أول مرة قرأت عن قصة النبتة التى تأكل المياه كانت فى مكتبة الجامعة الألمانية بالقاهرة، فى السنة الأولى لدراستي التكنولوجيا الحيوية على هامش فصل فى كتاب ضخم عن الكيمياء الحيوية، هامش للمعلومات الخفيفة ذات الطابع الأدبي عن العلوم الطبيعية، القصة لم يصحبها أى تعليق ولكن فور قراءتى لها أدركت أنها مادة تصلح لصنع الحكايات، خصوصاً فى أرض اختراعات طلبة المنوفية، وأجهزة الايدز، وبوابات الإنجازات. يلجأ معلمو العلوم فى أنحاء الأرض لسرد تاريخ التوصل إلى كيفية تحويل النباتات طاقة الضوء إلى طاقة كيميائية كمثال توضيحي لكيف يحقق العلم كشفاً جديدًا، لا يبدأ الأمر كل مرة بتفاحة تسقط على رأس أحدهم، بل هي سلسلة من الإخفاقات وربما التضليلات أيضًا، التى يصنعها العلم ويصوبها بنفسه مرة بعد مرة. بعد 1600 سنة من ميلاد المسيح قرر العالم البلجيكي فان هيلمونت إجراء تجربة لاختبار اعتقاد أسلافه بأن النباتات تتغذى على التربة، جاء بنبتة ووزنها ووزن التربة التي زرعت فيها، سجل تلك الأوزان، ثم كرر الأمر بعد خمس سنوات، فوجد أن النبتة بالطبع قد زاد وزنها بينما بقت التربة كما كانت. لم يتطرق لذهنه حينها أي استنتاج إلا أنه لابد أن النبتة كانت تتغذى على الماء الذي كان يسقيها به. بسبب هذه التجربة استمرت الإنسانية، كتعميم، فى الاعتقاد أن النباتات تتغذى على المياه لمدة مئة عام تالية، حتى بدأ عالم إنجليزي اسمه جوزيف بريستيلي عام 1771 فى فتح الطريق مجددًا لاكتشافات علمية توجت بجائزة نوبل فى الكيمياء عام 1992 (العالم الأمريكى: رادولف ماركوس) حتى تعرفت الإنسانية على المسار الكيميائي الكامل لأهم عملية حيوية على وجه الكوكب، التمثيل الضوئي.
كيف يحقق العلم كشفًا جديدًا؟
لا يبدأ الأمر كل مرة بتفاحة تسقط على رأس أحدهم، بل سلسلة من الإخفاقات يصنعها العلم ويصوبها بنفسه مرة بعد مرة
وصف التمثيل الضوئي بأنه أهم عملية حيوية على الكوكب ليست مبالغة. علاقة الإنسان بالنبات، والحياة بالضوء، بالشمس، تعتمد على هذه العملية الكيميائية التي يعرف اسمها جيدًا طلبة العلوم فى المرحلة الإبتدائية. تؤرق هذه العملية طلبة العلوم الذين تتطلب منهم دراساتهم حفظ معادلاتها لعدم الرسوب فى مادة الكيمياء الحيوية، لكننا فى كل هذه المراحل التعليمية لا نتعلم كيف توصلت الانسانية لاكتشاف تلك العملية أبدًا.