحاول السيطرة، وأدفع الأبطال، أو من تسميهم بالأبطال، فهم دائمًا على حافة ما.. دائمًا على وشك أن يخرجوا من مكان لمكان آخر.. وهو ما أسميه الليمبوس؛ المنطقة التي ما قبل جهنم بانتظار الحكم..

يسمونها في الثقافة الإسلامية البرزخ …

في الأديان المصرية القديمة كانوا يطلقون عليها أسماء أخرى.. الفكرة أن تكون متورطًا في عالم ما وتريد أن تتورط فيه كي يفتح لك بابًا، لكنك قد لا تود أن تدخل، ومن هنا تتولد حالة الضغط، التي تجعلك الوحيد العاجز عن أن تتخذ موقفًا، وهي حالة اغتراب لا شك.

 

هل الغربة نوع واحد؟ معرفة بالألف واللام؟ توجد غربة السلفي الذي يشعر بأنه في عالم غريب، وغربة الجهادي الذي يملك مهام رسولية دينية سلطوية.. الناس تتعامل دائمًا وكأن الغربة شعور واحد..أنت تتناولين الغربة من مكان مختلف… إلى أي غربة بالضبط تشيرين في رواياتك؟

هذا سؤال بالغ الأهمية؛ أحيانًا يقع النقاد والمتفلسفين في هذا الفخ، أحيانًا يسمونها المنفى، وأحيانًا المهجر، وقد وجدت أن تسمية الغربة هي الأقرب لما كنت أتناوله، وهو إحساس لا علاقة له بالجغرافيا.. يعني أنا لا أشعر أني غريبة لأني صرت أعيش في باريس! أنت تغادر مكانك لأنك صرت غريبًا فيه، في المكان الذي من المفترض أن تنتمي إليه وينتمي إليك.. ترحل وأنت تحمل معك كل ما ليس له معنى؛ تحمل الروائح والضوء.. تحمل قبولك لألا تكون في أي مكان.. الغربة عندي هي نيجاتيف المكان.. وهذا يختلف عن أدب الهجرة الذي وضعه كتَّاب كانوا منفيين لأسباب سياسية، أو ينتمون لجماعات محظورة وغيرها.. لكن أنا غربتي فردية، لا أحمل الوطن معي، ولا نوستالجيا الطفولة السعيدة، مثلما فعل معظم الكتاب اللبنانيين حين كتبوا عن لبنان الحلو ومعناه.. إلخ، أنا فقدت كل ذلك، ولا أستطيع الكتابة عنه. وعندما توالت الفجائع العربية واللبنانية صار يوجد أدب فاجعة…

وعلى الكاتب استقبال ذلك؟

لم أرغب قط في فعل ذلك ولا في الرد على أي مما يتعلق به..

هل هي لعبة ضوئية، أنتِ أمام نفسك؟

في كتابي الأخير ما يشير إلى النفس التي كتبت الروايات.. ففيه وجدت حالة بين المنفى وبين الإقصاء- وأنا طبعًا لست منفية- ولم يقصني أحد عمدًا.

حين أدرس في الجامعات في الخارج يستخدم الطلبة كلمة غربة، لأنهم لا يستطيعون أن يقولوا هجرة أو منفى، وأعتقد أن ذلك يحدث لأسباب آيديولوجية.

..لكنك لا تتبعين الموضة في الكتابة؛ موضة السرد، اضطهاد المرأة، دائمًا ما توجد هوجات كتابية

لم أفعل قط.. وحتى هوجة الدفاع عن قضية ما..

والآن الترند، بعد تعمق الناس في استخدام التكنولوجيا، أنتِ على سبيل المثال رثيت البوسطجي في رواية “بريد بيروت” وكأنك كنت تودعين فكرة البوستة بمعناها الكلاسيكي، فلماذا أعدت فكرة الرسائل؟ وكأنك تجولت في فيسبوك ثم عدت من حيث أتيتِ سريعًا..

دخلت الفيسبوك ولكن.. مثلا صفحتي على فيسبوك تظل مغلقة بالثمانية والتسعة أشهر.. لا يعني ذلك أنني أرفض الرسائل، لا فلدي إيميل، وهو مهم، لكن فيسبوك مثل الصالون المفتوح باستمرار، وهذا شيء منهك، ممكن أن أزوره مرة كل أربعة أو خمسة أشهر، وحينها أجد ألوف الدعوات، في الأول كنت أجد حرجًا في ألا أرد عليها… لكن عمومًا إشارتك إلى الرسائل جيدة، لأن الرسائل الجيدة تشبه “بريد الليل” لأنها ليست موجهة لأحد، والأخرى ليس لديها أمل في أنه توجه لأحد.

ضائعة؟

ضائعة نعم..

وهل وجدتها؟

لا، تركتها تمشي، بلا عنوان، بلا مرسل إليه، وتحتوي كذبًا، بالطبع ليست كلها اعترافات صادقة، الرسائل مكتوبة على ورق لكن الورق ضائع.. فيها وحشة وفيها غربة..

وهنا يظهر تيار الوعي، الكاتب يجلس في تركيز شديد يتأمل… ذات مرة سألت علاء الديب “هل أنت رومنتيكي؟”، فأجابني “لو ماكنتش رومنتيكي أبقى ابن كلب”! لكن في بريد الليل أشعر أن الرومنتيكية تصنع أجواء من الشجن أكثر مما تظهر عقلانية..

لا توجد فيها عقلانية نهائيًّا.. بل توجد حالة من الإحساس بفقدان المعنى، وبعدم القدرة على التواصل مع الآخرين، لأن المرأة التي تكتب لا تتكلم، بل تبكي تقريبًا، مع أن الكلام هنا أسهل، لكنه في مكان أعمق، لنقل راديكالية في رومنتيكيتها..

كيف؟

الأمر يتعلق بكيفية تعريفك للرومنتيكية.. بعلاقتك بالأشياء، بمعنى أن الرومنتيكيين هم خونة للواقع وللحقيقة، يتعاملون مع الواقع كي يقولوا في النهاية أنت لست موجودًا، ومشاعرنا هي الأهم… وهذه الكتابة فيها من ذلك الكثير، لكنها أيضًا تقول بأن ذلك ليس مفيدًا، ولا معنى له، ولا أريد أن أبشر به، حتى لو لم يتبق رومنتيكي واحد “مش فارقة معاي”.. لا أريد أن أعمِّق الفكرة؛ فالناس تصل إلى الوجودية بنفسها لا لأني أكتبها.. لماذا لا تريد أن تخرج من بيتك، لماذا لا أريد أنا أخرج من بيتي؟

أنت سبَّاقة في هذا الأمر…

لكن الكورونا أظهرته أكثر..

الكورونا وضعتنا أمام هشاشتنا، هشاشة أن العالم من المحتمل أن ينتهي في لحظة، وأنت تركض لاهثًا!

وأن تتحمل نفسك لفترة طويلة… لقد اختلت توازنات كثيرة، بسبب الإقلاع عن الحياة الاجتماعية، فأصبحنا نفكر أنه لو عادت الحياة الاجتماعية إلى طبيعتها لما تحملناها. وتغير وعي الناس بالعلاقات، في فرنسا ذهب بعض الأشخاص في إجازة وتوفى أهلهم، فلم يرجعوا من الإجازة ليدفنوهم، قالوا: لقد ماتوا فعلاً.. ماذا عسانا أن نفعل!

كتبت عن الرابط بين الحرية والألم، هل هذا الرابط سببه أنك لست منتمية إلى من عنده الخلاص. وأنك معلقة بين غربتين، لكن عدم الانتماء هذا يختلف عن عدم الانتماء عند كولن ولسن أيام موضة الستينيات..

لا، الأمر يختلف.. والفرق يكمن في المجتمع الذي نعيش فيه، لأنه هو من يقرر لك حدودك؛ يعني مثالاً أنا بنت مسيحية مارونية من الجبل من الذين لا يرون المسلمين، ستشعر بالغربة حين تخبرهم بأنها أحبت شابًا مسلمًا.. هذا وكأنه انهيار جدار برلين، وقد حدث ذلك وأنا في السابعة عشرة، كان إنجازًا كبيرًا، لم أكن فقط أكسر تابوه، كنت أكسر أهلي، وكانت أمي حزينة للغاية.. لم يكن والدي يريد أن يقول لي إن هذا لا يجوز لأننا لا نحب المسلمين، لقد كانوا مقتنعين معي بأن ذاك الشاب يستحق الحب، لأني أحبه، وقد تعرفوا إليه، لكننا لم نكن نعرف كيف نتصرف، خصوصًا وكنا وحدنا في الحزب وفي الجبل، وفي خضم الحرب الأهلية.. لكن المسألة كانت حسية بالنسبة لي، وتخص علاقتي بجسمي… لكن عمومًا لا أحب الكلام عن الجانب الشخصي..

أما بالنسبة للحرية فهي مؤلمة بالطبع، وكيف لا تكون مؤلمة وهي ليست سهلة.. أحيانًا يرفض من يحبونك أن يتركوك تذهب إلى تلك المنطقة الخطيرة من وجهة نظرهم.

 

 

لماذا؟ هذا النوع من الغربة يولد عادة شهوة للحكي عن التجارب الشخصية في الكتابة…

فعلاً.. يوجد من يفضلون الكتابة عن سيرتهم الشخصية، وهذا جائز وجيد، لكن لا أشعر أن هذا مجالي.. ولا أنجح فيه.. الرواية بالنسبة لي لا بد وأن تعتمد على التركيب ليس فقط التأليف، لا بد أن أركب شيئًا لأن حياتي ليست مهمة.. لقد اعتدت أن أقرأ للنساء، ليس فقط العربيات، بل في أوروبا، ووجدت أن شكواهم الأولى حتى الآن هي الاضطهاد وزنا المحارم.. كل هذا لا يخصني؛ فلم يحدث شيء من هذا في حياتي، لم أسجن، ولا اضطهدني الإسلاميون.

 

لكن النضال الفردي يظل نضالاً، والنضال من أجل الحرية هو نضال بالضرورة..

صحيح، ليس لدي أي شيء ضد من يكتب سيرته في رواياته، المهم أن يكون مكتوبًا بشكل جيد.. لكن هذا لا يعني أن تخرج القضايا الفردية بشكل واحد.

هل تهربين من نفسك في الكتابة؟ أنت مثلاً هنا في النص الذي يتناول فيروز عدت وأحببت فيروز، ثم عدت وغيرت موقفك بالكامل وكأنك أحببت القرية مجددًا؟ وكأنك تتحررين من نفسك…
سأخبرك أمرًا، في الرواية الأولى كنت أسخر من فيروز، وهذه طامة كبرى بالنسبة لي، يقال لا يوجد من يوحد البلد غيرها، “ولا فيه توحيد ولا حاجة”، هي ولا هنا بالمرة، ولا تريد أن تفهم.. لكن لأنها سكنت في بيروت الغربية لأسباب يعرفها الجميع، لأنها اختلفت مع زوجها ولم تعد تطيقه، ونقلت، اعتبروا هذا عملاً وطنيًّا ومنجزًا! لكن المسألة كانت شخصية لا وطنية بالمرة.. لكن كما تعرف فاللبنانيون يحبون الكلام والنفخ بالدراما، فيقولون حتى الآن إن فيروز هي التي جمعت الناس، وأنها مثل البجعة التي كانت تمر من بيروت الشرقية إلى الغربية فوق خط التماس…
لكن ما حدث عندي أني عدت لفيروز برسائل غريبة، فقد وجدت أن ابنتي لا تتكلم العربية، ولا تفهم فيروز، ولن تسمعها، وأنني أفقد هذا الجانب، صحيح أنها تكتب بالفرنسية، وناجحة، وعندها روايتان وحصلت على جوائز، لكنها آسفة أنها لا تستطيع الكتابة بالعربية، لكن حين حضرنا حفلاً لفيروز بدأت تشعر بالملل، ولم تكن تفهم أغلب الكلمات، وأنا أريدها أن تفهم وتسمع وتسب فيروز.. وأن تقولي لي مثلا “إيه الكلام اللي ملوش معنى دا!”. وهو تكرار لما حدث حين جئت لباريس وأحضرت لأبنائي كتب جبران خليل جبران وتوفيق يوسف عواد، لكنهم لم يفهموا شيئًا.

 

لكنك ذكرت شيئًا جميلاً عن أم كلثوم “حين كان يخف القمر ويحنو قليلاُ، كنا نستمع إلى الغرباء الذين يأخذوننا بعيدًا….”..

كنت أقصد أن ميس الريم هي الخدعة، لقد رفضنا أم كلثوم وبعمق، رفضنا الاستماع إليها، لكننا كنا نؤمن أنها ليست خطرًا علينا، فلن تغني ميس الريم وجبل الصوان، ولن تتسبب في حرب أهلية.. بالنسبة لنا كانت أم كلثوم منزوعة الآيديولوجية، كل الآيديولوجيا التي كانت في ميس الريم وجبل الصوان ووكل المسرحيات الأخرى.. فصارت من الثوابت البعيدة غير المضرة فاستمتعنا إليها…

 

لكن أم كلثوم عادت الآن، وتسمعها الأجيال الجديدة.. عادت خارج زمانها، ولديها القدرة على الخروج على هذا الزمن، لكن فيروز لديها انتماء ما، فكرة السذاجة الأولى، سذاجة الريف والعلاقات البسيطة..

صحيح.. لنفس الأسباب.. فبقدر ما كانت محبوبة وذات سلطة فقد شفطت الجميع وأثرت على كل من لحن لها.. على عكس ما فعل زياد مع فيروز الذي غير تاريخها القديم مع الرحابنة.

 

 

هل تظنين نفسك أقوى من الذكريات؟ مثلما تذكرين في الكتابة عن قوة الشخص على كسر الذكريات..

يبدو أن لدي اندفاع انتحاري نحو الفراغ.. الفراغ بمعنى أن يتركك العالم بسلام.. الفراغ هو المكان المستقر والحرارة السوية الدائمة، حيث لا ضجيج، خصوصًا والعالم يضج بالكثير من الأشياء التي لا لزوم لها.

لكن كيف استطعت أن تصنعي هذا الفراغ، وأن تحفري الفراغ وسط هذه الصراعات اليومية مع الذكريات والصراع مع فكرة الاستقرار داخل مدينة تأكل سكانها، خصوصًا بعد انتقالك من بيروت، المدينة الصغيرة، إلى باريس المدينة اللاهثة؟

هذا أمر صعب للغاية.. فكل الدائرة المحيطة بك تريد أن تعيد تدوير ذكرياتك، وهي ذكريات لا تحتمل.. ليس من الممكن أن يتحمل الإنسان حياته بذكرياتها إلا إذا كانت بديعة. فنحن لا نتذكر الطفولة كما هي، بل نعيد صياغتها لنقول عنها إنها كانت طفولة بريئة وسعيدة. لكن الذكريات بالنسبة لي مفيدة للكتابة، أستطيع إعادة تصنيع ما عرفته وما أحسسته وما قرأته. وكلما تقدمت في العمر تصبح عملية إعادة التدوير أصعب. كنت أظن حين أصيبت أمي بالشيخوخة أنني يجب أن أحسدها لأنها لن يكون عليها مواجهة الذكريات ولا الموت؛ لأنه كلما كدست ذكريات كلما اقتربت من الموت. وكأن الله في آخر العمر يكافئ الناس بالخرف، بالفراغ، وكأنه يعفي الناس من ألم الذكريات ليذهبوا في سلام.
لكن ليس لدى الجميع القدرة على تصنيع هذا الفراغ بالطبع، وإذا لم تستطع صناعته فلن تستطيع أن تكتب، لذا من الممكن أن يتجه البعض من غير الكتَّاب لطرق أخرى لمواجهة ذلك، كأن ينغمسوا في الموسيقى أو التطريز، أما من يحب الكتابة فسيتجه للكتابة.

ما علاقتك بالسينما؟

أشاهد كل الأنواع، لا أختار نوعًا معينًا لمشاهدته.. أحب الكثير من الاتجاهات السينمائية، أحب كل ما هو مصنوع جيدًا، وأتأثر به، لذا أحب الكثير مما هو مختلف.

هل من الممكن أن يبكيك فيلم؟

طبعًا، أبكي كثيرًا، أنا أحب البكاء لكن ليس من الدراما.. من الوارد جدًا أن يبكيني الجمال؛ يعني مثلاً لوحة بمتحف فان جوخ في أمستردام يمكن أن أبكي إن تذكرتها، لأنها مدهشة الجمال، ربما تكون آخر لوحة رسمها… لكن فاتن حمامة لا يمكن أن تبكيني، فأنا لا أحبها.

هل يحدث أن تبكيك الكتابة؟

إذا بكيت سأوقف الكتابة فورًا.. لا بد أن أمتلك درجة ما من البرود كي أتمكن من الكتابة، فلا أحب الاندماج العاطفي بالكتابة.. لست مثل الممثل الذي يندمج في دوره، هذا ممثل فاشل، لم يستطع أن يسيطر على انفعاله، نفس الأمر بشأن الكتابة، إذا انفعلت وبكيت أوقفت الكتابة وتراجعت.. لكني أحيانًا أبكي من الشعر.

من الكلمات أم من الطاقة؟

كلاهما! لكن تحديدًا من الحالة التي تصنعها القصيدة الجميلة، هذا يطربني فعلاً، ويشعرني بالسعادة، وهي لحظات أحلى من البكاء.